الاستشارة
السلام عليكم.. أنا وأبنائي نحب شهر رمضان كثيرًا، ولكن أصبحت لدي مخاوف من ضبط إيقاع النوم في رمضان، فكل عام يسهر الأبناء للفجر، وينامون بالنهار، وهم بالأساس لديهم مشاكل في النوم، ونظل شهورًا بعد رمضان نحاول تغيير الوضع، ولكن بصعوبة، فهل من نصائح عامة لضبط نوم الأطفال خصوصًا في شهر رمضان؟
الرد
لم يصبح مستغربًا في زماننا هذا أن نسمع عن تخصص يسمى (تخصص النوم)، فهناك عيادات تعمل على تشخيص اضطرابات النوم وعلاجه، بل ينصح بالتعرض لهذا التخصص ولو بالقراءة والاطلاع خصوصًا للأمهات الحديثات، فكم من أبناء كبروا ولديهم مشكلات في النوم لو عولجت في حينها لأصبح الأبناء جيدي المزاج أكثر، متفتحي الأذهان، لديهم قدرة على اليقظة والانتباه أكثر وأكثر، مما يعينهم على أداء أدوارهم في الحياة بشكل أفضل.
بداية التغيير تكون منا- نحن الكبار- فيجب علينا مراجعة معلوماتنا وأفكارنا عن النوم وأن نقدم لهم قدوة عملية، البعض يرى أن النوم مضيعة للوقت، خصوصًا أنه من المفروض أن ننام ثلث عمرنا، فإذا كان متوسط عمر الإنسان ستون عاما، فهو يقضي عشرون عامًا منها نائمًا!
لم نسأل أنفسنا لماذا كل هذا العمر ينقضي في النوم؟
المطلوب منا في العبادة وتعمير الأرض يتطلب أن يكون جسد المؤمن قويًا صحيحًا معافًى، وأحد أسباب اضطرابات النوم استكثار عدد ساعات النوم التي يحتاجها الجسد، فيبخل الإنسان على جسده بالراحة غير عابئ بالنتائج، والتي من أحدها أن الأبناء يصلهم ميراث ثقيل من الأهل بحب السهر، واستخسار الراحة وقلة النوم، فيتشربون تلك الحالة ونظل نسلم أجيالًا وراء أجيال اضطرابات للنوم بلا أدنى داعٍ، ولو انضبط لدينا مفهوم النوم كونه عبادة حتى نتقوى على الطاعة وأداء المهام بالنهار، لحققنا مراد الله منا، ولوصل للأبناء أن النوم نعمة، حينما يرون أهليهم متقدي الذهن، مشتعلي النشاط، فسبحان من جعل الليل لباسًا وجعل النهار معاشًا.
الجَعْلُ هو الخلق، فمن غير وبدل فقد حاد عن مراد الله، فالأمر لا يقع في نطاق هوى النفس، فنحن مأمورون بإخلاص نوايانا وتوجهاتنا لله، تخيل أن تنام وتثاب على ذلك، لأنك توافق منهج الله في الكون، فالليل آية من آيات الله.
حينما نجدد المعاني هذه في نفوسنا يشعر الأطفال بعظم الأمر بالتبعية، وقد يحتاج الأطفال لإيضاح بعض المعلومات عن الليل والنهار، والشمس والقمر، والهرمونات التي تنتج في الأوقات المختلفة ويحتاجها الجسم، فنحارب جهلهم بالمعلومة.
السائلة الكريمة:
لا نعرف طبيعة مشكلات النوم التي يعاني منها أبناؤك، لذا نتكلم في العموم عن بعض المشكلات وطرق علاجها بإذن الله، فباب اضطرابات النوم باب واسع، بعض هذه الاضطرابات تختفي مع كبر الأطفال، وبعضها يتحسن باتباع توجيهات معينة، والبعض الآخر يحتاج إلى تدخل الطبيب وأخذ الدواء.
نظلم شهر رمضان حينما نربطه باضطرابات النوم، على العكس شهر رمضان هو الشهر الوحيد الذي لا تتعب فيه الأم في مسألة إرساء نظام للبيت، فمواقيت الطعام والصلاة واضحة ويجتمع عليها كل أفراد العائلة.
