الأخلاق جمع الخُلُق: وهو السَّجيَّة والطبع؛ وهو مجموعة من المعاني والصفات المستقرة في النفس وفي ضوئها وميزانها يحسن الفعل في نظر الإنسان أو يقبح، ومن ثم يقدم عليه أو يحجم عنه.
ومعنى حسن الخلق: أي إنسان سجيته حسنة وطبعه ثابت قوي لا تغيَّره الأحداث.
حسن الخلق في القرآن والسنة
إن للأخلاق في دين الإسلام شأن عظيم ومكانة عالية حيث دعا أتباعه إلى التحلي بها وتنميتها في نفوسهم لأنها أحد الأصول الأربعة التي يقوم عليها وهي:
١- الإيمان (عقيدة التوحيد)
٢- العبادات
٣-المعاملات
٤- الأخلاق
كما أنّ الفطرة السليمة تدعو وتحثّ على الأخلاق الفاضلة الكريمة، فإنّ الصدق، والأمانة، والوفاء بالعهود، والصبر، والشجاعة، تستحقّ حمد صاحبها، والثناء عليه، وذلك استناداً إلى العقل والتفكير السليم، كما أنّ الكذب، والغش، والخداع، والغدر، والبخل، تستحق ذم صاحبها.
وهناك ارتباط وثيق بين الأخلاق والإيمان، وكل عمل يقوم به المسلم يحتاج إلى الأخلاق الحميدة والصفات الحسنة ولاشك أن من فقد الإيمان والتقوى فقد فقَد تلك الأخلاق، وكلما كان المؤمن أكمل أخلاقاً كان أكثر إيماناً.
ومما يدل على أهمية حسن الخلق وارتباطه بالإيمان وصف الله -تعالى- لنبيه محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم، بقوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ).
وقوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ).
- يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ”ما شيءٌ أثقلَ في ميزانِ المؤمنِ يومَ القيامةِ مِن خُلُقٍ حسنٍ ، وإنَّ اللهَ يبغضُ الفاحشَ البذيءَ”.
- ويقول النبي صلى الله عليه وسلم ” أكْمَلُ المؤمنين إيمانًا أَحْسَنُهم خلقًا”.
- ويقول النبي صلى الله عليه وسلم ”إنَّ أَحَبَّكُم إليَّ، وأَقرَبَكُم مِنِّي في الآخِرَةِ: أحاسِنُكُم أخلاقًا“.
- وسُئِلَ صلى الله عليه وسلم عن أكثرِ ما يُدخِلُ الناسَ الجنةَ؟ فقال: تقوى اللهِ وحسنُ الخُلقِ؛ وسُئِل عن أكثرِ ما يُدخِلُ الناسَ النارَ؟ فقال: الفمُ والفرجُ.
- ويقول أيضاً: ”إنَّ الرجلَ لَيدرِكُ بحُسنِ خُلُقِه درجةَ القائمِ باللَّيلِ ، الظامئِ بالهواجِرِ”.
- ومن دعاء النبي صلى الله عليه و سلم: ”… واهدِني لِأحسَنِ الأخلاقِ لا يهدي لِأحسَنِها إلَّا أنتَ واصرِفْ عنِّي سيِّئَها لا يصرِفُ عنِّي سيِّئَها إلَّا أنتَ …”.
- فإذا نظر للمرآة قال: ”اللَّهمَّ كما حَسَّنتَ خَلقي، فحسِّن خُلُقي“.
أهمية الأخلاق للعاملين بالدعوة
إن الخُلق أبرزُ ما يراه الناسُ، ويُدركونه من سائر أعمال الإسلام؛ فالناس لا يرون عقيدةَ الشخص؛ لأن محلَّها القلبُ، كما لا يرون كلَّ عباداته، لكنهم يرَوْن أخلاقه، ويتعاملون معه من خلالها؛ لذا فإنهم سيُقيِّمون دِينَه بِناءً على تعامله، فيحكُمون على صحتِه من عدمه عن طريق خُلقه وسلوكه، لا عن طريق دعواه وقوله.
