تعتبر العلاقة الزوجية موطنا للسكن والطمأنينة، وموئلا للأنس والراحة، ومقرا للمودة والألفة، وعلى الرغم من أنه لا توجد علاقة مكتملة السعادة وخالية من المشاكل مئة بالمئة في علاقة طويلة الأمد كالعلاقة الزوجية، سيكون هناك بالتأكيد الكثير من القضايا المجهدة التي ستعترض طريقكما كمتاعب الأطفال، ومشاغل العمل، والمال وعدم الاستقرار، لكن مع معرفة أكثر أسباب توتر العلاقة تستطيع معالجة مشكلة جفاء المشاعر بين الزوجين والتغلب عليها.
فالحياة الزوجية هي عبارة عن تجربة حياتيّة تضم الزوجين اللذين يعيشان كشريكين في إطارٍ من الحقوق والواجبات، يتضمّن التشابه والتوافق في أشياء وتتضمن أيضا اختلافهما كذلك في أشياء أخرى تتغيّر بحسب تغير الظروف والبيئة وغيرهما، ولذلك فإنّ لكلّ منهما شيئاً مختلفاً يقدّمه للآخر، فالزوج غالباً ما يقدّم الحماية ويوفّر ما تحتاجه العلاقة الزوجية من مادّيّات، بينما توفّر الزوجة الأمان والاستقرار للبيت وللزوج، وهي علاقة فريدة تستمرّ طوال الحياة، وتعني الحياة الزوجية أيضاً أن يقوم كلا الطرفين اللذين يريدان قضاء بقيّة حياتهما مع بعضهما بترتيب أمورهما معاً بحيث يصبح أسلوبهما في الحياة الذي اعتادا عليه أسلوباً موحّداً يجمعهما تحت مظلّة واحدة يتشاركان في كلّ أمر من أمور الحياة، وتعني كذلك أن يروم كلّ منهما التفاهم والتناغم في العلاقة بحيث يعيشا في سلام وراحة مع بعضهما.
قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21].
جفاء المشاعر.. لماذا؟
التوتر في الحياة الزوجية له آثار سلبية على حياة الطرفين – كما توضحها نوال الشهراني – ومن أبرز هذه الآثار: غياب الشعور بالاستقرار والطمأنينة، وسيادة الشعور بالقلق والاضطراب، وزيادة الفجوة، والتباعد النفسي والعاطفي بين الزوجين، فيعيشان داخل المنزل الواحد وكأنهما منفصلان.
ولتوتر العلاقة بين الزوجين أسباب قد تعالج وقد تتفاقم ومنها:
- الغموض وغياب وضوح الرؤية أمام طرفي الحياة الزوجية: فتجد الرجل لا يفهم المرأة، والمرأة لا تفهم الرجل، وبسبب تلك الرؤية المشّوشة يصل التوتر بين الزوجين إلى ذروته، وتنشأ المشكلات. ولذا لا بد أن يعّبر كل طرف بوضوح عن مشاعره، ورغبته واحتياجه ودوافع تصرفه.
- الغضب: أكثرنا يعرف وصية النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تغضب) والأخذ بتلك الوصية الغالية عامل وقائي عظيم، في درء المشكلات الزوجية.
- تخزين المشكلات: عدم مواجهة المشكلات، ووضعها على الرف دون حل: يصنع جبلا من الضغينة إزاء الطرف الآخر، فتجد كل شخص يحمل في ذهنه وطيات نفسه كمّا هائلاً من الرواسب والمواقف السلبية القديمة، التي ستنفجر في يوم ما.
- الاستعجال في الردود: لا نبالغ إذا قلنا إن التعجل في الرد على الطرف الآخر يمثل منبعاً خصباً للمشكلات، وبيئة ملائمة للتوتر والقلق داخل الحياة الزوجية.
- التقليد واستنساخ التجارب: فاتباع نصائح الغير دون التأكد من ملاءمتها لشخصية شريك الحياة وظروفه وطريقة تفكيره والمبادرة بتطبيقها بمنأى عن التأكد من جدواها = سبب قوي لنشوب المشكلات. فما يصلح لزوج قد لا يصلح لآخر. وما يصلح لزوجة قد لا ينفع لأخرى.
