حاول بعض علماء التربية أن يصلوا إلى تحريك الأحاسيس والمشاعر والوجدان، بعيدًا عن الاستفادة من التربية الدينية في المناهج التعليمية، فبَاءت محاولاتهم بالفشل ولم تصب الهدف، لأنّ العلم والنظريات والتحاليل النفسية وغيرها لا تصل إلى تحريك مباشر للوجدان أو الضمير، بقدر ما أن الدين هو الأسلوب المباشر الناجح في تحريك تلك المشاعر لتنعكس على الواقع في شكل سلوك.
ويرى الدكتور بليغ حمدي إسماعيل، في دراسة تربوية، أنّ الوقت قد حان ليتخلّص واضعو ومخططو المناهج التربوية من عقدة النّقص تجاه كل ما هو وافد غربي من صالح الرأي أو فاسده، فينبغي أن نفهم قضيتنا التربوية الفهم السليم، وندرك أنّ مادة الدين تدخل كل مادة تعليمية، وأنها الأسلوب الوحيد المؤثر تأثيرًا مباشرًا في الضمير والوجدان، فينعكس إلى حركة إيجابية صالحة تُبذر الخير وتجني السعادة والطمأنينة.
مفهوم التربية الدينية
يُعرِّف علماء المسلمين التربية الدينية بأنها المنهج الواضحُ الذي رسمه القُرآنُ الكريمُ والسُّنة النّبوية المُطهرة، ليحفظ الإنسان من حيث البدنِ والعقلِ والروح، ويراها البعض أنها تحضير الإنسان للحياة في الدُنيا والآخرة.
وقد عَرّفها البعض بأنها المفاهيم المُترابطة التي تنضبط بفكرٍ وأساسٍ واحد وتعتمد على مبادئ وأخلاق الإسلام، وتُبيّن للفرد الطَّريق الذي يجب عليه أن يسلُكه بما يتوافق مع تلك المفاهيم والمبادئ.
ومن تعريفاتها، أنها الطريقة الأفضل في التَّعامل مع فطرة الإنسان، وتعليمه بطريقٍ مُباشرٍ وغير مُباشر، مثل: الكلمة والقُدوة، بناءً على منهجٍ ووسائل تختصُّ بتلك الطَّريقة؛ لتوجيه الإنسان نحو الأفضل.
وعُرفت بأنَّها تربية الطفل ورعايته بطريقةٍ تشمل جميع جوانبه البدنيّة والعقليّة والروحيّة بناءً على مبادئ الإسلام ونظرياته، فهي منهج مُتكامل لرعاية الإنسان وتربيته على الأخلاق الحسنة، وتحقيق له التوازن بين الحياة الدُّنيا والآخرة.
التربية الدينية منهج متكامل
فطنت لجنة السياسات التعليمية في الولايات المتحدة الأمريكية إلى أهمية إدخال التربية الدينية في المقررات التعليمية بالمدارس، باعتبارها جزءًا حيويًا من أجزاء البرنامج المدرسي، ورغم توصلهم إلى تشخيص الداء، لم يستطيعوا حلّ قضيتهم التي ما زالت مُعلّقة.
ولو أننا أخذنا تشخيصهم للمشكلة فلن نَحَار في حلها وبمنتهى السهولة، والسبب في هذا الاختلاف بسيط، أنّ الدّين الذي يرونه هو القادر على تحريك الوجدان والأحاسيس لتغيير الواقع النفسي والحياتي غير موجود في دينهم المُحرّف كمنهج للحياة شامل متكامل يخاطب الفطرة.
أمّا نحن فنملك ذلك المنهج المتكامل، وهو الإسلام القادر على قيادة الناس وتربيتهم كما قاد حضارة الناس قرونًا طويلة حقّق فيها ما لم يتحقق من قبله، وها هو ما زال شامخًا يعرض نفسه كمخلص للناس مما هم فيه من هموم التربية وغيرها. فما علينا إلا أن نتناوله بعزة إيمانية كمنهج تربوي متكامل، يخاطب النفس والفطرة فيعدل السلوك.
وما يُعانيه شبابنا اليوم من التذبذب، ربما يكون مرجعه هذا الخلط المتنافر في تركيبتنا التربوية، فالأقسام الأدبية في مدارسنا وجامعاتنا محشوة بكثير من الأفكار الغثة والشاذة والفلسفات المادية الهابطة، وتقديم هذه البضاعة على أنها بضاعة المجتمع المتقدم الراقي الذي يتصدر حضارة هذه الأرض اليوم، وواقع الناس كلهم يشهد له بذلك.
