يوصي الإِسلام بأن يكون المرء حسن المنظر كريم الهيئة، وقد ألحق هذا الخلق بآداب الصلاة قال تعالى: ﴿ يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [ الأعراف: 31 ].
والأناقة في غير إسراف والتجمل في غير صناعة من تعاليم الإِسلام؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، فقال رجل: إِن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً، فقال صلى الله عليه وسلم: إِن الله جميل يحب الجمال )). ( رواه مسلم ).
ومهما تكاثرت الأشغال والمتاعب على الإِنسان فلا ينبغي أن ينسى واجب الالتفات إِلى زيه واكتماله، عن البراء رضي الله عنه قال: (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مربوعاً وقد رأيته في حلة حمراء ما رأيت شيئاً أحسن منه قط )) ( رواه مسلم ).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( السمت الحسن والتؤدة والاقتصاد جزء من أربعة وعشرين جزءاً من النبوة )) ( رواه الترمذي ).
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الزينة
توضح لنا سنّته العملية – صلى الله عليه وسلم – كيف يكون المؤمن معتنياً بمظهره كاعتنائه بمخبره؛ فقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يعتني بنظافة فمه، ويُكثر من استخدام السواك، حال إفطاره وصومه، وعند وضوئه أو صلاته، وعند استيقاظه من نومه، وحين دخوله لمنزله، حتى في لحظاته الأخيرة أمر أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن تأتيه بالسواك ، ليلقى ربّه بأطيب رائحة.
وأما عن ملابسه، فقد كان – صلى الله عليه وسلم – يلبس من الثياب أحلاها، سواءٌ في ذلك عمامته وإزاره وكساؤه، وبردته وعمامته، وخفّه ونعله.
وكان صلى الله عليه وسلم يحب الطيب حبا جما ولا يردّه من أحدٍ أبداً ، ويروى عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنه كان له – صلى الله عليه وسلم – سُكّة يتطيّب منها – وهي نوعٌ من الطيب أو وعاء فيه طيب مجتمع – ، وكان أحبّ الطيب إليه المسك، وتذكر رضي الله عنها عن تطيّبه حال إحرامه فتقول: ( كأني انظر إلى وبيص المسك -أي بريقه- في مفرق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو محرم ) رواه مسلم.
وكان – صلى الله عليه وسلم – يعتني بترجيل شعره، وتسريح لحيته، وكان لديه شعرٌ طويل يصل إلى أذنيه، كما قالالبراء بن عازبرضي الله عنه: “كان النبي – صلى الله عليه وسلم – له شعر يبلغ شحمة أذنيه” متفق عليه، وكان (صلى الله عليه وسلم) ينظر في المرآة، ويرجّل شعره ويمتشط، وربّما نظر في الماء وسوّى جمّته فيه، ولقد كان يتجمّل لأصحابه فضلاً عن تجمّله لأهله، تقول عنه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: كان لا يُفارِقُ مسجِدَ رسولِ اللهِ ﷺ سواكُه ومُشْطُه وكان ينظُرُ في المِرآةِ إذا سرَّح لِحيتَه” رواه الطبراني.
وكان يأمر أصحابه بذلك، فعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله إِن لي جمة أفأرجلها؟ قال: (( نعم وأكرمها )) فكان أبو قتادة ربما دهنها في اليوم مرتين من أجل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم )) ( رواه النسائي ).
التوسط والاعتدال في الزينة
الإِسلام لا يجنح بآداب مطعم الإِنسان وملبسه ومسكنه وسائر أعماله إِلى الرهبانية المغرقة ولا إِلى المادية الجشعة؛ فهي آداب تقوم على التوسط والاعتدال؛ فالإِسلام لا يعتبر حسن الهيئة من عناصر الرجولة أو مقومات الخلق العظيم، لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( رب أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره )) ( رواه الترمذي ).
وإِنه لمن الحماقة أن يجعل الشاب من جسمه معرض أزياء يسير بها بين الناس يرتقب نظرات الإِعجاب تنهال عليه من هنا وهناك، وقد ندد الإِسلام بهذا الطيش ونفَّر المسلمين منه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة وألهب فيه ناراً)) ( رواه ابن ماجه ).
سأل رجل عبد الله بن عمر ما ألبس من الثياب؟ قال: ما لا يزدريك فيه السفهاء ولا يعيبك به الحكماء (رواه الطبراني).
فالإِسلام يحب لأتباعه التجمل وحسن السمت، ولكن الفرق كبير بين إِنسان يزخرف ظاهره ويهمل باطنه وينفق خير وقته وماله في رياش يلصقها بجسمه، وآخر يجعل همه الأكبر في صيانة حقيقته واستكمال مروءته ثم لا ينسى في زحمة الواجبات ارتداء ما يجمل به ويلقى الناس فيه.
البساطة
إِن الإِسلام يستحب البساطة المطلقة في تأسيس البيوت وتأثيثها، ويوصي بنبذ التكلف؛ فقطع دابر الترف داخل حجرات البيوت وكره انتشار الطنافس والزخارف في نواصيه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إِلى اليمن: ((إِياك والتنعم فإِن عباد الله ليسوا بالمتنعمين)) رواه أحمد.
وعن حذيفة رضي الله عنه قال: ((نهى رسول الله أن نشرب في آنية الذهب والفضة وأن نأكل فيها، وعن لبس الحرير والديباج وأن نجلس عليه)) ( رواه البخاري ).
إِن الاستغناء عن الفضول والاكتفاء بالضرورات من آيات الاكتمال في الخلق، والإِسلام يريد أن يجتث جذور الترف من معيشة الجماعة المسلمة حتى يسلم للأمة كيانها، وجدير بالأمة المسلمة أن تجعل حياتها جندية لله، وتاريخها جهاداً موصولاً لإِعلاء الحق وحماية دعوته، وظاهر أمرها وباطنه ترفعاً عن نتن الدنيا وملاهيها الصغيرة.