- الخلل في فهم الحقوق والواجبات: جزءٌ كبير من المشكلات الزوجية، يحدث بسبب الإخلال بِالحقوق والواجبات الزوجية كعدم منح الزوجة حقها الشرعي في النفقة، والإخلال بالعشرة الطيبة، والتعامل الحسن، والإخلال بتربية الأبناء.
- عدم السؤال والاستيضاح: من أكثر أسباب التوترات في الحياة الزوجية عدم استيضاح كل طرف عن أسباب تصرف الطرف الآخر؛ مما ينشئ بيئة ملائمة للشك وسوء الظن.
المشاعر فيض لا ينضب
لا شك أن المشاعر فيض لا ينضب، لكن قد تساعد قسوة الظروف، وسوء التعامل مع المشاعر في أن تكبت هذا النبع وتغطيه، تغلفه بقسوة لتبرد الحياة وتصبح بلا لون ولا طعم ولا روح، هنا نستطيع أن نقول إن العواطف جفت، والحياة الزوجية أكثرُ حياة تقوم على المشاعر وعلى المودة والرحمة، فحينما تفتقد المودة تبقى الرحمة، وحينما تفتقد الرحمة يفتقد المعنى الحقيقي للزواج، ويصبح الزوجان منفصلين عاطفيًا برغم أنهما تحت سقف واحد.
وينشأ الجمود العاطفي من حالة التعود على الآخر واعتياد وجوده، فطول العشرة يجعل الحياة الزوجية نمطًا روتينيًا مقولبًا؛ حيث حفظ كل منهما الآخر، وأصبح الرمز يحل مكان الحرف، فالعين واليد والبسمة تحل محل الكلمة، وهذا من نتاج طول العشرة ومعرفة كل منهما أبجديات الآخر، فيقل الكلام ويستبدل بمعانٍ ووسائل أخرى.
حتى يبقى الحب
عن عائشة قالت: «ما غرت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم إلا على خديجة، وإني لم أدركها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذبح الشاة فيقول: (أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة)، فأغضبته يومًا، فقلت: (خديجة)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني قد رزقت حبها)».
الحب عطاء، فهو شيء لا نمنحه حتى نجده ابتدأ في نفوسنا، ولا نشعر بحلاوته إلا إذا ذاقه الآخرون منا، فإذا عم الحب بين الشريكين ترابطت الأسرة، وارتقت الحياة الزوجية للأفضل، ولا يمكن أن تنمو شجيرات الحب إلا إن تخلينا عن الأنانية وحب الذات والتهافت على المنفعة الشخصية، ونكران الذات والانغماس في إسعاد الآخرين.
كلًا من الزوجين مسئول عن إشباع حاجة الآخر للحب؛ بل وعليه أن يبدع في استخدام الأساليب المحققة لإشباع الحاجة للحب الصريح.
وكما أن المرأة بطبيعتها الرقيقة والحساسة والعاطفية تحتاج إلى مفردات الحب والغزل والدلال، والتي تشعرها بخصوصيتها في قلب الزوج الحبيب؛ كذلك أيضًا الرجل يكون أكثر طلبًا وأشد حاجة إلى هذا النوع من الحب من المرأة نفسها.
لا بد من التأكيد على أنه لا بديل عن الكلمة الرقيقة في أي حال من الأحوال، فالأذن تتوق لسماع الكلمة الحلوة الطيبة، وتؤكدها اللمسة الحانية، وتغلفها النظرة الودودة؛ لتكتمل الصورة ويتم التفاعل الصحيح والصحي.
من طبيعة الرجل العاطفية أنه يحب أن تشعره زوجته أنه قد شغفها حبًا، وأنها تحب أن تنال منه ما يحبه هو، فالرجل يتأثر بذلك جدًا، وهذا مما يعينه على غض بصره وعدم التفكير في غيرها.
قال عمر رضي الله عنه: «النساء ثلاث، والرجال ثلاثة: فامرأة عاقلة عفيفة مسلمة هينة لينة، ودود ولود، تعين أهلها على الدهر، ولا تعين الدهر على أهلها، وقليل ما تجدها، وأخرى وعاء للولد لا تزيد على ذلك، والأخرى غل قمل، يجعلها الله في عنق من يشاء، ثم إذا شاء أن ينزعه نزعه.
