السؤال
لدي ابن مراهق عمره 15 سنة، أشعر أنه فارغ؛ رأسه فارغ! يريد أن يرتدي ملابس ممزقة، ويضع في يده حظاظة، ويطيل شعره. أشياء من التي يراها الواحد فيدعو: “يا رب، لا أرَ ابني هكذا يومًا ما”.
أحاول تقويمه قدر المستطاع ولا أوافق على ما يفعل.
حتى في حفظ القرآن أحتاج إلى مجهود كبير معه، ولا أستسلم.
الفتن كثيرة، ولا أجد سبيلًا غير الدعاء ليلًا ونهارًا.
أتمنى أن يكون إنسانًا ذا هدف، وواثقًا من نفسه، ويملأ وقته بأشياء مفيدة.
كيف نتعامل مع هذا السن ونجعلهم يعودون لدينهم والأشياء التي ربانا عليها أهلنا؟
الرد
أهلًا بكِ ضيفة كريمة على موقع المنتدى الإسلامي العالمي للتربية، وصفحاته بمختلف وسائل التواصل الاجتماعي.
نتفهم استياءك من مظهر ولدك، وكذلك استياء معظم شباب هذا الجيل إلا من رحم ربي.
سنتطرق إلى الأحكام الشرعية المتعلقة بلبس ما يُعرف بالحظاظة وتربية الشعر ولبس الملابس الممزقة. لكن قبل ذلك نود التأكيد على أكثر من معنى مهم:
• ما يحزنك من ولدك أمر محزن بحق، ولكن لا تركزي وتختصري علاقتك وحوارك معه في التعليق الدائم على مظهره.
• كما يجب أن يصل إلى أبنائنا شعور القبول في كل أحوالهم. القبول لا يعني الموافقة، بل يعني شعور الابن بالأمان والتواصل الرحيم حتى وإن كان في أسوأ أحواله، وخير لكِ ولولدكِ ألف مرة أن يظهر هكذا أمامكم بدلاً من أن يتظاهر بمظهر معين ثم يفعل ما بدا له من ورائكم.
• كما نؤكد على أنه يجب أن يكون تركيزنا على إصلاح أبنائنا من أجل مرضاة الله وعملاً بمسؤولياتنا الشرعية تجاههم، وليس لتجنب كلام الناس، فالناس لا يعنوننا بأي شكل في رحلة التربية.
• أخيرًا يجب أن نُنبه إلى فكرة الأولويات في التربية، فلا نضيع مجهوداتنا ونستنفد طاقاتنا في إصلاح مظهره ثم لا نجد طاقة لمتابعة صلاته وعلاقته بربه. وحسنًا أنكِ لا تستسلمين لتراخيه في حفظ القرآن، وتحاولين المرة تلو الأخرى.
وبالرجوع إلى مسألة لبسه الحظاظة، نركز على دورنا في أن تكون النصيحة (بالحسنى) ونتفق مع أبنائنا أن الحكم في هذه الأمور للشرع لا للأهواء. فما الذي يقوله الشرع في ذلك؟
قال رسول الله ﷺ: “لعنَ رسولُ الله ﷺ المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال” (رواه البخاري).
ولكي يفهم أبناؤنا ما نقول، علينا أن نتواصل معهم بحب وبود، وأن نسمح لهم بالمجادلة وسماع أسئلتهم حتى تهدأ نفوسهم وتقر أعينهم. ولا نملك أن نجبرهم على أمر معين، إن علينا إلا البلاغ، والدعاء كما تفضلتِ، ففيه المعجزات.
إن أمر التأسي بالحبيب يجب أن يكون في الظاهر والباطن، فلا خير فينا إن ركزنا فقط على إنكار هيئتهم ولم نعطِ أمر أخلاقهم وحسن معاملتهم وعبادتهم نفس الأهمية، بل أكثر.
والتركيز على صلاح دينهم كافٍ ليصلح مظهرهم تلقائيًا، خصوصًا إذا بينّا مخالفة هذا الأمر لما شرع الله.
وفي نفس السياق تستطيعين إخبار ولدكِ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان له خاتم، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لَبِسَ خاتَمَ فِضَّةٍ في يَمينِهِ فِيهِ فَصٌّ حَبَشِيٌّ، كانَ يَجْعَلُ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ” (رواه مسلم).
وفيما يتعلق بعنايته الزائدة بشعره، تابعي اهتمامه بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من كان له شعر فليكرمه”. فكأنكِ تؤصلين أفعاله بما كان يفعل الحبيب، حتى وإن بدا مبالغة، وحتى وإن لم تكن هذه نيته، فمع الوقت ومن كثرة التركيز على ما كان يفعله الحبيب ستصل إليه الرسالة، وإن تأخرت، بأن الحكم في كل أمورنا يكون على أساس ما أمر به الشرع أو ما نهانا عنه.
كذلك لبس الملابس الممزقة، فهذا مما عمت به البلوى. فارفضي ما أظهر العورة ووضحي له السبب، وذكريه بأن الصلاة لا تجوز بهذه الملابس الكاشفة للعورة، أفنضيع الصلاة حتى نقلد الآخرين؟!
قد يكون احتياج أبنائنا في هذه المرحلة، بعد استيعابهم وتوجيههم بالحسنى والدعاء لهم، هو الحرص أشد الحرص على أن تكون بيئاتهم وعلاقاتهم وصحبتهم ممن يشبهوننا. فهذا هو الجهد الحقيقي المطلوب منا كأهل؛ أن نضع أبناءنا في وسط نرضى عن نتائجه. فالتربية عبارة عن مجموعة من المدخلات تؤدي إلى مجموعة من المخرجات، وذلك بعد توفيق الله. فمهما بَعُد الابن، وهو محاط بصحبة صالحة وأجواء طيبة، فلا بد له من عودة.
• الحرص على صلاة الجمعة مع أبيه.
• الاستمرار في حلقة حفظ القرآن حتى وإن لم يحفظ.
• انتهاز أي فرص للقاء الأسر التي تشبهنا في التربية.
• الحوار الدائم غير المهاجم لأفكارهم، غير الملول لتكرار حواراتهم، فهذه مدخلات تؤدي إلى نتائج طيبة ولو بعد حين، ولو أطال الولد شعره وقطع ثيابه وارتدى ما ارتدى، يوما ما بإذن الله سيعود.
فلنكن على يقين بأن الله سبحانه هو من يصنع أبناءنا على عينه، وأننا مجرد أسباب في حياتهم، فلنحسن رعايتنا لهم، ومن حسن الرعاية أن نتعهدهم بالدعاء كما تفضلتِ، ونتعهدهم بالسؤال وهم في أشد أحوالهم سوءًا، وليس في حال صلاحهم فقط.