وإلى جانب هذا الزخم كله تُعرض بضاعة الإسلام في أطر خانقة تجعل وجودها وعدمها سواء – إلى حد ما- فلا المساحة التي أعطيت لها كافية لاستعراض ما تحمله من عقيدة وفكر وتاريخ، ولم ينتصب لتدريسها القدوة المؤثرة، ولم تجد لها في واقع المجتمع حيزًا من التطبيق يساندها ويؤازرها.
هذا كله كفيل بإسدال الستار على فاعلية المنهج التربوي الإسلامي، ومع هذا نجد نفوس الشباب تواقة لأن تسمع هذا الإسلام، تسمع هذا الغريب، لا لشيء إلا لأنه يخاطب فطرتهم وأحاسيسهم خطاب العليم الخبير.
والأقسام العلمية – أيضًا- محتاجة منّا إلى نظرة، فهي ليست محشوة بباطل من الأفكار والتصورات، لكنها وُضِعَت في إطار تجريدي خالص، يجعل منها دائرة منفصلة عن أي رابطة أو صلة إيمانية تربوية، وإذا كان هذا مستساغًا عند الغرب فبحجة الفصل بين العلم والدين ونتيجة الحرب بين رواد الحضارة الحديثة والكنيسة.
العلم أقرب طريق للإيمان
وفي إطار حديثنا عن التربية الدينية في المناهج، لا ننسَ أنّ الدراسات العلمية أقرب طريق وأعمقه للإيمان، لأنّ الشاب يُعاين القدرة الإلهية ويلمسها حية فيما يراه بعينه ويقلبه بيده، ويسجل مقدماتها ونتائجها، ولا تحتاج القضية سوى من يربط بين هذا العلم المشاهد وبين الإيمان بالخالق المبدع الذي يرجع إليه الأمر كله.
إنّ هذا الربط هو أخطر وأهم ما في القضية، فهو كفيل بصياغة إيمانية عميقة لهذا الشباب، إنه كفيل بجعل المعمل أو المصنع معملًا ومصنعًا للمواد والرجال والنساء، الذين يحملون هذه العلوم ونتائجها بعزة إيمانية خلاقة مبدعة مبتكرة.
لذلك نرى القرآن الكريم يطلب هذا العلم ويلح في طلبه، ويطلب معه هذا الربط ويلح في طلبه، قال تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ…} (يونس:101)، ويقول عز وجل: {فَلْيَنْظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا …} (عبس: 24-25)، ويقول جل وعلا: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا…} (ق: 6).
أهداف مادة التربية الإسلامية
والهدف من تدريس مادة التربية الدينية في المدارس هو غرس عدد من المفاهيم التربوية في النشء الصغير وطلاب المراحل المتوسطة، تتمثل في:
- الإيمان بالله عز وجل، وملائكته وكتبه ورسله.
- التّعرف إلى الغاية التي خُلق الإنسان من أجلها، وهي عبادة الله وحده.
- والتعرف إلى العبادات المفروضة على المسلم وكيفية أدائها على الوجه الصحيح.
- تدبر آيات القرآن الكريم، والتعرف إلى أحكامه.
- التحلي بمكارم الأخلاق، مثل: الصدق، والأمانة، والكرم.
- التحرر من الخرافات والأكاذيب التي تجافى روح الإسلام.
- ترسيخ مبدأ الشورى وحرية الرأي واحترام آراء الآخرين.
- التعرف إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
- احترام العقائد الأخرى، وحسن معاملة المسلم للآخرين على اختلاف أديانهم.
- معرفة أن الوطن جزء من الأمة الإسلامية والعربية.
- تعظيم الاهتمام بالصحة البدنية والنفسية، والنظافة والتغذية والرياضة.
خصائص التربية الإسلامية
وإذا كانت التربية الدينية قد بُنيت على أسس متينة من التوجيه الرباني والإرشاد النبوي، فإنها قد تميزت بخصائص جعلتها تنفرد بالسمو والكمال عن باقي المناهج التربوية التي عرفتها الإنسانية عبر العصور التي كانت في معظمها من وضع فلاسفة التربية والأخلاق.
أما التربية الإسلامية الصحيحة القائمة على توجيه الفرد المسلم في جمع أطوار حياته دونما إغفال أو إهمال لجانب من جوانبها فهي غير مقيدة بزمانٍ معين أو بقوم من الأقوام، بل هي موضوعة لكل زمان ومكان، مرتبطة بالوجود الإنساني دومًا وأبدًا، فهي تربية خالدة مستمرة لأنها مقتبسة من نور الوحي الإلهي.
