الإنسان أخو الإنسان، مهما اختلف لونه أو جنسه أو معتقده أو لغته، فأصل البشر كلهم لآدم وحواء عليهما االسلام، وهو الأصل الذي أكد عليه القرآن الكريم والشرائع السماوية كلها فقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات: 13)، ولا فضل لأحد على أحد إلا بالإيمان بالله وحده، حيث صدح بها النبي – صلى الله عليه وسلم – على رؤوس الأشهاد في خطبة الوداع حين قال: [يا أيها الناسُ! إنَّ ربَّكم واحدٌ، و إنَّ أباكم واحدٌ، ألا لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ، و لا لعجميٍّ على عربيٍّ، و لا لأحمرَ على أسودَ، و لا لأسودَ على أحمرَ إلا بالتقوى إنَّ أكرمَكم عند اللهِ أتقاكُم، ألا هل بلَّغتُ؟ قالوا: بلى يا رسولَ اللهِ قال: فيُبَلِّغُ الشاهدُ الغائبَ].
يقول الشهيد سيد قطب في ظلاله: يا أيها الناس.. يا أيها المختلفون أجناسا وألونا، المتفرقون قبائل وشعوبا، إنكم من أصل واحد، فلا تختلفوا ولا تتفرقوا، فأما اختلاف الألسنة والألوان، واختلاف الطباع والأخلاق، واختلاف المواهب والاستعدادات، إن تنوعكم لا يقتضي النزاع والخلاف بل التعاون للنهوض بجميع التكليفات، فاللون والجنس واللغة والوطن وسائر هذه المعاني ليست من حساب في ميزان الله سبحانه.
غير أن تتابع الدهر والبعد عن الدين غير في أخلاقيات وصفات الناس، فأصبح الخلط والتزييف بالمدح الكاذب وبإهدار الفضل من سمات البشر، وتناثرت بين الأمم والشعوب خرافات عنصرية مزعومة منها ما هو في الجانب الاجتماعي الدولي كخرافة الجنس؛ كمن يدعي أفضلية الجنس الآري أو العربي حيث تعصب كل طائفها لجنسها، أو التعصب الديني كما تعصب اليهود والنصارى أنهم أفضل دين.
معنى العنصرية
اختلف البعض حول معنى العنصرية إلا أنهم اتفقوا على مجمل معناها والتي تكون في مجملها صفة ذميمة، تجعل من فرد أو جماعة أفضلية عن الآخرين.
فالعنصريّة ممارسات فردية أو جماعية ضد أفراد أو جماعات لأسباب عرقية أو دينية أو لاختلاف اللون والثقافة تقوم على اضطهادهم أو تهميشهم أو التنمر عليهم وقد يستخدم فيها العنف والضرر.
ويقول الدكتور السيد محمد عاشور: العنصريّة هي اعتقاد بعض الشعوب أنهم أفضل خلق الله دون سواهم، وهي نزعة وُلدت وترعرت مع مجموعة من الأفراد مما جعلهم يشعرون بأنهم أسمى من غيرهم، ومن أنهم يحملون في دمائهم جوهرًا يميزهم عن طينة ما تبقى من البشر، وأن هذا الجوهر ينفرد بأسرار غير موجودة عند البقية (1).
ويراها البعض الآخر بأنه شعور الفرد بتميزه عن الجميع، والتي تندرج تحت حُب التفوق والشعور بالأفضلية عن ما تبقى من مخلوقات، فيولد لديه شعور الأنانية.
أسباب العنصرية
أخذت العنصرية مسميات مختلفة إلا أنها تشير إلى معنى واحد مثل: العنصرية، التفرقة العنصرية، الفصل العنصري، التمييز العنصري، والتي يترتب على هذا التمايز اضطهاد أو ازدراء يلحق ضررًا بالآخر.
وللعنصرية أسباب عمل العلماء على تتبعها وإن اختلفت من مكان لمكان أو شخص لآخر، ومنها:
- التفاخر بالأنساب والطعن فيها.
- الفروق المادية.
