الاستشارة
ونحن على مشارف الشهر الكريم، كيف أستفيد من أجوائه الإيمانية الطيبة بتشجيع الأبناء على العمل التطوعي، وهل من اقتراحات لأعمال البر التي تناسبهم؟
وكيف ننشئ أبناءنا منذ البداية على حب العمل التطوعي من تلقاء أنفسهم؟!
الرد
السائلة الكريمة.. بلغنا الله وإياك الشهر الكريم على خير ورزقنا وإياكم فيه العمل على شتى أنواع الخير متأسيين بحديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن عبدالله بن عباس- رضي الله عنهما- قال: “كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أجودَ الناس، كان أجودَ ما يكونُ في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريلُ يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيُدارسه القرآن، فلَرسولُ الله- صلى الله عليه وسلم- حين يلقاه جبريلُ أجودُ بالخير مِن الريحِ المُرسَل” متفق عليه.
فنعم، شهر رمضان هو موسم للتدريب على شتى أنواع الخير.. وإذا تحدثنا عن ثمرة ممارسة العمل التطوعي على شخصية الطفل، سنجد فوائد جمة، تجعل من الجهد المبذول في سبيل غرس قيمة التطوع جهدًا محببًا مهما بلغت المشقة منا مبلغًا؛ فالعمل التطوعي يجعل الطفل:-
- – محبًا للخير، مقبلًا عليه من معايشته لأجواء مختلفة.
- يعزز ثقته بنفسه كونه نافعًا لغيره.
- يعلمه الإخلاص، فهو يعمل ولا يجازى على فعله دنيويًا، يعمل ابتغاء وجه الله.
- ينمي لديه شعور التعاطف والإحساس بالآخرين وذكر النعم التي حرم منها غيره وأكرمه الله بها.
- يتعلم الإيثار والتفكير بالآخر فلا يكون محور اهتماماته نفسه ورغباتها.
- يتعلم العمل الجماعي والتعاون والتفكير البناء والتعامل مع الآخرين سواء من هم في دائرة العمل التطوعي، أو من يقوم بتوزيع الأغراض لهم.
- يعزز انتمائه للإسلام ولأهله ولمجتمعه حيث يرى أثر دوره وأنه لبنة في بناء المجتمع.
- يتعلم أن السعادة في العطاء، كما السعادة في الأخذ.
ومحراب رمضان فيه من النشاطات والدروب المعينة على غرس قيمة التطوع بلا أدنى شك، بداية من إسناده أحد المهمات في المنزل، كالتعاون في تحضير السحور، ووضع مائدة الفطور، والمسارعة لإفطار الصائمين من أهل البيت وتذكر مثوبة ذلك، ويكون ذلك بالإعداد المسبق لمجموعة من الأفكار ومشاركتك للأطفال في وضع خطة للعمل الخيري التطوعي في رمضان:
- كعمل إطعام مع الأهل والأصدقاء وتوزيعه على المتعففين في الطرقات.
- المشاركة مع مؤسسات لعمل صناديق غذائية للأسر المحتاجة.
- توزيع التمر في الطرقات قبل المغرب.
- المساهمة في تنظيف المسجد بعد التراويح.
- مساعدة الأمهات اللاتي يأتين المسجد بأطفالهم وشغل وقتهم بالمفيدعن طريق إحضار أوراق وأقلام وألوان واللعب معهم بعيدًا عن المصلين.
- التطوع بمساعدة الكبار في العائلة عمومًا وفي المسجد، من مناولتهم الماء، ومساعدتهم في الحركة، فاحرصي على أن تحثيهم على ذلك لما له من أطيب الأثر على الكبار والأطفال أنفسهم.
- لا تنتهي الأفكار فالخير بحور وبحور، فإذا ما رفعنا شعار (يسارعون في الخيرات)، وجدت الأطفال أنفسهم يتفننون في أعمال البر والتطوع.
وأيضًا حينما نقدم لأبنائنا القدوة في المسارعة إلى الخيرات، ويجدون أثر ذلك علينا من طلاقة في الوجه، وعدم شكوى من تعب، يعرفون أن طريق الخير وإن شق على المرء بدنيًا أحيانًا، لكنه يقينًا فيه الخير والسعادة.
ولكن ماذا بعد رمضان؟
نحن لا نهدف أن نكون عباد مواسم أبدًا، فقد يكون رمضان انطلاقة لغرس القيمة لكن ما بعده هو اختبار أصالة القيمة وثباتها من عدمه، فاحرصي على بعض الأمور حتى يتأصل فيهم حب الخير دائمًا:
- ذكريهم دائما بثواب مساعدة الآخرين، فالله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
- ولأن يقضي المرء لأخيه حاجته خير له من اعتكاف شهر في مسجد رسول الله.
