تحتاج الشعوب العربية والإسلامية خلال هذه الفترة إلى تحقيق الصلابة النفسية أكثر من أي وقت مضى، سيّما مع تنامي الأحداث وتصاعد التوترات والضغوطات في المنطقة، ما يدعو إلى ضرورة تقوية الجبهة النفسية لهذه الشعوب حتى يُصبح الشباب والكبار على معرفة بطرق التعامل مع تلك الضغوطات وأساليب التغلب عليها.
ويتميّز أصحاب النفسية القوية بقدرتهم الكبيرة على مواجهة الصدمات وتحويل الضغوطات إلى فرص للنمو في الحياة العملية والشخصية، كما يسعون نحو التغيير بدلًا من المحاولة لإيجاد الطرق لتجنبه؛ فهم يعتقدون أنّ التغيير هو المعيار للنجاح، ويتصف هؤلاء الأشخاص بالمهارة، والإبداع، والابتكار.
مفهوم الصلابة النفسية
وتُعرف الصلابة النفسية بأنها مجموعة من السمات الشخصية تعمل كمصدرٍ، أو كواقٍ لأحداث الحياة الشاقة، وتمثل اعتقادًا أو اتجاهًا عامًّا لدى الفرد في قدرته على استغلال جميع مصادره، وإمكاناته النفسية، والبيئة المتاحة، كي يدرك أحداث الحياة الشاقة إدراكًا غير مُشوّه، ويُفسرها بمنطقية وموضوعية، ويتعايش معها على نحو إيجابي.
وعند ابن منظور: صَلُبَ الشيءُ صَلابَـةً فهو صَلِـيبٌ وصُلْب وصُلَّب وصلب، وصلب أي شديد، ويعرفها سليمة بو خالفة بأنها: “نمط من المواقف والمهارات التي توفر الشجاعة والاستراتيجيات المناسبة لتحويل الظروف الصعبة والمحن إلى فرص للنمو والتطور وتعزيز الأداء والقيادة والسلوك والصحة النفسية “.
عناصر الصلابة النفسية
وتتكون الصلابة النفسية من أربعة عناصر أساسية، لا بُد من توفرها في الشخصية التي تتصف بقوة الإرادة في مواجهة التحديات والضغوطات الحياتية، وهي:
- التحكم: وهو مهارة ليست سهلة الاكتساب، لكنّ أهميتها القصوى تدفع الإنسان إلى السعي والعمل الدؤوب لاكتسابها بكل الوسائل الممكنة، لأنّ وجودها يعمل على إحداث تغييرات كبرى في الحياة وتجنب الوقوع تحت تأثير الرغبات السلبية، فالشعور بالقدرة على التحكم في النفس والأفعال لا يقارن بشخصية المندفع الذي لا يسيطر على انفعالاته في المواقف.
- الثقة: وتُعرف بأنها ثقة الإنسان في قدراته وصفاته وتقييمه للأمور، بل احترامه لذاته، ويتسم الشخص الواثق بنفسه بالتفاؤل والاطمئنان والقدرة على تحقيق الأهداف وتقييم الأشخاص والعلاقات بصورة صحيحة، بخلاف مَن يفتقد ثقته في نفسه الذي يتخبط في تصرفاته وقراراته، ويفشل في أبسط المهام الموكلة إليه، ثمّ ما يلبث أن يُصاب بالاكتئاب.
- الالتزام: وهو الشعور الداخلي الذي يضغط على الفرد للعمل بالطريقة التي يمكن من خلالها تحقيق مصالح المؤسسة، وبالنسبة لمستوياته، فتتمثل في: الامتياز الإبداعي، والالتزام من القلب، والالتزام المبهج، والاستعداد للامتثال، والطاعة الخبيثة، والعصيان.
- التحدي: وهو القدرة على فعل ما نُريد تحقيقه، والقوة التي تمكننا من التغلب على الخمول.
- والإغراء والضعف، لنحيا الحياة التي نريد أن نعيشها، كما يُمكن من خلاله رؤية المشكلات والضغوطات كأنها تحديات وفرص، لذا يتّصف أصحاب هذه الخاصية بتقبل التغيير كجزء من الحياة وعدم توقع أن الحياة سهلة ويمكن أن يعيشها الإنسان دون أي منغصات.