- الجهل وعدم الوعي بمفهوم العنصرية.
- مشاكل نفسية كالغرور والتكبر.
- اختلاف اللغة.
- الطمع والجشع والاستغلال.
- بعض العادات الموروثة.
- العقيدة والفكر والثقافة.
وينتج عن هذه العنصرية [تولد الحقد والكراهية بين الشخص العنصري أو المجتمع والشخص الذي تمارَس عليه السلوكيات العنصرية – تجعل المجتمع مفككاً غير مترابط – تعمل على إشعال شرارة الحرب في المجتمع، لتعصب كل طائفة لأفكارها] (2).
القرآن والسنة ومحاربة العنصرية
إن داء العنصرية يصيب الإنسان بالعدوى التي لا تقبل العلاج إلا بالإيمان الراسخ واليقين الثابت بمنهاج القرآن الكريم، والقرآن الكريم والسنة المطهرة حاربا داء العنصرية، فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء 1].
وقال تعالى: {يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13].
وقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} [الروم: 22].
كما حارب النبي صلى الله عليه وسلم العنصرية، حتى إن الأكاديمي الأميركي الكاثوليكي (كريج كونسيدين) يعرب عن إعجابه بالنبي محمد في مجلة نيوزويك بقوله: “إن النبي محمد كان أول شخص على وجه الأرض يحارب العنصرية والعبودية والتفرقة على أساس العرق أو اللون” (3).
وعن أبي هريرة، رضى الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: [إن اللهَ عز وجل قد أذهب عنكم عُبِّيَّة الجاهليَّة وفخرَها بالآباء، مؤمنٌ تقيٌّ، وفاجرٌ شقيٌّ، أنتم بنو آدم، وآدمُ من تراب، ليَدَعَنَّ رجالٌ فخرَهم بأقوام إنما هم فَحْمٌ من فَحْم جهنَّمَ، أو ليكونُنَّ أهونَ على الله من الجِعْلان التي تدفع بأنفها النَّتْن] (رواه أبو داود).
الإسلام ونبذ العنصرية
ظهرت العنصرية منذ بداية الخليقة، حيث جرمتها جميع الشرائع السماوية، وأكد عليها الدين الخاتم وجعل التفاضل بين الناس فقط بالإيمان والعمل الصالح، وسعى لإذابة الفوارق بين الجميع فلا فضل لأحد على أحد على أساس من الجنس أو العرق أو اللون.
يقول الدكتور عمار كاظم: جاء الإسلام بمبدأ المساواة بين الناس جميعاً، وكان هذا المبدأ غريباً على مجتمع الجاهلية الذي أشرق فيه نور الإسلام، فقد كان يسود هذا المجتمع العصبية القبلية، والتفاخر بالأنساب والألقاب، والتباهي بالمال والغنى، والتمييز بين الأبيض والأسود، وبين الغني والفقير، والسيِّد والمسود، وكان كثير من الناس ينوؤون بمشاعر المذلة والمهانة تحت وطأة هذه التفرقة الجائرة، فانتصر الإسلام لهؤلاء البؤساء، وقرر المساواة بين الناس جميعاً لا تمييز بينهم إلّا في درجة تقوى الله والإيمان به (4).
ويرى الدكتور أحمد بن عبدالله الزغبي أن التمييز العنصري عقيدة تستند إلى أسطورة مناقضة للدين الحق، والعلم الصحيح حول تفوق أو نقص هذه الأجناس، أو تلك، محاولة بذلك تبرير السياسة العدوانية ضد الكائن البشري التي تقوم على الاغتصاب والإرهاب والاستبعاد(5).
لقد استطاع الإسلام القضاء على التمييز العنصري عن طريق:
أولًا: إقرار مبدأ المساواة بين الناس جميعا، فحينا قال أبو ذر لبلال: “يا ابن السوداء”؛ غضب النبي، صلى الله عليه وسلم، وقال: “إنك امرؤ فيك جاهلِية”. وهي التربية التي تخلق بها الصحابة، فحينما أرسل عمرو بن العاص عبادة بن الصامت (وكان أسودا) للتفاوض مع المقوقس، فزع وخاف منه فطلب من الوفد أن يتحدث غيره، فجاء ردهم: إن هذا أفضلنا رأياً وعلما،ً وهو سيدنا وخيرنا، وقد أمّره الأمير علينا فلا نخالف أمره، كما ورد في [حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة، ص١٧].