إن هذه التربية تتميز بأصالتها الواقعية المستمدة من الكتاب والسنة، التي تتجلى في ربانية معطيات الإسلام الهادفة بالأساس إلى بناء الإنسان المسلم القويم الصالح، قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}.
وتتميز – أيضًا- بالشمولية والتكامل، وهي تهدف إلى تنمية وتهذيب جميع جوانب شخصية الإنسان واستعداداته وقدراته، فهي في أصلها مبنية على الأخلاق في السلوك التربوي، وهي تقوم على أساس كون المسلم يربي روحه ونفسه على الخلق الإسلامي الجميل.
صفات معلم التربية الإسلامية
ومُعلّم التربية الدينية ينبغي أن يتسم بالصفات الآتية:
- ذو شخصية قوية يتميز بالذكاء والموضوعية والعدل والحزم والثقة بالنفس والحيوية، والتعاون، والميل الاجتماعي وهو شخص سمح في تقدير ظروف الآخرين ودوافعهم.
- شخص مثقف واسع الأفق لديه اهتمام بالقراءة، واسع الاطلاع متذوق، ولديه اهتمام بالفنون والثقافة بشكل عام.
- صحيح بدنيا وله القدرة على العمل وخال من العيوب الخلقية حسن الصوت والأداء العربي السليم، ويتصف بالاتزان وعلى وعي بظروف مجتمعه ومشكلاته.
- يحب العمل مع الطلاب ومتمكن من المادة الدراسية التي يقوم بتدريسها ولديه القدرة على حسن العرض ويتميز بالطلاقة واللغة السليمة الواضحة، ويستطيع تكوين علاقات طيبة مع الطلاب والزملاء والرؤساء وكذلك مع أفراد المجتمع خارج المدرسة.
طرق تدريس التربية الإسلامية
وتتنوع طرق تدريس التربية الدينية التي يُعتمد عليها في توجيه الشباب وتصحيح سلوكهم للأفضل، في ضوء مرونتها وصلاحيتها، ومنها الطريقة الإلقائية، التي يكون محورها المدرس وهي من أقدم الطرائق المستخدمة في التدريس، وقد تعد من أقلها فعالية إذ ينقل المدرس المعلومات إلى طلبته في وقت محدد ويطلق عليها “الطريقة الإخبارية”.
وتوجد طريقة المناقشة، التي تعتمد على الحوار الهادف، للوصول إلى نتائج معينة تكتسب رضا المناقشين، وعمادها المشاركة الفعلية المنظمة للتلاميذ وتحت إشراف مدرسهم وتوجيهه، وقد يتولى المعلم المناقشة أو يكلف المتميز من تلاميذه أو مجموعة منهم لإدارتها وفق خطة.
وتعد الندوة من طرق تدريس التربية الإسلامية، حيث يتعاون في هذا الأسلوب عدد من الطلاب لا يزيد على ستة، يجلسون على هيئة نصف دائرة ليناقشوا جوانبا في موضوع الدرس.
وهناك الاستجواب الحي، وهو من الطرائق التي تحتل موقعًا مهمًا في التدريس الناجح لأسباب عدة في مقدمتها أنها تعير الطالب اهتماما وتمنحه الفرصة للمشاركة في الدرس بنشاط وفاعليته.
أما الطريقة الاستقرائية، فتهدف إلى الوصول لأحكام عامة بواسطة الملاحظة والمشاهدة، كما تهدف إلى توجيه المتعلم لمعرفة الحقائق والأحكام العامة عن طريق الاستنباط.
وطريقة الاستقصاء، عملية يجري فيها فحص أي معتقد أو أي شكل من المعرفة في محاولة لإثبات نظريات أو نتائج معينة وتشمل تلك العملية على أعمال مختلفة ترتبط بالتفكير العقلي.
وطريقة صحائف الأعمال، عبارة عن صحيفة تماثل في حجمها أبعاد صفحة كتاب الطالب تحمل على أحد وجهيها عددًا من الأعمال والأنشطة المختلفة التي يطلب من الطالب إنجازها.
المصادر:
- عاطف السيد، التربية الإسلامية، أصولها ومنهجها ومعلمها، صـ 17-18.
- عادلة عالي ناجي السعدون: مباحث في طرائق تدريس التربية الإسلامية وأساليب تقويمها، صـ 37 – 50.
- عبد الحميد، محسن، وآخرون، طرائق تدريس التربية الإسلامية، مطبعة أوفسيت الوسام، بغداد، 2003م.
- علي سعيد إسماعيل، القرآن الكريم رؤية تربوية، ط 1، دار الفكر العربي، القاهرة، 2000م.