- ويؤثر في قوة التحدي بعض العوامل، ومنها الخبرات السابقة، والتنشئة وأساليب المعاملة الوالدية، والقدرات العقلية، وثقافة الفرد التي قد تؤثر في ارتفاع درجة تحمله، واستيعاب وصقل المهارات، والقيم والتقاليد الاجتماعية التي ينشأ عليها الإنسان.
- ومن الممكن تنمية مهارة التحدي باستثمار نقاط القوة، وتطور العادات الجيدة، وتقديم بعض التضحيات، وتحديد الأهداف الصحيحة، والمشاركة في المناسبات التنافسية، وإدارة الزملاء والرؤساء، وتخصص المهام الحاسمة للأوقات الحرجة، والعمل على إزالة العوائق، وابتكار بيئة صلابة نفسية، والاعتراف بالخطأ.
كيف نقوي نفوسنا لمواجهة الضغوط؟
وتقوية الصلابة النفسية أمرٌ مِن الممكن تحقيقه بالتدريب على بعض المعاني الإيجابية والقيم المهمة، حيث يقول الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله- في كتاب (جدد حياتك): “إذا تخيّلنا أنّ عقلنا يعمل كالمذياع، يجب علينا ضبط موجات التردد حتى نستقبل الإشارات التي تُوافق التردد الذي نُريده ونتجاهل الترددات التي لا نُريدها”.
فلا بُد من التدريب على الوعي والبعد عن الأفكار السلبية، وتخيل الأشياء، وكتابة ورقة بما نُريد أن نخدم به أنفسنا وأسرتنا والدين والوطن الذي نعيش فيه، وفي الأزمات نخرج هذه الورقة ونعيد قراءتها.
ومن الضروري أن نفصل – في بعض الأحيان- التفكير في المشكلات، ونُركز على الأفكار الإيجابية، والالتزام بالمثابرة ورؤية كل عقبة على أنها فرصة للنجاح وتخطي الصعاب، وفي ظل هذا يجب ألا نغفل عن الإيمان فلا يوجد شيء أعظم منه للإنسان لتقوية وصلابة نفسه في مواجهة المحن والضغوطات.
ويُمكننا قراءة السّير الذاتية والاستماع إلى أقوال الناجحين الذين تغلّبوا على العقبات والنكسات الهائلة، وقراءة قصص النجاح في المجالات المختلفة، كما يُمكن التعلم من تجربة وخطأ الآخرين، ولا بُد من عدم الإسهاب في الحديث عمّا حدث من أخطاء، لكن علينا التفكير في مواجهة هذه الأخطاء، واستثمار الطاقة في المضي قدمًا نحو إيجاد إجابة.
ولا ننسَ تقييم العمل اليومي من حيث الأهداف، والوسائل، والنتائج، وأن نأخذ قسطًا من الراحة والاسترخاء، والتدريب في صالة ألعاب رياضية، وتغيير الروتين، لنتمكن من التعامل مع البيئات المتنوعة في هدوء وثقة أكبر.
ومما يساعد على اكتساب الصلابة النفسية، الحرص على مصاحبة الذين حققوا أهدافهم بالفعل أو الذين يحرصون على أهداف مماثلة لأهدافنا، يساعدنا بشكل كبير على تقوية النفس، وفي المقابل يجب الابتعاد عن مصاحبة ذوي المشكلات التي نُعاني منها ولم تُحل بعد، وكذلك الذين يشعرون بالإحباط بسبب عدم الإنجاز والعيش في دوامة الفشل والإحباط.
من المهم، – أيضًا- الابتعاد عن أحاديث مثل: “يا ويلي، حياتي مضطربة: كيف عنك؟، أنت مسكين، يا ويلي أيضاً، إنني أشعر بأسف عن نفسي: كيف عنك؟”
وعلينا التركيز على النتائج المرجوة، فلا بُد من الوضوح والبساطة، والإسهاب في الحديث عن ثمار النجاح، وعدم التركيز على الأخطاء والفشل، لنتغلب على القلق حول ما حدث بالأمس أو ما سيحدث غدًا، وبالتالي فإن ثلثي الهموم تختفي ولا يبقى لها أثرًا فنركز في حاضرنا ونبدع فيها. يقول ابن القيم – رحمه الله تعالى-: “لن يقاسمك الوجع صديق، ولن يتحمل عنك الألم حبيب، ولن يسهر بدلاً منك قريب، اعتن بنفسك، واحمها، ودللها ولا تعطِ الأحداث فوق ما تستحق. تأكد حين تنكسر لن يرممك سوى نفسك”.
