من المهارات التي يجب على المربي أن يكون متمكنا منها مهارات التدريس، وهي: مجموعة السلوكيات التدريسية التي يقوم بها المعلم في نشاطه التعليمي بهدف تحقيق أهداف معينة، وتتميز هذه السلوكيات التدريسية بالدقة والسرعة في الأداء والتكيف مع ظروف الموقف التعليمي، ونعرض في هذه المقالة إلى ثلاث من مهارات عرض الدرس، وهي مهارات: التهيئة والشرح والأسئلة.
أولا: مهارة التهيئة:
إن تهيئة النفس البشرية قبل العمل أمر مهم في كل السلوكيات الإنسانية وهي في العملية التربوية أهمّ، لذا فقد علمنا الإسلام أن لكل عبادة تهيئة؛ فالنية والوضوء تهيئة للصلاة، والنية والسحور تهيئة للصوم، والنية والإحرام تهيئة للحج، والتسوك تهيئة لتلاوة القرآن، واستحضار القلب تهيئة لمجلس العلم وتلاوة القرآن وذكر الله تعالى.
تعريف التهيئة:
تعرف مهارة التهيئة بأنها: “كل ما يقوله المعلم أو يفعله، بقصد إعداد التلاميذ للـدرس الجديـد؛ ليكونوا في حالة ذهنية وانفعالية وجسمية قوامها التلقي والقبول، وجذب انتباههم وتشويقهم إلى معايشة خبرات الدرس وإشعارهم بأهميتها”.
أنواع التهيئة:
لا يوجد تصنيف واحد محدد لأنواع التهيئة يتفق عليه جميـع المعلمـين ورجـال التربية، ومع ذلك يمكننا أن نميز بين أنواع ثلاثة من التهيئة: التهيئـة التوجيهيـة، التهيئة الانتقالية، والتهيئة التقويمية.
وسنحاول أن نتعرف فيما يلي على كل نوع منها والخصائص المميزة لكل نوع.
أولاﹰ: التهيئة التوجيهية:
يتصف هذا النوع من أنواع التهيئة بمجموعة من الخصائص المميزة له:
1. تستخدم أساساﹰ لتوجيه انتباه التلاميذ نحو الموضوع الذي يعتزم تدريسه.
2. يستخدم المعلم في التهيئة التوجيهية نشاطا أو شخصـا أو شـيئا أو حـدثا يعرف مسبقا أنه موضع اهتمام من التلاميذ أو أن لهم خبرة سابقة به كنقطـة بـدء لتوجيه انتباههم نحو موضوع الدرس أو إثارة اهتمامهم به.
3. يقدم إطارا يساعد التلاميذ على تصور الأنشـطة التعليميـة التـي سـوف يتضمنها الدرس.
4. يساعد في توضيح أهداف الدرس.
ثانيًا: التهيئة الانتقالية:
ويتصف هذا النوع من التهيئة بخاصية رئيسة هي أنه يستخدم في الأساس لتسهيل الانتقال التدريجي من المادة التي سبقت معالجتها إلى المادة الجديدة، أو من نشـاط تعليمي إلى نشاط آخر، ويعتمد المعلم عادة على الأمثلة التي يمكن أن يقاس عليهـا، وعلى الأنشطة التي يعرف أن تلاميذه مولعون بها أو لهم خبرة فيها، وذلك لتحقيـق الانتقال التدريجي المنشود.
ثالثًا: التهيئة التقويمية:
ويستخدم هذا النوع أساسا لتقويم ما تم تعلمه قبل الانتقال إلى أنشطة أو خبرات جديدة، ويعتمد هذا النوع إلى حد كبير على الأنشطة المتمركزة حول التلميذ، وعلى الأمثلة التي يقدمها التلميذ لإظهار مدى تمكنه من المادة التعليمية.
شروط التهيئة الجيدة:
لكي تؤدي التهيئة وظيفتها يجب أن يتوافر بها بعض الشروط، أهمها:
– ألاّ تستغرق أكثر من خمس دقائق.
– أن تكون جذابة مشوقة، ومثيرة للتفكير، ودافعة للتعلم.
– تُشْعِر الدارسين بأهمية الدرس.
– أن ترتبط بالدرس دون تعمق في تفاصيله.
– أن تكون معلوماتها صحيحة.
– أن تكون مناسبة لمستوى المتعلم واضحة موجزة.
وعلى أية حال، فإن أفضل تهيئة هي تلك التي تنجح في إشعار الدارسين بالحاجة إلى الدرس وأهميته بالنسبة إليهم، أو تجعل من الدرس حلاًّ لمشكلة، أو تضفي عليه طرافة تستهوي النفوس، إلى غير ذلك مما يُرغب الدارسين في التعلم.
