يعتبر الكرم سلوكًا إسلاميًا وخلقًا رفيعًا، وهو من أخلاق الإسلام الجامعة للخير، والتي أمر اللهُ ورسولُهُ بها، فإكرام الضيف أحد خصال الخير الكثيرة التي كان يتصفُ بها الأنبياء والصالحون والسلف الصالح ويدعون إليها، وهو دليل على طيب النفس وسماحتها وكرم الطباع والبراءة من الشح والبخل، كما أنه دليل على الإيثار والشهامة والمروءة، ومن علامات الإيمان بالله تعالى، إذ يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: [مَن كان يُؤْمن بالله واليوم الآخر فلْيُكرم ضَيْفه] (رواه البخاري)، كما أن الكرم في الضيافة لا ينقص من رزق أهل البيت شيئًا، وإنما يبارك فيه ويزيده، كما يبارك في الأجر والحسنات من الله تعالى.
وكان العرب قبل الإسلام يحرصون على كالصدق والشجاعة والجِوار، وكانوا يتسابقون إليها ويتفاخرون بها، ويعتبرون فقدها منقصة وعارًا على الرجل لا يكاد يفارقه، ثم جاء الإسلام، وبعث الله نبيه محمدا -صلى الله عليه وسلم- ليتمم الأخلاق الحسنة التي كانت فيهم ويهذبها، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : [إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق] (رواه أحمد).
النموذج الإبراهيمي
لقد حفل القرآن بقصة حسن ضيافة سيدنا إبراهيم – عليه السلام – لضيوفه الذين زاروه في بيته، وبقيت الضيافة -مع اختلاف البيئات- متداولة بين شعوب الأرض يتوارثونها رغم تعدد ثقافاتهم وأعرافهم، ويعدونها من الخصال الكريمة التي يتحلى بها الفرد ويتفاخر بها، بحيث إذا نزل ضيف على أحدهم قدم له الطعام والمأوى، وربما قدمت له عند رحيله بعض الهدايا، وهو ما وضحه القرآن الكريم من أخلاق الضيافة لدى أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، حيث سارع فجاء بأفضل ما عنده من طعام، فجاء بعجل حنيذ، وفي آية أخرى عجل سمين، وذلك دليل على غزارة اللحم وإتقان طهيه لهم إجلالا وإكراما.
يقول يحيى عبدالله بن الجف: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ {24} إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَاماً قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ {25} فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ {26} فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ {27}) (الذاريات).
فالقارئ للآيات الكريمة في سياق موضوع الضيافة، يشعر بحضور كرم الضيافة بشكل لافت في المشهد التصويري، مقربا لهم مائدة شهية في صياغة طلب المضيف بلطف؛ ألا تأكلون ما قدمت لكم من ضيافة، حيث يوجد عجل مجهز سمين على مائدة الطعام، مما يناسب المقام.
وبعد هذه الحصة في مجال الطبخ وإكرام الضيف، وما قام به نبي الله إبراهيم عليه السلام من إعداد الطعام لضيوفه الكرام، الذين فاجؤوه بعدم فتح شهيتهم للأكل، لم تتغير معاملة المضيف لضيوفه في هذا المشهد الداعي للأكل.
ولقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم جوادًا كالخيل المرسلة، حيث رفع من شأن وفضل إكرام الضيف، واحتذى حذو أبيه إبراهيم – عليه السلام – فحينما نزل به ضيف بعث إلى نسائه، فقلن: ما عندنا إلا الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يضم (أو يضيف) هذا؟ فقال رجل من الأنصار: أنا يارسول الله، فانطلق به إلى إمرأته فقال: أكرمى ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ما عندنا إلا قوت الصبيان، فقال: هيئ طعامك، ونومي صبيانها، ثم قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته، وجعلا يريانه أنهما يأكلان، وباتا طاويين، فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “لقد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة، وأنزل الله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الحشر: 9).
وكان -النبي صلى الله عليه وسلم- معروفا بإكرام الضيف حتى قبل البعثة، فحين رجع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى خديجة من غار حراء فزعا من لقائه جبريل -عليه السلام- قال لخديجة: “أي خديجة، ما لي لقد خشيت على نفسي” وأخبرها الخبر قالت خديجة: ” كلا، أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا، فوالله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق” رواه البخاري ومسلم.
وقال شقيق البلخى: “ليس شئ أحب إليّ من الضيف لأن مؤنته على الله تعالى ومحمدته لي”.
وقال يحيى بن معاذ: لو كانت الجنة لقمة فى يدى لوضعتها فى فم ضيفى.
آداب الضيافة
الضيافة هي كرم الخدمة والترحيب بالضيوف وتقديم الاحتياجات الأساسية له والمتعلقة بالمأكل والمشروب والأنس والأمور التي تربط بين الضيف والمستضيف.
ولقد حثنا ديننا الإسلامي الحنيف على إكرام الضيف لمدة ثلاثة أيام، على أن يكون اليوم الأول يزيد فيه البر والإكرام، أما عن اليومين الآخرين فيتم معاملة الضيف كما لو كان أحد أفراد المنزل دون تكليف، لحديث أنس قال: «كنا عند عمر فقال: نُهينا عن التكلُّف» (رواه البخاري).
