يوصي الإِسلام بأن يكون المرء وقورا حسن المنظر كريم الهيئة. وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الصالحة والمثل الأعلى لكل مسلم؛ يقول خارجة بن زيد بن ثابت: “كان النبي صلى الله عليه وسلم أوقر الناس في مجلسه، لا يكاد يخرج شيئًا من أطرافه، وكان كثير السكوت، لا يتكلم في غير حاجة، يعرض عمن تكلم بغير جميل، كان ضحكه تبسمًا، وكلامه فصلًا، لا فضول ولا تقصير، وكان ضحك أصحابه عنده التبسم، توقيرًا له واقتداءً به”.
مفهوم الوقار:
مفهوم الوقار في اللغة: الرزانة والحلم.
ووقَّر فلاناً: أي عظمه وبجَّله. والموقَّر: أب العاقل الرصين.
والوقار أيضاً بمعنى السكينة. (المعجم الوجيز).
فمادة سكن تدل في أصلها على خلاف الحركة والاضطراب وفي (معجم مقاييس اللغة) السكينة هي الوقار وفيها معنى الرضا والأمان والثقة واليقين والتأني في التفكير والكلام والحكم والحركة والتصرف. (أخلاق القرآن د. أحمد الشرباصي).
من مظاهر الوقار
في المشي: يقول الله تعالي: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63)﴾ [ الفرقان: 63 ]. المشية ككل حركة تعبير عن الشخصية وعما يستكن فيها من مشاعر، والنفس السوية المطمئنة الجادة القاصدة تخلع صفاتها على مشية صاحبها؛ فيمشي مشية سوية مطمئنة جادة قاصدة فيها وقار وسكينة وفيها جد وقوة، وهو في ذلك ملتفت إِلى ما يشغل نفسه من اهتمامات كبيرة، لا يلتفت إلى حماقة الحمقى وسفاهة السفهاء، ويترفع عن المهاترة مع المهاترين الطائشين؛ ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63)﴾ [ الفرقان: 63 ] لا عن ضعف ولكن عن ترفع، ولا عن عجز وإِنما عن استعلاء وعن صيانة للوقت والجهد أن ينفقا فيما لا يليق بالرجل المشغول بما هو أكرم وأرفع. (في ظلال القرآن).
– في العبادات:
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إِذا سمعتم الإِقامة فامشوا إِلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ولا تسرعوا فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا )) رواه البخاري ومسلم.
ويقول صلى الله عليه وسلم: (( ليليني منكم أولوا الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم -ثلاثاً- وإِياكم وهيشات الأسواق )) رواه مسلم، ومعنى هيشات الأسواق: اختلاطها والمنازعات والخصومات وارتفاع الأصوات واللغط.
– في تقديم الكبير للحديث وتناول الأشياء (توفير الكبير):
انطلق عبد الرحمن بن سهل ومحيصة وحويصة ابنا مسعود إِلى النبي صلى الله عليه وسلم فذهب عبد الرحمن يتكلم؛ فقال صلى الله عليه وسلم: (( كبِّر كبِّر – وهو أحدث القوم – فسكت فتكلما )). متفق عليه.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( أراني في المنام أتسوك بسواك فجاءني رجلان أحدهما أكبر من الآخر فناولت السواك الأصغر فقيل لي كبِّر فدفعته إلى الأكبر منهما )) رواه مسلم.
– في الإِكرام:(ذي الشيبة وحامل القرآن والسلطان المقسط).
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إِن من إِجلال الله تعالى إِكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه وإِكرام ذي السلطان المقسط )). حسن، رواه أبو داود.
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ما أكرم شاب شيخاً لسنه إِلا قيض الله له من يكرمه عند سنه )) رواه الترمذي.
– في العلم: ( وتوقير أهل العلم ).
عن أبي سعيد سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: (( لقد كنت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاماً فكنت أحفظ عنه، فما يمنعني من القول إِلا أن ها هنا رجالاً هم أسنُّ مني )) متفق عليه.
ويقول صلى الله عليه وسلم: (( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإِن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإِن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإِن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سناً ولا يؤمّن الرجل الرجلَ في بيته ولا يقعد على تكرمته إِلا بإِذنه )) رواه مسلم.
سلوكيات تتنافى مع الوقار: (من مختصر منهاج القاصدين بتصرف)
– الفحش والسب والبذاءة:
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( ليس المؤمن بطعّان ولا لعّان ولا فاحش ولا بذئ )) أخرجه الترمذي. والفحش والبذاءة هو التعبير عن الأمور المستقبحة بالعبارات الصريحة.
– السخرية والاستهزاء:
والتنبيه على العيوب والنقائص على وجه يضحك منه، سواء بالمحاكاة في الفعل والقول أو بالإِشارة والإِيماء؛ (( بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم )) رواه الخمسة.
– كثرة المزاح والإِفراط فيه:
والمداومة عليه يسقط الوقار وما يلحق بذلك من صور الهرج وكثرة الضحك؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (( ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعاً قط ضاحكاً حتى ترى منه لهواته. إِنما يبتسم )) متفق عليه. واللهوات: اللحمة التي في أقصى سقف الفم.
– شدة الغضب:
الذي لا يبقي للإِنسان معه نظر ولا فكر ولا اختيار؛ (( ليس الشديد بالصرعة إِنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب )) متفق عليه.