المعلم له مكانة كبيرة شهدت عليها الحضارات القديمة والإسلام وهو ما انعكس أثره على تقدمها وازدهارها، يقول أمير الشعراء أحمد شوقي:
قُم للمعلِّمِ وفِّهِ التَبجيلا كادَ المعلِّمُ أَن يكونَ رَسولا
أَعَلِمتَ أَشرَفَ أَو أَجَلَّ مِنَ الَّذي يَبني وَيُنشِئُ أَنفُساً وَعُقولا
يقول إبراهيم طه عبد الشافي في هذه الأبيات: لم تُكتب هذه الأبيات عبثاً، ولم يتغنّ بها الملايين من الناس إلّا لأنّ المعلم هو منارة العلم التي تضيء الطريق أمام الطلاب، وهو من يسهّل لهم سبيل معرفة الحق، ويغرس فيهم العلم النافع الذي سيفيدهم في حياتهم القادمة، فهو أبٌ بنصحهم، وصديق بمحاورته لهم، وعالِم بما يقدمه لهم من نفع وإفادة.
قيمة المعلم
المعلم هو الذي يبني العقول والنفوس ويخرجها من الجهل إلى العلم، ومن الظلام إلى النور، ويبصرهم بالحق وطريق المعرفة.
يقول سعيد المقبالي: كان المعلم في مكانة الأب أو العم في المدرسة بالنسبة إلى الطالب، وهو شريك رئيس للأسرة في تربية الأبناء، وتهذيب سلوكهم وغرس القيم في نفوسهم، ومن يتجرأ على الإساءة إلى المعلم تلاحقه أعين اللوم في المدرسة وفي البيت وفي الحارة، ويتهم بسوء الخلق.
فكما أنّ لكل شيء أساس، فالمعلم أساس هذه المجتمعات بعد الأم، حيث ينمّي المعلم ما زرعته الأم في أبنائها من قيم أخلاقية، ويعكسها في تصرفاته وأخلاقه ليرونها بأعينهم، فيكون لهم قدوة حسنة يتبعونها.
مكانة المعلم بين القرآن والسنة
يعد المعلم قيمة ثابتة لا تتزحزح مهما تغيرت الظروف والأحوال، فهو من أعظم الناس حقوقًا كونه يقدم للإنسان أعظم معروف قد يحصل عليه في حياته وهو تبصيره بالحق وإزالة غشاوة الجهل عن عقله وقلبه وعينه، ولقد اهتم القرآن الكريم والسنة النبوية بحفظ مكانة المعلم، فقال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (المجادلة 11).
يقول العلامة الشيخ عبدالرحمن السعدي في تفسيره لهذه الآية: والله تعالى يرفع أهل العلم والإيمان بما خصهم به من العلم والإيمان.
وكلما ازداد المسلم علما ازداد إيمانه، ومن ثم قرن أهل العلم به سبحانه قال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (آل عمران: 18).
وبيَّن الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره أنّ هذه خصوصية عظيمة للعلماء؛ لاقتران شهادتهم بشهادة الله جلَّ جلاله، وشهادةِ الملائكة الكرام عليهم الصلاة والسلام.
ويعزز المولى سبحانه مكانة المعلم والعلم بقوله: {أَمَّنْ هو قانتٌ آناءَ اللَّيلِ ساجدًا وقائمًا يَحذَرُ الآخرةَ ويَرجو رحمةَ ربِّهِ قلْ هل يستوي الَّذين يعلمونَ والَّذين لا يعلمونَ إنَّما يَتَذكَّرُ أولوا الألباب} (الزمر: 39).
وقال الله تعالى في كتابه الكريم مبينا فضل العلماء: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (فاطر: 28).
ولقد وضع القرآن الكريم طريقة احترام المعلم وطريقة تقديره فقال سبحانه: {قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} (الكهف: 66) وهذا سؤال الملاطف والمخاطب المبالغ في حسن الأدب.
وروى أبو إمامة الباهلي عن الرسول – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: [فضلُ العالمِ على العابِدِ، كفَضْلِي علَى أدناكم، إِنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ وملائِكتَهُ، وأهلَ السمواتِ والأرضِ، حتى النملةَ في جُحْرِها، وحتى الحوتَ، ليُصَلُّونَ على معلِّمِ الناسِ الخيرَ]( رواه الترمذي والطبراني).
وروى أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم: [مَن سلَكَ طريقًا يلتَمِسُ فيهِ علمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طريقًا إلى الجنَّةِ، وإنَّ الملائِكَةَ لتَضعُ أجنحتَها لطالِبِ العلمِ رضًا بما يصنعُ وإنَّ العالم ليستغفِرُ لَهُ مَن في السَّمواتِ ومن في الأرضِ، حتَّى الحيتانِ في الماءِ، وفضلَ العالمِ على العابدِ كفَضلِ القمرِ على سائرِ الكواكبِ، وإنَّ العُلَماءَ ورثةُ الأنبياءِ إنَّ الأنبياءَ لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا إنَّما ورَّثوا العلمَ فمَن أخذَهُ أخذَ بحظٍّ وافرٍ] (رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد).
