خلق الله- عز وجل- الدنيا دارَ ابتلاء واختبار، رضينا أو لم نرض، قبلنا أو لم نقبل، لكن من الممتع أن يكون لدينا المرونة النفسية التي تجعلنا نتَأقلم مع مصاعب الحياة في ظل الظروف الصعبة، سواء أكانت اجتماعية أو عاطفية أو صحية أو مهنية أو اقتصادية.
والأشخاص المرنون يتمتعون بقدرة على التأقلم وتجاوز التحديات، والتغلب على المشكلات، والمضي قدمًا في حياتهم دون أن يُصابوا بضرر نفسي كبير، فهذه المرونة التي يتمتعون بها تساعدهم على التعامل مع التوتر والضغوط، وتُمكنهم من التكيف مع المواقف الصعبة، واحتواء المشاعر السلبية، وتجنب الانزلاق نحو الاكتئاب والقلق، وتُعزز قدرتهم على تحقيق الأهداف، والمثابرة في وجه الفشل.
مفهوم المرونة النفسية وصفات من يمتلكها
وتُعرّف المرونة النفسية بأنّها القدرة على التكيّف مع التحديات والصعوبات، وهي مهمة للفرد والمجتمع على حدّ سواء، لذا بدأت المؤسسات والمنظمات تنادي بأهميتها للتعامل مع الأوضاع المستجدّة، ويشمل مصطلح المرونة العديد من الجوانب، فهناك المرونة العقلية، والمُرونة النفسية، والمرونة فيما يتعلق باللياقة البدنيّة، وغيرها.
وتعد هذه المرونة فرعًا من فروع علم النفس المعاصر، وتعكس تفاعل المرء الإيجابي مع ما يتعرض له من متاعب وصدمات في حياته، وتشمل التعامل مع بُعدين يتمثل أحدهما في حالة الخطر أو الصعوبات وتعرّض الفرد لتهديد معين، ويتمثل الآخر بالتكيّف ومواجهة الحادث بطريقة إيجابية بالرغم مما قد تحدثه من تأثيرات سلبية على نفسيته.
والأشخاص ذوي المرونة النّفسية يتعاملون مع الضغوطات باعتبارها تحديات تستحق اكتسابها والتعلم منها، ومن أبرز صفات هذه الشخصيات ما يلي:
- تقبل النقد والتعلم من الأخطاء: إذ يمتلكون قدرة على التعلم من أخطائهم، ويسمعون نصائح غيرهم وملاحظاتهم، ويحققون الفائدة من جميع الانتقادات أيّا كان مصدرها، لما يدركونه من أنّ الإنسان بطبعة خطّاء.
- تكوين العلاقات: لما لديهم من قدرة على التعامل الاجتماعي والعقلي والنفسي من المحيطين بهم، وتكوين العلاقات الصحيحة والسليمة.
- التسامح: لقدرة هذه المرونة على منح أصحابها كلًّا من ترك المكابرة والإصرار على الخطأ، وجعلهم أكثر قدرة على الاعتذار عن أخطائهم.
- اتخاذ القرار المناسب: نتيجة لشعورهم بالمسؤولية التي تدفعهم لدراسة المواقف جيدًا، ومن ثم اتخاذ القرار الملائم دون أي تردد.
- روح الدعابة: إذ يتميزون بشخصيّة قادرة على نشر الفرح وإدخال السعادة إلى نفوس المحيطين من حولهم مما يضفي بُعدًا إيجابيًّا على حياتهم.
- الاستقلال: فهم يتكيفون من أنفسهم ويعرفون ما لهم وما عليهم، ويوازنون بين ذاتهم والأفراد المحيطين بهم.
كيف نحقق المرونة النفسية؟
وعلى الرغم من التّوتر والقلق المصاحب لكل تفاصيل وضغوط الحياة؛ فإنه من الممكن اكتساب مهارة المرونة النفسية التي تُعالج هذا التوتر، وذلك من خلال الاستراتيجيات التالية:
- مشاركة المخاوف والمشاعر المجهدة مع الآخرين: وذلك لتخفيف العبء، لأنه بمجرد معرفة أن الآخرين يهتمون أو أنهم قد عانوا من مشاعر مماثلة يُمكن أن يكون مفيدًا لتحمل الأوقات الصعبة والخروج منها.
- ممارسة الرياضة: فهي تُؤدّي إلى إطلاق مجموعة ناقلات عصبية في الدماغ؛ مثل الإندورفين والدوبامين والسيروتونين، ويعمل ذلك على تحسين الحالة المزاجية، وتعزيز المُرونة النّفسية.
- ملاحظة الأشياء الإيجابية: سيما في في الأوقات الصعبة؛ فمن المفيد أن نكون مدركين لِمَا يسير على ما يرام، أو يجلب لنا السعادة.