ومن ثم حث الإسلام الحنيف على بعض الآداب التي يجب أن يتحلى بها المضيف، ومنها:
- أن يبتغي بصنيعه هذا وجه الله فلا يمن على الضيف ولا يعايره ولا يؤذيه.
- أن يدعو لضيافته الأتقياء دون الفسَّاق: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تُصاحب إلاَّ مؤمنًا ولا يأكل طعامك إلاَّ تقيٌّ» (رواه أحمد وحسنه الألباني).
- ألاَّ يخصَّ بضيافته الأغنياء دون الفقراء: لقوله صلى اله عليه وسلم: «شرُّ الطعام طعام الوليمة؛ يُدعَى إليها الأغنياء دون الفقراء» (متفق عليه).
- أن يكون المضيف ذو سريرة منشرحة، مبتسم الوجه، طيب الكلام، يريح خاطر ضيفه ويظهر سروره بمجيئه.
- لابد للمضيف ألا يتعجل بتقديم الضيافة للضيوف وكذلك يتجنب التأخر عليهم، ولا ينبغي أن يسأله عن حاجة للطعام أو لا.
- عند تقديم الطعام عليه أن يقدم أفضل ما عنده، فضلا عن ضرورة تقديم كميات كافية من الطعام والشراب.
- على المضيف أن يتجنب تماما الاطلاع على الضيوف أثناء تناول الطعام و مراقبتهم، بل عليه أن ينشغل بطعامه هو، حتى لا يتسبب في إحراجهم أو مضايقتهم.
- على المضيف ألا يمسك يده عن الطعام قبل أن ينتهي ضيفه، و ذلك لأنه بذلك قد يحرجه فينتهي من الطعام، بل عليه أن يحرك يده في الطعام ويتظاهر بتناوله حتى لا يحرج الضيف.
- يُستحب أن يخرج مع الضيف إلى باب الدار، وهذا من تمام الضيافة وحسن الرعاية، فقد قال الشعبي: من تمام زيارة الزائر أن تمشي معه إلى باب الدار وتأخذ بركابه.
- يستشعر المضيف فضل الضيافة وأنها جالبة للخيرات والفضائل، يُحَصِّل بها المرء الخير والسعادة في الدنيا، كما ينال بها خير الآخرة إن احتسب بها الأجر عند الله.
آداب الضيف
إكرام الضيف واجب حثنا عليه ديننا الحنيف، وجعل مثوبته عظيمة، ومع وضعه لبعض الآداب التي يجب أن يتحلى بها المضيف، وضع أيضا بعض الآداب التي يجب أن يتحلى بها الضيف حتى تدوم العشرة والمودة بين جميع الأطراف، ومنها:
- أن يُجيب الدعوة ولا يتأخر عنها إلا لعذر: لحديث «من دُعي إلى عرس أو نحوه فليجب» (رواه مسلم).
- ألاَّ يميز في الإجابة بين الفقير والغني: لأنَّ في عدم إجابة الفقير كسر لخاطره.
- ألاَّ يتأخَّر من أجل صومه بل يحضر: لحديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من دعي إلى طعام وهو صائم فليجب، فإن شاء طعم وإن شاء ترك» (رواه ابن ماجة وصححه الألباني).
- ألا يطيل الانتظار عند المضيف فيقلقه وألا يعجل المجيء فيفاجئه قبل الاستعداد له.
- الاستئذان عند الدخول والانصراف بعد الفراغ من الطعام حتى لا يثقل على مضيفه إلا إذا كان رب البيت يرغب في بقائهم، قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ﴾ [الأحزاب: 53].
- دعاء الضيف لمن استضافه بعد الفراغ من الطعام لما رواه أبو داود في سننه من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى سعد بن عبادة رضي الله عنه فجاء بخبز وزيت فأكل، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: [أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ، وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الْأَبْرَارُ، وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ الْمَلَائِكَةُ].
- وفي العصر الحديث ومع تطور التكنولوجيا زاد بعض العلماء أدبًا آخر، وهو أخذ الموعد والاتصال قبل الزيارة، للتأكّد أن المضيف مستعد لاستقبالنا وأن ظروفه تسمح باستقبال الضيوف، وتبلغه إن كنت ستزوره وحدك أم سيكون هناك أشخاص غيرك.
- إن كانت الزيارة أول مرة فالأفضل أن تصطحب هدية مناسبة، وتتعطر، وتلبس ثيابا طيبة، وطرق الباب بهدوء والتبسم في وجه المضيف.
- الحرص على غض البصر، وعدم انتقاد الشقة أو أثاثها، أو عيب الطعام، أو إخراج أسرار مضيفك.
إن إكرام الضيف والعمل على مسرته وإسعاده، وإظهار أرقى أشكال الضيافة واتباع أصولها هو أمر ذو قيمة عالية، يترك أثره الجميل على نفس الضيف، ويخلق الود والألفة بين الضيف والمضيف.