عرفت الحقبة الأخيرة من القرن العشرين تغييرات وتطورات متسارعة ومتلاحقة في مجال الإعلام والاتصال وأكدت على أن العالم المترامي الأطراف الذي يحيط بنا يمكن أن تختصر فيه المسافات الزمنية والمكانية ليصبح قرية إلكترونية يتبادل فيها الناس أخبارهم متجاوزين بذلك العوائق اللغوية والثقافية.
أنتجت هذه الثورة الهائلة من الاختراعات والابتكارات العلمية والتكنولوجية، حتى اعتبرت الفضائيات – وخصوصًا في أيَّامنا هذه – من أخطر الوسائل تأثيرا على المجتمعات والشعوب، ومن ثَم فهي من المؤثرات التي توليها الحكومات والجماعات أهمية قصوى؛ نظرا لتعدد القنوات الفضائية، ونظرا لسهولة وصول هذا الوسائل إلى قطاعات عريضة جدا من المجتمع.
غزو جديد
تكمن مشكلة الفضائيات في أنها تعبر عن الرأي الأوحد الذي تتبناه سياسة القناة وفق توجه من يمتلكها، سواء على الجانب السياسي أو الجوانب الترفيهية التي تستجلب الكبير والصغير والتي من خلالها يدس السم في العسل والتي كثيرا منها ما يناقض ديننا وتقاليدنا وعاداتنا.
يعد الإعلام من الوسائل الفعالة في التربية وتستعين به كثير من الدول في تربية النشء، إلا أنه في الدول الإسلامية يساء استعماله من قبل القائمين عليه، وذلك لتنفيذ أجندات أصحاب هذه الوسائل والتي يكون معظم توجهها وخططها وفق رؤية الغرب التي يسعى لفرضها على الأمة الإسلامية لتحقيق أهدافه وأغراضه.
يقول فيصل محمد مشعل المطيري – جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية قسم علم نفس- (ومن هنا يرى العلماء أن حوالي 75% من البرامج التي تعرض في الدول العربية والاسلامية هي ذات إنتاج أجنبي وأن حكومات الدول العربية والاسلامية لا تسيطر إلا على 25% من المعلومات والبرامج الموضوعة والمعروضة لمواطنيها).
ويؤكد ذلك الدكتور أحمد زكي بدوي (في كتابه معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية) قوله: والمتتبع لن يجهد نفسه في استكشاف جرعة العنف التي تقدم ولا سيما المواد الفيلمية (بمستويات العنف الانفعالي واللفظي والسلوكي).
كما أن بعض البرامج في الفضائيات أدت إلى تدني مستوى الطلاب في التحصيل الدراسي، بل والخروج عن القيم والمبادئ الإسلامية البحتة، والعادات والتقاليد والأعراف المتوازنة (كما ورد بموقع إسلام أون لاين 12 مارس 2003).
غير أن موريس حانو ميستز – في كتاب علم الاجتماع التربوي بجامعة سبها 2001م – يرى أن لوسائل الإعلام دور في نقل تراث المجتمع من جيل إلي جيل، كما أنها تجمع المعلومات التي تساعد على مراقبة البيئة والإشراف عليها وذلك عن طريق ربط القيم السائدة في المجتمع بمختلف الأفراد.
أهمية الإعلام للعاملين للإسلام
أصبح الإعلام من الأدوات الهامة والمؤثرة في توعية الناس – إذا أحسن أستغلاله – ولذا لابد على العلماء والعاملين في الحقل الإسلامي أن يستفيدوا من الإعلام بشكل جيد وبصور محببه وجاذبة للناس في الوصول بمعاني الدين الصحيح.
يقول الدكتور محمود حمدي زقزوق – وزير الأوقاف المصري السابق: (الإعلام الإسلامي يتحمل مسؤولية ضخمة في هذا المجال، فعليه أن يوقظ الهمم ويشحذ الفراغ ولا يكتفي بالضرب على أوتار القلوب وإلهاب المشاعر، بل ينبغي أن يخاطب العقول وأن يسهم بفاعليه في مكافحة السلبيات والتركيز على الأولويات والارتفاع بوعي شباب الأمة وعدم الدخول في جدل عقيم حول الهامشيات).
