تحدثنا في مقال سابق عن الاتجاهات وأثرها في تشكيل السلوك، وتحدثنا فيه عن مفهوم الاتجاهات وعلاقتها بالسلوك الإنساني، ومعايير طرق قياس الاتجاهات، وتتأكد أهمية دراسة الاتجاهات للمربي والمعلم والسياسي كل من يتصدى لقيادة الجماهير وتوجيهها؛ فالاتجاهات هي التي تحدد استجابة الفرد نحو الأشياء والموضوعات والأشخاص، والاتجاهات هي التي تحمل الفرد على أن يحس ويدرك ويفكر بطريقة محددة في المواقف المختلفة، وكذلك فإن اتجاهات الفرد تنعكس في سلوكه وفي أقواله وأفعاله وتفاعله مع الآخرين، وتوجه استجاباته للأشخاص والأشياء والموضوعات بطريقة تكاد تكون ثابتة، ومن ثم توجه الفرد إلى اتخاذ القرارات في المواقف المختلفة، ونستكمل الحديث هنا عن طرق قياس الاتجاهات.
أهمية قياس الاتجاهات
عندما نتحدث عن القياس فإننا نكون معنيين بإعطاء الأرقام للأشياء طبقا لقواعد محددة، وبطريقة تعكس من خلالها خصائص الأرقام العلاقات بين الأشياء بعضها البعض، وهناك مستويات متعددة للقياس وهي تتميز بإعطاء معلومات مختلفة عن العلاقة بين الأشياء، والتي تنعكس على الأرقام التي تم إعطاؤها.
وعلى الرغم من أننا نعلم أن جميع من حولنا يحملون اتجاهات بداخلهم إلا أننا من غير الممكن أن نقرأ ما في عقولهم ونلاحظه بشكل مباشر، ولكننا قد نستطيع أن نرجح اتجاهاتهم إذا ما تعرفنا عليها إلى أشياء أو أحداث ما بعينها.
فالاتجاهات عملية معقدة ومتشابكة، والأفراد قد يحملون العديد من الأفكار والمشاعر نحو موضوع الاتجاه، ولكن الذي يحدث هو أن هذه الأفكار والمشاعر وردود الفعل المختلفة نحو هذا الموضوع تظل في تغير دائم طوال الوقت، ولا تقف عند حد ثابت؛ لذا فإن المهمة الأولى والأساسية في قياس الاتجاه هي محاولة فك هذا الترابط وتبسيط هذا التعقيد، فعند محاولة قياس الاتجاه قد نقابَل بالمزيد من الخلط، فقياس الاتجاه يتطلب منا معرفة حقيقة ما نريد قياسه، حيث إن الاتجاهات لها العديد من الخصائص، ومع ذلك فإن العلماء عندما يستخدمون مصطلح الاتجاه فإنهم غالبا ما يشيرون إلى الخاصية التقديرية والتقويمية للاتجاه، فالخاصية التقديرية للاتجاه تشير إلى مدى ما يشعر به الفرد تجاه شيء ما من حيث كون هذا الشعور بالإيجاب أو السلب، معه أم ضده، جيدًا أم سيئًا، مفضلًا أم غير مفضل، مؤيدًا أم معارضًا وهكذا؛ لذلك قد صممت معظم مقاييس الاتجاه لقياس الخاصية التقديرية للاتجاهات.
الطرق المباشرة لقياس الاتجاهات
إذا أراد شخص ما معرفة اتجاه فرد معين فعليه إيجاد طرق لتحديد هذا الاتجاه، وقد تم تطوير أدوات مختلفة لقياس الاتجاهات، وهناك طرق مباشرة وطرق غير مباشرة لقياس الاتجاهات:
- الطرق المباشرة في القياس: وهي عبارة عن مجموعة من الأسئلة التي يتم توجيهها
للشخص المراد قياس اتجاهاته. ومن هذه الطرق المباشرة لقياس الاتجاهات:
أ. إيجاد النسبة المئوية للإجابات المؤيدة والمعارضة: هذا الإحصاء للاتجاهات المؤيدة والمعارضة يشبه الدراسات الأولى التي يتم عملها على الرأي العام.
ولكن هذه الطريقة أهملت الآن لعدم دقتها، إذ كانت الأسئلة توضع في صور مسرفة في البساطة وكان يترتب عليها إجابات عشوائية إلى حد ما، أما في الأبحاث المعاصرة فهذه الأسئلة التي تتطلب الإجابة بنعم أو لا تضبطها على الأقل أسئلة أخرى.
ب. استخدام سلالم الاتجاهات: وهناك نوعان رئيسيان من السلالم، هما:
السلالم القبلية: وتكون هذه السلالم سابقة على التجربة لأن الباحث يحدد مقدما ترتيب العبارات المختلفة المتعلقة بالقبول أو الرفض، ولهذا النوع من السلالم عيب هو أن ترتيب العبارات بحسب درجة التغلب يختلف باختلاف الأفراد. فمن الممكن ألا يتفق الترتيب الذي يقترحه الباحث مع الترتيب الذي يقترحه الأفراد محل القياس، ولإصلاح هذا العيب تم إنشاء السلالم المسماة بالسلالم النفسية الفيزيائية.
