إنّ نجاح المُربّين والدعاة يرتبط ارتباطًا وثيقًا بنجاح لقاءاتهم، فلا بُد من الالتزام بعددٍ من آداب اللقاء التربوي والمهارات الخاصة بالمعلم، لتحقيق الأهداف الدعوية والتربوية، وإدارة اللقاء مع المتربين وَفق أسس علمية، بعيدًا عن المحاولة والخطأ والصدفة.
ولمّا كان دور المربي في إدارة الفصل من العوامل المهمة لنجاحه وتحقيق أهدافه، فلا بُد من أن يراعي في فصله التأدب بآداب الإسلام، وسنعرض التي يجب أن يتحلى بها ثم نتبعها، بالإضافة إلى آداب التحدث والاستماع وآداب المناقشة والمزاح.
من آداب اللقاء التربوي
ونعرض لبعضٍ من آداب اللقاء التربوي الذي يجب أن يلتزم بها المُربّي خلال لقائه بالمتربّين، ومن ذلك الرفق واللين الذي هو من ألزم أخلاق المسؤولين، إذ يقول النبي- صلى الله عليه وسلم: “إنَّ شَرَّ الرِّعاءِ الحُطَمَةُ” (رواه مسلم وأحمد)، والحطمة هي الراعي الظلوم للماشية يهشم بعضا ببعض.
وعن عائشة قالت: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: “اللَّهُمَّ مَن وَلِيَ مِن أَمْرِ أُمَّتي شيئًا فَشَقَّ عليهم، فَاشْقُقْ عليه، وَمَن وَلِيَ مِن أَمْرِ أُمَّتي شيئًا فَرَفَقَ بهِمْ، فَارْفُقْ بهِ” (رواه مسلم)، وقال الغزالي في الرفق: هو ثمرة لا يثمرها إلا حسن الخلق ولذلك أثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالغ فيه.
وقال تعالي: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)، [آل عمران: 159]، دلت هذه الآية على أن الأصل في علاقة المسؤول مع مَن حوله اللين وأنه تستحيل سياسة الخلق من خلال الفظاظة والغلظة وأن اللين يقتضي عفوًا واستغفارًا ومشاورة.
وهناك حالات يطالب فيها المسؤول بالشدة، كما قال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-: “إن هذا الدين لا يصلح له إلا اللين في غير ضعف والقوي من غير عنف”.
التحدث والاستماع من آداب اللقاء التربوي
ويعد التحدث الواضح والاستماع الجيد من آداب اللقاء التربوي الذي يجب أن يلتزم بها المعلم، فبالنسبة للمتحدث فمن السنة أن يكون كلامه مفهومًا. عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: “كان كلام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كلامًا مفصّلًا، يفهمه كل من يسمعه” (رواه أبو داود).
وعنها أيضا: “كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يُحدّث حديثًا لو عدّه العاد لأحصاه كان لا يسرد الحديث كسردكم” (أخرجه الخمسة إلا النسائي).
وعلى الطالب المتحدث- أيضًا- أن يبسطه وألا يتعالى على زملائه، فيشق عليهم، فقد سُئل الخليل بن أحمد عن مسألة، فأبطأ بالجواب فيها، فقال السائل: “ما في المسألة كل هذا النظر”، قال: “قد فرغت من المسألة وجوابها، ولكني أريد أن أجيبك جوابًا يكون أسرع إلى فهمك”.
والأفضل أن يقتصد الطالب في كلامه، ويتجنب التكرار، فقد روى الشيخان عن شقيق بن سلمة- رضي الله عنه- أنه قال: “كان ابن مسعود يذكرنا في كل خميس مرة، فقال رجل: يا أبا عبد الرحمن لوددت أنك ذكرتنا كل يوم، فقال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم، وإني أتخولكم بالموعظة، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها، مخافة السآمة علينا”.
ويختار الطالب في حديثه الطيب من القول، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت”(أخرجه الترمذي).
