أمانة المجالس وخطورة إفشاء الأسرار ..
حكت لصغيرها حكاية قبل النوم
عن الصحابي الجليل أنس بن مالك
وهو يلعب وسط الغلمان
حيث جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعثه إلى حاجة
أبطأ أنس بسببها عن أُمه
ولما عاد سألته (ما حبسك يا أنس؟)
قال: بعثني رسول الله لحاجة
فسألته أمه مختبرة إياه: وما حاجته؟
رد أنس بحزم: إنها سر
سعدت به أمه
وقالت له: لا تخبر أحدًا بسر رسول الله
وأنت يا صغيري لا تفشِ أسرار المجالس
نام الصغير
ثم التقطت الأم هاتفها لتسامر صديقتها
تناقلا أخبار الأسبوع المنصرم
تحدثت عن الصديقة التي أخبرتها عن خطبتها
وعن قريبتها وما قرّرت أن تشتري
والأخرى حكت عن جارتها ومشكلة بيتها
وعن أم زوجها والكلام الذي قالته عند زيارتها
فلماذا نحذر أطفالنا من سلوكٍ ونأتيه؟!
ننبه الأطفال لحفظ الأسرار ونفشي كل ما نعلم!
لماذا ينقل البعض أسرار المجالس؟!
هل قيمتنا تزداد بامتلاك السر وإفشائه؟!
أم نشعر بالفخر حينما نكشف عن أمر مخفي؟!
عجيب ألا يستطيع أحد أن يمسك لسانه
ولا يستطيع منع نفسه عن فضول الكلام
بل يتقرب للناس بإفشاء الأسرار
ويشعر بهذا أنه وجد لنفسه في القلوب مكانًا
والبعض قد لا يرى للتسامر معنىً أو لذّة
إلا أن يكون حول ما دار هنا وهناك
وما قال فلان وما علم عن فلان
أو ذاك الذي غلبته نية السوء
فبات ينقل بين الناس ما يوغر الصدور
يشعر ألا مكان له في قلوب الناس
فينقل ما يُبقِي البغض بينهم
وهذا صنف قد أصاب قلبه مرض
وذاك الذي اعتاد أن يُطلق للسانه العنان
ولم يتربى على مسك اللسان
ما الذي يكسر هذه الدائرة؟
ليس شرطًا أن يطلب منك الجالسون حفظ السر
وألا تفشي ما قيل بينكم ليصير ما قيل سرًّا
قال النبي: “إذا حدث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة”
ويقول الحسن البصري: “إنما تجالسوننا بالأمانة”
واعلم أنك لست وكالة أنباء
وقيمة المرء ليست فيما يعرف عن الناس
لكن بقدر ما يسعى لإرضاء رب الناس
ولن تجد في قلب الناس مكانًا بإفشائك الأسرار
حتى وإن أحبوا مجالستك
لكن يقينًا لن تحوذ ثقتهم
سيُعرف عنك أنك لا تحفظ سرًّا
وأنك من الذين يخوضون في الأعراض
فيتحاشون أن تصلك أخبارهم
تأمل خلق الرجال!
لما عَرَضَ عمر على أبي بكر الزواج بابنته حفصة
صمت أبو بكر ليالٍ ولم يجب عمر حتى غضب
وما أثلج صدر عمر إلا نكاح النبي لحفصة
فلما قابله أبو بكر أخبره أنه كان يعلم بذكر النبي لحفصة
وأنه لم يكن ليفشي سرّ رسول الله حتى يخبر به بنفسه
ولما أَسرَّ رسول الله لفاطمة في أذنها قبل موته
سألتها عائشة رضي الله عنها عمّا أخبرها
فردت: “ما كنت لأفشي على رسول الله سره”
يقول المُهَلَّب:
أدنى أخلاق الشريف كتمان السر
وأعلى أخلاقه نسيان ما أُسر إليه
وليس من الوقار ولا المروءة إفشاء سر المجالس
فقد عدها عمر بن عبد العزيز من أوضع الخصال
وطال الخصام بين عائشة وابن اختها عبد الله بن الزبير
لما نقلوا لعبد الله صدقة كبيرة قامت بها عائشة
وهذا أول إفشاءٍ لأسرار المجالس
ثم عادوا فنقلوا لعائشة قول عبد الله عنها لما سمع هذا
وهذا ثاني إفشاءٍ لأمانات المجالس
متى تفشي السر؟
قال النبي: المجالس بالأمانة إلا ثلاثة مجالس
سفك دم حرام
أو فرج حرام
أو اقتطاع مال بغير حق
وما كان على يوسف أن يحفظ أمانة امرأة العزيز
بل قال (هي راودتني عن نفسي)
لأن في كتمان هذا ضرر أكبر
دقق مع نفسك دومًا في نيتك فيما تقول
واعلم أنّ مِن صفات المؤمنين
إعراضهم عن اللغو وفضول الكلام
فتخير من كلامك أنفعه
واحرص أن يكون كما أمر الله
إما أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس
واعمل بوصية رسول الله (أمسك عليك هذا)
وهل يكب الناس على مناخرهم في جهنم إلا حصائد ألسنتهم؟!