السلالم النفسية الفيزيائية: ويعمل السلم النفسفيزيائي على مرحلتين:
المرحلة الأولى: هي وضع الاختبار على أساس تجريبي، وذلك بإجراء بحث على عينة محدودة، كما نحدد بالضبط دلالة الاتجاهات المتضمنة في أسئلة السلم عند الأشخاص الذين نسألهم.
المرحلة الثانية: هي تطبيق السلم بعد ضبطه على مجموعة الأشخاص المقترح اختبارهم.
- الطرق غير المباشرة لقياس الاتجاهات:
وفي هذه الطرق غير المباشرة لقياس الاتجاهات يتم استنتاج اتجاهات الفرد من أدلة أخرى غير الأسئلة المباشرة، فالمقاييس غير المباشرة للاتجاهات صممت لتكشف بعض الاتجاهات التي لا يكون الشخص على وعي بها، وهي ما تسمى بالاتجاهات الضمنية. ومن هذه الطرق غير المباشرة لقياس الاتجاهات:
أ- دراسة تواريخ الحياة: إن دراسة التواريخ الذاتية للحياة دراسة مقارنة يوضح بعض الاتجاهات.
ب. استخدام طريقة الإسقاط: وهي تمثل نوعا من الإدراك الداخلي للموضوع، فقد قدم أحد الباحثين صورا مستخرجة من الصحف، بها مشاهد تتضمن صراعات اجتماعية كالبطالة والإضراب، وبحيث يكون مدلول الموقف ملتبسا، وكان قد قام مقدما بقياس اتجاهاتهم الاجتماعية؛ فظهر أن أوصاف الطلاب للصورة الواحدة مختلفة أشد الاختلاف، وذلك تبعا لاتجاهاتهم المسبقة.
ت. الطريقة القائمة على دراسة سلوك الشخص في المواقف الواقعية: وغرض هذه الطريقة استبعاد الأخطاء التي قد تنشأ من عدم الصراحة عند الأشخاص في إجابتهم الشفوية، ولكن ضبط قياس الاتجاهات عن طريق السلوك مشكلة معقدة؛ لأنه لا شيء يثبت أن الأفعال أكثر تعبيرا عن ذات الفرد من أقواله؛ فكما يمكن للفرد تزييف الأقوال يمكنه أيضا تكلف الأعمال، لذلك فإن جميع مظاهر الشخصية يمكن اعتبارها حقيقية بمعنی ما؛ لأنها إن لم تعبر عن الواقع الذي عليه الفرد، فإنها تعبر عما يريد أن يكون، و هناك أنواع وطرق أخرى عديدة لقياس الاتجاهات، مثل:
أ. الطرق التي تعتمد على التعبير اللفظي للفرد:
ويعتبر من أكثر الطرق تقدما نظرا للاعتماد فيه على الاستفتاءات والحصول على الإجابات لعدد كبير من الأفراد في وقت وجيز.
ب. الطرق التي تعتمد على الملاحظة أو المراقبة البصرية للسلوك الحركي للفرد:
إن عملية ملاحظة السلوك الحركي للفرد تتطلب وقتا طويلا، وتستدعى تكرار الملاحظة في ظروف مختلفة، ومن أمثلة ذلك: الحكم على الاتجاه النفسي للفرد عن طريق ملاحظة ذهابه إلى الجامعة أو لتأدية الصلاة أو ملاحظة الشخص الذي يتردد على نوع معين من المكتبات أو ملاحظة الركن أو الموضوع الذي يهتم به شخص ما عند قراءته للصحف دائما، وهكذا..
ج. الطرق التي تعتمد على قياس التعبيرات الانفعالية للفرد:
وهي تتمثل في دراسة ردود الشخص الانفعالية على مجموعة من المؤثرات، وهذا الأسلوب لا يصلح للاتجاهات عند مجموعة كبيرة من الأفراد، ويلاحظ أن قياس الاتجاه يتطلب بناء اختبار خاص أو مقياس خاص لهذا الغرض. وفي المقال القادم إن شاء الله نفصل الحديث حول طرق بناء اختبارات قياس الاتجاه.
المصادر:
1- السيد إسماعيل: اتجاهات وأساليب إعداد المعلم.
2-.
3- جلال سعد: الاتجاهات التطبيقية المعاصرة في النفس الاجتماعي.
4- حامد عبد السلام زهران: علم النفس الاجتماعي.
5- سعد عبد الرحمن: القياس النفسي بين النظرية والتطبيق.
6- غنيم سيد محمد: سيكولوجية الشخصية.