السلام عليكم ورحمة الله..
تركتني الزوجة وكذلك الأولاد لضيق الحال، وحاولت معهم كثيرًا لكنهم يرفضون العودة.
كنت أوفر لأولادي مستوى عاليا من المعيشة، لكني الآن تقدم بي العمر، وشارفت أموالي على النفاد، فضلا عن أني مصاب بمرض في القلب، وأصبت بعدة جلطات تركت آثارًا على يدي ورجلي وفي كلامي.. ماذا أفعل؟!
السائل الكريم:
شفاك الله وعافاك وخفف عنك المرض الجسدي والألم النفسي لفراق زوجتك وأولادك إياك في أحوج أوقات حاجتك إليهم.
الزوجة الأصيلة لا تترك زوجها في موقف الضعف أبدًا، بل تكون له عونًا وسندًا، لا نعلم لِم فعلت زوجتك هذا! لا يوجد ما يبرر مثل هذا السلوك، لكن نقول لعلك لم تحسن إليها في الماضي أو ثمة تراكمات أو مشكلات بينكم، أنت أدرى بالخفايا وما لم نطلع عليه.
أو لعلها هي الأخرى غير مستقرة نفسيًا بسبب ضغوط المرض وقلة المال ففعلت هذا التصرف غير اللائق من قلة حيلتها، أنت وحدك القادر على أن تخمن على الأقل أسباب تركها لك في هذا الظرف الحساس.
وبرغم ما تعانيه من مرض اجعل أملك في الله أن يعافيك ويرفع عنك، وبإذن الله تكون مجرد كبوة وتستعيد عافيتك وتقدر على العمل من جديد فلا تظن أن ما أنت فيه نهاية المطاف: {سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُّسْرًا}، اجعل هذا المعنى يقينًا تتحرك به.
السائل الكريم:
إذا وضعت يدك على سبب حقيقي لترك زوجتك إياك في هذا الموضع، وكنت مقصرًا في حقها فيما مضى، فلا تخطئ مرتين، مرة بعدم معالجة الأمر في حينه، ومرة أخرى بتجاهلك للسبب الخفي وراء تركها إياك الآن، فنربأ بزوجتك- أم أبنائك- ألا تكون من بنات الأصول.
فابدأ بالسلام (وخيرهم الذي يبدأ بالسلام)، أرسل إليها من يتحسس أخبارها، أرسل لها رسالة وضمن فيها كلامًا يرأب الصدع إن وُجد، حكّم العقلاء المحيطين لكم، أين أهلها في هذه المحنة؟، الحيل كثيرة أخي الفاضل.
ونذكرك بألا تجعل غاية هذه المحاولة رجوعها وخدمتها لك، بقدر ما يكون هدفك استرضاءها ولم شمل أسرتكم، فهي إن رضيت وكانت ابنة أصول ستعود إن رأت منك تقديرًا لغضبها برغم ما أنت فيه من محنة، وإن عزّت هي فهُن أنتَ تكرمًا وتفضلًا يأجرك الله خيرًا.
كما نذكرك أخي الكريم بألا تفقد قيادتك لشئون البيت بسبب المرض، فليس من المعقول وأنت تقر بأنك كنت تنفق جيدًا على أبنائك قبل المرض، أن تكون حيل الرزق كلها أغلقت في وجهك، فاستعن بالله فيما تبقى لك من قوة وإرادة وحاول الوقوف ثانية بعد الرجوع إلى الطبيب ومعرفة المسموح لك في الحركة، أعانك الله.
إذا كانت لك ثمة أصول (أراضي، عقارات، سيارات) أو غيرها فبِع منها شيئًا وساهم مع من تثق فيه من أهل أو أصدقاء في مشروع يؤمن علاجك وحياة كريمة لأبنائك قدر المستطاع، فالمرأة تحب أن ترى زوجها قويًا، وأنت إذا ابتليت في شيء لا بد وأن عافاك الله في أشياء أخرى، فأخلص النوايا تُرشد الحيل بإذن الله، يعينك الله ويلهمك الرشاد.
السائل الكريم: كم رأينا من نماذج لزوجات حملن أزواجهن غير متأففات وأكرمهن الله ووسع عليهن، ولعل زوجتك إذا حملت لك ودًا في السابق لكانت من هؤلاء، لكن ثمة شيء جعل فطرتها تنتكس، الله وحده أعلم، ولعل عندك الإجابة.
أما الأبناء فلا عذر لهم ولا تعلم حقيقة ما يضمرون لك، لعل أمهم هي من تمنعهم عنك، فلا تألوا جهدًا في أن تتواصل معهم وتوبخهم إن أردت وتلاطفهم بالعتبى إن استطعت، خصوصا إن كانوا كبارًا ويدركون معاني البر وعاقبته في الدنيا قبل الآخرة.
نعلم مرارة مكابدة ألم المرض وألم حاجتك إلى أقرب الناس إليك ثم لا تجدهم، ادع الله أن يصرف الشيطان عنكم ويرد لك زوجتك وأولادك مردًا جميلًا.
تقول إحدى الزوجات أنها قبل مرض زوجها بأيام كانت قد قررت الانفصال عن زوجها وأفصحت لابنتها الوسطى بهذا القرار ثم جاء مرض زوجها لتصبح ملازمة له ساعة بساعة بعد أن كانت تخطط للانفصال فما وجدت دافعًا لها غير أنها تجارة رابحة مع الله.
وغيرها ممن يحكون تجربتهم في الانفصال ثم يأتي المرض يفشل خططهم لأنهم لا يتحملون وخز الضمير، فسواء كانت حسبة لله أو خوفًا من وجع الضمير، هي نماذج لنساء لم يتركن أزواجهن، لا نستشهد بهذه النماذج لنثقل عليك الحديث والألم! بل نريد مساعدتك لتحلل وتفكر لم لم تكن زوجتك واحدة من تلك النساء؟ هل هو محض ابتلاء وعليك أن تدعو وتصبر؟ أم أن هذه النتيجة فاتورة لشيء تراخيت عنه في حال صحتك وتدفع الثمن الآن؟!
رفع الله عنك هذه الغمامة وأعانك على لم الشمل بما استطعت إلى ذلك سبيلًا، مستميحًا لزوجتك عذرًا إن وجد، ومعلمًا أبناءك درسًا أنكم عصبة لا تنفك عن بعضها البعض بسهولة تحت وطأة الضغوط، فهكذا يتصرف الكبار، والله يتم عليك الشفاء والعافية.