الطفل أمانة عند والديه ومربيه والمحيط الذي يعيش فيه، فهو بقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة، تحتاج إلى نقش الخير عليها وإماطة الشر عنها، لكن أخطاء المربين والمعلمين قد تقف حائلا أمام هذه المهمة الجليلة.
ورغم أن تربية الأبناء مسؤولية كبيرة وتحتاج إلى دراسة وفهم جيّد، فإن بعض المربين يقولون إنهم يقرأون العديد الدراسات ويحضرون الدورات التدريبية عن تربية الأولاد، لكن دون فائدة، إذ تلازمهم مشكلة عدم القدرة على التعامل مع الأولاد بطريقة ناجحة، وهذا بالتأكيد يرتبط بأخطاء في التربية.
أخطاء المربين في التعامل مع الصغار
وتتعدد أخطاء المربين في العملية التربوية، ومن ذلك:
- عدم الاتفاق على نهج تربوي مُوحد، نتيجة التّضاد في المفاهيم، ما يُؤثر على نفسية الطفل بشكل كبير؛ لأنه لا يعرف من المربي الذي يعلمه الصواب، لذلك يجب الاتفاق على منهج تربوي واضح، بين الوالدين والمربين في كل مكان.
- عدم إشباع حاجة الطفل للرحمة والحب والحنان: وهذا من الأخطاء التي يرتكبها المربون في التعامل مع الصغار، فهناك مَن يتعامل بقسوة وعنف كأنهم عسكريون أو ماكينات، ويجري توبيخهم ونقدهم في كل صغيرة وكبيرة.
وهذا الخطأ يترك في نفس الطفل آثارًا سيئة، منها التقليل من قيمة الذات؛ لذلك يجب أن تكون هناك دائمًا مساحة من المرح والترويح مع التعامل الهادئ المطمئن بحب وحنان ليسود التفاهم.
وقد علمنا النبي- صلى الله عليه وسلم- في مواقف كثيرة معاملة الصغار بالحب، فعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: خَرَجَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في طَائِفَةِ النَّهَارِ، لا يُكَلِّمُنِي ولَا أُكَلِّمُهُ، حتَّى أتَى سُوقَ بَنِي قَيْنُقَاعَ، فَجَلَسَ بفِنَاءِ بَيْتِ فَاطِمَةَ، فَقالَ: أثَمَّ لُكَعُ؟ أثَمَّ لُكَعُ؟ فَحَبَسَتْهُ شيئًا، فَظَنَنْتُ أنَّهَا تُلْبِسُهُ سِخَابًا أوْ تُغَسِّلُهُ، فَجَاءَ يَشْتَدُّ حتَّى عَانَقَهُ وقَبَّلَهُ، وقالَ: اللَّهُمَّ أحْبِبْهُ وأَحِبَّ مَن يُحِبُّهُ (البخاري).
وهذا الحديثُ في فَضلِ أَحدِ سِبْطَيِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الحَسَنِ بنِ علِيٍّ رَضيَ اللهُ عنهما، كما في رِوايةٍ في الصَّحيحَينِ، و«ثَمَّ» ظَرْفٌ يُشارُ بهِ لِلمكانِ البعيدِ، أي: أَيوجدُ هناكَ في البيتِ؟ ولُكَعُ: قيلَ في إِحدى مَعانيهِ: الصَّغيرُ الَّذي لا يَهْتدي لمَنطِقٍ ولا غيرِهِ، وهذا حالُ الحَسنِ.