وقد حدَّثَنا التاريخ أن الشرق الأقصى ممثَّلاً اليوم في إندونيسيا والملايو والفلبين وماليزيا، لم يعتنقْ أهلُها الإسلام بفصاحة الدعاة، ولا بسيف الغزاة، بل بأخلاقِ التجَّار وسلوكِهم، من أهل حضرموت وعمان؛ وذلك لما تعاملوا معهم بالصدق والأمانة والعدل والسماحة.
أهداف الأخلاق
وللأخلاق أربعة أهداف:
الهدف الأول: تمييز رسالة النبي صلى الله عليه وسلم: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”؛ وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اتَّقِ اللهَ حيثُما كنتَ، وأَتْبِعِ السيئةَ الحسنةَ تَمْحُها، وخالِقِ الناسَ بخُلُقٍ حَسَنٍ”.
وكثير من آيات القرآن الكريم تدعو العاقل إلى امتثال أمر الله سبحانه وتعالى في الأخلاق (إما نهياً أو إيجاباً أو إرشاداً) ومنها:
- {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}.
- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}.
- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ}.
كما أن من أهداف العبادات ضبط الأخلاق:
1- الصلاة: يقول الله عز وجل ”وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ”.
2. الصدقة: يقول الله عز وجل ”خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا”، وهناك صدقات أخلاقية تفوق صدقات الأموال، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: “بسُّمُك في وجهِ أخيك صدقةٌ لك وأمرُك بالمعروفِ ونهيُك عن المنكَرِ صدقةٌ وإرشادُك الرَّجلَ في أرضِ الضَّلالةِ لك صدقةٌ وبصرُك للرَّجلِ الرَّديءِ البصرِ لك صدقةٌ وإماطتُك الحَجَرَ والشَّوكةَ والعَظْمَ عن الطَّريقِ لك صدقةٌ وإفراغُك مِن دَلوِك في دَلْوِ أخيك لك صدقةٌ”.
3. الصيام: يقول النبي صلى الله عليه وسلم ”فَإِذَا كانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فلا يَرْفُثْ يَومَئذٍ وَلَا يَسْخَبْ، فإنْ سَابَّهُ أَحَدٌ، أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ” .
4. الحج: يقول تعالى: ”لْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ” . الحج تدريب قاس على انضباط الأخلاق فلا معاص ولا جدال حتى يمتد هذا إلى الطير فلا ينفره وإلى الشجر فلا يقطعه.
الهدف الثاني: ضبط الحياة وتقويم السلوك؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: “اللَّهِ لا يُؤْمِنُ، واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، واللَّهِ لا يُؤْمِنُ. قيلَ: ومَن يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: الذي لا يَأْمَنُ جارُهُ بَوايِقَهُ” .
وقال رجلٌ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ فُلانةَ يُذكَرُ مِن كَثرةِ صَلاتِها وصَدقَتِها وصيامِها، غيرَ أنَّها تُؤذي جيرانَها بِلِسانِها؟ قال: هيَ في النَّارِ، قال: يا رَسولَ اللهِ، فإنَّ فُلانةَ يُذكَرُ مِن قِلَّةِ صيامِها وصَدقَتِها وصَلاتِها، وإنَّها تَتَصدَّقُ بالأَثوارِ مِن الأَقِطِ، وَلا تُؤذي جيرانَها بِلسانِها؟ قال: هيَ في الجنَّةِ.
ويقول صلى الله عليه وسلم: “أَتَدْرُونَ ما المُفْلِسُ؟ قالوا: المُفْلِسُ فِينا مَن لا دِرْهَمَ له ولا مَتاعَ، فقالَ: إنَّ المُفْلِسَ مِن أُمَّتي يَأْتي يَومَ القِيامَةِ بصَلاةٍ، وصِيامٍ، وزَكاةٍ، ويَأْتي قدْ شَتَمَ هذا، وقَذَفَ هذا، وأَكَلَ مالَ هذا، وسَفَكَ دَمَ هذا، وضَرَبَ هذا، فيُعْطَى هذا مِن حَسَناتِهِ، وهذا مِن حَسَناتِهِ، فإنْ فَنِيَتْ حَسَناتُهُ قَبْلَ أنْ يُقْضَى ما عليه أُخِذَ مِن خَطاياهُمْ فَطُرِحَتْ عليه، ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ”.
