لا شك أن الثانوية العامة ما زالت تثير القلق والفزع في نفوس الأهالي والطلاب على السواء، وهو ما يجعل البيوت في حالة ضغط عصبي قد يؤثر على جميع أفراد الأسرة، وهذا لأن هذه المرحلة يجري من خلالها تحديد المجال الذي يدرسه الطالب في الجامعة، وبالتالي التأثير على المشوار المهنيّ في معظم الحالات.
لكن في كثير من البلدان يعتبرون هذه السنة كسنة عادية باستخدام الوسائل التربوية التي تزيل القلق والخوف لدى الأهالي والطلاب على السواء، وهو ما يجب أن ندركه في بلداننا العربية ونعمل به لتخريج أجيال تبدع لا أجيال تحفظ.
الثانوية العامة بين المبالغة والتهوين
ساعاتٌ من الترقب والقلق يعيشها أولياء أمور طلاب الثانوية العامة كل عام أمام لجان الامتحانات بين الدعاء والرجاء وقراءة القرآن أملًا في الاطمئنان على أبنائهم بعد كل امتحان، وتتكرر حالة القلق- بل ربما أشد- قبل ومع إعلان النتيجة التي تظهر الحالة العامة كأننا مقبلون على حالة حرب مع عدو.
والثانوية المصرية، بشقيها العام والأزهري، تُمثل ملخصًا بائسًا يزداد مع مرّ السنين تراكمًا وتراجعًا(1).
الغريب أن الصحف والإعلام يزيد الأمر فزعًا بما يُسطّره، وبما يحاول وضع المجتمع فيه وكأنه أزمه، في الوقت الذي يحاول البعض التهوين منها واعتبارها سنة عادية، غير أن أصحاب هذا الاتجاه لم ينجحوا أمام طوفان الكتابات والحشد النفسي والإعلامي لإثارة الرعب والفزع في نفوس الطلاب وذويهم.
ولا يَمر العام إلا ويخلف ضحايا للثانوية العامة بسبب ما ينتج عنها من تأثير نفسي على الطلاب، وحالة الفزع التي تسيطر عليهم، ما تدفع البعض إلى الانتحار، نتيجة ضعف الوازع الديني، وقلة الثقافة الدينية لدى الكثير من الطلاب، ووضع توقعات مبالغ فيها على الأبناء قد لا تتناسب مع قدراتهم وإمكانياتهم، والترقب والتوتر والخوف من رد فعل الآباء، وتقييمهم لمستوى الطالب الدراسي(2).
أزمة كليات القمة
ما زالت كليات القمة تسيطر على عقول الكثير من أولياء الأمور في الدول العربية، حيث يطمح كل ولي أمر إلى إلحاق أبنائه بها بعد الانتهاء من الثانوية العامة والحصول على النتيجة، حتى لو كانت على غير رغبة الأبناء، متناسين احتياجات سوق العمل الفعلي، وقدرات أبنائهم وطموحاتهم.
والعجيب أن هذه الأزمة قد تلازم طلاب أصحاب المجاميع الكبيرة والصغيرة معا، فالطلاب المتفوقون الذين حصلوا على درجات عالية تصيب أغلبهم حالة حزن لأنهم قد لا يصلون إلى كليات القمة التي ينشدونها وتحلم بها أسرهم، وتحملت من أجلها ما يفوق طاقتها.
وقد تضطر أسرهم إلى الاستمرار في فرض حالة الضغط على نفسها وعلى الطالب الضحية وتفضل أن يلتحق ابنها بإحدى كليات القمة في الجامعات الخاصة.
يجري الجميع ويلهث وراء أوهام وأصنام صنعوها بأنفسهم، أكبرها كليات القمة، رغم أن سوق العمل اختلف، ورغم أن الكثير من خرّيجيها ما زال لا يعمل في الوظيفة المناسبة، وبينهم خريجو طب وهندسة وإعلام وصيدلة وسياسة واقتصاد.
بينما يمتلئ سوق العمل بنماذج ناجحة لم يكن لها نصيب كبير في حصد درجات عالية في المرحلة الثانوية، وبعضهم لم يكن لمؤهلاتهم علاقة بالمهن التي عملوا فيها(3).
