يهتم الإسلام بإعداد النشء إعدادًا صحيحًا يعتمد على قوة الأخلاق، والالتزام بتعاليم الدين، واكتساب المهارات الحياتية، لذا نجد أن تربية الأولاد في الكشافة تتوافق مع هذه الغاية السامية، سيّما إذا كان المنهج الكشفي يستمد تعاليمه من تعاليم الإسلام الحنيف التي تحض على مكارم الأخلاق.
والحركة الكشفية هدفها في الأساس تربوي وهو إعداد المواطن الصالح إعدادًا خُلُقيًّا واجتماعيًّا ونفسيًّا، بالإضافة إلى استثمار أوقات الفراغ بما يعود على الإنسان بالنفع، مراعية في ذلك ما يحض عليه الإسلام، وما تقتضيه القيم والتقاليد الاجتماعية السّارية في المجتمع، من ذلك التعرف إلى دلائل قدرة الله وعظمته، وربط وتكوين العلاقات بين الأشياء لإكساب مفاهيم وحقائق جديدة، واتباع قواعد صحيحة في كل مناحي الحياة.
ماذا يعني تربية الأولاد في الكشافة؟
تربية الأولاد في الكشافة أو الجوالة تعنى أن يجري إعدادهم بأساليب تربوية تجعلهم يتعلمون من خلالها كيف يتطورون ويتخلصون من الاعتماد على مَن هو أكبر منهم، ويَكتسبون المبادئ التربوية والقيم والاتجاهات الصحيحة ويُنمّون معارفهم ومهاراتهم، وروح المبادرة والابتكار والإقدام والشجاعة والتطبع بالعوائد الحميدة.
والحركة الكشفية تحرص على أن يكون الفرد فيها دؤوبًا على تقويم الاعوجاج الذي لحق بسلوكه وبالتّحلي بالأخلاق النبيلة، وهي تسعى من خلال المناهج والبرامج والأنشطة إلى استغلال الطاقات وتنميتها وحل المشكلات.
وتتألف الكشافة من مراحل مختلفة، تبدأ من البراعم التي تتراوح بين 3 و7 سنوات، ثم مرحلة الأشبال والزهرات من سن 7 إلى 11 سنة، ثم مرحلة الفتيان والفتيات من سن 11 سنة إلى 14 سنة، ثم المتقدم والمتقدمات من سن 14 سنة إلى 17 سنة، ومرحلة الجوال والمرشدات من سن 17 سنة حتى الانتهاء من المنهج المحدد، أما مرحلة القيادة فتكون عندما يتم الفرد مرحلة جوال إلى أعلى، ومرحلة الرواد تبدأ من سن 40 سنة وهي للخبرة والتشريف.
ولو نظرنا إلى الحركة الكشفية بشكل عام كحركة تربوية سنجد أنها تؤدي في البداية دور البناء ثم العلاج ثم الرعاية، وهي تعتمد على مبادئ تربوية تغرس القيم والاتجاهات الصحيحة في نفوس الأفراد وتنمي معارفهم ومهاراتهم، ومن أهم ما تغرسه في النفوس هو الواجب نحو الله تعالى، عن طريق الإيمان بالخالق والتمسك بالمبادئ والقيم الدينية، ثم الواجب نحو الوطن، ونحو الآخرين، ونحو النفس.
فوائد تربية الأولاد في الكشافة
تتنوع فوائد تربية الأولاد في الكشافة أو الجوّالة، إذ تساعد الآباء والأمهات في اكتشاف بذور الصفات الحميدة لدى الأبناء وتنميتها، ومن أهم الفوائد التي يكتسبها الطفل في الكشافة:
- عدم التبذير: يتعلّم الطفل هذه الصفة في سن مبكرة للحفاظ على النعم والاقتصاد، والإسلام يحذر من التبذير، فيقول تعالى: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ) [الإسراء: 27].