الهدف الثالث: أن نكون قوما عمليين؛ فإن النبي ما مدحه الله بكثرة صلاة ولا قيام أو صيام إنما مدحه بحسن الخلق؛ فقال: (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ)، ويقول تعالى: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، ويقول: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}، وأيضا: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}.
الهدف الرابع: أن نخرج للمجتمع نماذج حسنة من الدعاة متميزين بأخلاقهم الحسنة، فالخلق الحسن من أعظم الأساليب التي تجذب الناس إلى الإسلام، والهداية، والاستقامة.
ولهذا من تتبع سيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام وجد أنه كان يلازم الخلق الحسن في سائر أحواله وخاصة في دعوته إلى الله تعالى، فأقبل الناس ودخلوا في دين الله أفواجًا بفضل الله تعالى ثم بفضل حسن خلقه صلى الله عليه وسلم، فكم دخل في الإسلام بسبب خلقه العظيم، فهذا يسلم ويقول: والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليَّ من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إليَّ.. وآخر يقول: فبأبي هو وأمي ما رأيت معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه.. وثالث يقول: يا قومي أسلموا فإن محمدًا يعطي عطاءً لا يخشى الفاقة.. وآخر يقول: والله لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إليَّ، فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إليَّ.
هل الأخلاق قابلة للتغيير؟
نعم؛ فلولا قابليتها للتغيير ما أرسل الله الرسل، ولا أنزل الكتب، ولا وُضعت القوانين والعقوبات الرّادعة، يقول صلى الله عليه وسلم: إنما العلم بالتعلم ، وإنما الحلم بالتحلّم ” وقال صلى الله عليه وسلم: (…ومَن يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، ومَن يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ ومَن يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وما أُعْطِيَ أحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ).
يريد صلى الله عليه وسلم أن يعلمنا أن الأخلاق قابلة للتغيير، فلو كانت الأخلاق غير قابلة للتغيير لما كان لتنزيل الشرع معنى كما قال الإمام الغزالي، وما كان للوصايا والمواعظ والتذكرة أي فائدة ترجى.
قال تعالى: “وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ” فكيف تنفع الذكرى إذا لم تكن هناك قابلية للتغيير.
فالذي يريد أن يكون كريماً عليه أن يحمل نفسه على بذل المال، والذي يريد أن يربأ بنفسه عن الغيبة عليه أن يلزم نفسه الصمت ويلجم لسانه متى أراد الكلام! والالتزام بمكارم الأخلاق فيه تقوية لإرادة الإنسان وتمرينها على حب الخير وفعله والبعد عن الشر وتركه، وبذلك تتحقق سعادة القلب.
اكتشاف عيوب النفس؟
إذا أراد الله بعبد خيراً بصره بعيوب نفسه فمن كانت بصيرته نافذة لم تخف عليه عيوبه فإذا عرضها أمكنه العلاج.
قال ابن حزم: “العاقل من ميز عيوب نفسه فغالبها وسعى في قمعها والأحمق هو الذي يجهل عيوب نفسه إما لقلة علمه وضعف فكرته أو لأنه يقدر أن عيوبه خصال وهذا أشد عيب في الأرض “.
وهذه بعض الطرق لتعرف بها عيوبك:
1- من صديق ناصح (صاحب الصالحين) .
2- من عدوك (اسمع أعداءك)
3- سماع المواعظ ودروس العلم.
4- أن تدرس وتعرف أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وترى أين أنت منها؟
5- أن يخالط الناس ويرى من عيوب غيره عيوب نفسه فيبتعد عنها.
كيف نكتسب الأخلاق الحسنة؟
- تصحيح العقيدة
- الدعاء
- المجاهدة
- المحاسبة
- معرفة آثار حسن الخلق
- النظر في عواقب سوء الخلق
- علو الهمة
- الصبر
- التواصي بحسن الخلق
- قبول النصح الهادف والنقد البناء
- اتخاذ الناس مرآة لتقييم الخلق
- مصاحبة الأخيار وأهل الأخلاق الفاضلة
- قراءة القرآن بتدبر وتعقل
- إدامة النظر في السيرة النبوية
- النظر في سيرة الصحابة وأهل العقل
- مطالعة كتب الأدب الشرعية
- الاعتبار بحوادث التاريخ.