التفوق في الثانوية العامة.. كيف؟!
تختلف طبيعة المذاكرة في الثانوية العامة عن بقية المراحل التعليميّة من حيث الأهمية، وكذلك ضغط المادة العلمية وضيق الوقت في حالات كثيرة، لذا يجب الانتباه إلى طبيعة المذاكرة، وللتفوق في هذه المرحلة يجب الحرص على الآتي:
- معرفة وفهم أسلوب التعليم المستخدم وعادات وطرق التدريس التي نتعلم من خلالها؛ لأنّ ذلك يساعد على إيجاد طريقة الدّراسة الصحيحة المرتبطة بهذه الأساليب المتبعة.
- عمل جدول زمني أسبوعي لتنظيم الوقت، حيث يُفضّل تخصيص وقت للدراسة وآخر للأنشطة الشخصية، وهو ما يُساعد على تحفيز الطالب على الدراسة بشكلٍ دائم.
- تحديد القدرة بشأن التحصيل العلمي ومدى الرغبة في الحصول على علامات، حيث إنّ اختيار التخصص العلمي والمهني المستقبلي يُشكّل حافزًا كبيرًا للدراسة، وبخاصةً أنّه يتعلق غالبًا بالدرجات التي يحصل عليها.
- المشاركة العائلية، حيث إنّ مساعدة الوالدين في دعم الطالب في دروسه المختلفة يجعل عملية الدراسة فعّالة وممتعة وقد يدفع الطالب ذلك إلى التركيز بصورة أكبر(4).
أولياء الأمور وكيفية التعامل مع الثانوية
أولًا: عزيزي ولي الأمر، تحرّر من عبودية أصنام ما يسمى “كليات القمة”، ولا تقهر أبناءك وتجبرهم على الدوران في ساقية المجموع والوجاهة الاجتماعية للكلية التي تريد أن يلتحقوا بها، حررهم من قهر الثانوية العامة ودرجاتها، ودعهم يفتشون عن مواهبهم ويعبرون عن رغباتهم ويحققونها.
وعليك، ألا تسفه من اختيارات أبنائك ولا تجبرهم على دراسة ما تحبه أنت، ولا تخطئ في حقهم وحق نفسك، ولا ترسم لهم المستقبل بمعايير الماضي، لأنك حينها ستفشل ويفشلون، فدعهم يدرسون ما يُحبّون، فحينها فقط ستنجح وينجحون.
ويحرص خبراء التربية على تقديم يد العون لأولياء الأمور في مثل هذه الأمور، كي تمر هذه المرحلة التعليمية بهدوء، وذلك من خلال:
- الاستعانة بالله وحُسن التوكل عليه، واستشعار مدى المسؤولية عن الأبناء، وواجب أولياء الأمور نحوهم.
- ساعدوا أبناءكم طلبة الثانوية على تقسيم المقررات والمحتويات التي يجب على الطالب مذاكرتها إلى أقسام متساوية، والتعرض لكل منها، وفهمها.
- تشجيع الأبناء وتحفيزهم والدفع بهم برفق إلى التوازن بين المذاكرة وبقية مهامه الحياتية، وضرورة تنظيم أوقاتهم بين فترات الراحة والمذاكرة.
- إدراك أن الأبناء ليسوا روبوتات يجلسون على الكتاب عاما كاملا لكن لا بُد لهم من التوازن.
- إدراك أن لكل شخص قدرات ومواهب، فابنك ليس كابن أخيك أو أختك، فلا تعقد مقارنة بين ابنك وغيره، لكن تلمّس قدراته الذهنية ومدى استيعابه ولا تُحمّله فوق طاقته.
- المرحلة الثانوية ليست في بيتك وحدك لكنها في بيوت آلاف أولياء الأمور، فلا تُحمّل نفسك وابنك وأهلك فوق طاقتكم واجعلوا الأمور سهلة مُيسّرة.