- العمل المجتمعي ومساعدة الآخرين: وهي أنشطة تُحوِّل انتباهنا إلى الخارج قليلًا، إذ يُمكن لإبعاد طاقتنا عن التوتر والقلق وتوجيهها في تقديم مساهمة إيجابية أن يخلق إحساسًا بالتحكم.
- تأمل اليقظة الذهنية: إن أكثر أفكارنا إيلامًا عادة ما يكون حول الماضي أو المستقبل، أمَّا عندما نتوقف ونجذب انتباهنا إلى الحاضر فقد نجد أنّ الأمور على ما يرام.
- معرفة نقاط قوتنا والتمتع بتقدير الذات: حيث سيسهم ذلك في الصمود أمام الأحداث المُجهِدة، ومن ثمّ تحسين طريقة تصرفنا.
- تغيير طبيعة الحديث مع الذات: لأن الحديث الذاتي يعزز المعتقدات حول كفاءة الشخص وقيمته الذاتية، لذا استمع إلى التعليقات السلبية في رأسك، ثم تدرب على استبدالهم على الفور بأخرى إيجابية.
- احترام الذات: فقد أظهرت الأبحاث أن احترام النفس يلعب دورًا مهمًّا في التعامل مع التوتر والتعافي من الأحداث الصعبة.
- التحرك نحو الهدف: ضع أهدافًا واقعية، افعل شيئًا ما على الأقل، ولكن بانتظام، حتى لو بدا لك أنّ هذه مساهمة غير مهمة، فانتقل إلى الأمام تدريجيا، ولا تضع خططًا مستحيلة.
- بناء علاقات قوية: فمن المهم أن يكون لديك أشخاصا يمكن الوثوق بهم، فإذا كنت محاطا بأشخاص مهتمين، أشخاص يدعمونك، فإنهم يعملون كعامل وقائي في أثناء الأزمات.
- احتضان التغيير: فلا بد من قَبول الظروف التي لا يُمكن تغييرها، فالمرونة جزء لا يتجزأ من الاستدامة من خلال تعلم كيف تكون أكثر قابلية للتكيف.
- التفاؤل: قد يكون البقاء متفائلا في الأوقات المظلمة أمرًا صعبا، لكن الحفاظ على نظرة متفائلة يعد جزءًا مهمًّا من المرونة، وقد يكون ما تتعامل معه صعبا، لكن من المهم أن نظل متفائلين وأكثر إيجابية.
- الاعتناء بالنفس: فعندما يكون الإنسان متوترًا من السهل جدًا إهمال احتياجاته الخاصة، فيحدث له فقدان الشهية وقلة النوم وكلها ردود فعل شائعة لحالة الأزمة، لكن من المهم أن يركز الإنسان على تطوير مهاراته ويراعي نفسه ويعتني بها بدلا من ذلك.
- تحسين الصحة العامة: وذلك من خلال الأنشطة الرياضية والكشف الطبي، حتى يكون مستعدًا لأزمات الحياة.
- تطوير مهارات حل المشكلات: تُظهر الأبحاث أن الأشخاص الذين يمكنهم إيجاد حل لمشكلة ما يكونون أفضل في التعامل مع الصعوبات من أولئك الذين لا يستطيعون ذلك.
- الحفاظ على المنظور والسياق: فعندما يواجه الإنسان موقفًا مؤلمًا للغاية، يحاول أن ينظر إليه في سياق أوسع وعلى المدى الطويل، وأن يتجنّب التقلبات في رؤيته للموقف.
- اتخاذ إجراءات حاسمة: وذلك في المواقف غير المواتية، فلا بد من بذل قصارى الجهد والمبادرة بالتحرك، ولا نبتعد عن المشكلات.
إنّ المرونة النفسية هي الجهد الذي يبذله الشخص للتغلب على المشكلات والصعوبات التي واجهها أو سيُواجهها خلال حياته، والقدرة على تعزيز قواه الشخصية في مواجهة هذا الجهد، وهي إن كانت لا تقضي على التوتر أو الصعوبات أو المشاكل التي يعاني منها الناس، فإنها تمنح الناس القوة للتعامل مباشرة مع المشكلات، والتغلب على الصعوبات والمضي قدما في الحياة، وعلى أقل تقدير فهي تقلل من الآثار السلبية للمواقف العصيبة وتسهل التكيف مع حياتنا والظروف المحيطة بنا.
المصادر والمراجع:
- زينة عبد الكريم: المرونة النفسية وعلاقتها بالتوجه نحو الحياة، ص 13.
- عبد الرؤوف قاسم الروابدة: مفهوم التدريب الرياضي، ص 92-94.
- موقع تهون: المرونة النفسية: كيف نواجه صعوبات الحياة؟
- جريدة أكاديميا: ما معنى المرونة النفسية وكيف تكتسبها؟
- عائشة العازمي: المرونة النفسية وعلاقتها بالتفكير الإيجابي، ص 142-144.