العلماء ورثة الأنبياء والنّخبة التي تصون الدين والدنيا، والمجتمع والدولة، والجماعة والأمة، وهم الذين أوضحوا خريطة التربية ووضعوا أسسها، ومنها الشيخ أحمد ليمو النيجيري، الذي ساهم في انتشار الإسلام بغرب إفريقيا، وسار على نهج الفاتحين لهذه المنطقة ووقف أمام الأعداء وسعى إلى تبصير الشعوب بحقيقة الإسلام.
وكان للشيخ ليمو جهود كبيرة في تربية المجتمع الذي عاش فيه، وشرح مفاهيم الدين الإسلامي للمسلمين وغير المسلمين، كما بلغ بفضل حبه لدينه والعمل له مبلغًا عظيمًا.
نشأة الشيخ أحمد ليمو
وُلِدَ شيخ أحمد أبو بكر ليمو في ليمو بولاية نيجر، كبرى ولايات نيجيريا في 20 رجب 1348هـ، الموافق 21 ديسمبر 1929م، في بيت علم كان أشد حرصه على تعلّم التعاليم الإسلامية والعمل، فشب أحمد على هذا الحب.
بدأ أحمد ليمو دراسته في المدرسة القرآنية (الكتاتيب) وحفظ كتاب الله قبل أن ينتقل إلى المدرسة الابتدائية، ثم المدرسة المتوسطة التي تخرج فيها عام 1948م.
وكان لشغفه بالتعليم أن التحق بمدرسة القوانين الشرعية- مدرسة الدراسات العربية حاليًّا- في ليمو، وحصل عليها عام1950م، ثم نال الشهادة العليا- المستوى الثاني- في اللغة العربية والدراسات الإسلامية والشريعة والتربية العامة في أواخر سنة 1952م.
سافر “ليمو” في بعثة إلى جامعة لندن عام 1954م للدراسة بمدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية، وحصل على شهادة التربية العامة- المستوى المتقدم- في التاريخ واللغات العربية والهوسا والفارسية في عام1961م، وأكمل مسيرته العلمية فحصل على درجة البكالوريوس بمرتبة الشرف في الدراسات الشرقية والإفريقية عام 1964م.
وفي 21 ديسمبر 2014م، رحل الشيخ ليمو بعد رحلة طويلة في خدمة الإسلام والدعوة في غرب إفريقيا وفي الكثير من المؤسسات والمنتديات العالمية(1).
أحمد ليمو وتربية المجتمع
بدأ أحمد ليمو مدرسا للغة العربية والدراسات الإسلامية، ثمّ مدرسا للغة الإنجليزية لإيجادته إياها ولكونها فرصة لتصحيح المفاهيم عن الطلاب بأكثر من وسيلة، وذلك في المدرسة الثانوية الحكومية في بيدا بين عامي 1953 – 1960، ثم أصبح مدرسا أول للغة العربية والدراسات الإسلامية والتربية ومشرفا في مدرسة الدراسات العربية في كانو عام 1960م.
وبعدما عاد من لندن، عمل الشيخ ليمو مدرسا في العديد من المدارس، لأنه أيقن أن طريق تربية الشعوب يبدأ من المدارس، لذا حرص منذ أن عُين معلمًا أن يُصحح المفاهيم الخاطئة عن الإسلام ويواجه حملات التبشير في بلاد، فعمل مديرا لمدرسة الدراسات العربية في كانو عام 1965م.
ثم ترقى في المناصب- وإن كان هذا لم يمنعه عن الاحتكاك مع الطلاب- فعُيِّن نائبا لمدير التعليم الحكومي الثانوي ومدرّسا للتاريخ.
ولمكانته التي حظى عليها، اختارته الحكومة ليصبح عميدا للكلية العربية للمُعلمين في سوكوتو سنة 1966م، ثم مفتشا أول عام 1970م، ثم كبيرا لمفتشي التعليم بإقليم شمال غرب نيجيريا بين عام 1971 – 1973م، وفي عام 2009م عُيِّن مستشارًا لجامعة فاونتن في أوسوجو بنيجيريا(2).
ورغم حب ليمو للعمل في التدريس الذي أعطاه الفرصة للاقتراب من الطلاب مباشرة وتصحيح مفاهيم الإسلام عندهم، فإنه لم يقف عند العمل التربوي التعليمي فحسب، بل خاض مجالات أخرى، فعمل في السلك القضائي وعُين قاضيا شرعيا بمحكمة الاستئناف في مقاطعتي سوكوتو ونيجر عام 1976م. وأصبح كبير القضاة الشرعيين في محكمة الاستئناف بولاية نيجر في الفترة من عام 1976م حتى عام 1991م.
لم يكن ليمو شيخا اكتفى في صومعته متعبدًا أو زاهدًا لكنه خاض غمار التربية الشاملة ومنها الحياة السياسية، حيث قام بدور بارز في مختلف المهمات الوطنية المتعلقة بالأمن والمصالحة والحوار في مواجهة التحديات الأمنية في شمالي نيجيريا.
اختير ليمو رئيسا للجنة الرئاسية التي شُكّلت للبحث في أعمال العنف التي تلت انتخابات سنة 2011م، وكان عضوا بلجان خبراء حكومية، من بينها لجنة فيجن 2010م، واختير عضوا في مجلس الأديان النيجيري، والمجلس الرئاسي للتنمية الشبابية، وغير ذلك(3).
جهود تربوية
وقد كان للشيخ أحمد ليمو جهودٌ تربوية عملية حتى إنه عُين عام 1975م مديرا للتخطيط التربوي في إقليم سوكوتو بغرب نيجيريا.
