أنا زوجة مقبلة على الطلاق والعياذ بالله، ومشكلتي مع زوجي تتلخص في 3 نقاط فقط، وقبل أن أحكي النقاط الثلاثة أعرج على خصال زوجي، هو رجل طيب خلوق، ينفق عليّ ويُسكنني في بيته، ولم ينقصني من النفقة أو المصاريف شيئا، ولم يضربني في حياتنا علمًا بأنني متزوجة منذ 7 سنوات، ولا يسبني ولا يرفع صوته عليّ.
أما النقاط الثلاثة مكمن المشاكل؛ فالأولى أنه صامت لا يتحدث معي إطلاقًا إطلاقًا لا يحاورني ولا حتى يأخذ رأيي في شيء، ولا حتى يوصل لي أمانة لغوية من عند الناس، ولا يحكي لي وجعه ولا يحاول أن يعرف عني شيئًا، وعندما أخبره أنني سأخرج أو على سفر؛ لا يكلف نفسه عناء الاستفسار عن سبب الخروج! صامت طوال الوقت!
النقطة الثانية أنه لا يغار عليّ البتة، حتى لو سمعني أتكلم مع رجل آخر، حتى لو خرجت بلباس غير لائق! حتى لو استأجرت شخصًا ليصلح لي عطبًا في المنزل أو يوصل لي غرضًا! ولا يغار حين يراني أتكلم مع هؤلاء الرجال، كل هذا آخر همه، المهم عنده أنه يطعمني ويسقيني.
والنقطة الثالثة والأهم أنه لا يعاشرني معاشرة الأزواج، ولا تهمه مدة الانفصال، وأنا التي تسحبه إلى الفراش فيأتيني مغصوبًا عليه، وإذا لم أنادِه أنا فلا يأتي! ومرت ثلاثة أشهر لم يقربني فيها، بل حتى إنني لا أؤثر فيه مهما لبست وتزينت وتعطرت، لا يتحرك فيه ساكن، بل على العكس عندما يلاحظ أنني أستعد وأتزين للنوم معه؛ يختلق مشكلة كي لا يضاجعني!
منذ 7 سنوات وأنا أحاول إصلاح هذه الأمور لكن بلا جدوى، فعلت كل ما في طاقتي ولم أصل معه إلى شيء! وآخر شيء أنني لجأت إلى حكم من أهلي وحكم من أهله، ووعدهم بالتغيير لكن لم يوفِ بوعده، بل صار أكثر غضبا عليّ.
الآن أنا مصممة على الطلاق؛ لأن الإهمال الذي أعيشه يجعلني أفكر في كل رجل أراه في الشارع أو المواصلات وأظل أحدق النظر فيه! وحتى أعف نفسي ألزمتها بالصيام رغم قسوة ذلك في هذه الأجواء الحارة ومع متاعب الحياة.
عندي منه طفل واحد وهو لا يكلف نفسه التفكير في كيفية إنجاب أخ أو أخت له، ماذا أفعل في هذه الحياة؟!
السائلة الكريمة:
نتفهم تفكيرك في الانفصال بسبب فقدك ركنًا مهمًا في العلاقة (التواصل الفعال)، لا أحد يلومك إن أخذت بجميع الأسباب ولم تجدي سبيلًا إلا الانفصال، أعانكِ الله على أمركِ وأصلح لك زوجك.
نتفهم أيضًا أن المجتمع ينكر على الزوجة الحديث عن احتياجاتها، بل قد تصبح موصومة بعد أن كانت مظلومة، لذا لعلكِ لجأتِ إلينا لأن من حولك لا يتفهمون مشكلتك، بل قد يطلبون منك الرضا بالحال، فهم لا يفهمون معنى أن تحيا زوجة حياة رمادية، فلا أنتِ زوجة بالمفهوم الكامل للزوجية، ولا أنت حرة تختارين بين الصوم- كما اجتهدت وفعلتِ- أو تقررين خوض تجربة جديدة.
وبرغم كامل حقك في رفض ذلك الوضع، إلا أن خطوة تدخل الأهل في أمر دقيق هكذا- كأحد الحلول التي لجأتِ إليها بالفعل-؛ لن يؤدي إلى تحسن الزوج، وهو بالفعل ما قد حدث، ولو أن الأدوار تبدلت، وكان الزوج هو المشتكي؛ فلا نراكِ تقبلين أبدًا بطرح أمر حساس كهذا، على مرأى ومسمع من الأهل.
لا نريد أن نزيدك همًا فوقَ همك، لكننا نرجو الإصلاح على بصيرة؛ لأن طريقة الإصلاح التي اتبعتِها تكسر الزوج في عين نفسه، قبل أن تكسر رجولته في عيون الآخرين، ولعلك سمعت عن زيجات انتهت، يتعامل كلا الطرفين في الانفصال باحترام جم، لم يسمع تفاصيل مشاكلهم أحد؛ فنربأ بمن في مثل ظروفك ألا يُدخلوا الأهل طرفًا في الحل، فحفظ ماء الزوج أو الطليق أمر مهم؛ فمعاشرة بمعروف أو تفريق بإحسان، يكفي أن نقول لم نوفق، وانتهى رزقنا معًا عند هذه المحطة.
