ابني يسرق منذ كان عمره 6 سنوات وهو الآن مراهق وما زالت الظاهرة موجودة.. هو طيب ومؤدب وعنده حياء ويحب خدمة الناس ولديه كثير من الصفات الطيبة لكن هذه الصفة تؤرقني.. ماذا أفعل؟
الإجابة
كما نقول دائما عندما نتعامل كآباء مع سلوكيات خاطئة لأبنائنا فإنه يجب أن ينصب اهتمامنا بشكل أكبر على فهم خلفيات هذا السلوك ودوافعه لنتمكن من المعالجة.
معلوم أنّ إقبال الأبناء على فعل كهذا يُسبب صدمة وإحراجًا شديدًا لدى الآباء، وقد يبدأ بعضهم في اتهام نفسه فورًا، لهذا من المفيد أن نضع أيدينا على السبب الذي دفع الابن لذلك، حيث تختلف الدوافع لدى السن الصغيرة عن الذي يكبره، فمع السن الصغير لا تكون بعض المفاهيم قد تكونت بشكل صحيح كمفهوم الملكية وحدودها وقوانين البيع والشراء والدفع مسبقًا، كما تكون بعض القيم كالأمانة وأداء الحقوق غير واضحة بعد.
أمّا في بدايات مرحلة المراهقة فتختلف الدوافع، أحيانًا يكون الدافع هو التمرد على القوانين والثوابت كجزء من سمات المرحلة، وأحيانًا لإثبات الجرأة للأصدقاء، أو لسد احتياجات لا يستطيع تلبيتها من خلال الأهل، أو من أجل اقتناء أشياء يراها مع أقرانه ويرفضها الأهل لأسباب مالية أو قيمية، وأحيانًا أخرى يكون الاندفاع وعدم القدرة على ضبط النفس ورغباتها سببًا وراء ذلك.
وبشكل عام فإنّ مرور الأبناء بظروف أسرية أو نفسية قاسية قد يدفعهم للقيام بسلوكيات خاطئة كشكل من أشكال تفريغ الغضب الداخلي لديهم أو قد يدفعهم لذلك الحرمان وعدم تلبية الحد الأدنى من احتياجاتهم.
يفهم الآباء الدوافع بمجموعة من الطرق، أولها: الفهم العام لطبيعة شخصية الابن ومدى قدرته على كبح رغباته ومدى قدرته على الالتزام بالقيم والمبادئ، ثانيها: فهم سمات المرحلة السِّنية وما إن كان سلوك كهذا مقبول فيها ومتوقع أم لا، وثالثها: الظرف الذي جرى فيه الأمر وما إن كان الابن أو محيطه يمرّان بمشكلة ما، ثمّ أخيرًا بالسؤال المباشر والنقاش الهادئ عن دوافعه وهذا يمكن أن يجري مع الأبناء في مرحلة المراهقة.
أما عن المعالجة فإن طريقة تعامل الأهل مع أمر كهذا تكون فارقة جدًّا في استيعاب المشكلة وتحجيمها أو على العكس تثبيتها وتفاقمها، وما يُساعد على رصانة واتزان رد فعل الأهل هو عدم اتهام أنفسهم بالتقصير فورًا وعدم اعتبار سلوك الابن إهانة لهم، ويجب ألا يُنظر للأمر على أنه سلوك إجرامي غير طبيعي، هذا إلى جانب القناعات والحوار الداخلي للآباء الذي يُؤثر حتمًا على طريقة تصرفهما إما الهدوء والحكمة أو الانفعال ورد الفعل غير المدروس.
ويجب أن يبتعد الآباء تمامًا عن التعنيف أو الضرب، لأنّ هذا ما قد يفاقم الأمر وإن فعلها في البداية لأي سبب فيكررها انتقامًا فقط في المرات التالية.
ولا بُد من تدعيم قيمة مراقبة الله بكل طريقة ممكنة، وتكرار كل ما يتعلق بالأمانة من آيات وأحاديث على آذانهم كآية سورة النساء: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}، وحديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم- (أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك)، وسرد قصص عن الأمانة في أثناء الحوارات اليومية دون توجيهها مباشرة للابن المقصود وإبراز قدوات في هذا الأمر على رأسها المصطفى العدنان الذي كانت أمانته سببًا في اصطفائه، ويُمكن تحديد مكان في البيت نسميه (ركن الأمانات) ونكرر على الأبناء وضع أي شيء لا يخص الأسرة في هذا المكان لرده لأصحابه.
من الممكن – أيضًا- تبيان الأثر السلبي لسلوك السرقة وما يتركه من أثر نفسي واجتماعي وأسري سيئ للابن في أثناء النقاش معه. والتحاور مع الابن في إيجاد طريقة لرد الشيء الذي سرقه بطريقة لا تجرح مشاعره إما بإعادتها أو بدفع ثمنها مع تحمله لثمنها أو جانبًا منه. وتجنب تذكيره بتصرفه السيئ في المواقف المختلفة أو معايرته به وتجنب إطلاق أحكام فلا يقال له مثلًا أنت سارق.
ضروري – كذلك- تلبية الحد الأدنى من احتياجاته والتأكد من إعطائه مصروفًا أسبوعيًّا مناسبًا لسنه وبيئته التي يعيش فيها، واستيعاب الابن واحتوائه والتعبير عن الحب له وإيضاح أن سلوكه لا علاقة له بقبوله وحبه لأنه ربما يتسرب لديه شعور بالعار وبأنه غير مرغوب فيه.
ومن الجيد – كما جاء في السؤال- النظر والتركيز على جوانب شخصيته الإيجابية، كي لا يتسلل للنفس أنه ابن سيئ فيتم معاملته وفقًا لذلك، لكن في الوقت نفسه إخباره أنّ عليه أن يتعاون من أجل ألا تهتز الثقة به في هذا الجانب أكثر.
وعلى كل فإن مع تعدد طرق علاج سلوك السرقة يجب التأكد أولًا من كونه علاجًا لأسباب المشكلة الحقيقية، فلا تكون مثلًا السرقة ظهرت بسبب مشكلات أسرية ثم نعالجها نحن بزيادة مصروفه بل يجب العمل على استعادة أجواء الهدوء والود والاحترام في البيت.
وأخيرًا في بعض الحالات القليلة تكون السرقة سلوكًا مرضيًا ليس له علاقة بأي من الأسباب آنفة الذكر يتطلب الأمر حينها زيارة الطبيب النفسي.