السؤال
لدي طفل عمره ثلاث سنوات وأنا على وشك الولادة. اختلفت مع زوجي بشأن إرسال ابننا إلى الحضانة من عدمه؛ فهو يرى أن ابننا يخاف من الناس وأنشطته الاجتماعية ضعيفة، وأنا أرى أن الحضانة لم تقدم له أي تغيير ملموس في شخصيته خلال الفترة القصيرة التي أرسلناه فيها. مع العلم أنه لا يوجد لدينا أهل قريبون أو أصدقاء أو جيران. فهل الحضانة ستغير من شخصيته للأفضل؟
الرد
السائلة الكريمة، أهلًا بكِ ضيفةً عزيزة على موقع المنتدى الإسلامي العالمي للتربية وصفحاته على مختلف منصات التواصل الاجتماعي.
يسر الله لك حملك وأتمه على خير.
مما لا شك فيه أن عمر ثلاث سنوات هو عمر مناسب للذهاب إلى الحضانة؛ حيث يصبح لدى الطفل القدرة على التعبير بالكلام عن احتياجاته أو رواية ما حدث له، كما يكون قد تخلص من الحفاضة في المنزل مع والدته، مما يجعله أقل عرضة للتعامل الجسدي مع عاملات النظافة.
ومع ذلك، قد لا تكون الحضانة أولوية في حق طفلك إذا كنتِ تستطيعين توفير بيئة مشابهة له من خلال توسيع دوائره الاجتماعية بتلقيه بعض التدريبات الرياضية أو ذهابه لدور تحفيظ القرآن أو ما شابهه.
إذا تابعتِ مسألة ذهاب الطفل إلى الحضانة في مختلف الدول، ستجدين أن بعض البلدان لا تعرف مفهوم الحضانة كما نعرفه في بلادنا، حيث يقدرون دور الأسرة وحاجة الطفل للتواجد مع أهله أطول فترة ممكنة. فمهما كانت نية إدارة المكان، ومهما ارتفعت مؤهلات المعلمات، ستجدين قصورًا.
كذلك، نحن الأهل لدينا أيضًا قصور وأخطاء، لكن عندما يدخل الجانب المادي كعامل في التقييم، ومع ارتفاع الأسعار عمومًا، فإننا لا نتقبل تلك الأخطاء والقصور، فنقع في معضلة الشكوى والتذمر. ومن حقكم كأهل أن تجدوا اهتمامًا وتعليمًا مقابل ما دفعتم.
بناءً على ما تقدم، أنتم من يستطيع تقرير مدى حاجة الطفل للذهاب إلى الحضانة، وما الذي تتوقعون أن يتعلمه ابنكم؟ وهل لديكم القدرة على إيجاد بدائل اجتماعية للطفل تغنيه عن الذهاب إلى الحضانة؟
غاية ما يُراد من تلك المرحلة ليس التعلم كما يفهم البعض، بل الغرض الأكبر هو كسر حاجز الخوف المجتمعي، وإيجاد بيئة مناسبة لعمر الطفل، فيها أطفال من سنّه وألعاب مناسبة وإشراف دارس فاهم واعٍ.
فإذا تحقق ذلك، فلا تهتمي بما تعلم، واجعلي مقياس نجاح الحضانة أو فشلها هو مدى تفاعل الطفل مع الأطفال في الأماكن والمحافل المختلفة، ومدى تعامله مع الغرباء.
وهنا يجب التنويه على نمطين من الأطفال:
1. الطفل المستكشف الحركي.
2. الطفل الحساس.
الأول غالبًا ما يتأقلم على فكرة الحضانة بسهولة. أما الطفل الحساس، فيجب التعامل معه بسياسة الانتقال الآمن، فلا نلقيه في اليم فجأة، بل اتباع سياسة التطمين التدريجي مهمة للغاية.
يمكن أن تأخذوه إلى حديقة بها أطفال، ولاحظوا مدى اندماجه معهم. بعض الأماكن تخصص مساحة للعب الأطفال أثناء تسوق الكبار حولهم، جربي تركه بعد تطمينه أنكِ بجواره، ونادي عليه كل فترة حتى يعتاد على الانفصال بشكل تدريجي.
جربي أن يمكث في بيت الجدة أو الخالة بدونك. لا تجعلي المرات الأولى فجائية؛ أعديه لهذه الخطوة بالحكي والتشجيع، وأن يصطحب معه لعبته المفضلة.
بعد هذا التمهيد، عليكِ مراعاة الآتي عند اختيار الحضانة:
• أن تكون قريبة من منزلك قدر الإمكان أو من مكان عملكِ إذا كنتِ تعملين، حتى تستطيعين الوصول إليه سريعًا في حال حدوث أي طارئ لا قدر الله.
• اطلبي من الحضانة عمل أنشطة مشتركة مع طفلك في المرات الأولى، خاصةً، حتى تُكسري حاجز الخوف.