كما نشير إلى وجهٍ آخر في التعاطي مع تلك المشكلة، بعض الزوجات قد تستغني عن حقها الشرعي مقابل صفات معينة في الزوج تراها عوضًا، ويبدو أن محاسن زوجك التي ذكرتِها، لم تشفع له، حيث طال الصمت بينكم ليمتد إلى أصل العلاقة، ولم يكن صمتًا عن العلاقة فقط!
امتد لتصبح الحياة كلها صمت، فلا يحدثك، ولا يسأل عمن دخل بيتك، ولا يسأل عن لبسك، رغم أن كثيرًا من النساء غيرك يتمنون لو صمت الزوج عنهم، ووثق فيهم، ولم يعلق على ملابسهم، ما نقصد قوله أن صمت زوجك عن التعليق على ملابسك وغيرها، قد يكون له وجه إيجابي؛ ثقة فيك، وأنه لو حدث وعلق فقد تستائين من فعل ذلك.
نعرف أنك تنقلين إلينا صورة توضح شكل العلاقة، وبدورنا نشير إلى أن بعضًا مما نقلتيه يمكنك غض الطرف عنه، في مقابل التركيز على النقطة الأهم، تقولين إنك حاولت الحل- أعانك الله- خلال سبع سنوات، هي عمر زواجكم، فهل معنى هذا أن المشكلة من البداية، أم حدث حادث غيّر الزوج عليك؟!
تلك المشكلة لا بد وأن لها سببًا، إما صحي: كبعض الأمراض مثل السكري وغيره، كذلك بعض العلاجات تؤثر على العلاقة، كأدوية الاكتئاب وغيرها، كما أن نقص هرمون الذكورة يؤثر بالطبع، إلا أن له حل بمتابعة الطبيب.
يؤخر هذا الحل؛ عدم اعتراف الزوج بوجود المشكلة، أو تصوره بأنها مشكلة بغير حل، أو للحرج، كما يعد تعاطي المخدرات وغيرها أحد أكثر الأسباب التي تؤثر على العلاقة، ففي دراسة في دولة إيران حيث يكثر تعاطيهم لهذه المحرمات، وجد أن 40% من النساء لديهم نفس الشكوى، يبدأ الرجل في أخذ هذه الأشياء بدعوى أنها تسبب السعادة، ليجدها لاحقا تدمر العلاقة!
أما عن الأسباب النفسية: فلا بد قبل أن نحكم على شخص بأن لديه أمراضًا نفسية تعيقه من التواصل بشكل جيد وفعال، لا بد من الرجوع لأهل الاختصاص، لا نحكم من خلال قراءة مقال هنا أو الاستماع لمقطع هناك، ليست كل الأسباب النفسية عبارة عن أمراض تحتاج إلى علاج دوائي؛ فضغوطات العمل، والأزمات المالية، والخلافات الزوجية، والحسد، وغيرهم قد يعطلوا علاقة كانت ملء السمع والبصر يومًا ما.
إذًا، السائلة الكريمة: الأمر له أسباب عدة، سبع سنوات كانت كافية لتحسين الوضع أو أخذ قرار اللنفصال، بشرط أن نكون طرقنا جميع الأبواب بالفعل، وحيث إنك قد لجأتِ إلينا تستشيريننا في أمرك، فلتجعليها محاولة أخيرة، لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا، ونرى أن العلاج يكمن في عدة أمور:
- الإدراك:
- ولا يكفي إدراكك وحدك بالمشكلة كي تحل، فإدراك الزوج أيضًا مهم.
- ون وصيك أن تختاري أطيب الكلم، وأن تبدأي بمحاسنه، فإقرارك بأنه زوج يتمتع بصفات حسنة، قد يحيي ويجدد ثقته في نفسه.
- كما أنه من الذكاء أن تبدئي بالحديث عن عيب فيكِ قد يكون هو المعطل والحاجز بينك وبينه.
- لا نسعى أثناء الحل في البحث عن حجم أخطاء كل فرد، بقدر ما نوقظ الغافل أن السفينة أوشكت على الغرق، وأنك تشهدين الله بأنك حاولت، “فحاول معي، وافتح لي قلبك بكل ما أهمك أزيحه عنك ما استطعت”، وإذا شعر الزوج بالأمان وأنك موطن سره، فقد يتغير الحال، ويجد ضالته في أن يرمي حملًا ثقيلًا عن كاهله. بل إن استطعتِ ورأيت أن لديك المقدرة في الاستغناء عن هذا الجانب في الزواج حتى يُشفى؛ أبلغيه بذلك، لكن بشرط أن يكون الود قائمًا في شتى الجوانب، وأننا في نفس الوقت لا نألو جهدًا في طلب العلاج.
