لا شكّ أنّ نجاح الفرد في التعليم يُقاس بما جَمَعَه من معارف ومهارات وقِيَم، وبما حقّقه من التحصيل الدراسي خلال المراحل التعليمية المختلفة، وهو ما يعني بلوغ مستوى معين من الكفاية في الدّراسة سواء كان في المدرسة أو الجامعة، ويُحدد ذلك اختبارات مُقنّنة أو تقارير المعلمين أو الاثنين معًا.
وفي بحثٍ للدكتور محمد بن ناصر بن سيف الرباعي، يتطرق إلى معنى تحصيل العلم وأهمية والعوامل التي تُؤثر عليه، والعقبات التي تواجهه والحلول المقترحة.
أهمية التحصيل الدراسي
إن أهمية التحصيل الدراسي في حياة الطالب وأسرته، ليست فقط في الحصول على الدرجات، بل هو الطريق الإجباري لاختيار نوع الدراسة والمهنة، وفيما بعد تحديد الدور الاجتماعي الذي سيقوم به الطالب، والمكانة الاجتماعية التي سيحققها، ونظرته لذاته، وشعوره بالنجاح، وإحساسه بجدارته وكفايته، ورضا الآخرين عنه، ورأيهم به ما يدفعه للتعلم والإنجاز، فهو يشعر بالارتياح والرضا عن ذاته حين يستشعر رضاهم عن إنجازه. وتتمثل أهمية تحصيل العلم في:
- أنه يُساعد في الحصول على معلومات وصفية تُبين مدى ما حصّله التلاميذ بطريقة مباشرة من محتوى المادة الدراسية، ويُشبع حاجة من الحاجات النفسية التي يسعى إليها الدارسون، حيث إن لم تشبع هذه الحاجة فإن ذلك يؤدي إلى الإحباط.
- أنه يُمكن من خلاله الكشف عن انخفاض مستوى الطلاب، وبالتالي على المعلم أن يُعيد النظر في أدائه وطرق تدريسه.
- أنّ الدرجة العالية أو المنخفضة للتحصيل يُمكن أن تؤدي إلى تعزيز الاتجاهات الإيجابية الصحيحة وتعديل ما يحتاج إلى تعديل بصورة مستمرة.
- يُسهم النجاح والتفوق في زيادة تقبل الفرد لذاته، وبالتالي في إحداث التوافق النفسي له.
- يعد التحصيل من الإجراءات الوقائية لعدم الوقوع في المشكلات الأمنية والتخريبية التي تعاني منها كثير من المجتمعات، نتيجة انحطاط المستوى الدراسي وقلة التحصيل، وتسرّب كثير من الطلاب من الدراسة.
- كُلمّا كان الفرد متزودًا بتحصيل علمي، كان فكره أسمى وإدراكه أوسع.
العوامل المؤثرة على التحصيل الدراسي
ووفق البحث الذي أعده “الرباعي”، فإنّ هناك عوامل مؤثرة على التحصيل الدراسي تتمثل في الآتي:
أولًا: العوامل المتعلقة بالطالب، مثل السمات الشخصية والانفعالية للطالب، وخصائص الطالب الخلقية، وقدرات الطالب العقلية، وثقة الطالب بنفسه.
ثانيًا: العوامل الاجتماعية، فثقافة الوالدين والمستوى التعليمي لهما، ومدى تفرغ كل منهما لأبنائه والاستقرار الأسري، وكذلك المستوى الاقتصادي وحجم الأسرة وتوفر الجوّ النفسي المُفعَم بالطمأنينة والاستقرار والمسكن الملائم، كلها عوامل قد تُساعد على زيادة تحصيل العلم لأبناء تلك الأسرة.
ثالثًا: المعلم، إن للمعلم دورًا كبيرًا في نجاح العملية التعليمية، فهو أحد المتغيرات الرئيسة في ذلك، فجدية المعلم ونشاطه وإخلاصه في عمله وتفانيه في ذلك، وامتلاكه الأساليب التربوية والطرق الحديثة في التدريس والتقويم وتمكنه من مادته العلمية، وعلاقاته الإيجابية مع طلابه، واستقراره النفسي واتجاهه الإيجابي نحو مهنة التدريس وإقباله عليها برغبة ومتابعته المتطورات والمستجدات التربوية بصورة مستمرة، كل ذلك وبكل تأكيد سيسهم في رفع المستوى التحصيلي لطلابه.
معوقات تحصيل العلم
ويشير البحث إلى بعض المعوقات التي تواجه الطلاب في عملية التحصيل الدراسي وجمع المعلومات، وهي:
أولًا: ما يتعلق بالمتعلم:
- انخفاض مستوى الذكاء عند الطالب.
- إصابته ببعض الأمراض، مثل: ضعف البصر، أو السمع، أو الأنيميا، وغيرها.
- عدم رغبة الطالب في دراسة نوعية معينة من المواد.
- قلة الدافعية عند الطالب للدراسة لأسباب اجتماعية واقتصادية تحيط به.
- ضعف الطالب في أساسيات المواد للصفوف الأولى.
ثانيًا: ما يتعلق بالعوامل البيئية:
- المشكلات الأُسَرية والخلافات المستمرة بين الوالدين، ما يُؤدي إلى انعدام المناخ الملائم للمذاكرة والتفوق.
- عدم مساواة الوالدين في معاملة أولادهم؛ ما يُوَلّد ضغوطًا نفسيّة عند الأولاد.
- رفاق السوء، وله الأثر السيئ على تحصيل الطلاب، حيث يُؤدي بهم إلى التقليد وعدم الاهتمام بالدّراسة.
