رزقني الله – عز وجل- بولدٍ هادئ جميل الطباع مُحب للخير، غير أننا اكتشفنا مع بلوغه سن التكلم الطبيعي الذي يبلغه أقرانه أنه تقريبًا يتلعثم كثيرا، وبعد جولة طويلة مع الأطباء النفسيين وأصحاب الخبرات، بدأ يتلفظ بكلامٍ لكنه قليل وبطيء ثمّ ما فتئ على هذه الحال حتى بدأت تتكامل على لسانه العبارات لكنها للأسف كانت تخرج متقطعة بشدة، حتى إنه ربما يبذل جهدا كبيرا ليبدأ الكلمة بتأتأة شديدة، ثم يدخل جهادا مع الكلمة الثانية والثالثة وهكذا، فيتعب من الجملة الواحدة ويتعب من ينتظر سماعها.
والنتيجة أنه لا يُحب أن يتكلم لا أمامنا ولا أمام أخوته وبالطبع أمام الأقارب والمعلمين، فقد التحق بالمدرسة وما زال حتى اللحظة يُؤثِر الصمت، وكلما تعرّض لموقفٍ محبطٍ يتعلق بكلامه كلما زادت عزلته وخوفه من الناس وتبرمه منهم بشكل عام، وأنا الآن حيرى وخائفة على ولدي من الصدمات النفسية أو من تفاقم حالته النفسية لشعوره بالنقص أو الحرج.
أتساءل: هل هناك أمل في تغيير حالته للأحسن؟
الإجابة:
بطبيعة الحال اللغة هي بوابة التعبير عن النّفس واحتياجاتها، كما أنها أساسية في التواصل مع الآخرين، لذلك أتفهم جيدًا ما ينتابك من القلق، لكن دائمًا يجب أن يكون تركيزنا مُنصبًا على التقبل أولًا ثمّ كيفية التعامل ثانيًا، والتقبل هنا شرط أساسي قبل أي نصيحة أخرى، لأنه لن يمكنك مساعدته وأنتِ لا تستطيعين تجاوز مشكلة التلعثم لديه.
فعلى سبيل المثال قد يبدأ الابن في التحدث معكِ عن موقف مرّ به وهو متأثر جدًّا، وبدلًا من الإنصات له والتعاطف معه نبدأ في التركيز على تلعثمه فيحول بيننا وبين احتوائه وحسن الإنصات له وإسداء النصيحة الملائمة له.
أحب أن أؤكد – أيضًا- أنّ تقبّل الآباء لأولادهم أيًّا ما تكون ظروفهم هو مفتاح تقبل باقي المجتمع والمتعاملين معه، أقارب كانوا أو مدرسة أو غيرهم، إذ يجب أن يشعر بالقبول في الدوائر الأقرب إليه بداية بالأسرة، بشكل عام مسألة قبول المحيطين والمتعاملين مع أبنائنا مسألة مهمة، لأنه في الوقت الذي قد تصل فيه الأسرة لطريقة تعامل ناجح مع الطفل قد تأتي المشكلة من محيط الطفل الخارجي.
لهذه النقطة تحديدًا يجب أن تبذل الأسرة مجهودًا كي ترسم لابنها صورة عن نفسه تنبع من داخله وليس من ردود فعل الغير تجاهه، لأنه سيواجه ردود فعل كثيرة تشعره بالرفض وعدم القبول، لو لم يجرِ معالجة هذا قد ينتج عدم تقبله لنفسه.
ولكي يصل له هذا القبول يجب أن يشعر دائما أنه مسموع وأنه يستطيع أن يتحدث متى أراد ومهما استغرق هذا من وقت، ويجب أن يتحلّى السامعون له بالصبر بلا أي ضجر أو تململ، دون إسعافه بالكلمات التي يحاول قولها، يجب أن يفرغ من كلامه لا أن ننهي معه الكلام بمجرد وصول الفكرة. ولأن أحيانًا إيقاع الحياة يكون أسرع فلا بد من أن يُخصص له وقت يومي يجري سماعه فيه وإتاحة الفرصة له للتعبير عن نفسه، كما يجري التحدث إليه ببطء وبألفاظ واضحة كشكل من أشكال التدريب له.
في هذا الإطار قد يلعب الأشقاء دورًا سلبيًّا من خلال نقده أو استعجاله للحديث أو رفض سماعه، وهنا يجب الاتفاق مع الإخوة – بعيدًا عنه- على تحمل جزء من المسؤولية والتعاون لتحسين وضعه وإخبارهم بعاقبة ممارسة أي شكل من أشكال السخرية أو النقد معه.
من الأمور المهمة – كذلك- البحث عن مهاراته ونقاط تميزه، هذا مهم جدًّا في تحسين ثقته بنفسه، ولا بد من ممارسته الرياضة، لأنها تدعم الثقة بالنفس، وتشجيعه على الكتابة والرسم لأنها من الطرق البديلة للتعبير عن النفس بجانب الكلام حتى يكون لديه طُرُق لتفريغ ما بداخله باستمرار ما دامت الكلمات لا تسعفه دائمًا.
وبعض مشكلات التلعثم تحدث نتيجة ضغوطات وصدمات نفسية أو تزداد سوءًا بسببها، لذلك من المهم جدًّا توفير أجواء من الأمان والاستقرار الأسري، والابتعاد عن إظهار الخلافات الأسرية والكف عن الصراخ تمامًا.
يجب أيضًا الابتعاد عن أشكال أخرى للضغط كإجباره على التحدث في الوقت الذي لا يرغب فيه، أو التصحيح له، أو طلب تكرار ما قاله مرة أخرى، أو كثرة التعليق له في أثناء التحدث، كما يجب تجنب وضعه ضمن أنشطة مدرسية أو اجتماعية تعتمد على الكلام، ويجب الاتفاق مع مدرسته كي تتعاون ولا تمثل ضغطًا بأي صورة من الصور من حيث نوعية التكاليف التي تطلب منه أو تعريضه للإحراج وسط زملائه، ولكي تعمل على تحييد دور الزملاء بتوعيتهم للطريقة السليمة في التعامل معه في حال بدر منهم أي إساءة.
أمّا عن احتمالية التحسن العضوي فهو يلزم مراجعة ومتابعة المختصين، وقد قمت بذلك بالفعل، طالما استمر الأمر لمرحلة الالتحاق بالمدرسة أو ما بعد سن الخامسة، فاللجوء للمختصين أصبح ضرورة. سيخبرك المختص عن احتمالات التحسن وطريقة ومدة العلاج، وعليك أن تتحلى بالصبر التام في ذلك وعدم اليأس، لأنه من الأمور التي يلزمها وقت للتحسن.