وعن عبدالله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، ولَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بقَبْضِ العُلَمَاءِ، حتَّى إذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فأفْتَوْا بغيرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وأَضَلُّوا] (رواه البخاري).
قيمة المعلم في الحضارات القديمة
المعلم هو محور البناء الحضاري لأي أمة، كما أن له دور كبير في إثراء الحياة العلمية والفكرية، يفيض من آدابه وعلومه وخبرته، غير أن النظرة له من حضارة لحضارة اختلفت بعض الشيء.
تقول إيمان العرابي: اختلفت النظرة عبر العصور من حيث الأدوار التي يؤديها المعلم، فقديماً -أي ما قبل عصر التربية الحديثة- كان ينظر للمعلم على أنه ملّقن وناقل معرفة فقط وما على الطلاب الذين يعلمهم إلا حفظ المعارف والمعلومات التي يوصلها إليهم. كما أن المعلم يعتبر المسئول الوحيد عن تأديب الأولاد وتربيتهم دونما أهمية لدور الأسرة والبيت في التنشئة والتربية السليمة.
تطور هذا المفهوم في عصر التربية الحديث، وأصبح ينظر إلى المعلم على أنه معلم ومربٍ في آن واحد فعلى عاتقه تقع مسؤولية الطلاب في التعلّم والتعليم والمساهمة الموجهة والفاعلية في تنشئتهم التنشئة السليمة من خلال الرعاية الواعية والشاملة للنمو المتكامل للفرد المتعلم: “روحياً وعقلياً وجسمياً ومها ريا ووجدانياً” هذا إضافة إلى دور المعلم في مجال التفاعل مع البيئة وخدمة المجتمع والمساهمة في تقدمه ورقيّه.
ففي الحضارة اليونانية احتل المعلم مكانة عظمى في الفلسفة المثالية بما اتصف به من صفات مثل الأخلاق الحميدة الصالحة وذو تحصيل عالي، ودراية علمية كافية، شارح لقوانين القوى العظمى، ناضج حكيم، ومكتشف المجهول.
وفي الصين يحظى المدرسون بأعلى درجات الاحترام، ليس فقط من الطلاب، لكن من جميع فئات وأعمار المجتمع، إذ ينظر إلى التعليم على أنه المهنة الأسمى في البلاد.
دور المعلم في استقرار الأمم وتقدمها
المعلم هو القدوة السلوكية لمن يعلم، وقد تكون الأولى وحتى قبل والديه إذ قد يقضي المتعلم مع معلمه من الساعات أكثر بكثير مما يقضيه مع والديه، لذلك كان لزامًا على المعلم أن يكون خير قدوة ومثالا يحتذى.
والمعلم في المجتمع مشارك وصانع للقرار والرأي المفيد، وله مواقفه في قضايا المجتمع ومشكلاته بأنواعها كافة.
تقول نجوى الأحمد: المعلم يعزز لدى الطلاب الإحساس بالانتماء لدينه ووطنه، كما ينمي لديهم أهمية التفاعل الإيجابي مع الثقافات الأخرى، فالحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق الناس بها.
كما أن المعلم مسؤول كبقية المسؤولين في المجتمع، ومسؤوليته تتضاعف أمام طلابه ومجتمعه لأنه يمثل الصورة الحسنة التي يجب أن يكون عليها المجتمع.
ويقول يحيى بن سالم الهاشلي: إنَّ المعلم له الدور المركزي الأول في بناء المجتمعات والنهوض بالشعوب، فهو الذي يصنع الأجيال ويعدها علميا وخلقيا للقيام بأدوارهم المستقبلية في نهضة الأوطان.
ينبغي للمعلم أن يغرس في طلابه خصال الخير ويربطهم بتعاليم دينهم أيا كان تخصصه، وأن يعزز فيهم روح الانتماء لدينهم وأمتهم وحب وطنهم والسعي لرفعته، وأن يقدم لهم المثال من نفسه من خلال انضباطه في عمله وإخلاصه في أدائه، كما يسعى لاكتشاف مواهب طلابه ويشجعهم على تنميتها وتوجيه طاقاتهم لتنميتها والإبداع فيها، ويرسم لأحلامهم خطط تحقيقها واقعا.
أثر إهمال العلم على تدني الأخلاق وانتشار الفساد
ارتبط العلم بالأخلاق ارتباطاً وثيقاً، فالعلم النافع لا يقوم إلا بأخلاق حميدة، ولا ينتشر إلا بصفاتها النبيلة، فالتلميذ مثلاً يتعلم من معلمه الخلق قبل العلم، ليكتمل في تكوينه الأدب، ويترسخ في عقله العلم حين يراه قولاً وفعلاً.
