يحتل الفن في دول العالم المتقدمة مرتبة مهمة في الحياة اليومية محققا ما تخططه من الأهداف التربوية أو الأخلاقية أو الأمنية والسياسية وهو أحد أهم الوسائل التي ترقى بالجماهير، وتساعد على ترسيخ الهوية الوطنية، حيث يسعى إلى توفير حلول مبتكرة لمشكلات المجتمع وخصوصا ما يندرج تحت بند التنشئة الاجتماعية، صانعا بذلك مرآة واضحة لملامح الشعوب بمحاسنها ومساوئها.
ويعتبر الفن رسالة لها أثر عميق على النفس ولها مغزى في الحياة، حيث يكمن الإبداع، والتميز، والأصالة، والتفرد؛ وهي الوسيلة للتعبير عن الأفكار، والمشاعر، والأحاسيس.
وتلعب الفنون بأنواعها المختلفة دورا هاما في حياة الإنسان، ولا يقتصر دورها على رفع مستوى الذوق العام للفرد أو الجماعة فحسب، بل يمتد ليشمل نواح عديدة ومجالات شتى على مستويات مختلفة، بدءا من الفرد وملبسه ومسكنه، وصولا للمجتمع والمجاورة السكنية التي تضمه، ويمتد ليصل إلى الحي أو المدينة التي يسكنها عددٌ أكبر من السكان.
نشاط إنساني
يمكن تعريف الفن بأنه نشاط إنساني يحتل جزءًا هامًا من التركيب البشري، ولا يمكن الفصل بين الفن وبين الإنسان، وله ضرورته القصوى في حفظ التوازن الوجداني لدى الإنسان للمحافظة على حياته من الفناء أو الانقراض.
ويعتبر الفن وسيلة للحوار الحسي بين المجتمعات المتنامية منذ القدم وحتى يومنا هذا، فعن طريقه بُثت رسائل لكل أصناف البشرية متجاوزة حدود اللغات التي تنطق بها أمم مختلفة.
يقول عادل محمد ثروت عثمان، عضو نقابة الفنانيين التشكيليين بمصر، إن [الفنّ هو قدرة استنطاق الذات بحيث تتيح للإنسان التعبير عن نفسه أو محيطه بشكل بصري أو صوتي أو حركي، ومن الممكن أن يستخدمه الإنسان لترجمة الأحاسيس والصراعات التي تنتابه في ذاته الجوهرية، وليس بالضرورة تعبيرا عن حاجته لمتطلبات في حياته رغم أن بعض العلماء يعتبرون الفنّ ضرورة حياتية للإنسان كالماء والطعام].
وجاء في مجلة الفتح الإسلامية عام 1937م/ 1356هـ: [يعتبر الفن من العوامل المؤثرة في تطور الأمة وتكوين عقليتها وتكييف أخلاقها، ولذا يجب أن يتحول الفن بعد ذلك إلى نعمة تفتخر بها إنسانية العصر الحاضر.. ولقد رأينا العديد من الفن الهادف الذي عرفنا بسير الأبطال، ونضارة التاريخ الإسلامي، وعلو القدوة في سلفنا الصالح والذي يتلمس الشباب خطاهم فلا يجدون أثرهم لطمس تاريخهم وتزييف حقائقهم].
وعن مالك بن دينار قال: كان الرجل ممن كان قبلكم إذا ثقل عليه الحديث قال: [إن الأذن مجاجة والقلب حمض فهاتوا من طرف الأخبار] أي: قصوا علينا من طرائف الأخبار والأحاديث.
قواعد وأطر
يظن كثير من الناس أن معنى الالتزام أو التدين أن يكون المسلم الملتزم عابس الوجه مقطب الجبين، قليلاً ما يضحك أو يمازح أحدًا.
هذه صورة أصبحت راسخة عند الكثيرين، حتى إن كثيرًا من المتدينين تقمصوا تلك الشخصية فعلاً، وظنوا أن تلك الصورة هي كمال التدين، وهم بقدر تقمصهم لتلك الشخصية بقدر بعدهم عن روح الإسلام الصحيح.
وإلى هؤلاء المتقمصين لهذه الشخصية الجامدة، وإلى من ظن أن هذه هي الصورة النمطية للملتزمين، نتذكر معهم ما قاله الإمام علي رضي الله عنه وأرضاه: [روحوا القلوب واطلبوا لها طرف الحكمة؛ فإنها تمل كما تمل الأبدان].
ولقد اتفق العلماء على حرمة التمثيل إذا اقترن به محرم أو كان مفضيًا إليه، أو لم يكن منضبطا بآداب الشرع وقواعده، أو كانت فكرته مخالفة للكتاب أو السنة أو إجماع الأمة، لكن إذا كان الأداء ملتزما بالآداب الإسلامية وأن يستهدف التمثيل مصلحة الدين والعلم والمجتمع والإنسانية، وألا يستهدف مبدأ هداما أو عقيدة باطنية كافرة فهو مباح، وهو رأي كثير من العلماء، أمثال: الشيخ محمد رشيد رضا، ومحمد بن صالح العثيمين، وعبدالله بن جبرين، ومصطفى الزرقا.