ويضيف: حين تنهزم لن ينصرك سوى إرادتك، فقدرتك على الوقوف مرة أخرى لا يملكها سواك، لا تبحث عن قيمتك في أعين الناس، ابحث عنها في ضميرك فإذا ارتاح الضمير ارتفع المقام وإذا عرفت نفسك فلا يضرك ما قيل فيك. لا تحمل هم الدنيا فإنها لله، ولا تحمل همَّ الرزق فإنه من الله، ولا تحمل هم المستقبل فإنه بيد الله، فقط احمل همًا واحدًا: كيف ترضي الله؟ لأنك لو أرضيت الله ورضي الله عنك وأرضاك وكفاك وأغناك. لا تيأس من حياة أبكت قلبك، وقل يا الله عوضني خيرًا في الدنيا والآخرة. فالحزن يرحل بسجدة، والفرح يأتي بدعوة. لن ينسَ الله خيرًا قدمته، وهمًّا فرّجته، وعينًا كادت أن تبكي فأسعدتها! عش حياتك على مبدأ: كن مُحسنًا حتى وإن لم تلق إحسانًا، ليس لأجلهم بل لأن الله يحب المُحسن”.
وعلينا أن نتوقع ما هو غير متوقع، فلا يمكننا التحكم فيما تفعله المقادير أو الآخرون، يمكننا توقع ما يمكن أن يحدث، فنستعد له بأفضل الوسائل، ومن الضروري التحكم في استجابتنا لما يحدث، وأن نتخيل وجود الحافز والطاقة للسيطرة على أجسامنا وصحتنا لأننا ما زلنا على قيد الحياة.
علاج العقد النفسية في الإسلام
ويحقق الإسلام الصلابة النفسية بعلاج العقد النفسية التي أقام عليها فرويد وأتباعه مذهبهم، وهذه تقل أو تنمحي في جو العقيدة الإسلامية التي تعترف منذ الخطوة الأولى برغبات الفرد وضروراته ولا ترى فيها انحطاطًا ولا قذارةً، والفرد المؤمن يعيش حالة نفسية مطمئنة عندما يجد العلاقة بين الرب والعبد علاقة مباشرة، إذ في ظل هذه القوة يأمن الفرد على رزقه ومكانته، وما من أحد يستطيع أن يضره برزق ولا في مركز، جاء في قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26].
إن الأسرة في الإسلام هي الوحدة الأولى في المجتمع والبيئة الصغيرة للفرد، أي هي وحدة واحدة شديدة التماسك قوية الأواصر فينبغي أن يكون هناك تعاون تام بين أفرادها وأن يعرف كل منهم حقوقه وواجباته، ولهذا أقر القرآن الكريم على أساس من الحق والعدل والإحسان وأحاطها بمنهاج من الحب والبر والمواساة، وعلى الإيثار بين أفراد الأسرة ولهذا نجد القرآن الكريم يؤكد على ضرورة بناء الأسرة على قواعد القرآن الكريم وتعاليمه، وجعلهم كالبنيان يشد بعضهم بعضًا.
ويعبر القرآن بصورة حسية عن هذا الجانب بقوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: 29] ووصفهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم- كالجسد الواحد كما في الحديث الشريف: “مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.
والقرآن الكريم يحرص على تكوين أفراد في المجتمع، موقنين في الله – عز وجل-، لا يخافون إلا من الله، وبالتالي تحقق النضج الانفعالي والاتزان العاطفي، ومن ثم يكونون متحررين من العقد والانحرافات، حيث إن مصدر القلق في الحياة هو الدنيا وما فيها من مال وبنين ومنصب وجاه وتهديد للنفس، كما في قوله تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} [الكهف: 46].
ويحرص القرآن على إعطاء حقوق الانسان في المجتمع المسلم كما في قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} [النساء: 124]، والفرد في المجتمع المسلم يصبر على حكم الله – عز وجل- في الدنيا في قوله: {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} [يونس: 109].
المصادر:
- محمد الغزالي: جدد حياتك.
- بو خالفة، سليمة (2015): الصلابة النفسية وعلاقتها بالتحصيل الدراسي لدى عينة من طلبة التعليم الثانوي دراسة ميدانية ببعض ثانويات مدينة تقرت رسالة ماجستير، جامعة قاصدي مرباح ورقلة، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية.