“ابني ذو الثمان سنوات يحب الناس ويحب اللعب مع الرفاق كثيًرا، ولكنه في سبيل أن يشاركوه اللعب والرفقة يكون ضعيف الشخصية ومنقادًا لهم، وليس هذا فحسب بل إنه ينقل عنهم سلوكياتهم السيئة وألفاظهم غير المنضبطة، بل ما هو أبعد من ذلك، إذا يدافع عنهم ويختلق قصصًا يحاول بها أن يثبت لنا أنهم جيدون، وذلك حتى لا نضطره إلى الابتعاد عنهم، ماذا علينا أن نفعل كأسرة حيال ضعف شخصية الابن وانقياده للآخرين؟ علمًا بأن كل أولادي في نفس عمره وحتى كبروا كانوا على هذا الحال وبنفس الكيفية.”
لا يولد الطفل ضعيف الشخصية أو قوي الشخصية,بل يكتسب تلك الصفات من أمه وأبيه..!
وبما أن الأبناء جميعهم لديهم نفس المشكلة,فهذا يدعونا لمراجعة شخصية الأب وشخصية الأم..فضعف شخصية أحد الوالدين أو كلاهما سيؤدي بالقطع إلى ضعف شخصية الطفل..
كما أن الأهل الأشداء في تربيتهم ينتجون أيضا أبناءاً ضعاف الشخصية,حيث تكون شخصية أحد الأبوين أو كلاهما نافذة..فلا يتيحون للطفل (حرية الإختيار),و(لا يتركون له المجال للتعبير عن رأيه.).
الإجابة نعم صادمة..هذا العرض الذي لدى ابنكم, سببه ظروف التنشئة..!
ولكن في التربية يمكننا إستدراك ما فاتنا,
وذلك بإعترافنا بجوانب القصور,
واعترافنا بالأخطاء..
وبالعزم على تصحيح المسار..
وفي هذا الصدد نتذكر موقف الصحابي (سواد )الذي دفعه الحبيب المصطفى بعود خشب في بطنه وهو ينظم الصفوف قائلا (استو يا سواد),فقال الصحابي:أوجعتني يا رسول الله ,مكني من القصاص لنفسي..!
فكشف الحبيب المصطفى عن بطنه الشريف وناوله العود..وطلب منه أن يقتص لنفسه,فما كان من الصحابي إلا أن أقبل يقبل بطنه الشريفة,وقال مازحا أحببت لو أني قتلت في سبيل الله أن يكون آخر ما مس جلدي جلدك الشريف..!
نعم الصحابي كان له نية طيبة وهو يقول أوجعتني يا رسول الله,كان له مراد خفي..لكن الحبيب المصطفي خاف أن يكون قد أوجعه بالفعل,فكشف له بطنه الشريف كي يقتص..فهل نفعل مثل ذلك مع أبنائنا ونراجع تصرفاتنا معهم..أم نخاف على صورتنا أن تهتز..ولا نخش تأثر العلاقات الناشئ عن عدم حسن تصرفاتنا معهم أحيانا..
راجع الرسول الحبيب نفسه ونحن نخاف أن نفعل مثل ذلك..!!!!!
ماذا لو قال لنا أحد الأبناء ,أوجعتني بالكلم أو بالصراخ يا أمي أو يا أبي؟؟!!!
وبالرجوع إلى سؤالك:لماذا يكون الطفل منقادا من أصدقائه.,أو بصيغة أخرى لماذا يكون الطفل ضعيف الشخصية؟؟
_ أحد أهم الأسباب,الخلافات الزوجية..
تشكل الخلافات بين الوالدين جزءا أساسيا في ضعف الشخصية..لا ننادي بعدم عرض المشكلات أمام الأبناء مطلقا,فإذا حدث وعايشوا المشكلات على مسافات زمنية بعيدة فلا بأس,بل من الصحي أن يتعلموا كيف يختلف الكبار..بينما نشأة الطفل بين أبوين كثيروا المشادات الكلامية والتعنيف,يربي في الطفل (الخوف من المواجهة وقلة الثقة بالنفس)..
بل إن الأطفال دون السابعة يفهمون أنهم المتسببون في الخلاف بين الأبوين..فبجانب مشاعر الخوف والقلق من أجواء المشكلات,يتولد لديهم مشاعر تأنيب الضميربأنهم من تسببوا في الخلافات..
يفضل الأطفال الذين تعرضوا لمشكلات كثيرة بين الأبوين..يفضلون خيار المسالمة في اللعب والإنقياد لزملائهم,فهم يخافون مواجهة المشكلات ولا يحبون أن يتعرضوا لنفس الأجواء الموترة التي تحدث في البيت,فيفضل الطفل السكوت ,وانتهاك منظومته القيمية بالسماح للآخرين بالتلفظ بألفاظ نابية,لأنه إذا واجه صديقه خسره,فهو لم يتعلم (إدارة الغضب )بصورة جيدة في بيته ..!
_ هذه الحيلة التي يفعلها الصغير بإيجاد الأعذار لأفعال أصدقائه القبيحة,وتكرار سلوكياتهم المعوجة ,هي خدعة تعرف في علم النفس (بالتوحد مع المعتدي)..
حيلة يلجأ إليها ضعاف الشخصية حينما لا يستطيعون المواجهة,يتلبسون بصفات المعتدي و يقنعون أنفسهم بضرورة وجدوى أفعاله,لزوم التصدي لمن هو أسوأ..
هنا يأتي دورنا كأهل في توضيح حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم,:”ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب”..فننبه إلى أن تصرفات أصدقائه غير قويمة ,وليست دليل قوة..إنما القوي من يتحكم في نفسه وتصرفاته..