ولم تتوقف جهوده التربوية عند ذلك، بل أنشأ وقف التربية الإسلامية عام 1969م بمدينة منا بولاية النيجير، وكان من أسباب إنشائه تجاهل شباب المسلمين التربية الإسلامية الصحيحة وتأثرهم بالثقافة الغربية، سواء من خلال المدارس الحكومية أو المدارس التبشيرية(4).
ويعد الشيخ ليمو أحد أعضاء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ومن الأعضاء المؤسسين للهيئة الخيرية الإسلامية العالمية منذ نشأتها، وأحد أعضاء مجلس إدارتها السابقين، ما دل على ثقله بين علماء العالم الإسلامي وجهوده المضنية في حماية المسلمين مما يحاك لهم.
بل يعد- أيضًا- من أعلام الدعوة الإسلامية والمدرسة الوسطية الإسلامية، وله حضوره الواسع وثقله في العالم الإسلامي، وقد عُرف بتمسكه الأصيل بالإسلام وانفتاحه الفكري، كما أنه واحد من الذين يُحاربون التطرف والغلو بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن.
وله دور بارز في دعم حقوق المرأة المسلمة في نيجيريا بشكل متواصل، ومن ثمراته تأسيس اتحاد الجمعيات النسوية الإسلامية في نيجيريا، والحث على التعايش السلمي(5).
بل إن للشيخ ليمو دور كبير في الحفاظ على اللغة العربية في بلاده والسعي لتثقيف الشعب بها بتبني مدارس تعليم اللغة العربية والعمل بها بأسلوب لطيف يشجع الطلاب على العناية بها.
وكان ليمو دائما ما يؤكد أهمية التعليم بالنسبة لخلق الأمن وانتشاره وأن التعليم وسيلة فعالة لفرض الأمن بين المجتمعات، وشارك في عشرات المحاضرات والمؤتمرات في كثير من دول العالم، حيث عُرف بالعالم الوسطي بغرب إفريقيا(6).
وقررت اللجنة المنظمة لجائزة الملك فيصل العالمية عام 2014م منح جائزة خدمة الإسلام هذا العام لفضيلة الشيخ الدكتور أحمد أبو بكر ليمو، النيجيري الجنسية؛ رئيس مجلس أمناء مكتب هيئة الإغاثة الإسلامية في نيجيريا، وذلك للمبررات التالية:
1 – يتمتع الشيخ أحمد ليمو بشخصية علمية رصينة مع تَمسُّك أصيل بالإسلام وانفتاحٍ فكري واعتدال ووسطية، وهو عضو في كثير من المنظمات الإسلامية العالمية في مختلف أنحاء العالم.
2 – له جهود تعليمية ودعوية وتطويرية كبيرة تمثَّلت في إلقاء مئات المحاضرات والدروس والندوات والدورات.
3 – ألَّف عددًا من الكتب الإسلامية والمراجع المدرسية التي سدّت جزءًا كبيرًا من حاجة المجتمع النيجيري بالذات. وأصبحت مرجعًا للأجيال المسلمة في نيجيريا في فهم الإسلام والتعمق في دراسة العقيدة الإسلامية.
4 – أسس عددًا من الجمعيات والمدارس والأوقاف؛ مثل جمعية الوقف الإسلامي التي أصبحت من أهم المؤسسات المشاركة للبنك الإسلامي للتنمية في مجال المنح الدراسية في نيجيريا.
5 – للشيخ أحمد دوره البارز في دعم حقوق المرأة المسلمة في نيجيريا بشكل متواصل، ومن ثمراته تأسيس اتحاد الجمعيات النسوية الإسلامية في نيجيريا، والحث على التعايش السلمي، والتغلُّب على العنف الطائفي في البلاد.
6 – أسس معهد الدعوة الإسلامية لمحاربة التطرف.
7 – مُنِح أوسمة وجوائز وطنية ودولية نظير خدمته الطويلة للإسلام والمسلمين(7).
لقد كانت مسيرة الشيخ ليمو مباركة وممتدة وثرية، وأفنى حياته في خدمة الإسلام والمسلمين، وتربية الأجيال المسلمة، وبناء دور العلم والعبادة، وترجمة المناهج الإسلامية، وقد عُرف بتمسكه الأصيل بالإسلام، وانفتاحه الفكري، وتصديه بكل إخلاص وتفان ومنهجية علمية لجميع صور التطرف والغلو بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن.
المصادر والمراجع:
- أحمد تمام: الشيخ أحمد ليمو رئيس جمعية الوقف الإسلامي للتربية والإرشاد في نيجيريا، الوعي الإسلامي، يوليو 1994م، العدد 342، صـ8- 11.
- عمر العبسو: الداعية الدكتور الشيخ أحمد ليمو، رابطة أدباء الشام، 4 أغسطس 2016.
- أحمد إسحاق فرحان: مواقف وآراء سياسية في قضايا وطنية وعربية وإسلامية، دار الفرقان، الأردن، 1997م، صـ179.
- علي أيوب ناجي: لمحات عن الإسلام في نيجيريا بين الأمس واليوم، دار الكتاب الحديث، الكويت، 1994م، صـ177.
- المعتوق ينعى قاضي قضاة نيجيريا الشيخ أحمد ليمو: مجلة المجتمع، 24 ديسمبر 2020.
- مجلة رابطة العالم الإسلامي: العدد 275، 2006، صـ21.
- بوابة إفريقيا الإخبارية: جائزة الملك فيصل العالمية تمنح للنيجيري الدكتور أحمد أبو بكر ليمو تقديرا لخدمته للإسلام في أفريقيا، 15 يناير 2014،