ثمَّ أخبَرَ أبو هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ فاطمةَ رَضيَ اللهُ عنْها مَنَعَت الصَّغيرَ مِن المُبادَرةِ إلى الخُروجِ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَليلًا، فظَنَّ أبو هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ سَببَ تَأخيرِهِ في الخُروجِ أنَّ فاطمةَ رَضيَ اللهُ عنها تُلبِسُه سِخَابًا أو تُغَسِّلُه، والسِّخابُ: قِلادةٌ مِن القَرَنْفُلِ والمِسْكِ والعُودِ ونَحوِها مِن أَخلاطِ الطِّيبِ، يُعمَلُ على هَيئةِ السُّبْحةِ ويُجعَلُ قِلادةً للصِّبيانِ والجَواري، أو هُو خَيطٌ فيهِ خَرَزٌ، سُمِّيَ سِخابًا لصَوتِ خَرَزِهِ عندَ حَركتِهِ من السَّخَبِ، وهوَ اختِلاطُ الأصواتِ، فجاءَ الحَسنُ يَشتدُّ، أي: يُسرِعُ في المَشيِ؛ استِجابةً لِنداءِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَعانَقَه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وقبَّله؛ وذلك مِن الحُبِّ المُتبادَلِ بيْن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وبيْن أحْفادِه، فدَعا له الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بقَولِه: «اللَّهمَّ أَحبَّهُ وأحِبَّ مَن يُحِبُّه»، أي: إن جزاء وأجر محبتهما هو حب الله تعالَى له. وفي الحديثِ فوائد، منها: تَنظيفُ الصِّبيانِ وتَرْبِيتُهمْ، لا سيَّما عندَ مُلاقاةِ الكِبارِ، وإرشادُ الكِبارِ إلى مُلاطَفةِ الصِّغارِ؛ لإدامةِ المحبَّةِ والمودَّةِ بيْنهما، وبينا فضل ومنقبة الحسن رَضيَ اللهُ عنه.*
- التقيد بالمثالية وعدم معرفة سن التربية: فرفع سقف التوقع في التربية للمثالية، يقع ضمن أخطاء المربين في عملية التنشئة، فلا يُوجد أب أو أم أو مربّ لا يرغبون في أن يتحلى الأطفال بقدر كبير من الأخلاق وأن يحسنوا تربيتهم بشكل سليم، لكن توقعهم من أن الطفل سيكون شخصًا مثاليًّا في كل تصرفاته وأخلاقياته فهذا شيء من وحي الخيال.
والاعتقاد بأن التربية تبدأ في وقت معين يُؤثر هذا الخطأ على تربية الطفل، فهو اعتقاد أن الطفل في سن صغيرة لا يسمع التوجيهات وأنه لا يستوعب ما هو الصواب وما هو الخطأ وهذا الاعتقاد خاطئ لأن من أهم السنوات لتأسيس الطفل وتقويم تربيته هي الست سنوات الأولى من عمره، إذ يتمتع فيها بذاكرة قوية وقوة بديهة سريعة.
إن كل ما يتعلمه الطفل في هذه السنوات الست يبقى عالقا بذهنه وملازما له طيلة حياته، وبما في ذلك نصائح وتوجيهات التربية حتى لو لم يستجب الطفل لهذه التوجيهات بالتو، فإن عقله يحتفظ بكل ما تقوله له ويسترجعه حين يصبح في سن أكبر، لذلك يجب غرس القيم والنصائح للطفل في سن صغيرة.
- التشاجر أمام الأطفال: بالطبع ليس هناك بيت يخلو من المشكلات والنزاعات، وضغوط الحياة والمسؤوليات التي لا حصر لها، ويغفل كثيرٌ من الآباء والأمهات والمربون التأثير النفسي لهذا الشجار على الأبناء الذي يُؤثر بالسلب على شخصياتهم، وقد يؤدي إلى تنشئة طفل منعزل يرى العالم مكانًا مخيفًا مليئًا بالصراعات.
- الانشغال بالهاتف: وهي من الأخطاء الكبيرة في التربية، فالانشغال الدائم بالهاتف الذكي للرد على رسالة أو الاطلاع على مواقع التواصل الاجتماعي أثناء قضاء الوقت مع الطفل، يجعله يشعر بعدم أهميته وربما يدفعه هذا للقيام بتصرفات غريبة لكسب الاهتمام.
- ترك مسؤولية التربية بالكامل للغير: إن من أخطر الأخطاء وأكثرها شيوعا في مجتمعاتنا ظاهرة تشاغل الأب والأم عن دورها الأساسي وهو تربية الأبناء، سيما أن الأمور الشاغلة هي بالفعل أقل قيمة من تربية الأولاد، وقد يعتمد الآباء جزئيا على بعض المربين في عملية التربية، لكن الأسرة ستظل المنبع الأساسي الذي يجب أن ينهل منه الطفل جُلّ السلوكيات والأمور التربوية.
وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (التحريم: 6)، وقال الرسول- صلى الله عليه وسلم-: “كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَالإِمَامُ رَاعٍ ، وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ في أَهْلِهِ رَاعٍ، وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ في بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهْىَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ في مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ، وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ”. (البُخَارِي).
- إظهار المربي عجزه عن تربية الطفل: وهذا يقع كثيرا مع الأمهات، فتجد أن الأم مثلا تقول: “إن هذا الولد أتعبني، أنا لا أقدر عليه، لا أدري ماذا أصنع معه”، والطفل يستمع إلى هذا الكلام فيشعر بالفخر لإزعاجه والدته ويتمادى في هذا الأمر لأنه يشعر أنه يثبت وجوده بهذه الطريقة، أو يشعر بنفور الأم منه ويترك ذلك أثرا سلبيا في نفسه.