النبي صلى الله عليه وسلم والإعلام
لم يغفل النبي صلى الله عليه وسلم وسيلة الإعلام خاصة كونه حورب بها؛ فكان عمه أبو لهب يمثل الإعلام المضاد، حيث كان يسير خلفه ويصيح في الناس لا تصدقوه فإنه كاذب، فكان لابد من إعلام يصحح للناس مفاهيمهم سواء في السلم أو الحرب، فقال – صلى الله عليه وسلم: [بلغوا عني ولو آية] فكانت بمثابة التصريح بالعمل الإعلامي النظيف، فقد رأيناه صعد على الجبل داعيا قريش إلى الإسلام حيث استخدم فيه الرسول أفضل الوسائل الإعلام: [لو أخبَرْتُكم أنَّ خَيلًا بسَفْحِ هذا الجبلِ تُريدُ أنْ تُغِيرَ عليكم أصدَّقْتُموني] بهذه العبارة أيقظ الشعور لدى الجميع استعدادا لما يقول.
بل إنه أرسل السفراء كأداة إعلامية توضح للناس حقيقة الإسلام فكان لها نتائج مثمرة مثلما فعل مصعب بن عمير مع أهل يثرب في بداية الدعوة.
هذا غير الوسائل التي كان يمارسها النبي سواء في الخطب أو المناسبات، وزاد على ذلك أن أذن لبعض أصحابه من ذوي الفصاحة والبيان بإدارة الآلة الإعلامية سواء عن طريق خطبهم أو شعرهم، مثل: حسان بن ثابت.
وكان لرسالته الإعلامية في معركة حُنين أبلغ الأثر على الطرفين المتحاربين حينما صدح بقوله وقت الأزمة: [أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب].
وهى عوامل تدفع العاملين للإسلام للاستفادة من الإعلام واستخدام كل وسيلة استخداما يخدم الفكرة الإسلامية بطريقة احترافية، وقد حاولت الطالبة مبروكة مايو رصدها في شھادة الماستر في العلوم الإسلامیة تحت عنوان (دور الإعلام في عھد الرسول) – الجزائر.
حسن البنا والإعلام
أدرك الشيخ حسن البنا أهمية الإعلام منذ صغره فعمل على حسن استغلاله في تبليغ دعوته وفكرته، حيث كان يخطب بل ويرسل رسائل وعظية للناس من خلال جمعية منع المحرمات، وحينما دخل دار العلوم وتعرف على العلماء، أدرك أهمية الإعلام فطالب المشايخ بتأسيس صحيفة يكتب فيها كبار العلماء لمواجهة حملات التبشير ومحاولة تغيب الوعي التي يمارسها المستعمر البريطاني وأعوانه في الداخل وبالفعل تكونت مجلة الفتح عام 1927م (كما جاء في مذكرات الدعوة والداعية لحسن البنا).
يقول الدكتور محمد فتحي شعير في رسالته العلمية (وسائل الإعلام المطبوعة في دعوة الإخوان المسلمين) بتصرف: “وحينما كوّن جماعةَ الإخوان وضع نصب عينه منذ أيامها الأولى العمل الإعلامي فكانت صحيفة الإخوان عام 1933م وما إن توقفت حتى أنشأ مجلة النذير، ثم التعارف، ثم عام 1942م كون مجلة الإخوان قبل أن ينشأ مجلة يومية، ثم مجلة الشهاب، وقد حرص على استكتاب كبار العلماء والسياسيين في مختلف الصحف التي تكونت وذلك لإدراكه أهمية هذه الوسيلة في إيقاظ الوعي والوصول بدعوة الإسلام إلى الجميع، وتربية النشء تربية صحيحة وهو ما تحقق فعلا في التحاق الشباب من مختلف الأعمار عبر تعرفهم على الدعوة من خلال صحف الإخوان والتي كانت تحمل شعار [صوت الحق والقوة والحرية]، بل إنه اثناء حرب فلسطين شكل الإخوان إذاعة تنشر أخبار ما يجري في فلسطين وتجلي الحقائق.
بين الإعلام ووسائل التربية
المسجد والمدرسة في الواقع هما امتداد طبيعي لبيت الأسرة، وهي على رأس المؤسسات التربوية والاجتماعية وأقدمها؛ لذلك كان أول ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم عندما دخل المدينة أن بنى المسجد؛ فهو الذي يوحد صفوف المسلمين في إطار أخوي اجتماعي واحد. والإعلام يعد امتدادًا لدورهما في تشكيل الوعي لدى الناس.