وحينما تنفك الأخلاق عن العلم ينهار المجتمعات وتفنى البشرية، كما ترتب على اختراع القنبلة الذرية حيث شهدت تقدما كبيرا في العلم إلا أنها انفكت عن الأخلاق وسببت إيذاء وتهديدًا للبشرية كلها.
وانتشار الجهل يعزز سوء الأخلاق، ومثال ذلك التطرف الذي ينتشر في المجتمعات فمدعاته الجهل وانعدام الحرية.
ولقد ذم الله تعالى الجهل وحذر منه وبيّن أنه سبب إعراض المعرضين عن دعوة الأنبياء والمرسلين وأن الناس لجهلهم كذبوا بهم وأشركوا بالله، ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [إن بين يدي الساعة لأياما ينزل فيها الجهل ويرفع فيها العلم ويكثر فيها الهرْج] والهرج: القتل. (رواه البخاري).
وقال صلى الله عليه وسلم: [سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق الرويبضة، قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه في أمر العامة] (رواه ابن ماجه وأحمد).
و يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: [ألا إن الناس لم يزالوا بخير ما أتاهم العلم عن أكابرهم] (جامع بيان العلم 1/ 615)
كيف نرفع شأن المعلم في قلوب المتعلمين؟
روى الإمام أحمد في (المسند) وغيره، وحسنه الألباني رحمه الله عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا، وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ».
وتقول منى أحمد: طالب القضاة في ألمانيا بأن تتم مساواتهم في الرواتب بالمعلمين، ردت عليهم المستشارة أنجيلا ميركل مستنكرة بقولها الشهير:”كيف أساويكم بمن علموكم؟!”.
فالمعلم قيمة في المجتمع، ولغرس حبه في نفوس أبنائنا يجب على الآباء فعل بعض الأمور، منها:
- مع بدء العام الدراسي قم بتسليم ابنك بعض الورود ليعطيها لمعلميه، وعرفه أن هذه هي صورة بسيطة للتعبير عن امتنانك لأنه سوف يقوم بمجهود كبير خلال العام ليساعدك على عملية التعلم.
- احكِ لابنك عن المهام الكثيرة التي يقوم بها المعلم ومدى تعبه من أجل توصيل المعلومات وتعليم الأبناء.
- قم بذكر مميزات وجدْتَها في المعلم أو المعلمة واذكرها أمام الابن.
- اسأل ابنك: ما الأمور التي سوف يغيرها لو كان في محل المعلم الذي يشتكي منه؟ واطلب منه تخيل أن يكون مدرسا لفصل بحجم فصله، وذكره بحجم التحدي وحجم الاختلاف الناجم عن اختلاف التلاميذ وشخصياتهم.
- لا تسخر أبداً في أي وقت من الأوقات من أي معلم أمام الابن، لأنه سوف يقلدك وسوف يعتبر الأمر “عاديّاً” وما يبدأ اليوم بصورة سخرية سوف يصل غداً للاستهزاء وسوف يتحول التعامل اللفظي الخفي للعلن ومنه إلى القول إلى الفعل المعبر عن عدم احترامه لمعلمه.
- لا تعط ابنك الفرصة أبدا ليقيم معلمه بشكل غير لائق أو أن يتحدث عنه دون احترام.
- لا تعتبر تصرفاً خطأ قام به المعلم – أنه صواب – خوفاً من أن يقلل انتقادك من هيبة الابن لمعلمه، ولكن اشرح الأمر بهدوء، فكلنا بشر والمعلم بشر، والبشر يخطئون ويصيبون.
المصادر
- إبراهيم طه عبد الشافي: المعلم هو منارة العلم التي تضيء الطريق أمام الطلاب، 30 أغسطس 2020،
- سعيد المقبالي: المعلم.. قيمة تربوية وهيبة اجتماعية، 29 أغسطس 2015م،
- للمزيد: مكانة المعلم في القرآن، 08 – اكتوبر – 2019،
- إيمان العرابي: نظرة المعلم قديمًا وحديثا وأدواره،
- محمد ناصر علي الرياشي: تعليم الكبار في الحضارة اليونانية القديمة، مجلة كلية التربية الأساسية للعلوم التربوية والإنسانية /جامعة بابل، العدد 38، نيسان/ أبريل 2018م.
- نجوى الأحمد: دور المعلم في مجتمعه، 18 مارس 2016م،
- يحيى بن سالم الهاشلي: المعلم.. ودوره في صناعة الأجيال، 3 أكتوبر 2019م،
- منى أحمد: احترام المعلم واجب… علمه لابنك، 10 مارس 2016، https://bit.ly/2QslGt5