_ أيضا من النتائج المترتبة على معايشة خلافات زوجية,عدم تعود الطفل على قول (لا)..لأنه رأى عاقبة المخالفة والإختلاف في المنزل..أو ربما لم يسمع لرأيه ,فهو يؤمر دائما ولا مساحة لقول لا أو نعم..هو ينفذ أوامر الوالدين فقط..أو أن هذا الطفل لم يخير في أبسط الأمور (أكله,ملابسه,لعبته…إلخ)..طفل لا يتمتع بأبسط درجات الحرية..!
هذا الطفل سيمرر كل قبيح أمامه ولن يقول لا..حتى يحافظ على مجتمع ينتسب إليه ويسعد معه,لأنه لم يحاط بالحب و التقدير في بيته,فلا يريد أن يخسر أصدقائه..!!
_ أيضا كثرة نقد الطفل وإهانته بالكلام والإستهزاء والتهديد والضرب تجعل منه طفلا ضعيف الشخصية..
_كذلك حل المشكلات نيابة عنه,يأتي الطفل يشتكي أن زميله ضربه,فنقع في خطأ عرض الحلول من طرفنا..الصحيح ألا نعطي للطفل حلولا معلبة..إذا جاءنا مشتكيا نطلب منه التفكير في حلول للمشكلة ونقيم معه المقترحات ..فأحد الجوانب المهمة في (صناعة الطفل القائد ):-
*أن يكون لديه مهارة حل المشكلات..
*بجانب مهارة الإختيار من بين البدائل المختلفة..
*ومعرفة وضع الأهداف ..
*واتخاذ القرارات..
وفي ضوء ما قد سبق..إذا وضعنا نصب أعيننا المضار والمنافع من سلوكياتنا مع الأبناء ,انتبهنا إلى أن أبنائنا نتاج تصرفاتنا معهم..وأحسن تقييم للأمور يكون وفق منهجية تضع بناء شخصية الطفل أولوية ,تدفع الأسرة بكامل طاقتها كل ما يعزز بنائها,وتتحكم الأسرة في رواسب الطفولة لدى جميع أطرافها حتى لا ننتقم من أبنائنا ونحن لاندري,وذلك بإعادة ما فعل بنا بلا وعي وبلا حساب للنتائج..!!!
وحتى نقوم ضعف الشخصية البادي على الطفل..نوصي بعدة أمور:-
-أولا لا بأس بمراجعة الخلل الحاصل في شخصية الأبوين والعمل على تحديده و تطوير الشخصية بالسماح لها بتعلم الجديد وتطبيقه بدون أدنى حرج..
-نوصي بأهمية تعزيز نقاط القوة في شخصية الأبناء,فإذا كان صوته مثلا حلو,أو رسمه ,أو متميز في رياضة معينة,نمدح هذه الصفة أو تلك المهارة ..ونعرف من حوله من أفراد العائلة بنقاط تميزه وتفوقه..
-نقلل من الألعاب الألكترونية التي تفصله عن التعامل مع الواقع, و نصطحبه في الأسواق للتدريب على الحياة فالبيع والشراء يكسب الطفل مهارات تعزز ثقته بالنفس وبناء شخصية قوية..
-ممارسة أي رياضة جماعية خصوصا إذا خاطبت جهة تميز في شخصه,مما يعزز بناء شخصية قوية..
-التعبير له عن حبكم وتقديركم له,و الثناء على تقدمه في التعلم,أو ممارسته الرياضة وتميزه فيها..هذا التعبير يشعره بالقبول وبالتالي يعرف أن القبول يلزمه حسن سلوك,فلن يقبل سوء تصرفات الأصدقاء,سيقيم الأمور بشكل أفضل..
-ونحن نهتم ببناء طفل قوي الشخصية,علينا أن نعلم أن قوة الشخصية لها أربعة جوانب
*جانب فكري علمي فنغذي ثقافته ومعلوماته,فكثرة الإطلاع تعطي للشخصية قوة ومهابة..
*جانب جسدي وذلك بالتغذية الصحيحة وممارسة الرياضة..
*جانب قلبي بتدريبه على التعامل مع المشاعر المختلفة,كما ندربه على أن مشاعره مهمة كما أن مشاعر الآخرين مهمة,فبعض الأهل يجبرون أبنائهم على أن يعطوا لعبهم لطفل أصغر حتى لا يغضب,هذا تصرف خاطئ,فكأننا نؤكد لطفلنا أن مشاعر الآخرين أهم من مشاعرك..!!
*جانب روحي ,ننمي فيه منظومته القيمية,فيقطع لعبه من أجل الصلاة..ويترك اللعب مع من يؤذون الغير,ويتلفظون بألفاظ قبيحة..إلخ
ونحن إذ علمنا أسباب ضعف الشخصية و تجنبناها وعلمنا مقومات الشخصية القوية و عززناها..أخذنا بأيدي أبنائنا نسلمهم إلى أفضل نسخة من شخصيتهم..داعين الله أن يسدد خطانا ويرزقنا التوفيق..
ونحن إذ نحسن إليهم,فهذا من حسن رعايتنا لهم..ومما سنسأل عليه..
وإنا إذ نعترف بحاجة المجتمع المسلم إلى الفرد القوي فهو أحب إلى الله من المسلم الضعيف وفي كل خير كما جاء في حديث أبي هريرة.”المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف”..فلا ندخر جهدا مع أبنائنا في سبيل تحقيق ذلك..
أقر الله عينكم بصلاح أبنائكم..وجعلهم نافعين للإسلام والمسلمين..