أما المستمعون فعليهم أن يُقبلوا على حديث أخيهم، وأن يتركوه دون أن يقاطعوه حتى يتم حديثه، وإذا كان أحد المستمعين يعرف الحديث الذي يتحدث فيه أخوه فعليه ألّا يداخله فيه حتى يأخذ مقام المتحدث، إلا إذا أخطأ المتكلم فعليه أن يُصحح خطأه بأدب، فقد روى ابن الجوزي بإسناده عن خالد بن صفوان قال: “إذا رأيت محدثُا يحدث بخبر قد علمته، فلا تشاركه فيه حرصُا على أن يعلم أنك قد علمته، فإن ذلك خفة فيك وسوء أدب”، وقال عطاء بن رباح: “إن الشاب ليحدثني حديثُا، فأستمع له كأني لم أسمعه، ولقد سمعته قبل أن يولد”.
آداب المناقشة
وخفض الصوت والهدوء أثناء المناقشة، من أهم آداب اللقاء التربوي الذي يجب على المربي والمتربي الالتزام بها، ولقد كان من وصايا لقمان لابنه قوله تعالى: (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) [لقمان: 19].
وليكن الرائد في المناقشة الوصول إلى الحق، ولقد أثر عن الشافعي- رضي الله عنه- قوله: “ما ناظرت أحدًا قط فأحببت أن يخطئ. وقال: ما كلمت أحدًا قط إلا أحببت أن يوفق ويسدد ويعان ويكون عليه رعاية من الله تعالى وحفظ، وما كلمت أحدًا قط وأنا أبالي أن يبين الله الحق على لساني أو على لسانه”.
وهنا تجب التفرقة بين الجدال والاستيضاح، فللأخ أن يستوضح ويسأل، والرسول- صلى الله عليه وسلم- يدعونا إلى هذا، فعن أبي هريرة عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: “الحكمة ضالة المؤمن، فحيث وجدها فهو أحق بها”(رواه الترمذي).
والمجادلة لإظهار الحق أمر محمود لقوله تعالي: (وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل: 125]، أما المجادلة بالباطل وطلب المغالبة فهو المنهي عنه، وعلى هذا الأساس يمكن أن نفهم أحاديث النبي- صلى الله عليه وسلم- في هذا الموضوع مثل قوله: “ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ثم قرأ: “مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ” (رواه الترمذي وابن ماجه).
آداب المزاح
ومن آداب اللقاء التربوي أن يضحك المربي أو المتربي دون صوت أو إزعاج للآخرين، فإذا وجد ما يستدعي الضحك، أو ما يُؤدي إلى المزاح، فليكن ضحكنا تبسمًا بلا صوت، ومزاحًا رقيقًا لا يخرج عن حدود الحق والصدق، فعن أبي هريرة- رضي الله عنه-: قالوا يا رسول الله: إنك لتداعبنا قال: “إني لا أقول إلا حقًا” (أخرجه الترمذي).
وقد قال العلماء إن المزاح المنهي عنه هو ما فيه إفراط مع دوام عليه، فإنه يورث قسوة القلب، ويسقط المهابة والوقار، فلا تجوز المبالغة فيه. وفي حديث صحيح عن جابر بن سمرة “أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان لا يضحك إلا تبسمًا”، فأما ما سلم من هذه الأمور فهو المباح الذي كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يفعله لظروف خاصة، ولتطييب نفس مسلم ومؤانسته، وهذا لا مانع منه.
هذه بعض آداب اللقاء التربوي الذي يجب على المربين والمتربّين الالتزام بها، لتحقيق أهداف العملية التربوية، بالإضافة إلى ضرورة التخطيط الجيد للقاء، والتقيد والانضباط بالحضور والانصراف، واختيار وقت مناسب للجميع، وعدم إضاعة الوقت في أحاديث جانبية، أو التحدث في الهاتف.
المصادر والمراجع:
- ابن عبد ربه الأندلسي: العقد الفريد، 1/6.
- محمد بن مفلح: الآداب الشرعية والمنح المرعية، ص 155.
- ابن عساكر: تاريخ دمشق 40/401.
- الذهبي: سير أعلام النبلاء 5/86.
- الأصبهاني: حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، 9/116.