- لكل جيل وقته وظروفه ومستجداته ومتغيراته، فلا تُقارن نفسك بابنك، ولا تقرع أو تُعنّف ابنك دائمًا مطالبا إياه أن يكون مثلك أو مثل أمه.
- الابتعاد عن نقل الأخبار السلبية عن الامتحانات للأبناء، وبخاصًة التي يجري تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي.
- إبعاد كل وسائل التشتيت عن الأبناء أثناء المذاكرة، مثل وسائل التقنية الحديثة كالهاتف المحمول.
- عند عودة الطالب من الامتحان، على الآباء والأمهات نسيان ما فات، وعدم مناقشته في حلوله وأدائه في الامتحان السابق(5).
نصائح إلى طلاب الثانوية
عزيزي طالب الثانوية العامة والأزهرية، لا تنظر في اتجاه واحد ولا تضع عينك على كليات القمة فقط، وتعتبر أنك خسرت إذا لم تلتحق بها، لا تشعر بالقهر إذا لم تحصل على مجموع كبير، فنجاحك في الحياة والعمل لن يتحقق به، بل بأمور أخرى لا علاقة لها بالمجموع.
نجاحك في أن تُفتّش داخل ذاتك، وأن تكتشف رغباتك ومواهبك وقدراتك وأن تطورها وتنمي نفسك فيها، انظر حولك وستجد مئات النماذج حقّقوا النجاح والتفوق المادي والمعنوي دون أن يكونوا ممن حصدوا أعلى الدرجات في الثانوية، لذا عليك:
- التقرب من الله- سبحانه وتعالى- وأداء ما افترضه عليك من عبادات، واللجوء إليه والدعاء له والإلحاح إليه.
- مذاكرة دروسك أولًا بأول وألا تُؤجّل أو تؤخر مذاكراتك وواجباتك، لأنّ هذا التأجيل يؤدي بدوره إلى تراكم الدروس عليك ما يُسبب لك ضغطًا كبيرًا.
- الهاتف هو الخطر المحيط بك فاجتهد أن تبتعد عنه ولا تجعله يستعبدك، ولا تجعله بجوارك، لأنه سيكون مُدعاة لتشتيتك دائما.
- حدد ما تريد مذاكرته جيدا، ونظّم وقتك لمذاكرة جميع المواد بالتوازن، مع تحديد موعد بدء ونهاية المذاكرة.
- وفّر إضاءة جيدة، ورتّب غرفتك قبل الجلوس، فالنظام والترتيب حولك سيشجعلك على المذاكرة.
- استخدم الخرائط الذهنية، فالأشكال البصرية تكون مفيدة عند المراجعة، لذا في بداية موضوع ما، تحدّ نفسك بتدوين كل ما تدرسه فيه بشكل خريطة ذهنية، فإن للألوان والرسومات عاملًا كبيرًا في تنشيط الذاكرة.
- تدرّب على كثير من الامتحانات السابقة، لكونها واحدة من أكثر الطرق فعالية للتحضير للامتحانات(6).
إن تقسيم التخصصات الجامعية إلى تخصصات قمة وأخرى دون ذلك يؤدي إلى مشكلات كبيرة؛ فالتصورات الخاطئة تؤدي للسلوك الخاطئ؛ مثل سوء توظيف المهارات والضغط الأسري لإحراز الوجاهة الاجتماعية، وهذا بدوره يقود للخلاف والنزاع، والحل يكمن في التوجّه الشخصي لا المجتمعي؛ أي الوقوف على مهارات وقدرات الطالب والعمل على توظيفها، بغض النظر عما يستحسنه المجتمع أو يعيبه، فكل التخصصات هامة ومطلوبة، وميول الأفراد متفاوتة؛ فليختر كل فرد ما يناسب مهارته وقدراته.
المصادر والمراجع:
- : 17 يوليو 2019.
- محمد أباظة: ، 19 أغسطس 2021.
- رحمة محمود: ، 24 أغسطس 2021.
- منال عبد العزيز:
- آية عبد الرؤوف: ، 3 يوليو 2021، وأيضا: مصطفى السيد: .
- ، 2 أكتوبر 2020.