يتأثر سلوكنا الاجتماعي باتجاهاتنا، فهي تؤثر في أحكامنا ومدركاتنا، وعلى ردود أفعالنا تجاه الآخرين، فاتجاهاتنا تتجمع في أنماط مميزة وتعطي للشخصية نمطها الخاص، وتنشأ من خلال تفاعلنا مع عناصر البيئة.
وبما أن الاتجاهات لا يمكن ملاحظتها مباشرة فقد كان من الضروري استخدام مقاييس الاتجاهات، ومن أهم أسباب قياس الاتجاهات أن قياسها ييسر للأفراد والجماعات، وبذلك تزداد معرفتنا بالعوامل التي تؤثر في نشأة الاتجاه وتكوينه وتنميته واستقراره أو إلى تحويله وتغييره، وهذا التغيير يكون بعد قياس ومعرفة شدة ورسوخ الاتجاه.
ولقد بذل العلماء كثيرا من الوقت والجهد لوضع مقاييس للاتجاهات تتسم بالشروط الأساسية لأدوات القياس كالثبات والصدق، ومن ثم القدرة على تحليل النتائج وتفسيرها وتعميمها.
أنواع مقاييس الاتجاهات
هناك نوعان من المقاييس: مقاییس مباشرة، ومقاييس غير مباشرة:
مقاييس الاتجاهات المباشرة، ومنها:
أ. مقاييس الاتجاهات المركبة: وهي مقاييس ذات نهايات مغلقة، وتزود المفحوص بعدد محدود من الإجابات يختار منها الإجابة التي تتفق مع رأيه.
ب. مقاييس الاتجاهات غير المركبة: وهي مقاييس مفتوحة النهاية تعطي للأفراد الفرصة لوصف اتجاهاتهم بأسلوبهم الخاص ومحاولة شرح أفكارهم، والميزة الرئيسة لهذا النوع من المقاييس هي أنها لا تقيد استجابات الأفراد؛ ولذلك فهي من الممكن أن تزودنا بمعلومات كثيرة، مثل: أسباب تبني الأفراد لاتجاهات معينة، وكذلك تعكس الاختلافات بين الأفراد في الطريقة التي يفهمون بها الموضوع، وبالتالي يقومون بالإجابة عنه.
هذا ومازالت مقاييس الاتجاهات المباشرة تعد من أشهر المداخل لقياس الاتجاهات، وليس هناك شك في أنها تكون مفيدة في كثير من المواقف، ولكن على الرغم من ذلك فإن لهذه المقاييس العديد من السلبيات التي لا تجعلها مفضلة في القياس، ومن هذه السلبيات:
– أن الأفراد ليسوا دائما صادقين فعندما يواجهون قضایا حساسة على المستوى الاجتماعي، فإنهم غالبا ما يجيبون عنها إجابات يعتقدون أنها مرغوبة من الآخرين بدلا من أن يعبروا عن اتجاهاتهم الحقيقية بصراحة.
– بعض الأفراد قد لا يكون لديهم وعي تام باتجاهاتهم كأن لا يكون الفرد على وعي ودراية كاملين بأن لديه ردود فعل سلبية تجاه مواقف أو أشياء معينة، وبالتالي قد لا تحمل إجاباته ما يعبر عنه اتجاهه الحقيقي نحو هذه الأشياء.
مقاييس الاتجاهات غير المباشرة:
تعد مقاييس الاتجاهات غير المباشرة أكثر فائدة من مقاييس الاتجاهات المباشرة؛ وذلك لأنها تتمكن من قیاس تلك الاتجاهات التي تعرف بالاتجاهات الضمنية لدى الأفراد، وهي اتجاهاتهم اللاإرادية التي قد لا يكون لديهم الوعي الكافي بها، وهناك عدد من المقاييس غير المباشرة، منها: مقاييس غير مباشرة قائمة على السلوك، ومنها على سبيل المثال:
المقاييس غير المباشرة القائمة على الحكم على الفرد من خلال نزعته أو تحيزه:
وهو مدخل عام آخر لقياس الاتجاهات بطريقة غير مباشرة، ويتم على أساس قیاس درجة النزعة أو الانحياز في الطريقة التي يصدر بها الناس أحكامهم، والتي من المحتمل أن تعكس اتجاهاتهم، ومن أمثلة القياس غير المباشر المعتمد على قياس النزعة في الحكم:
– أسلوب اختيار الخطأ:
ويقوم هذا الأسلوب على تكوين الباحث مجموعة كبيرة من الأسئلة المعرفية الموضوعية، والهدف من ذلك هو اختيار الأسئلة التي لها إجابات موضوعية بشكل مبدئي ، ولكن الذين يقومون بالإجابة على هذه الأسئلة لا يكونون على دراية كاملة بالإجابات وتشتمل الإجابات الملحقة بكل سؤال على اقتراح لتقدير إيجابي أو سلبي، والغرض الذي يكمن وراء هذا الأسلوب هو أن الأفراد عندما يواجهون أسئلة لا يعرفون إجاباتها فهم يقومون بتخمين الإجابة بطريقة عشوائية وهذا التخمين العشوائي هو ما يتماشى بالفعل مع اتجاهاتهم الفعلية، وبذلك يمكن حساب درجة الاتجاه من خلال حساب درجة التخمين في جميع هذه الأسئلة ، فإذا خمن الشخص إجابة ما كانت تتضمن شيئا مرغوبا فهذا يدل على أن هذا الشخص لديه اتجاهات إيجابية نحو موضوع السؤال.
