رغم أنّ ابني طالب في المرحلة الثانوية، فله علاقات مع عدد كبير من الفتيات أو كما يُسمّيهن هو (الصديقات). في البداية لم نكن نعلم بالأمر، ثم ما لبث أن عُرف واشتهر بيننا وبين جميع معارفه.
فبعد أن كان يُسميهن بأسماء الأولاد حتى لا يتعرف أحد من الأسرة إلى هذه العلاقات، أصبح الآن يُسميهن بأسمائهن دونما حياء أو خوف.
وقد نصحناه كثيرًا فكان في البداية يصر على أنه لا يقترب من هذه الأمور، وأنه لا يستطيع أن يقترب من حرمات الناس، وأنه يخاف على شقيقاته من مثله إذا هو أقدم على هذه الأمور!
لكن لما أصبح أمره معروفًا للعيان، قال إنه يسلي وقته دون أن يقع فيما يغضب الله – عز وجل-، ثمّ إنّ هؤلاء الفتيات بطبيعتهن تافهات لا يفكر الشاب أكثر من أن يتسلى بهن لا أن يقترن بهن في المستقبل! هكذا كان يتعلل بعدما أصبح أمره معروفًا حتى عند أشقائه الصغار.
وقد حاول والده إثناءه عن هذه “الهواية الساقطة” بالترغيب تارة والترهيب تارة، فكان يأخذ منه العهود والمواثيق ثمّ ما يلبث أن يكتشف أنه ما زال مبقيًا على علاقته ببعض هؤلاء الفتيات.
أحيانًا يبتعد عنهن أيامًا يظهر ذلك على سلوكياته لكنه سرعان ما يعود إلى هذه العلاقات مرّة أخرى.
رغم ما ذكرته، إلا أنني أجزم أنّ ابني ما زال عفيفًا ولم تتعد علاقاته بالفتيات أكثر من الهواتف والمقابلات التي غالبًا ما تكون في الأماكن العامة لكنني أخاف عليه أن ينجرف إلى أبعد من ذلك، فماذا أفعل؟
الإجابة:
ما تتحدثين عنه عرض شهير يصاحب مرحلة المراهقة، وهو ميل وانجذاب كل جنس إلى الآخر، إذ يأخذ شكل العلاقة بين الجنسين منحنيات عدة من النفور في مرحلة ما قبل المراهقة إلى الانجذاب في مرحلة المراهقة وما بعدها، والأمر تحكمه فطرة وحكمة تناسب كل مرحلة.
وأهم ما في الأمر أن يفهم الأبناء في هذه المرحلة أنّ مشاعرهم هذه مقبولة، بل ومحترمة ما دامت لم تُترجم إلى سلوكيات مرفوضة، فما دامت أمرًا قلبيًا لا دخل لهم به فلا لوم عليهم، لكن ما يستطيعون السيطرة عليه وأخذ قرار فيه وما يلامون عليه هو سلوكياتهم الناتجة عن هذه المشاعر.
يعد هذا أفضل بكثير من إنكار كل شيء عليهم، فقبُول الجزء الفطري واحترامه من الوالدين قد يساعد الأبناء على الالتزام وتحقيق الانضباط بالجزء الاختياري منه.
وعلى كل، فإن التحكم في المشاعر والقدرة على الحكم على الأمور بشكل جيد والنضج ليست من شِيم هذه المرحلة السِنّية، وبالتالي فالجُزء الاختياري المتعلق بقدرتهم على تجنب الاختلاط وتضييق التعاملات في الحدود المطلوبة وغض البصر وغيرها من لوازم الحفظ من هذه الفتنة لا يسهل دائمًا الالتزام به. ومع ذلك فهو من الأمور التي يجب التذكير بها دائمًا وتعليمها للأبناء بشكل استباقي وفي أثناء مرورهم بهذه التجربة.
ويجب التنبه أنّ الصدام والإجبار والشجار ليس خيارًا متاحًا لمعالجة مشكلة كهذه، بل الحب والقرب والمصاحبة أجدى ألف مرة، واختبار الأهل الحقيقي في تحقيق هذا القرب والاحتواء، فالصدام والصراخ أمر يستطيعه الجميع ولا وجه تحدٍّ فيه، ناهيكِ عن أنّه يزيد الابن إصرارًا وعنادًا، حيث إن الشاب في مرحلة المراهقة يسعى إلى الاستقلال وإثبات الذات ويتجه إلى التمرد ويحاول مسايرة أقرانه وهذا كله يهدده استعمال العنف والصدام معه.
وفي المقابل يمكن معالجة هذا الأمر من المدخل نفسه الذي يهم الشباب في هذه المرحلة، إذ إنهم يحبون أن يعاملوا على أنهم ناضجون مسؤولون يمكن الاعتماد عليهم، فمن زاوية الرجولة نفسها يجب أن يجري التحدث معهم، حيث يجب أن يتعلموا أن الرجل لا يرضى أن يتسلى بالنساء ولا أن يفعل ما يمكن أن يخجل منه مستقبلًا، لأنه بالفعل ستتغير طريقة تفكيره ولن يقبل مستقبلًا ما يفعله الآن، كما يجب أن يعرف أنّ الخيارات في التعامل مع الجنس الآخر إما تحكمها ضرورة كالعمل أو الدراسة أو يحكمها ارتباط ودخول للبيوت من أبوابها ولا خيار ثالث لهما كاتّخاذهن صديقات كما جاء في سورة المائدة: {وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ}، وفي سورة النساء: {وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ}، هكذا يجب أن يتعلموا مسؤوليتهم وإدارة علاقتهم بالجنس الآخر.
يجب أيضًا تزكية تقوى الله بكل الطرق في الأبناء واستشعار مراقبته والتنبيه لما تعنيه مداخل وخطوات الشيطان، حيث إن الكبائر دائمًا لها مقدمات يظنها صاحبها من الصغائر ويستبعد معها الوقوع في المحرمات ثمّ لا يلبث أن يجد نفسه واقعًا فيها دون أن يدري، ويعبر عن هذا المعنى حديث رسول الله: “إن الحلال بيِّنٌ وإن الحرام بيِّنٌ، وبينهما أمور مشتبهاتٌ لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعِرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمًى، ألا وإن حمى الله محارمُه”.
ومن مداخل الشيطان أن يجعله يرى هؤلاء الفتيات على أنهن فتيات تافهات حتى يبيح له ويبرر سلوكه المرفوض معهن، ومن خطواته أن يجعله يظن أن الأمر لا يعدو إلا أن يكون (تسلية!) ثم لا يلبث أن يقع في جدّ محرم.
وعلى كل فانشِغال الشباب في ذلك السن بالأعمال التطوعية وممارسة الرياضة وغيرها من الأنشطة أمر من الضروري بمكان؛ حتى لا تشغلهم أنفسهم بالباطل، فعليهم أن يتعلموا ويحققوا مقولة الإمام الشافعي: “إن لم تشغل نفسك بالحق شغلتك بالباطل”. نسأل الله الهداية والعفة والستر لجميع شباب المسلمين.