ما نحتاجه حقيقية هو بعض الترتيبات الخاصة مع تزامن شهر رمضان مع الدراسة، فمن جهة يجبر الأولاد على السهر، ومن جهة أخرى يقطع نومهم لتلقي وجبة السحور، وبشيء من التنظيم يصير الحال أفضل، وعلى قدر أهمية الأمر يجب أن نعد له، فنتفق معهم على أوقات النوم والاستيقاظ ولا نترك الأمور تديرها الأيام هكذا بلا سابق ترتيب.
وحتى إن صار بعض الارتباك في مواعيد النوم، فالحمد لله على أنا مثابون في كل أحوالنا، فلنجعلها فداءً للفريضة والعبادة، هكذا يرى أصحاب الهمم العالية الأمور من منظور إيجابي تطبيقًا لقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، فلله رب العالمين نأخذ من راحتنا بعض الشيء في رمضان ابتغاء المثوبة والأجر، ولله رب العالمين نعين أبناءنا وهم ذاهبون صائمون للمدارس، غير آخذين قسطًا كافيًا من النوم، نذكرهم بمزيد من الأجر، وأن سنة القيلولة في انتظارهم، المهم أن نعمل على تحسين الساعات التي ينامونها بالفعل، وإليكِ هذه الإرشادات التي تعينك على الوصول لنوم عميق:
- معرفة أن النوم آية، وأنه ليس تضييعًا للوقت، وأن مثلث الصحة الجيدة عبارة عن (نوم جيد، غذاء جيد، رياضة)، فالمعرفة أول سلم للتعامل مع عملية النوم بمنظور جديد.
- معرفة عدد ساعات النوم المناسبة لكل مرحلة، فالرضيع والصغير ينام في المتوسط عشر ساعات لأن مخه لم ينضج وبالتالي لا ينشغل بأفكار تطرد النوم، تبدأ عدد الساعات تقل حتى تصل إلى 6-8 كمتوسط في مرحلة الطفولة المتأخرة والمراهقة ويتغير معدل النوم كلما كبرنا وتقل جودته.
- التأكد من مناسبة السرير والمرتبة والوسادة والغطاء للطفل، فأكثر اضطرابات النوم يكون سببها أن الأجواء المحيطة غير مناسبة، وكل عامل مما ذكرت يؤثر بشكل مباشر في جودة النوم من عدمها.
- معرفة أن النوم عملية، كما أن الاستيقاظ عملية أيضًا، فكلما حرصنا على ضبط وقت النوم حدثت عملية الاستيقاظ بسهولة، لذا يبدأ علاج المشكلة بالتدريب على ضبط المنبه للدخول في النوم، على عكس ما اعتدنا عليه من ضبط المنبه للاستيقاظ، فالشخص الذي يتمتع بنوم جيد هو الشخص الذي يقوم من نومه في موعده المعتاد بغير أداة تنبيه، لذا اضبطي المنبه على الساعة التاسعة مساءً على سبيل المثال، ودربي الأطفال حينما يرن المنبه أن وقت النوم قد حان.
- اتباع روتين قبل النوم يعد من الأمور التي تساعد الطفل الدخول في جو النوم، كالترتيب السريع للغرفة، وتغيير الملابس وارتداء ملابس مريحة مناسبة للنوم، وغسل الأسنان والأيدي والأرجل والاستماع لقصة قبل النوم وترديد الأدعية.
- تجنب أخذ المنبهات قبل النوم بوقت كاف كشرب الشاي وأكل السكريات التي ترفع من نسبة هرمون الدوبامين، الذي يطرد النوم كلما كان مرتفعًا.
- تصحيح بعض المعلومات الخاطئة عن النوم، مثل إنهاك الطفل بالنهار حتى يروح في النوم ليلًا من شدة التعب، ما يحدث هو العكس، من شدة التعب لا ينام الطفل، الصحيح تعرضه لأنشطة معقولة وليس إنهاكه، فقد يصاب بتململ الساقين من شدة التعب وهو ما يؤثر في جودة نومه.
- ومن المعلومات الخاطئة أيضًا أن الطفل الذي يخاف أن ينام بمفرده تنام الأم بجانبه، الصحيح أن نعرف الطفل أن الأم في الغرفة المجاورة تشعر بك وإذا ما احتجت للأم ستجدها بجوارك، أما نوم الطفل بجانب الأم، يجعل الطفل طول الليل يتقلب ليطمئن هل أمه بجواره أم لا، فلا تنام الأم جيدًا، ولا ينام الطفل أيضًا جيدًا.