- المبالغة في تدليل الأبناء وعدم متابعة دراستهم وعدم التواصل مع المدرسة.
- فتور العلاقة بين الطالب والمعلم في بعض الأحيان، وعدم وجود القدوة للطالب، تلك القدوة التي تجعله مُهتمًّا بدراسته.
- انخفاض دخل الأسرة، ما يجعل بعض الآباء يُوجهون أبناءهم للعمل على حساب وقت مذاكرتهم وتحصيلهم الدّراسي.
مقترحات وحلول
أما بالنسبة للحلول والمقترحات التي يمكن من خلالها حل مشكلات التحصيل الدراسي للطلاب في المدارس والجامعات، فهي كالتالي:
- لا بُد من مساعدة الطالب على تنمية ذكائه، بالقراءة التي تُطلق العنان لخياله، وكذلك ألعاب الذكاء وممارسة الألعاب التي يُحبها.
- المتابعة المستمرة لصحة الطالب ووضع العلاج المناسب لما يعانيه من أمراض.
- عدم ضغط الوالدين على أبنائهم لدراسة نوعية معينة من المواد، ولكن يترك لهم حرية الاختيار.
- حسن معاملة الوالدين لأبنائهم، وسيادة الجو الحر الذي يخلق نوعًا من التفاهم والاستقرار الأسري.
- وجود المناخ الأسري المناسب للطالب المشجع للتعلم، ومحاولة حل المشاكل الأسرية بعيدًا عن الأبناء.
- معاملة الأولاد كلهم بسواسية، وعدم التفريق بين صغير أو كبير، أو ذكر و أنثى، أو مُجِدّ ومتوسط التحصيل.
- عدم توجيه الأبناء لأي عمل يؤدي بهم إلى إهمال دروسهم.
- عدم تلبية جميع رغبات الأولاد إلا الضروري منها، وعدم المبالغة في تدليلهم.
- ضرورة تواصل ولي الأمر مع المدرسة بما فيه مصلحة الأبناء.
- ضرورة قرب المعلم من طلابه وتلمس مشاكلهم وهواجسهم، وأن يكون قدوة للطالب تبعث عنده الدافعية وحب المدرسة والتطلع للنجاح والتفوق.
الدافعية وتحصيل العلم
أجمع كثير من التربويين على أن الدّافعية من العوامل الرئيسية التي تقف وراء التحصيل الدراسي والتعلم؛ فهي القوة التي تدفع الطلاب إلى اكتساب الخبرات والمعارف والمهارات وأنماط السلوك المتعددة.
ويرى بعض العلماء أنّ ضَعْف تحصيل العلم لدى البعض، ليس بسبب عدم الكفاية أو القدرة على التعلُّم، أو بسبب ضعف القدرات العقلية، ولكن يعود ذلك إلى غياب الدافعية، وعدم وجود أسباب محفِّزة تُمكِّنهم من إثارة الدافعية للتعلُّم.
وترجع أهمية الدافعية في مجال تحصيل المواد العلمية إلى أنّ الهدف الأساسي من عملية التعليم هو مساعدة التلاميذ على النمو العقلي عن طريق تطوير قدراتهم العقلية المتعددة، ويعني ذلك أن عملية التعلُّم لا تهدف إلى تزويد المتعلمين بالحقائق والمعلومات فقط؛ وإنما تهدف كذلك إلى مساعدتهم على تطوير وبناء قدراتهم المعرفية على الاستدلال والاستقراء والاستنباط، وإدراك العلاقات التي تربط بين المعارف والموضوعات المختلفة.
ويمكن أن نساعد الطلاب على إثارة الدافعية لتعلُّم العلوم من خلال تحقيق الشروط التي تضمن النمو العقلي والجسدي، وهذه الشروط هي:
- توفير الأنشطة الفيزيائية والحركية لتلاميذ المرحلة الابتدائية، بهدف توفير الخبرات لتطوير التفكير واللغة والتواصُل عند التلميذ.
- توفير الأنشطة الاجتماعية: وهذه المجموعات تُؤدِّي لنشوء علاقات تعاونية ومجموعات مناقشة العلوم.
- الخبرة الحسيَّة المباشرة: وذلك باستخدام الحواسِّ لجعل المتعلِّم أكثرَ دافعيةً وشوقًا؛ مثل: تذوُّق الأطعمة، وتحديد درجة الملوحة أو الحموضة.
- توفير الاتصال مع الآخرين: من خلال اكتساب الخبرة (تلميذ – تلميذ) أو (تلميذ – معلم أو راشد).
- الحفاظ على استمرارية انتباه المتعلمين، مِن خلال تنوع الأنشطة التعليمية؛ مثل: الأنشطة العملية والأدائية والقرائية واللفظية، واستخدام العروض، وتنوع أساليب وطرائق التدريس؛ مثل: النقاش والحوار، والعروض العملية، وأسلوب حل المشكلات، والعمل الجماعي، واستخدام الوسائل التعليمية.
- اشتراك المتعلمين في فعاليات الدرس من خلال إتاحة العمل التعاوني.
- تعزيز إنجازات المتعلمين وتشجيعهم.
- توليد الثقة بالنفس عند التلاميذ: من أجل التعزيز.
- إثراء اهتمام المتعلمين بموضوع التعلُّم.
المصادر:
- التحصيل الدراسي .
- التحصيل الدراسي والتعلم و علاقة الأسرة والمدرسة بهما .
- أثر التحصيل الدراسي على حياة الطلبة وشخصياتهم .