منذ كنا صغارًا ونحن نتعلم أن صلاح الأبناء من صلاح الأب ، وأنّ الرجل إذا اتقى الله – عز وجل- في نفسه وماله فلم يطعمهم إلا الحلال، شبّ أولاده صالحين، فلماذا ولدي ليس صالحا، ولماذا لا يزداد رغم صلاح حالي إلا سوءا وفسادًا وعربدة؟
سامحني أنت وقرّاؤك الأعزاء فأنا مكلوم حزين أشد ما يكون الحزن من أجل ولدي الذي فتح عينيه على الدنيا وأنا أعلمه الأخلاق والدين وأحفظه القرآن الكريم وألقنه المثل العليا، ثم إذا به بعدما يبلغ مبلغ الشباب ينقلب على كل معنى نبيل، وخلق أصيل ويصبح إنسانًا آخر لا علاقة له بما ربيته عليه، فهو يتسكع طول ليله وينام طوال النهار، ناهيك عن رفقة السوء وتتبع الفتيات لاصطيادهن فضلا عن التدخين وغير التدخين…الخ.
أعود فأسالك: لماذا يفسد أبناؤنا ونحن صالحون؟ ولماذا تحدث لهم هذه الانتكاسات الخطيرة في أخلاقهم رغم غرسنا في نفوسهم كل ما يمكن غرسه من أخلاق الإسلام؟!
الإجابة:
أحيانًا يربي الآباء ويتعبون مع أبنائهم أملًا في رؤية أبناء صالحين، ولكن ينسى بعضهم أنّ الهداية من عند الله، وكما قال لنبيه – صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء) وهو القائل – سبحانه وتعالى- (لَّقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ ۚ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)، فبرغم وضوح الآيات إلا أنها ليست السبب في الهداية بل هي مشيئة الله.
فأنت كأب ما عليك إلا ما كان على الرسل من بلاغ، وما عليك إلا السعي، هذا ما ستحاسب عليه أمام رب العالمين، وهذا ما يجب أن تحاسب عليه نفسك في هذه الدنيا، سعيك، هل سعيت؟ وكيف سعيت؟ حينها ستهدأ نفسك وتطمئن، ولن تذهب نفسك على ولدك حسرات هكذا، نعم صلاح الأبناء هو قرة العين في الدنيا واعوجاج حالهم هو ابتلاء واضح، لكن ربما السبب وراء ابتلائك هو اعتمادك على ما قدمت وليس على من يملك القلوب ومن بيده الهداية.
لا ليس شرطًا أن يؤدي صلاح الآباء إلى صلاح الأبناء، ولك في نبي الله نوح وولده – مع الفارق بين المثالين- العبرة وهو نبي ونوقن أنه لم يقصر في دعوة ابنه، لكن صلاح الآباء هو ما نعلمه من الأخذ بالأسباب في تربية أبنائنا لكن كغيرها من أمور الحياة قد تسعى في أمر والله يريد لك الخير في أمر غيره وحينها: (لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)، خير حين يعلمك الاعتماد على الله وطلب الهداية منه، حين يعلمك عدم الركون إلى الأسباب بل الاعتماد على مسببها، خير حين يدفعك حال ابنك إلى دوام الدعاء له فيصير له مخزونًا من دعاء الوالدين ينفعه طيلة حياته وحتى بعد مماته.
الأجدر بك أخي السائل أن تحسن الظن بربك كما قال عن نفسه: (… إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا)، وأن توقن أن لابنك عودة ولو بعد حين، وأن ما غرسته يومًا حتمًا سيزهر، وأن تتجنب معه صدامًا أو منًّا أو إبداءً للحسرة حتى لا يشرد ابنك أكثر وتكون طريقة معاملتك وشدة إنكارك سببًا لابتعاده أكثر. وأن تُراجع وسائلك وطرقك فلربما كان الخطأ فيهما، وألا تكف عن الدعاء: (… رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا).
لا تتراجع أبدًا عن نصحه وتوجيهه لكن تذكر: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ)، ومن الحكمة والموعظة الحسنة أن تمتلك قلبه أولًا فهو إذا أحبك أطاعك، كن رفيقًا به حتى وهو على الذنب والمعصية، فقد تكرر لصحابي في عهد رسول الله أن يشرب الخمر ويطبق عليه الحد ثم يعود إليه حتى لعنه أحد الحاضرين، فقال رسول الله: “لا تلعنه فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله” وكان هذا سببًا في توبة الرجل، إذ لم يتغير قلب رسول الله عليه برغم أنه كان ينكر ما يفعل ويطبق عليه الحد. فلا تدع معصية ابنك تغير قلبك عليه.
وتذكر نهي رب العالمين لنبيه في سورة المدثر: (وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ) فأنت لا تقدم ما قدمت لابنك كي تحصل على منفعة أو متعة شخصية – وإن كان في الأمر جزء من هذا- إلا أنه يجب أن تراجع نيتك في صلاح أبنائك فتجعلها خالصة لله، وحتى تطمئن أنهم على طريق الله إذا فارقتهم كما فعل نبي الله يعقوب عندما حضره الموت: (إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي)، ولتطمئن على مصيرهم يوم الحساب يوم لن تستطيع أن تنفعهم حينها، دون أن تعتبر أن صلاحهم دليل على نجاحك أو أنه إنجاز يضاف إلى رصيد إنجازاتك والعكس صحيح. فلا تأخذك العزة في مخالفة النتيجة للسعي فالبعض تتسم شخصياتهم بعدم قبول الهزيمة أو الخسارة، فيأخذون الخسارة بشكل شخصي وكأنها سبة لهم أو دحضًا لشخصياتهم، بل تذكر قول الله تعالى: (قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ).
1 comment
صحيح يجب تحري الاخلاص في تربية الأبناء مثلها مثل باقي العبادات ( الصلاة- الصدقات…. وباقي الطعاعات) قد تفسد النية ليقال ان ولد فلان صالح….مثلها مثل ما جاء في حديثه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقال قارئ مجاهد وهكذا اعاذنا الله واياكم من الشيطان.