ثانيا: إعجاز الإسلام وسبقه في تقرير أخوة الإنسانية، فقد كانت قريش تمايز نفسها عن بقية العرب والمسلمين سواء في الوقوف يوم عرفة بالمزدلفة تميزا عن الناس فأنزل الله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}، كما كانوا يتمايزون في الجنايات والدية، فقال صلى الله عليه وسلم: [كلكم لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى].
أكرمكم عند الله أتقاكم
رسخ الإسلام حقوق المواطنة في دولته للمسلم وغيره، فالجميع سواء من حيث الحقوق والواجبات، وهو ما اتّضح في وثيقة المدينة التي عقدها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بمجرد وصوله إليها، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ} (الحجرات: 11).
ألا إنما التقوى هي العز والكرم وحبك للدنيا هو الذل والسقم
وليس على عبدٍ تقيٍّ نقيصةٌ إذا صحح التقوى وإن حاك أو حجم
وقال صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن شماس [انظر في وجوه القوم” فنظر، فقال: “ما رأيت”؟ قال رأيت أبيض وأسود وأحمر، فقال: “فإنك لا تفضلهم إلا بالتقوى] (تفسير القرطبي قوله تعالى: إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى).
واجب الدعاة في التصدي للعنصرية
لقد انتشرت أنواع كثيرة من العنصرية بين مجتمعاتنا العربية والإسلامية، حيث لم يتخل بعض العرب عن طابع العنصرية الذي اشتهروا به منذ عصور الجاهلية.
يقول طه سليمان عامر: لا تخطيء العين مظاهر وصور العنصرية التي تتجلى في بلدن من العالم العربي والإسلامي وتُمارَس على نحو واسع، إنَّ حقوق الضعفاء مهضومة، وحريات العباد مسلوبة، وكرامتهم مهدورة، وليس هناك ما يردع عن الظلم والفساد، وقد انقسمت المجتمعات إلى طوائف وشيع كل حزب بما لديهم فرحون، حتى غدت العنصرية ثقافة في البيت والشارع والمدرسة والجامعة ووسائل المواصلات وأماكن العمل.
صور من العنصرية الحديثة المقيتة والتي يجب على الدعاة والمصلحين التنبه له والعمل على محاربتها وذلك عن طريق:
- أن يتحلى الدعاة أولا بالقيم النبيلة، كقيم الوسطية والاعتدال والتعايش والتسامح والاحترام والتواضع.
- تقوية الوازع الديني في نفوس الأفراد.
- معاونة الأسر في غرس أفضل القيم في نفوس أبنائها، وتربيتهم على حب الآخرين، ونبذ التفاخر واحتقار الآخرين.
- استخدام الوسائل الإعلامية الحديثة في ترسيخ القيم الإنسانية التي ترقى بالإنسان، وتهذب فكره وسلوكه.
- العمل على رفع أو تجريم الظلم الذي يكون من أسباب تفشي العنصرية بين الناس.
- العمل على القضاء على الطبقية المنتشرة بين الناس بالتربية الدينية والعملية بين الجميع.
المصادر
- السيد محمد عاشور: التفرقة العنصرية، دار الاتحاد العربي للطباعة، 1986م، صـ3- 5.
- العنصرية، أسبابها وطرق علاجها: 9 فبراير 2017م،
- مجلة أميركية: النبي محمد أول من حارب العنصرية في البشرية: 13 يونيو 2020م،
- عمار كاظم: لا عنصرية في الإسلام، 21 مارس 2019م،
- أحمد الزغبي: العنصرية اليهودية وأثرها في المجتمع الإسلامي، الجزء الأول، مكتبة العبيكان، 1998م، صـ 60.