لا يقتصر فضل يوم عاشوراء على المسلمين المُكلّفين فقط، بل يُمكن استثمار هذه النفحة الربانية في تربية الأطفال وغرس وتنمية حبّ الله ورسوله- صلى الله عليه وسلّم- في نفوسهم، وتشجيعهم على الصيّام وشكر النّعم، وتعليمهم أصول العبادة، ليكونوا جيلًا صحيحًا سليمًا يبني المستقبل ويُعمّر الأرض.
وقد أجمع الأئمة الأربعة على جواز أمر الصبي بالصيام في هذا اليوم إذا كان يُطيقُ ذلك دون وقوعِ ضَرَرٍ عليه، ودليل ذلك ما روته الرُّبيِّع بنتِ مُعَوِّذٍ- رَضِيَ الله عنها- قالت: “أرسَلَ النبيُّ- صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- غداةَ عاشُوراءَ إلى قُرى الأنصارِ: من أصبَحَ مُفطِرًا فلْيُتِمَّ بقيَّةَ يَومِه، ومن أصبَحَ صائمًا فلْيَصُمْ، قالت: فكُنَّا نصومُه بعدُ، ونُصَوِّم صِبيانَنا، ونجعَلُ لهم اللُّعبةَ مِنَ العِهنِ”.
وفي لفظ: “… ونصنَعُ لهم اللُّعبةَ مِنَ العِهنِ، فنذهَبُ به معنا، فإذا سألونا الطَّعامَ أعطيناهم اللُّعبةَ تُلهِيهم حتى يُتِمُّوا صَومَهم” (البخاري ومسلم).
حكاية يوم عاشوراء
واستثمار يوم عاشوراء في تربية الأولاد، يبدأ بقصّ حكاية هذه المناسبة عليهم، وكيف أن الله- عز وجل- نجّى نبيه موسى- عليه السلام- من فرعون وقومه، فصامه سيدنا موسى شكرا لله تعالى، ثم صامه نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم- وأوصى أمته بصيامه، لما له من فضل عظيم.
ووقعت أحداث هذه القصة في اليوم العاشر من شهر الله المحرم، بعد أن تكبّر فرعون وكَفَرَ، ونكّل ببني إسرائيل، فجمع سيدنا موسى- عليه السلام- قومه للخروج، وتبعهم فرعون وجنوده أجمعين، حتى أدركهم عند البحر الأحمر: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء: 61] فالبحر أمامهم، والعدو خلفهم! فأجابهم موسى بلسان المؤمن الواثق بأن الله معه ولن يضيعه، وقال لهم بكل ثقة وثبات: {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 62].
فأوحى الله إليه أن اضرب بعصاك البحر، فضربه وهو يتلاطم بأمواجه، فانفلق بإذن الله اثني عشر طريقًا يابسًا، وصار هذا الماء السّيال، وتلك الأمواج العَاتِيَات، كأطواد الجبال الرّاسيات، فانحدروا فيه مُسرعين مستبشرين، ودخل فرعون وجنوده في أثرهم لاهثين، فلما جاوزه موسى وقومه، وتكاملوا خارجين، وتكامل فرعون وقومه داخلين، أطبقه الله عليهم وأغرقهم أجمعين: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لاَ تَخَافُ دَرَكًا وَلاَ تَخْشَى * فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ * وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى} [طه: 77- 79].
ثمّ “قدم النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- المدينة فرأى اليهود تصوم يَومَ عَاشُورَاء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى- وزاد مسلم في روايته- شكرًا لله تعالى فنحن نصومه”. وللبخاري في رواية أبي بشر: “ونحن نصومه تعظيمًا له”. قال: “فأنا أحق بموسى منكم. فصامه وأمر بصيامه”. وفي رواية لمسلم: “هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه، وغرَّق فرعون وقومه”.
ويرى المسلمون أن في هذه النفحة الربانية تحقيق سنة الله وإنجاز وعده بنصر المؤمنين على الطغاة، وأن الله لا يتخلى عن عباده ولا يتركهم لقمة سائغة للظالمين، إنما لا بد من يوم- قد يراه البعض بعيدًا وما هو ببعيد- يفرح فيه المؤمنون بنصر الله، ويروا بأنفسهم زهوق الباطل واندحاره، وأنه ما كان في يوم من الأيام سوى زبد قد ذهب جفاء، وأن الله كما أهلك فرعون في الغابر سيهلك كل فرعون مثله وفي كل وقت، وكما نجى الله داعيته موسى- عليه السلام- ومن آمن معه سينجي كل مؤمن {وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء: 88].
يوم عاشوراء.. فوائد تربوية للأطفال
والفوائد التربوية من يوم عاشوراء عديدة، تدور حول الصبر، والوعي بما يدور في المجتمع، ومصير الطغاة، ووجوب طاعة الله- عز وجل- ونبيّه- صلى الله عليه وسلم-، وكذلك حقيقة الصراع بين الحق والباطل، والثقة في موعود الله بنصر المؤمنين على الطغاة، وغير ذلك من فوائد على النحو التالي:
- الصيام: تدريب الأطفال في هذا اليوم على الصيام وإعطائهم اللعب واصطحابهم إلى المسجد؛ ليبتعدوا عن الطعام ويُصبّروا أنفسهم حتى نهاية اليوم، مثلما كان يفعل الصحابة رضوان الله عليهم مع أطفالهم.