- حب الخير: وهي صفة تجعل الطفل يشعر أنّه عضو نافع في جماعته، فيوجد في الحالات الطارئة والأعمال التطوّعية، فعن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”، (البخاري ومسلم).
- الطاعة: صفة ينتهجها الطفل تجاه قائد المجموعة التي ينتمي إليها، فلا يخالف أوامره وينفّذ تعليماته مهما كانت الظروف، وذلك نابع من أن لكل قائد مسؤولية، فعن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: “أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ” متفق عليه.
- الشرف: وهي صفة تلزم الطفل باحترام حقوق الآخرين والحفاظ على أمانات الغير وعدم السطو عليها وأدائها في مواعيدها، وهي من تعاليم الإسلام الحنيف، يقول تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) [النساء: 58].
- الالتزام: تحثّ هذه الصفة على أداء الواجب وتحمّل المسؤولية كاملة تجاه الجماعة، بما يؤهّل الطفل أن يكون عضوًا منتجًا ونواة صالحة في المجتمع.
- الصداقة: صفة تدعو إلى اكتشاف البيئة المحيطة وتبادل الخبرات بين المجموعات الصغيرة لتحقيق أهداف النشاط واستمراره، قال الله تعالى: ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾ [الزخرف: 67].
- الإخلاص: ومن مظاهرها إنكار الذات الذي يدعم أواصر الصداقة بين أطفال المجموعة الواحدة، قال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [البينة: 5].
- النظافة الشخصية: وهي من بين أهم الصفات التي يحثّ عليها النشاط الكشفي، قال تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة من الآية:6].
- الابتسامة: ويكون طفل الكشافة بشوشًا دائم الابتسامة والمرح، ما يضفي مزيدًا من الشعور بالتفاؤل والمحبة لدى الغير، قال صلى الله عليه وسلم: “وَتَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ” (البخاري).
- الأدب: يلزم النشاط الكشفي الطفل بتعاليم الأدب والأخلاق، فلا يجوز له أن يسبّ أو يشتم غيره حتى لو أخطأ في حقه، بل عليه نصح المخطئ بطريقة مهذّبة، قال تعالى: (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام: 108].
- الهدوء وعدم التوتر: فخلصت دراسة إلى أن الأشخاص الذين شاركوا في فرق الكشافة والإرشاد في صغرهم يتمتعون بصحة عقلية أفضل في حياتهم فيما بعد، وأن الدروس المتعلقة بالمرونة والتعامل مع المشكلات، التي وفرتها فرق الكشافة والإرشاد لأعضائها، تؤثر إيجابيًا وبشكل طويل المدى.
مجالات المنهج الكشفي التربوي
وتتم عملية تربية الأولاد في الكشافة من خلال مجالات تربوية مختلفة، من شأنها إكساب الطفل المهارات التي تجعله يعتمد على نفسه ويتعوّد منذ صغره تأدية الخدمات لمجتمعه الذي يعيش فيه، ومن هذه المجالات:
- التربية الروحية (الدينية): وهي أقوى الدعامات في تنشئة جيل صالح طُبع على الأخلاق الفاضلة وأشرب قلبه حب الخير لنفسه وللمجتمع وهي للنهوض بواجباته نحو الله ثم الوطن، فيتم غرس الإيمان بالخالق، وغرس الصدق في نفوس الفتيان، وتعويدهم على الاهتمام بالعبادات والشعائر.
- التربية الاجتماعية والوطنية: وروعي في المنهج الكشفي أن تكون ذا اتصال وثيق بالبيئة والمجتمع، وبالتالي تعين النشء على التكيف في هذه البيئة، فلا يكون الفرد معزولًا وحيدًا أنانيًّا بل يجري تربيته ليكون فردًا نافعًا إيجابيًا يحب الخير لنفسه ولغيره.