• اتفقي مع إدارة الحضانة على التدريج، كأن يذهب ساعتين يوميًا في البداية، أو يذهب يومًا ويغيب يومًا.
• تأكدي من أن المعلمات حاصلات على مؤهل تربوي، فطفلكِ سيقضي معهن وقتًا أطول مما يقضيه معكِ، فإن لم يكن لديهن دراية تربوية، فتوقعي مشكلات أنتِ في غنى عنها. فالحضانة تُربي قبل أن تُعلم، والمعلمة هي التي سيتعلم منها الطفل تعديل سلوكه وطرق الحديث والدفاع عن نفسه. هي التي سينطلق معها بمشاعره فيحب عملية التعلم من بوابة حبه لتلك المعلمة، أو ستتكون لديه صورة مشوهة عن العملية التعليمية.
المعلمة ذات الخلفية التربوية يجب أن تكون على دراية بخصائص هذه المرحلة العمرية، وسمات شخصية الطفل، والمهارات الاجتماعية التي يحتاج إلى تعلمها. وآخر همنا في هذه المرحلة هو تعلم القراءة والكتابة.
إذًا، تقييمكِ لتحسن طفلكِ من عدمه لا يعتمد على ماذا تعلم من علم، بل على مدى تقدمه اجتماعيًا. وحتى نكون منصفين، فإن الحضانة تُعين كثيرًا وتزيل حواجز اجتماعية كبيرة، شريطة أن تكون حضانة تفهم وتتبنى المنهج التربوي.
قد يتبادر إلى الذهن سؤال: كيف أعرف أن طفلي متأقلم ويتطور من عدمه؟ الإجابة تأتي من حديثه أولًا، ولذلك فإن عمر الثلاث سنوات هو عمر مناسب جدًا؛ عمر ولدكِ.
نحتاج إلى تعلم فن السؤال، حتى نساعد الطفل في الحديث واكتشاف تطوره من عدمه. ومن المهم أيضًا، إذا شككنا في تعرض الطفل لسلوك عدواني من طفل آخر أو من أحد العاملين في الحضانة، ألا نهمل الشكوى. وإذا اضطر الأمر إلى مراجعة الكاميرات، فلنراجع. لذا، تأكدي من وجود كاميرات في المكان، فهذا دليل على جدية الإدارة في المتابعة.
إذا تأقلم الطفل، سيتوقف عن البكاء بعد مغادرتكِ بفترة قصيرة. ولكن إذا استمر في البكاء لفترة طويلة، عليكِ الرجوع إلى معلمته ومناقشتها.
إذا ذهبتِ لأخذه ووجدتِه جالسًا على كرسيه ينتظركِ دون حركة في كل مرة، فهذا دليل أيضًا على عدم التأقلم. تناقشي مع المختصين في الأمر.
قد يحدث أن تختاري الحضانة بعناية فائقة، ولكن لا يتأقلم الطفل معها. هنا يجب التأكد من عدة أمور وطرح بعض الأسئلة:
• هل يتعرض الطفل للحماية الزائدة من أحد الوالدين أو الجدين؟
• هل تم تدرج انفصال الطفل عن منزله أم ذهب مباشرة من البيت إلى الحضانة؟
• هل صوت المعلمة عالٍ وتبدو وكأنها تصرخ؟
• هل توجد خلافات بينكما كزوجين أثرت على شعور الطفل بالأمان؟
في حالتكم، يجب ألا يشعر الطفل أن المولود القادم هو سبب ذهابه إلى الحضانة، فقد يشجعك بعض الأهل بالحديث أمامه أن الحضانة في هذه المرحلة ستكون فرصة جيدة لانشغالك بالمولود الجديد. هذا الحديث سيجعله يتعلق بالبقاء معكم أكثر وأكثر.
قد يكون ذهابه إلى الحضانة في هذه الفترة أمرًا مفيدًا من جوانب عدة، كإطلاقه اجتماعيًا وتعليميًا، وتمهيده للذهاب إلى المدرسة، وإشغاله في وقت انشغالكِ بالتحضير للمولود. ولكن، لا ينبغي أن يُقال هذا الحديث بحضرته، حتى لا يتولد لديه شعور بالكراهية تجاه أخيه أو أخته القادمين، ظنًا منهم أنهم السبب في تركه للمنزل.
حفظ الله أبناءنا وأحاطهم برعايته وأمنه. ونعلم أن مرحلة انفصال أبنائنا عنا قادمة لا محالة، فكما هم بحاجة إلى التدرج في الانفصال، نحن أيضًا بحاجة إلى هذا التدرج. نسأل الله أن نكون على قدر المسؤولية تجاه أبنائنا، وأن نجتهد في عمل الأصلح والأنفع لهم، مغلبين مصلحتهم على أهوائنا.
بارك الله لكِ في زوجكِ وولدكِ، ورزقكم بره، ونفع به الإسلام والمسلمين.