- قبول الحق والخير أينما وُجد: وهو درس نتعلمه من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حينما قدم المدينة ولاحظ ظاهرة موجودة وهي أن اليهود يصومون عاشوراء، فلم يعش بمعزل عن الواقع بل راح يسأل عن سبب ذلك، ولما علم أنها تصلح لنا كمسلمين أخذ بها ولكن أضفى عليها ثوب الإسلام، ولهذا كان يقول- صلى الله عليه وسلم- : “الحكمة ضالة المؤمن…” (الترمذي).
- عداء اليهود: ونُعلّم أبناءنا أن اليهود أعداء الإسلام وليس لهم الحق في الاحتفال بعيد النصر على الطغيان، بل هو من حق المسلمين، لأن اليهود انضموا إلى قافلة الطغيان والظلم والتجبر، بل أصبحوا هم قادته في الأرض.
- التمتع بجو أسري: ويتحقق ذلك من دراسة قصة سيدنا موسى- عليه السلام- ويا حبذا لو توفر عرض مرئي ليكون أكثر قبولاً وإمتاعًا للصغار، ثم بعد الحكاية أو المشاهدة نربط دروس القصة بواقع المسلمين اليوم، ونخرج من خلالها بواجبات عملية تلتزم بها الأسرة في واقعها، ومن الممكن تشجيع الأطفال على رسم لوحات تصويرية توضح مشاهد القصة لتعميق الجانب الوجداني في نفوسهم، كما يمكن أن يحكي كل طفل موقف من القصة، لتشجيعهم على التحدث وتنمية ملكة الخطابة.
- تعليم الصغار حقيقة الصراع بين الحق والباطل: وهو يتمثل في فرعون الظالم الذي كان يذبح الأطفال الصغار حديثي الولادة؛ لأنه يحب ألا يكبر هؤلاء الصغار، ويكونوا صالحين محاربين للظلمة أمثاله.
- الثقة والطمأنينة في طاعة الله: وهو ما أكده الله تعالى لأم سيدنا موسى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: 7]؛ فالأم التي تخاف على ابنها تأخذه في حضنها، ولكن الأم التي معها عناية الله وتستجيب لكلامه يحفظ الله ابنها حتى لو ألقت به في البحر استجابةً لأوامر الله.
- الإيجابية والوعي: وهو ظاهر في سلوك أخت سيدنا موسى التي أمرتها أمها أن تذهب لتتابع ماذا حدث لأخيها: {وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُون * وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} [القصص: 11، 12]. ونعلمهم أيضًا من هذا الموقف الوعي السلوكي والذكاء في التصرف والحكمة وحسن التدبير.
- استشعار معية الله في كل وقت: وبخاصة عند الخطر، وأن من كان الله معه كان معه كل شيء: وذلك من خلال توضيح المشهد الأخير في الصراع، وأن سيدنا موسى حينما خرج طائعًا لله ومعه أتباعه وخرج فرعون بقوة كبيرة ضخمة لا يستطيع أحد الوقوف في وجهها، لم ييئس بل استعان بالله.
- الباطل مهزوم لا محالة: حتى لو أخّر الله النصر فإن ذلك ليأخذ المسلمون بأسباب القوة ويعودوا إلى الله: {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} [محمد: 7].
- الله- عز وجل- يرعى عباده الصالحين: وهو ما تحقق مع سيدنا موسى- عليه السلام- في جميع مراحل عمره، فقد نجاه الله من القتل حينما كان فرعون يذبح كل الأطفال، وسخَّر الله له فرعون ليخدمه ويربيه، وحينما قتل سيدنا موسى رجلاً من آل فرعون سخَّر الله تعالى لسيدنا موسى رجلاً ينصحه بالخروج؛ وحينما خرج وفَّقه الله للذهاب إلى مدين ليقابل نبي الله شعيب، وليتزوّج من ابنته، وهكذا رعاية الله مع عباده الصالحين في كل حين.
- صد هجمة الباطل: ويتحقق ذلك برفض الظلم ومقاومة الطغيان وعدم الاستكانة للباطل: فأتباع سيدنا موسى لم يرضوا بسيطرة فرعون ولا بحكم الضلال، بل خرجوا خلف رسولهم لإقامة دولة للإسلام يستطيعون عبادة الله فيها.
- المشاركة والشورى: ففرعون هذا الذي أهلكه الله تعالى كان طاغيًا لا يسمح لأحد بمشاركته في الرأي، وكان يقول: {مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى} [غافر: 29]. وهذه فرصة أن نعلم أبناءنا الشورى، وأن نمارسها معهم عمليًّا في المنزل، وفي إدارتنا لشئون الحياة.
المصادر والمراجع:
- قصتا عاشوراء.
- علي بن نايف الشحود: المفصل في عوامل النصر والهزيمة، 1/918.
- حكمة صيام يوم عاشوراء.
- يوم عاشوراء يعلمني الثقة في الله والتوكل عليه.
- الذهبي، تلخيص العلل المتناهية، ص 38.