- التربية الصحية: فهي تقدم له المعرفة الصحية المتمثلة في العادات السليمة في متطلبات الحياة الجسدية التي يستطيع من خلالها وقاية نفسه من الأمراض والأخطار. ولا يكتفي بهذا بل يتجاوز ذلك إلى المساهمة مع أقرانه في نشر الوعي الصحي بين الناس.
- التربية العقلية والفكرية: إن الأسلوب الذي تسير عليه الحركة الكشفية هو اشتراك الإحساس مع الحواس في استخلاص واستنتاج الحقائق العلمية، وبذلك فهي تطبق أحدث النظريات التربوية فالكشّاف يتعلم ما يرى نفسه بحاجة إلى تعلمه طواعية ورغبة فيه.
- التربية الرياضية: وتهدف الحركة الكشفية من خلال هذا المجال إلى استقلال اهتمام الفنية بالرياضة وتقدم بعض الأنشطة التي توجه هذا المجال إيجابيًّا من خلال المسابقات والألعاب الرياضية.
- التربية المهارية (الفنية): فأثبتت دراسات أن لكل الناس قدرات متقاربة من الإبداع والإتقان ولكن العوامل المساعدة على هذا قد لا تتوفر للجميع كالبيئة والوراثة والظروف النفسية، وهنا يتجلى دور الحركة الكشفية بالعمل على إتاحة جميع الفرص الفنية للكشف عن الطاقات والمواهب الكامنة فيهم.
إن مجال التربية الكشفية واسع جدا والمكان الطبيعي له هو الخلاء، ففيه يتعلم الكشاف الطاعة والنظام والأدب والتعاون والاعتماد على النفس، فيتدرّب على اختيار المكان للتخييم وعلى العقد والرّابطات وعلى الإسعافات الأولية وتقدير المسافات والارتفاعات ويتعلم الطهي وإعداد الشاي وحفظ الأطعمة.
كشافة الإخوان المسلمين
وفكرة تربية الأولاد في الكشافة تبناها الإمام حسن البنا الذي كون فرقة للرحلات لمزاولة النشاط الرياضي مع تأسيس أول شعبة للإخوان عام 1928 في الإسماعيلية ثم أسس فرقا أخرى في القاهرة وكل فروع الإخوان وكانت هذه الفرق نواة الجوالة أو الكشّافة.
وفي عام 1935 أقر المؤتمر الثالث للإخوان لائحة الرحلات وعمل على تعميم فرقها في كل الشّعب، وحينما أصدر محمد محمود باشا- رئيس الوزراء حينها- قرارًا بحل جميع القمصان الملونة عام 1938م لم يشمل القرار جوالة الإخوان لأنها كانت تتبع الكشافة المصرية التي تلتزم بجميع قوانينها.
واستعادت الجوالة الإخوانية نشاطها بعد عام 1951 فبدأت بإعادة تكوين رُهوطها في 26 يوليو 1953 وفي نهاية أبريل، وكان عددها سبعة آلاف جوال، وقد شرع مجلس قيادة الثورة في عام 1953 في تنظيم توجيه حركة الكشافة الوطنية بناء على طلب جوالة الإخوان ومثّل جوّالتهم في اللجنة المؤقتة لتوجيه النشاط الكشفي في مصر وفي المجلس الدائم للكشافة الوطنية وعيّن مدير عام كشافتهم سكرتيرًا عامًا للكشافة الأهلية.
وكانت جوالة الإخوان تضم الطالب بجانب العامل، والتاجر بجانب إمام المسجد، والفلاح بجانب المدرس، كما أن الجوالة لم تقتصر على القاهرة فحسب، بل انتشرت في ربوع الأقاليم فلم تخل أي شعبة للإخوان من رهط للجوالة، ويقول البنا عنها: “إن هذه الفرق والكتائب لم تجهز لبَغي ولا عدوان ولم تنظم لظلم ولا لطغيان وإنما أعدت لتكون سلامًا فى النفوس ونظامًا للمجتمعات وقوة للحق ومددًا لكتاب الله …”.