- إظلام الحجرة ما عدا نور خافت جدًا، مما يساعد في النوم العميق، فسبحان من جعل جلد الجفن رقيقًا حتى يتحسس ضوء الصباح فيقوم النائم بمجرد الشعور بالضوء، لذا لا ينصح النوم في النور أبدًا لأن الضوء الشديد يعطل إفراز هرمون الميلاتونين المسئول عن النوم.
- التعرض للشاشات أصبح مع الأسف ضرورة، فإن كان لا بد فلنضبط الهاتف على وضعية النور الدافئ بدلًا من التعرض للشاشات الزرقاء، مما يخفف من تأثير الضوء على الدخول في النوم بسرعة. وعلى ذكر الضوء، يعد التعرض لضوء الشمس صباحًا، أحد العوامل التي تعين على النوم ليلًا بشكل جيد، فيجب أن نفتح النوافذ ونسمح لضوء الشمس بدخول البيت.
- ضبط الساعة البيولوجية لأجسامنا، وذلك من خلال الانتظام في مواعيد النوم واليقظة، والحفاظ على نوم القيلولة لنصف ساعة لا أكثر، فكلما طالت القيلولة أثرت على جودة النوم ليلًا، فضبط الساعة البيولوجية لا يتوقف تأثيره على جودة النوم فقط، بل أيضًا يؤثر على جودة الذاكرة وجودة الهضم للانتظام في الوجبات تبعًا للانتظام في النوم، ومن التجارب الماتعة، أجرى أحد العلماء تجربة على نبتة تسمى (المستحية)، هذه النبتة تغلق أوراقها بالليل وتتفتح بالنهار، فحينما عرضوها لظلام دامس، وجدوا أن أوراقها تتفتح برغم الظلام، مما دل على وجود ساعة بيولوجية لها. وترجمة تلك التجربة في حياتنا، أنه حينما نكلم أحدهم فلا يسمعنا برغم أنه ليس نائمًا، فنقول عليه كأنه نائم، هو مفتح العين، نائم إكلينيكيًا، لأن هذا موعد نومه، فمهما بدا الطفل سعيدًا بالسهر، حظه من المتعة غير متحقق فهو كالنائم في مشاعره وأحاسيسه بالضبط، فساعدي أبنائك على هذا الفهم، ولا تنجري لسهرهم إلا في أضيق الحدود.
- حسب كل طفل- خصوصًا لو كانوا صغارًا- يحتاج بعضهم للنوم على ما يعرف بالضوضاء البيضاء، فلها تطبيقات على الهواتف، جربي استعمالها حتى يخلد الطفل في النوم، كما أن بعض الأطفال يحب احتضان الدمى لدرجة أنه لو تركها في سفر أو غيره لا ينام إلا بصعوبة، فاحترام عادات الأطفال يسهل من عملية الدخول السريع في النوم.
- يحتاج الأطفال ذوو الصعوبات في النوم أن تكون التنبيهات واضحة، ولا يسمح له بالخروج من السرير إلا مرة واحدة، طبقي الأمر على أنها لعبة، امنحيه بطاقة تسمح له بالخروج من السرير مرة واحدة، فسيفكر قبل تركه السرير ولن يتركه إلا لحاجة حتى لا يخسر فالأطفال يحبون اللعب ولا يحبون الخسارة فاستغلي ذلك وحاولي تحويل تحدياتك معهم في النوم إلى لعبة.
- من المهم أيضًا أن يعلم الأطفال بعض الاضطرابات التي تحدث بسبب قلة النوم حتى يدركوا أهمية النوم أكثر وأكثر، فتقلب المزاج وفقدان الذاكرة، وعسر النطق، ومشكلة التنسيق بين الأداة واستخداماتها كأن يتناول المشط ليكتب به والقلم ليسرح به، وغيرهم من دلائل اضطرابات النوم.
السائلة الكريمة: نرجو أن تجدي النفع فيما قدمنا من حلول وأفكار، وأن تدركي أن ما ترجين الوصول له هو أمر غاية في الأهمية لا تستمعي فيه لحديث البعض أن كل الأطفال هكذا فلا تتعبي نفسك في التقويم، فعماد عمر الإنسان صحته، وصحته يتمثل ثلثها في نومه، فأنت تبحثين عن تحسين أمر غاية في الأهمية وعليه يكون المسلم قويًا مؤديًا حق الله وحق العباد، أو ضعيفًا لا يرجى منه نفعًا ولا صلاحًا، فحسنٌ ما تجتهدين في الوصول إليه بإذن الله وعونه.