ولقد أدرك أعداء الدين وأعوانهم هذه القيمة فعمدوا إلى تفريغ المساجد والتعليم من مضمونهم وأثرهم التربوي، وأظهرهم بمظهر سيء من خلال وسائل الإعلام، فأظهر المسجد بأنه مفرخة للإرهاب، وصور المدارس بأنها مكان لتحطيم القيم – وليس غرسها- مثل التطاول والاستهزاء بالمعلم، كما عمد إلى تفريغ المناهج الدراسة من الأداة التربوية بها، ووضع حاجز ما بين الإعلام وبقية وسائل التربية حتى لا يكون لها أثر إيجابي في نفوس النشء واستقرار المجتمع، حيث ترى سمية إبراهيم المكاوي في رسالة ماجسيتر بعنوان الإعلام (الإسلامي والإعلام الغربي في حاضر اليوم .. دراسة مقارنة) أن هذه الوسائل (الإعلام والمسجد والمدرسة وغيرها) تهتم بوسائل الاتصال المجتمعية والمحافظة على استقرار المجتمع وثباته، والمساهمة في عمليات التغييـر الاجتماعي ولا شك في تأثير وسائل الاتصال في التغيير الاجتماعي.
ولذا لابد من إنشاء وسائل إعلامية تدعم وسائل التربية التقليدية – كالمسجد والبيت والمدرسة – وتعلي من قيمها، كما تغرس أهمية القراءة والعلم في نفوس النشء.
أثر الفضائيات على المجتمع الإسلامي
مع تسليمنا بإيجابيات الفضائيات إذا أحسن استخدامها إلا أن سلبياتها كثيرة في ظل عدم التكافؤ بين المرسل والمتلقي، حيث أصبحت الكلمة العليا للمرسل الذي يمتلك المحتوى وطبيعته ووضع أهدافه، ومن ثم أصبح يشكل الرأي العام وفق إرادته، حتى تأثرت المجتمعات بما تعرضه الفضائيات وذلك في ظل غياب الإعلام الإسلامي الاحترافي، فيذكر الأستاذ فهمي هويدي في مقاله بصحيفة الأهرام يونيو 1989 قوله: إن الفرنسيين غادروا تونس عام ١٩٥٦م وعادوا عام ١٩٨٩م ليقتحموا كل بيت، وقرروا أن يقضوا داخله 20 ساعة كل يوم، إنه الاستعمار الجديد، ليس كاستعمار الأرض، وإنما استعمار القلوب، إن الخطر يهدد الشباب، والشابات، والكهول، والعفيفات، والآباء، والأمهات.
وفي دراسة للدكتور علي الشحود بعنوان (موسوعة الدين النصيحة – المجلد الأول) ذكر أثر الفضائيات على المجتمع المسلم من حيث:
- الفساد العقدي، بالتشكيك في كثير من المسلمات والثوابت، وضعف اهتمام الشباب بأداء شعائر الدين.
- ، بتزيين الرذيلة وإشاعتها في المجتمعات، وإشانة الفضيلة، وقتل الحياء، والعفة، والغيرة.
- الاهتمام بسفاسف الأمور وتوافهها.
- الآثار السلبية على التحصيل العلمي حيث يقضى الأولاد معظم وقتهم لمشاهدة الفضائيات دون مراعاة لكثير من الأولويات.
- العمل على انتشار الجريمة وسط الشباب والمراهقين، وبث معاني تفكيك الأسرة المسلمة.
- التأثر السلبي لهذه الفضائيات على اللغة العربية حيث إن معظم القنوات العربية تستخدم اللهجة المحلية (العامية) في تقديم برامجها.
- الانحراف السلوكي لدى الشباب والفتيات وذلك من خلال المشاهدة المحرمة.
كيف السبيل؟
لابد للمصلحين والمربين أن يستشعروا المهام الجسام الواقعة على عاتقهم لإيجاد بديل تربوي للفضائيات أو استخدامها الاستخدام الأمثل لخلق أجيال تدرك حقيقة دينها وهوية وطنها، وذلك وفق ما ورد في بحث بعنوان( إعلام الأطفال، واقعه وسبل النهوض به):
- وضع إستراتيجية إعلامية وتربوية شاملة ومنسجمة والتخطيط لتطبيقها من أجل الحد من مساوىء الإهمال والارتجال، ومواجهة الغزو الثقافي والإعلامي على الفضائيات وغيرها، والذي يحمل في طياته عوامل مسخ حضارتنا وذاتيتها.
- تقوية الأرضية الصلبة في نفوس أطفالنا وشبابنا وذلك بملء فراغ تكوينهم بأكثر ما يمكن من مبادىء ومعلومات عن هويتنا الخالصة وغرس الإيمان في نفوسهم بهذه القيم والأخلاق الإسلامية الفاضلة، وظهور الآباء والمربين والمسؤولين بمظهر القدوة والمثل الصالح.
- العمل على توجيه الإعلام المستورد باختيار ما هو صالح، ومقاومة ما يكتنفه ضرر تربوي أو أخلاقي.
- العناية بالقراءة لجميع الأجيال وذلك لرفع مستوى الوعي الثقافي لدى أفراد المجتمع.