- احرصي على تواجد أطفالك في روابط تعينهم على الخير، سواء كانت في المدرسة، في المسجد، في النادي.
- استغلي كل فرصة لعمل الخير وشاركي فيها بأطفالك، فقبل المدارس تكون نفرة في توزيع الكتب الخارجية للعام الماضي على من يحتاجها، وتوزيع الملابس الزائدة عن الحاجة، وفي دخول الصيف اجعلي ديدنهم فرز ملابسهم، وساعديهم على إخراج الجميل منها ويكونوا على يقين أن الله سيخلفهم خيرًا، كذلك في دخول الشتاء وما أشد احتياج كثير من الأسر لمزيد من التدفئة وخزائن ملابسنا متخمة، غفر الله لنا جميعًا.
- شاركيهم أخبار المناطق المنكوبة وابحثوا في وسائل مساعدتهم، فإن تباعدت المسافات لم تنقطع الحيل في زمن العولمة والانفتاح.
- شجعيهم على الرحلات المدرسية التي تقوم بزيارة الملاجئ والمستشفيات، فكم ترقق هذه الزيارات قلوب الكبار والصغار، ويعرفون أكثر حقيقة الدنيا أنها دار ابتلاء، ويحمدون الله في نفس الوقت على المعافاة، فالفوائد لتلك الزيارات جمة.
- نوعي في تدريبهم على أشكال مختلفة من التطوع، كالعمل على مشروعات ممتدة الأثر، كتركيب وصلات ماء، وأسقف للأماكن الفقيرة.
- قد ينفق المستطيع بالمال من ماله، ومن لم يستطع بماله فبوقته وعلمه، فخيركم من تعلم العلم وعلمه، فيتطوع ويشرح لأصدقائه مادة يتميز فيها، أو يعلم طفل أهله غير قادرين على تعليمه.
- حينما نمنح أبناءنا الحرية في تكوين علاقات نوسع بذلك دائرة تعرضه لشتى أنواع الخير، وكذلك الأفكار المختلفة، فكلما قيدنا حرياتهم صغر عالمهم وقلت استفادتهم وإفادتهم لمن حولهم، ساعديهم على الانطلاق بعد أن تطمئني لسلامتهم دينيًا ونفسيًا.
- التطوع لا يقتصر على السن الكبير في الأطفال، فاختاري الأنسب لكل مرحلة ولا تحرمي الصغير المشاركة، فعلى سبيل المثال شاركي طفل السنتين ونصف وضع العبوات في صناديق الطعام، وتوزيع التمر على الصائمين، فلنا أن نتخيل ثمرة غرس قيمة التطوع من الصغر، وينشأ ناشيء الفتيان منا على ما كان عوده أبوه.
- ما أجمل أن ندرب أبناءنا على صناعة شيء بأيديهم والتبرع به، فهذا يعطي قيمة مضافة لعمل الخير، فلا تتوقفي عن مشاركتهم أفكارًا لأشياء يصنعونها بأيديهم ثم يقومون بتوزيعها.
ونحن في مقام العمل التطوعي نتذكر صورة من أجمل صور التسابق إلى الخيرات بين سيدنا أبي بكر الصديق وسيدنا عمر- رضي الله عنهما- فعن عمر أنه قال: أمرَنا رسولُ اللَّهِ- صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- أن نتصدَّقَ؛ فوافقَ ذلِكَ عندي مالًا، فقلتُ اليومَ أسبقُ أبا بَكرٍ إن سبقتُهُ يومًا، قالَ: فَجِئْتُ بنِصفِ مالي، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: ما أبقيتَ لأَهْلِكَ؟ قلتُ: مثلَهُ، وأتَى أبو بَكرٍ بِكُلِّ ما عندَهُ، فقالَ: يا أبا بَكرٍ ما أبقَيتَ لأَهْلِكَ؟ فقالَ: أبقيتُ لَهُمُ اللَّهَ ورسولَهُ، قلتُ لا أسبقُهُ إلى شيءٍ أبدًا”.
مقام لا نصل إليه في التسابق إلى الخيرات، لكن التعرض لمثل هذه النماذج يذكرنا بأن ما نفعل ضئيلٌ جدًا بجانب فعل الكرام، فيحثنا على فعل المزيد، فاحرصي على تذكير الكبار من الأبناء بأن يكون جزءًا من ادخارهم بهدف المشاركة في أعمال البر، وذكريهم بالإخلاص، لما جاء في حديث رسول الله عن أحد السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله، منهم رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه.
فاللهم ارزق أبناءنا الإقبال على الطاعات وحب الخير طواعية، وحببهم ويسر لهم طريق الوصول إليك من غير عنت ولا مشقة.