أنا امرأة متزوجة من 16 عامًا، وبيني وبين أهل زوجي مشاكل؛ فهم يتهمونني بممارسة أعمال السحر، وأنا والحمد لله أخاف الله، وليس لي في هذه الأمور، وحلفت لهم على المصحف لكنهم لا يصدقونني!
عزلت نفسي عنهم رغم أننا في نفس البيت، وزوجي يعرف جيدا أني لا أمارس السحر، قال لي: ابقِ معزولة أفضل. إلى أن قدر الله لي وحملت في طفلي الخامس رغم أني أستعمل وسيلة لمنع الحمل، أخذني زوجي للدكتورة وأكدت له أن هذا فعلا حمل مع الوسيلة، وكان يريد أن يجهض الطفل، لكني رفضت خوفا من الله.
من وقتها وهو لا يكلمني، منذ 9 أشهر، تركني ليعيش مع والدته في الطابق الأرضي من البيت، وضغط علينا في المصاريف، وبعد أن رزقني الله بمولودة ذهب ليراها، ولم يأتِ ليراني في المستشفى، وكأن الحياة بيننا انتهت.
هل يحتمل أن يكون زوجي مسحورا؟ وكيف أعالجه إن كان كذلك؟
علما أنني طوال فترة الحمل كنت متعبة جدا، وأدعو الله كثيرا أن يفك كربي، ودائما أقرأ سورة البقرة في البيت.
السائلة الكريمة:
بارك الله لك في المولودة وشكرت الواهب ورزقت برها وبلغت أشدها وأعانك على تربيتها كما يحب ربنا ويرضى.
16 عاما قضيتِها وسط أهل الزوج ولم تحل مشاكلكم!
وما كانوا يتهمونك به ظلمًا وبهتانًا صار مصدر شك لك وارتياب نتيجة ما حدث من عزلة من زوجك وبعد عنك!
لا ننكر السحر والأعمال فهي منصوص عليها في القرآن {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ}، {وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ}،
حتى إذا ما حدث لك كان سحرًا فهو لا ينفذ إلا بقدر الله، ولا يفلح الساحر حيث أتى ما لم يكن هذا مقدرًا.
السائلة الكريمة وإن شربت مرًا من هذا الكأس لا تشربي غيرك منه بغير بينة: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث)، نعم ماضيهم معك من اتهامات لك بنفس الشيء أورثك الريبة والشك أنهم قد يكونون سببًا فيما حدث بينك وبين زوجك، لكن لا يكفي هذا لاتهامهم بأعمال السحر والعلاقة بالجن، فمن يتصل بالجن يأتي بأفعال كفرية لا تخال على أحد،
كالتقرب للجن بالذبائح، وإهانة القرآن، شرب الخمر وأكل الحرام، ترك الصلاة، والتلطخ بالنجاسات، والبقاء في الأماكن القذرة، حتى تجيبه الشياطين لما طلب منها من إضرار المسحورين بالصرف- كما في حالتك- وبالعطف في حالات أخرى!
فهل رأيت من أهل زوجك أو من تشكين بهم أفعالًا تشبه ذلك؟!
إذا كانت إجابتك نعم، فلمَ مكثت وسطهم، لم يكن انعزالك عنهم إذا كافيًا، أما إذا كانت ظنونًا بظنون، فيجب عليك التوقف، ومحاولة إصلاح علاقتك بزوجك إذا رأيت فيه أنه ما زال زوجًا صالحًا، فما أسهل أن نعلق المصائب التي تحدث لنا على شماعة الحسد والأعمال، وما أصعب أن نجتهد في الإصلاح.
تقولين إنك ملتزمة بقراءة سورة البقرة، إذًا الدواء معك فهذا مما نملك من الاستشفاء بآي القرآن وبترديد أذكار الصباح والمساء، وأن نكون على يقين أن أحدًا لن يضرنا أبدًا إذا لم يكن ذلك مقدرًا علينا: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}.
السائلة الكريمة، لما اشتد الإيذاء على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو في بلده الحبيب أذن الله له بالهجرة، فهجر المكان الذي لا نأمن فيه على أنفسنا وديننا يصبح بمقتضى مفهوم الهجرة واجب على كل من لحقه أذى لم يتمكن بسبب هذا الأذى أن يحيا آمنًا سالمًا معافى في دينه وفي نفسه.
أسألك كيف تربين أبناءك في مثل هذه الأجواء، تنامين والعيون مفتوحة من مشاعر الخوف والقلق وسط أهل يتهمونك بأبشع الاتهامات!
إذا لم نأمن على أنفسنا من جيران هم أهلنا بالأساس، فكيف تكون الحياة؟! فمراجعة إقامتك بينهم أصبحت الآن واجبة أكثر من ذي قبل، ومن يتوكل على الله فهو حسبه، يكفيك الله مكانًا تعيشين فيه مع أناس تحبيهم ويحبونك، أو على الأقل مكانًا لا تجدين فيه مصدر إيذاء كهذا.
طوال شهور الحمل التسعة جافاكِ زوجك، ألم تحاولي إدخال عاقل للإصلاح بينكما! أم ظننت أن الوقت كفيل لإصلاح ما فسد؟!، إنقاذ بيتك وعلاقتك بزوجك هي مسئوليتك في المقام الأول ولن يتدخل أحد للإصلاح من تلقاء نفسه إلا في ما ندر في هذا الزمان، فقبل أن تقولي انتهى كل شئ بيننا اعملي على إصلاح ما فسد، وإذا وجدت طريقًا مسدودًا وقتها تكونين قد أديت ما عليك، وتقبلين نصيبك في الأمر.
كلامنا للزوج:
أين مسئوليتك تجاه زوجتك وأبنائك، فمعاشرة بالمعروف أو تفريق بإحسان!
من يرضى معشر الرجال أن تعلقه زوجته يومًا أو يومين تجافيه، لتتركوا النساء هكذا، فاتقوا الله في النساء فإنهن أسيرات عندكم.
أين الإيمان بالقضاء والقدر، ركن من أركان الإيمان، قدر الله لكما رزقًا من الأبناء رغم اتخاذكما بعض التدابير بالمنع، فلا نقول أمام قدر الله إلا: راضون يارب، مسلمون، حامدون، شاكرون.
قد نتفهم ضيق الزوج إذا تحايلت عليه الزوجة وخططت لذلك الحمل دون سابق علم من الزوج، ولم يحدث هذا في حالتكم، كما رويت أيها السائلة الكريمة، فلم يتبق لديك من تفسير لهذا الجفاء إلا أن يكون قد عمل أحدهم لكم عملًا، وأصابكم تفريق بسببه، فهل تثقين في العمل ومن فعله ، أكثر من تصديقك كلام الله الذي تواظبين على قراءته!
السائلة الكريمة، نرى أنك أخذت بالأسباب من التحصين بالبقرة فاستمري عليها مع ترديد الأذكار، ولا تيأسي من انصلاح حالك وقوي يقينك في الله وبالله؛ فهو المعين وبيده وحده صلاح الحال.
ويبقى عليك اللجوء إلى عاقل حكيم، تعلمين أن زوجك يرتضيه حكمًا لمحاولة الإصلاح بينكما، هداكِ الله لما فيه الخير لدينك ودنياك وعمر بيوت المسلمين بالمودة والرحمة والسكينة.