- الثبات على نفس الطرق التربوية وعدم اختبار فعاليتها ومناسبتها: فعدم تغيير المربي الاستراتيجيات والأساليب التربوية التي لم تعد تعمل، يُعد من أكبر المشكلات، لأن ذلك لن يمكنه من حل أي مشكلة أخرى.
فمثلا يعتقد بعض المربين أن الضرب أداة تربوية مؤثرة، لكن إذا اضطر المربي لاستخدامه يوميا لتعديل السلوك نفسه أو تصحيح المشكلة نفسها، فبالتالي يجب أن يكون واضحا له أنه لا يجدي نفعا.
خطوات عملية لعلاج أخطاء المربين أثناء التربية
وهناك خطوات عملية يمكن الاستفادة منها عند علاج أخطاء المربين في التعامل مع الصغار، ومن أبرزها ما يلي:
- رفع الواقع: وذلك بأن يجلس المربي مع نفسه ويُحضّر ورقة وقلما، ثم يسجل المواقف التي لا يلتزم فيها بمبادئ التربية السليمة، ونقاط الضعف التي تنتابه في هذه المواقف، وكذلك يحدد الأسباب التي تدفعه لممارسة السلوكيات غير التربوية.
- معالجات عملية وترتيب الأولويات: بعد أن يحدد المربي السلوكيات السلبية يضع خطة متزنة لمعالجة كل سلوك، لتغييره في نفسه وفي الصغار على سواء، مع ترتيب أولويات المعالجة.
- فترة زمنية: يجب أن يُحدد المربي فترة زمنية لعلاج كل سلوك وتصحيح مساره، ويجب أن يتقمص دور المربي الناجح وأن يكون قدوة أمام الصغار.
- لوحات تذكيرية: ربما يساعد المربي لو كتب بعض اللوحات وعلقها في أماكن بارزة لتساعده على التذكر.
- الاستعانة بالصبر والمثابرة على تصحيح السلوك الخطأ: فلا يتعجل المربي ولا يقنط ولا ييأس من تصرفات الصغار لكونهم يواجهون سلوكيات خاطئة عبر الشارع أو النت أو التلفزيون، فصبر جميل.
- المتابعة وتقييم الأداء وقراءة التصرفات: فعلى المربي أن يحرص على تقييم أدائه بشكل مستمر؛ فالتقييم وتصحيح المسار عليه نسبة كبيرة من النجاح، وإن غضب مرة أثناء العلاج يسأل نفسه عن سبب الغضب، حتى لا يتكرر.
نصائح للمربين
وهناك بعض النصائح التي يجب أن ينتبه إليها المربون وأولياء الأمور عند تربية الصغار، وهي على النحو التالي:
- الاستعانة بالله والتوجه إليه بالدعاء، والإلحاح عليه سبحانه أن يعيننا على تعديل سلوكياتتا السلبية في تربية الأولاد، وكذلك الدعاء لهم بأن يجعلهم الله من الصالحين الموفقين.
- تعليم الأولاد القرآن الكريم والعبادات منذ الصغر حتى يساعدهم ذلك على تقبل التربية بصورة أفضل.
- استشارة أصحاب الخبرات عند الحاجة إلى ذلك.
- تخفيف الضغوط وممارسة بعض الهوايات المحببة لتفريغ الانفعالات السلبية.
- تعويد النفس على استيعاب المشكلات اليومية، وتذكر أن لكل جيل ظروفه.
- تقبل إخفاقاتنا مع أولادنا بصدر رحب، والبحث عن أسبابها بكل حيادية وموضوعية، وبعيدا عن التأثر النفسي السلبي بنتائجها، فهذا يساعدنا على تلافيها في المستقبل.
- الابتعاد عن المتشائمين وناشري الإحباط في تربية الأولاد؛ لأن كثرة كلامهم عن الإخفاقات ومصاعب التربية تثير في النفس الشعور بالعجز، وعدم القدرة على تحقيق ما نهدف إليه مع أبنائنا.
- يجب أن نتعرف على خصائص المرحلة العمرية التي يمر أولادنا بها؛ لأننا في كثير من الأحيان نظن أننا فشلنا في تربيتهم ونُصاب بالإحباط لإصدار بعض السلوكيات منهم، رغم أن هذه السلوكيات ربما تكون من طبيعة المرحلة التي يمرون بها.
إن أخطاء المربين في التعامل مع الصغار، يمكن أن تعالج وتقوم بالقراءة والبحث والصبر، والتدريب على الابتعاد عن كل سلوك خاطئ يؤخر عملية التربية ويحيد بها عن الطريق الصحيح.