والرجال ثلاثة: رجل عاقل عفيف بر مسلم، ينتظر الأمور ويأتمر فيها أمره إذا أشكلت على عجزة الرجال وضعفتهم، ورجل ليس عنده رأي فإذا نزل به أمر أتى ذوي الرأي والقدرة فاستشارهم، فإذا أمروه بشيء نزل عند رأيهم، ورجل حائر بائر، لا يأتمر الرشد ولا يطيع المرشد».
وعن أبي موسى الطائي الأعرابي قال: «تذاكر نسوةٌ الأزواجَ، فقالت إحداهن: (الزوجُ عز في الشدائد، في الرخاء مساعد، إن رضيتُ عطف، وإن سخطتُ تعطف).
وقالت الأخرى: (الزوج لما أعانني [أهمني] كافٍ، ولما شفني [أمرضني ونحلني] شافٍ، رشفه كالشُّهد، وعِناقه كالخلد، لا يمل عن قرب ولا بُعْد).
وقالت الأخرى: (الزوج شِعار حين أبرد [الشعار ما يلبس على الجلد]، يسكن حين أرقد، ومني لذتي شف مفرد [تحرك]، وما عاد إلا كان العَوْد أحمد).
وقالت الأخرى: (الزوج نعيم لا يُوصَف، ولذة لا تنقطع ولا تخلف)».
فالزوجة الصالحة خير صاحب وأفضل رفيق، وقد وصف الله تبارك وتعالى النساء الصالحات قائلًا: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ} [النساء:34].
فالمرأة الصالحة سبعة وجوه؛ فهي: المُعاشِرة للزوج، والمربِّية للأولاد، والأمينة على المال، والكاتمة للسر، والمعاونة، والمطعمة، والساعية للإسعاد.
قواعد هامة في الحفاظ على الحب والمودة
ولقد وضع العلماء بعض القواعد التي من شأنها أن تعزز مشاعر المودة والرحمة بين الزوجين، وذلك من خلال:
- المصارحة بين الزوجين في كل أمور حياتهما.
- عدم تفسير صمت الزوج بأنه عزوف عن مشاركة الزوجة والتحدث إليها.
- لا يجب التسرع بالحكم على الزوج إلا بعد تبادل وجهات النظر.
- الابتعاد عن خوض أحاديث مع الزوج في أمور لا تتناسب مع طبيعته، وعدم الإلحاح في الضغوط في الأمور المالية بشكل مستمر.
- الاهتمام بالمظهر والأناقة، وتوفير مناخ جذاب ومريح وهادئ في المنزل من خلال الحرص على نظافته وجماله.
- الاحترام المتبادل، ومعرفة احتياجات الطرف الآخر وما يسعده.
- الحفاظ على الخصوصية وكتمان الأسرار، والابتعاد عن كل ما يغضب.
- الحوار والحديث الصريح هما أسرع طريقة للوصول إلى التفاهم والسعادة المنشودة.
رغم بساطة حياة النبي صلى الله عليه وسلم وانشغاله الشديد، فإن حياته مع أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن تميزت بالحب الراقي البسيط في مواقف الحياة المختلفة، التي تعتبر أسوة لكل الأزواج والزوجات، فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: «إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت عليَّ غضبى»، قالت: «من أين تعرف ذلك؟»، فقال: «أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين: لا، وربِّ محمد، وإذا كنت غضبى قلت: لا، وربِّ إبراهيم»، قالت: «أجل، والله يا رسول الله، ما أهجر إلا اسمك» (رواه البخاري).
ومما كان يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم من أجل تجديد العلاقة مع زوجاته [إظهاره المحبة والوفاء لزوجاته، وترخيم الاسم عند مناداتها من باب التودد كما كان ينادي عائشة بــ(ياعائش)، وتتبُّع مواضع شرب زوجاته وأكلهن، والتنزه معها، والتحدث إليها، فقد روى مسلم أنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان بالليل سار مع عائشة يتحدث معها وغيرها].