والتزمت جماعة الإخوان بالصفات العامة التي وضعتها الكشافة، بل استطاعت الجماعة تحويل الكشافة إلى نموذج عملي يُشار له بالبنان ويشهد له الجميع بحسن الخلق ومن هذه الصفات:
- الجوال صادق، وشرفه موثوق به.
- الجوال مخلص لله والوطن والملك ولوالديه ولرُؤسائه ومرؤوسيه.
- الجوال نافع ومعين لغيره.
- الجوال صديق الناس كلهم، وأخ لكل جوال آخر مهما اختلفت منزلته الاجتماعية.
- الجوال مؤدب.
- الجوال رفيق بالحيوان.
- الجوال يطيع أوامر والديه ومعلم فرقته ورئيس قسمه طاعة تامة.
- الجوال باش، ويُقابل الشدائد بصدر رحب.
- الجوال مقتصد.
- الجوال طاهر القلب حميد العقل حسن القول.
رسائل للآباء وللأمهات
وقبل ختام موضوعنا تربية الأولاد في الكشافة أو الجوالة، نُوجه عدة رسائل للآباء والأمهات، ومن ذلك:
- لا بُد من تشجّيع الطفل على الالتحاق بفريق الكشافة في المدرسة، ومناقشة ما يقوم به يوميًّا.
- مراقبة التغييرات الإيجابية في سلوك الطفل والمكتسبة من التحاقه بفريق الكشافة بالمدرسة.
- العمل على تنمية المهارات المكتشفة من الكشافة، وتشجيع الطفل على الاستمرار والالتزام بها.
- لا نقلق من تأثير التحاق الطفل بالكشافة على مستواه الدراسي، فقد أكّد المختصون أن النشاط الكشفي يساعد الطفل معنويّا لتحقيق نتائج دراسية أفضل.
- نواظب على حضور اجتماع الآباء في الكشافة عند الدعوة إليه.
- ونحتفظ بالشارات التي يحصل عليها الطفل من إنجازاته في مكان بارز بالمنزل.
- لا نفرض قيودًا على خروج الطفل في رحلات استكشافية يُحدّدها له قائد المجموعة.
- السماح للطفل بأداء واجباته ومسؤولياته تجاه مجموعته.
- نعبر للطفل عن مشاعر الفخر والاعتزاز بما يقوم به من أنشطة عن طريق الثناء عليه ومكافأته ماديًا أو معنويًا.
إنّ التربية الكشفية تنمي في الطفل خصالًا تجعله يظل في مستوى الفطرة، حيث إن قانون الكشاف يُؤصل الصدق والإخلاص لله وللوطن ولأولياء الأمر، وأن يكون الطفل نافعًا للغير، وودودًا للجميع، ومؤدبًا، ورفيقًا بالحيوان، وباشًا يُقابل الصعوبات بصدر رحب، ومقتصدًا لا يُبذر، ونظيفًا في الفكر والقول والفعل والمظهر، وشجاعًا ومقدامًا.
المصادر والمراجع:
- موقع بالعربي: فوائد الكشافة المدرسية للأطفال.
- موقع بي بي سي: تأثير الكشافة على صحة العقل “طويل المدى”.
- منتدى الكشافة الجوية: الدور التربوي للحركة الكشفية.
- محمد ياسين جاية: التأصيل الإسلامي لأخلاقيات أشغال الكشافة لتحقيق التفاعل الإيجابي بين الإنسان والبيئة.
- موقع الإسلام ويب: العمل الكشفي بين التقرب إلى الله والبعد عنه.
- مجلة الإخوان الأسبوعية 101سنة 4/9 جماد ثان 1365, 11/5/1946، ص 13,12.
- مجلة النذير الأسبوعية – السنة الأولى – العدد 5 – صـ 23 – 28 ربيع الآخر 1357هـ / 27يونيو 1938م.