بعض الأمثلة للتهيئة في العلوم الشرعية:
– عرض بعض الصور لمظاهر قدرة الله في الكون، لتهيئة الدارسين لدراسة صفة “القدرة” كصفة من صفات الله عز وجل، وذلك في علم العقيدة.
– استخدام أسلوب الأحجية في تهيئة الدارسين لدراسة سورة “التين” كأن نقول لهم: سورة قصيرة، بدأت بذكر شيئين من الأشياء التي نأكلها، أحدهما فاكهة، والثاني نأخذ منه الزيت ونأكله… ما اسم هذه السورة؟
– تهيئة الدارسين لدرس “التيمم” في العبادات، وذلك بوضعهم أمام مشكلة لا حل لها إلا بالدرس، كأن يقول المربي للدارسين، سافرت مع أسرتك، وفي الطريق حان صلاة الظهر، ولم تجدوا ماءً، وأردتم إقامة الصلاة في حينها … فماذا تفعلون ؟
ومن صور التهيئة التي نجدها لدى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – السؤال، كقوله –صلى الله عليه وسلم – لأصحابه: “أتدرون من المفلس” ؟، وقوله –صلى الله عليه وسلم –: “أتدرون ما الغيبة” ؟
كما استخدم صلى الله عليه وسلم الأحجية (الفزورة) في تهيئة أصحابه للدرس، فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: ” إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم، فحدثوني ما هي؟ فوقع الناس في شجر البوادي، قال عبد الله بن عباس: فوقع في نفسي أنها النخلة، فاستحييت، ثم قالوا: يا رسول الله، ما هي؟ قال: “هي النخلة”.
ثانيا: مهارة الشرح:
تعريفها: ويقصد بها عرض الحقائق والمعارف والخبرات، ومناقشتها، وتبسيطها للمتعلمين، وتنظيمها بشكل ييسر على الدارسين استيعابها.
شروط الشرح الجيد:
يشترط للشرح الجيد أن:
– يغطي النقاط الأساسية في الدرس.
– ألا ينتقل المربي من نقطة إلى أخرى إلا بعد إتقان الأولى.
– منطقية العرض، وذلك بالانتقال من المعلوم إلى المجهول، ومن البسيط إلى المركب، ومن السهل إلى الصعب، ومن المحسوس إلى المجرد.
– العرض المعبر باستخدام النبر والتنغيم المناسب للمعنى.
– التأني في العرض عند استخلاص النقاط الرئيسة في الدرس.
– أن يكون الشرح جذاباً بصوت مناسب.
– استخدام الأمثلة والتشبيهات المناسبة للدارسين.
وقد استخدم النبي – صلى الله عليه وسلم – مهارة الشرح، فبسط ووضح “مراقبة الله تعالى” في حديثه، حيث يقول: “لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسناتٍ أمثالِ جبال تِهامةَ بيضاء، فيجعلها الله هباءً منثوراً، ألا إنهم إخوانكم ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها”.
ونلاحظ هنا بساطة الشرح وسلاسته، حيث اعتمد على ضرب المثال لقريب من أذهان الدارسين، المشتق من بيئتهم، وهو جبال تهامة.
ثالثا: مهارة الأسئلة:
تعريفها: هي عملية دينامية، تساعد على التفاعل المتبادل بين المربي والدارسين، وتتضمن مهارتين فرعيتين؛ هما: مهارة صياغة الأسئلة، ومهارة توجيه الأسئلة. وتتضمن المهارة الأخيرة مهارة صياغة الأسئلة، وتزيد عليها مهارات خاصة بتوجيه الأسئلة، لذا يكفي عرض شروط مهارة توجيه الأسئلة على أساس أنها تتضمن مهارات صياغة الأسئلة.
شروط مهارة توجيه الأسئلة:
يشترط في مهارة توجيه الأسئلة عدة شروط، من أهمها:
- أن تكون الأسئلة واضحة يفهمها جميع الدارسين.
- محددة ومصوغة صياغة جيدة.
- أن يصمت المربي فترة مناسبة عقب إلقاء كل سؤال؛ بحيث يتيح لجميع الدارسين فرصة فهم السؤال والتفكير في إجابته.
- أن يغير المربي من نبرات صوته وسرعة إلقاء السؤال حسب سهولته أو صعوبته.
- أن يوزع المربي الأسئلة على كل الدارسين – إن أمكن – وإلا فمعظمهم، وأن يتجنب الأسئلة الساذجة، وتلك التي تعتمد على التخمين.
- أن يوجه المربي أسئلة تدعو إلى التفكير في كل مستوياته، وتتدرج في جميع مستويات المجال المعرفي: التذكر، والفهم، والتطبيق، والتحليل، والتقويم، والتركيب.