“يا أبتِ!”.. رسالة ابن لأبيه
لما علمتُ يا أبتِ
(أنَّ كُلَّ مولودٍ يُولدُ على الفطرةْ، فأبواه يُهودانِهِ أو يُنصرانهِ أو يُمجسانهْ)
أدركتُ أنّ رباطي بكَ أوثقُ مما أظنْ
فأنا لستُ مجردَ نطفةٍ من صُلبكَ انفصلتُ عنكْ
ولا أنا ضيفٌ ثقيلٌ على بيتِكْ
ولا شخصٌ يهدرُ أموالَكْ
أنا .. أكثرُ من ذلكَ بكثيرْ
فمآلي قد يكونُ معلقًا برقبتِكْ
وخِياراتُ حياتي هي انعكاسٌ لطريقتكْ
وطريقي الذي اخترتُ السيرَ فيهْ
هو ما عرّفتني أنت به أو ألجأتني إليهْ
أنتَ يا أبتِ نافذتي وعيني التي أُبصر بها الحياةْ
أماني وسندي وأخلصُ صديقٍ لي
أنتَ أوّلُ يدٍ تغرسُ وتحرثُ فيّ
نجاحُك في عملكَ يُسعدني
وسعيُك على رزقِنا أُقدِّرهُ
وانشغالُكَ بالغيرِ يعلمني
لكنْ.. هلا انشغلتَ بي أيضًا قليلًا
أعلمُ أنَّ آمالَك لي كبيرةٌ .. وأمنياتُكَ لي كثيرةْ
لكن كيفَ لأمانِيِّكَ أن تَرى النورَ وأنتَ مشغولٌ عني
اعطني من وقتِك وأنا بحاجتِكْ
وأعدُكْ.. أنْ أهبَ لك وقتي وأنتَ بحاجتي
هلا تجنبتَ القسوةَ في معاملتي
فعانقْتني ورَبَتَّ على كتفي
أتعلمْ؟ .. أنا يمكنني أن أستقيمَ وأنصلحَ بالرفقِ يا أبتِ
أرجوكْ .. لا تُغذي الخوفَ بيننا
لا ترفعْ يدَكَ إلا لتنزلَ عليَّ بالخيرْ
ولا يعلُو صوتُك إلا ضاحكًا معي
لا تحركْ لسانَك إلا بالنصحِ لي ومسامرتي
فأنتَ تحبُّ أن ألجأ إليكَ أولًا حين تَعثُّري
لكنْ .. ماذا إن منعني الخوفُ يا أبتِ؟!
كلما أمَّنتني .. وسمعتني .. وفهمتني
تجاوزتُ عثراتي سريعًا فنهضْتُ متعلمًا
وسَرّك حالي
لا تنسَ يا أبتِ .. أنا أَرْقبُك دومًا
تُعلمني بفِعالِكَ أكثرَ مما تُعلمُني بكلامِكْ
أنا لستُ أرقبُكَ فقطْ .. بل أنا أقلدُكْ
(يقرأ هذا الجزء بصوت مختلف يفضل بنت صغيرة)
يا أبتِ!
لمَّا سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولْ
(كُلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته)
علِمتُ .. أنكَ لن تُضيعني
فأنتَ وقَّافٌ عند حدودِ اللهِ ورسولِهْ
أتوقُ لنبني معًا ذكرياتٍ حلوةً كثيرةْ
دعنا نلعبُ سويًا ونجتمعُ وقتَ الطعامْ
فأنا .. سأرحلُ عن بيتِنا يومًا
لكنني سأصطحبُك دومًا
سأظلُّ أذكرُ لحظةَ دخولِكَ بابَ بيتنا
هذي الحلوى والفاكهةُ تحملُها لنا
سأصحبُ ذكرياتِنا وتجاربَنا معًا
وكلماتِك الملهمةَ لي
وسأعلقُ في ناصيتي
صورةَ وجهِكَ الباسمِ والضاحكِ معي
يا أبتِ .. حافظْ على صحتِك لأجلي
وعِشْ مُحبًا لأمي
فأنا أحبُّ أن أراكما معًا سعيدين
تملآن علينا البيتَ دِفئًا وراحةْ
إن كنتَ مسئولًا عنا
فلن تغيبَ عنا مختارًا
لن تتركني لأرتمي بأحضانِ رفاقِ السوءْ
تتبعثرُ نفسي بغيابِكْ وتتبدلُ أخلاقي
تسوءُ دراستي .. وتضطربُ أحوالي
بل .. ستكونُ دومًا حاضرًا
تبني الثقةَ التي بيننا
تفي بالوعدِ الذي تقطعُه لنا
لن تهدمَني بالكلماتْ
ولن تطيلَ عليَّ إلقاءَ المحاضراتْ
ستنصحُني كما تروي بعضَ النباتاتِ
ببضعِ قطراتْ .. فغمرُها يقودُها إلى المماتْ
كلُّ ما يَهُمني أجدُكَ فيه مشاركًا
تُنصتُ لكلِّ تفاهاتي ولا تكونُ محقرًا
فأنتَ – يا أبتِ – محبٌ .. شفيقٌ حنونْ
تدعو لي دائمًا بالخير وتُلحُّ على الله
كما أنني لا أنساكَ وأمي أبدًا في دعائي:
(رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)