وفي هذا الأسلوب غالبا ما تخلط الأسئلة المستهدف منها قياس الاتجاه مع أسئلة أخرى زائدة لا تستخدم في حساب الدرجة النهائية للاتجاه، وهذا المزج يساعد على توضيح الهدف الحقيقي من المقياس وبذلك يتمكن الباحث من قياس الاتجاه نحو موضوع معين من خلال اختبار موضوعي معرفي دون الاضطرار لأن يسأل الأفراد بشكل مباشر للتعرف على اتجاهاتهم.
نموذج تطبيقي
ونعطي مثالا لبناء أحد مقاييس الاتجاهات وهو مقياس التقدير الجمعي، حيث يعد مقياس التقدير الجمعي من الأساليب الأكثر شيوعا واستخداما في البحوث التربوية والاجتماعية، ويتميز بالآتي:
- سهولة بناء المقياس.
- يتطلب وقتا وجهدا أقل مما تتطلبه مقاييس الاتجاهات الأخرى.
- يعطي معامل للثبات أكبر من غيره وبأقل عدد من العبارات.
- يستجيب الفرد على مقياس متدرج الاستجابات، إما ثلاثي الاستجابات: [موافق – محايد – غیر موافق]، أو خماسي الاستجابات: [موافق بشدة – موافق – محايد – غیر موافق – غیر موافق بشدة].
- يحدد المقياس ما إذا كان الاتجاه سلبيًا أم إيجابيًا.
خطوات إعداد وضبط مقياس الاتجاه:
1- تحديد الهدف من مقياس الاتجاه: حيث يهدف المقياس إلى تحديد مدى قبول الفرد أو رفضه لموضوع أو قضية أو فكرة معينة.
2- تجميع عدد كبير من الفقرات أو العبارات التي تتعلق بموضوع الاتجاه المراد قياسه من البحوث والدراسات السابقة وثيقة الصلة بموضوع الاتجاه.
3- تحديد أبعاد المقياس: أي تحديد محاور المقياس الرئيسة التي يندرج تحتها فقرات أو عبارات فرعية (لا يقل عن 3 ولا يزيد عن 7) حتى يزداد صدق المقياس.
معايير اختيار عبارات المقياس:
1- يجب أن يتراوح عدد عبارات المقياس بين 40 – 60 عبارة.
2- أن تقسم العبارات تقسیما متعادلا بين الفقرات الموجبة والفقرات السالبة.
3- تجنب وجود العبارات المحايدة في المقياس.
4- ينبغي أن يتضمن المقياس مدى متسعا من حيث شدة التفضيل (يفضل المقياس خماسي الاستجابة)
5- يفضل ألا يقل عدد الاستجابات عن ثلاثة ولا يزيد عن خمسة.
6- يتجنب استخدام الكلمات الغامضة أو المصطلحات العلمية غير المألوفة لغير المتخصصين.
7- عدم استخدام المفاهيم الإيحائية أو التعميمات أو الحقائق.
8- تجنب استخدام العبارات التي يمكن فهمها بأكثر من معنى.
9- تجنب صياغة عبارات لا تتصل بموضوع الاتجاه.
10- تجنب صياغة عبارات تحتوى على نفس المعنى.
11- يفضل صياغة العبارات بأسلوب سهل بسيط.
12- يفضل أن تكون العبارة قصيرة فلا يزيد عدد كلماتها عن 20 كلمة.
13- يفضل صياغة العبارة في جملة بسيطة المحتوى تركز على فكرة واحدة فقط.
14- تجنب الإكثار من كلمات: (بالضبط – تقريبا – فقط).
15- تجنب استخدام الكلمات مثل: دائما – أحيانا – أبدا – كل – جميع.
16- تجنب صياغة عبارات يمكن أن يوافق عليها أو يرفضها جميع أفراد العينة.
17- يجب أن تكون العبارات جدلية تختلف حولها وجهات النظر.
تحديد القيم الوزنية للعبارات:
– إذا كان المقياس إيجابي يكون التأييد هو الدرجة أو الوزن الأعلى: على سبيل المثال:
استخدام الأطفال قبل سن المدرسة للإنترنت ينمي عقولهم.
موافق بشدة – موافق – محايد – معارض – معارض بشدة.. العبارة الموجبة (5) (4) (3) (2) (1) (5) موافق بشدة
– إذا كان المقياس سلبي يكون التأييد هو الدرجة أو الوزن الأقل:
استخدام الأطفال قبل سن المدرسة للإنترنت يؤثر سلبا على نموهم العقلي.
موافق بشدة موافق محايد معارض معارض بشدة العبارة السلبية (1) (2) (3) (4) (5) (1) موافق بشدة.
مما سبق تبين لنا أن هناك نوعان من مقاييس الاتجاهات فقد نقيس الاتجاهات بمشاهدتنا للأشخاص في مختلف المواقف الاعتيادية، أو باستخدام استبانات ومقاييس التقارير الذاتية، وتعد الطريقة الأخيرة أكثر استخداما، إذ اعتُمدت في بناء العديد من مقاييس الاتجاهات، وذلك لتوفرها على شروط استخدام الاختبارات وأيضا سهولة تطبيقها وتفريغ وتحليل وتفسير النتائج الخاص بها.
المراجع:
1- السيد إسماعيل: اتجاهات وأساليب إعداد المعلم.
2- جابر عبد الحميد: دراسات نفسية في الشخصية العربية.
3- جلال سعد: الاتجاهات التطبيقية المعاصرة في النفس الاجتماعي.
4- حامد عبد السلام زهران: علم النفس الاجتماعي.
5- سعد عبد الرحمن: القياس النفسي بين النظرية والتطبيق.
6- غنيم سيد محمد: سيكولوجية الشخصية.
7- محمود عبد الحليم منسي: التقويم التربوي.