- توضيح المفاهيم:
- فالزواج ميثاق غليظ، يشتمل على المودة والرحمة، وطرقها في الحياة الزوجية عديدة، أحدها وأكثر دليل على فرط الانسجام (العلاقة الحميمية)، لكن لا يعني تعطلها لأي سبب، أن الحياة قد توقفت، وتعاملنا مع الأمر أنه إبتلاء واختبار يجعلنا نبذل قصارى جهدنا في تقويمه، لكن قصر مفهوم الحميمية على العلاقة الجسدية فقط هو فهم قاصر.
- فالتلامس الجسدي في جميع الأوقات في توديع الزوج واستقباله وشكره على تعبه لأجلكم شكل من أشكال الحميمية.
- كذلك الحميمية الفكرية، بإيجاد المشترك أو اختلاقه لأجل خلق مساحات من التقارب في الحوار هو شكل من أشكال الحميمية.
- الأمر إذاً يحتاج إلى إدارة بحنكة وذكاء، وقد تؤدي ضغوط المشكلات إلى إجراءات خاطئة، لكننا دائمًا نقول إن الطرف الأوعى في العلاقة هو الذي عليه عبء الحل، حفت الجنة بالمكاره، جنة الآخرة حفت بأمور نستثقل أداءها أحيانًا، وكذلك جنة الدنيا، لا بد حتى نتذوق حلوها أن نغوص في المكاره.
- تجديد العهد:
- كما يقولون، نحن أبناء اليوم، تخطئ أحيانًا الزوجة بمحاسبة زوجها بأثر رجعي ولا تعلم أثر ذلك على تجديد الجراح، فدعنا من كل ما فات نفتح صفحة جديدة، نعمل فيها أشياء غير معتادة، ولتبدأوا بالسفر، فتجديد الأماكن يجدد الروح، ويسهل فتح الكلام الذي يستثقل على النفس قوله في الأحوال العادية.
- ولا تنتظري أن يرتب الزوج ذلك، فيكفي أن يوافق ثم خططي ورتبي، ترجين من الله انصلاح الأحوال، مستعينة بالدعاء والاستغفار.
- ونذكر بأن الطلب يكون بشكل لائق، فمن يبحث عن حلول، يجتهد أن يختار أنسب الطرق، فلا يصح مثلا أن نطلب السفر بأن نقول (عمرك ما سفرتني)، بل نقول (نحن بحاجة إلى تجديد، أو أنا بحاجة إلى التجديد والتغيير)، والفرق في الأسلوبين واضح!
- الذهاب إلى متخصص:
- فالحمدلله كثر أهل الاختصاص، ممن نحسبهم على خير، فبالتوازي مع محاولاتك في التجديد والتغيير، لا مفر من الذهاب لأهل الاختصاص، للتأكد من خلو الزوج من الموانع الصحية والنفسية، ويعمل المتخصصون في وجود طرفي العلاقة، لكن إذا تعثر إقناع الزوج فلتذهبي وحدكِ آخذةً بجميع الأسباب.
- ولا يتوقف دور المتخصص على البحث في الأسباب وإيجاد الحلول، بل يساعد أيضًا في تعليمنا طريقة تعاطينا مع الأمور، فنتعلم إدارة مشاكلنا بتفريغها على ورق، أو بالتحدث مع متخصص، كما يساعدنا في تعلم كيفية التحكم في الأفكار المسيطرة، وكيفية صرف فكرة معينة عن الذهن،
- فقد تجدين أن الانفصال حلٌّ، ولا توفقين في زواج من بعده، هنا ستظل مشكلة الشهوة قائمة إذا لم نتبع الطرق الشرعية في التحكم فيها وكذلك الطرق العقلية، فمشاعرنا من حقنا، لكن علينا تهذيبها حتى لا نقع في الحرام، ويساعد المتخصصون في تعليمنا طريقة إدارة تلك المشاعر، ويكون ذلك بتسمية الشعور، وقبوله، وإدارة ما وراء الشعور بشكل يحفظ علينا قيمنا ومبادءنا.
السائلة الكريمة: نرجو أن تكون رسالتك هذه بداية لتفريغ مشاعر الحزن والأسى من زواج توقعتيه على شكل ووجدتيه على شاكلة أخرى، يتبعها بإذن الله خطوات أكثر عملية نحو إصلاح بيت على ما يحبه الله ورسوله، جنباته المودة والرحمة والسكينة، سبحانه هو ولي ذلك والقادر عليه.
أراح الله بالكِ وأهدأ لك حالكِ، وأقرَّ عينكِ بزوجكِ كما تحبينه، ودودًا كريمًا معطاءً مقبلًا عليكِ غير مدبر.