ولذا يخطئ كثير من الباحثين عندما يختزلون الفن في الغناء والموسيقى والرقص؛ لأن الفن له رسائل تربوية إصلاحية عميقة إذا أحسن استخدامه.
ولقد تعاملت بعض الحركات الإسلامية مع الفن كونه رسالة، وهي نشر القيم والمبادئ والدفاع عن التاريخ الحقيقي للأمة، ونشر التعاليم الحضارية، وقيم التقدم وحب العمل، والقيم الفاضلة والتسامح وحب الغير والمثل العليا.
موقف البنا
كتب الشيخ حسن البنا عن الفن وموقف جماعته يقول: إن الإخوان المسلمين لا يحاربون ولا المذياع؛ لأنهم ليسوا من الجمود بحيث يقفون هذا الموقف وإنما يريدون أن يطهروهما من الشر والإثم، ويزيلوا أثرها السيء المنصب على نفوس الشباب والفتيات، ولذلك فهم قد أعدوا للمسرح قصصًا كريمًا وأدبًا رائعًا ومثلاً وتوجيهًا صادقًا.
وكان من عوامل نجاح التجربة: اعتماده مبدأ إنسانية الفن، وتبنَّى فقه التيسير في قضايا الفن، واعتماده على المختصين في هذا الفن، وتبني قضية الفن جماعيًّا.
كما كتب في رسالة نحو النور:
1- مراقبة دور التمثيل وأفلام السينما والتشديد في اختيار الروايات والأشرطة.
2- تهذيب الأغاني واختيارها ومراقبتها والتشديد في ذلك.
3- حسن اختيار ما يذاع أو يعرض على الأمة من برامج ومحاضرات وأغانٍ وموضوعات، واستخدام الإذاعة والتلفاز في تربية وطنية خلقية فاضلة.
ولقد كتبت السيدة لبيبة أحمد التي واجهت تغريب هدى شعرواي عن الفن قائلة: السينما من العوامل المؤثرة في تطور الأمة وتكوين عقليتها وتكييف أخلاقها، ولا شك أنها أفادت بعض الشيء في توسيع معارف الجمهور، ولكن مما يؤسف له أن هذه الأفلام التي تذاع في الدنيا وخصوصًا في أقطار الشرق يتوخى فيها مجاراة ميول الجماهير وأهوائهم أكثر مما يتوخى فيها إفادتهم وتوسيع معارفهم وتقويم أخلاقهم.
رسائل هادفة
إن التاريخ الإنساني به الكثير من المواقف التربوية التي تُعلي همم الأفراد وترسخ مفهومة الهوية والاعتزاز بالانتماء للأمة التي ينتمي لها.
ويحمل الفن رسائل عديدة حين يخرج بالصورة المثلى، مثل:
1- تهذيب الذوق وصقله؛ لأن الفن هو الجمال و الإقبال عليه يسمو بالإنسان.
2- التعريف بقضايا الأمة وطريقة معالجتها بطرق محببة للنفس وجذابة لترسخ في الذهن.
3- إظهار وتجسيد التراث الإسلامي ليتعرف عليه الناس في ظل محاولات طمس هذا التراث.
4- إصلاح المجتمع بوسائل محببة ولا يحرمها الشرع ولإظهار المعاني الجمالية في الأخلاق الإسلامية عن طريق الفن.
5- يلعب الفن دورا مهما في تحقيق التوازن النفسي عند الإنسان ذلك أنه يخفف عنه عبء الحياة اليومية و على ضفافه تتحطم أمواج السخط والغضب فتلين النفس وتسترد هدوءها.
6- يعمد إلى تقريب وجهات النظر بين الشعوب، وتبادل التراث المجتمعي، والتعرف على حقائق المجتمعات.
7- يعمل على محاربة الفساد والظواهر التي انتشرت في المجتمعات ويتغاضى عنها الجميع في ظل حساسيتها أو الجهل بها.
8- يساعد في معايشة الظروف والأحداث في ظل التنظيمات الكبرى، وينمي المشاعر الأخلاقية تجاه الإنسانية.
9- يعمد إلى غرس العادات والتقاليد الحاضرة وتطور الأحكام الأخلاقية المتطلبة لحاجات المستقبل، حيث يعد أداة تربوية للإنجاز من خلال إحداث التغير في المجتمع.
10- يعمل على خفض السلوك العدواني لدى الأفراد ويساعدهم على التعبير اللفظي الحر والتنفيس الانفعالي والتلقائي.
وهو ما يؤكده الكاتب السعودي حمد بن ناصر الدخيل، إذ يقول: إن “الفن جزء من الحياة ويعد ترجمانا صادقا لمشاعر الأمة يصور خلجاتها ويعبر عن أحاسيسها ويمثل حياتها بما يعتريها من آمال وآلام وأفراح وأحزان، وما تتقلب فيه الأمة من أعطاف النعيم وما تتردى فيه من بؤر البؤس والشقاء، لذلك يجب أن ننبذ الرأي القائل بأن الفن للفن وهي نظرية أدبية معروفة أخذناها من الغرب وقامت حولها مناقشات ومجادلات كثيرة، نحن نرفضها لأن ديننا يسعى إلى إسعاد الإنسان في حياته وآخرته”.