من القواعد الأساسية التي يجب أن تكون حاضرة في ذهن كل من يتصدى لمهمة التربية الإسلامية أن الإِسلام دين تجمع وألفة، وأن نزعة التعرف إِلى الناس والاختلاط بهم أصيلة في تعاليمه وأنه لم يقم على الاستيحاش ولا دعا أبناءه إِلى العزلة والفرار من تكاليف الحياة، ولا رسم رسالة المسلم في الأرض على أنها انقطاع في دير أو عبادة في صومعة .. كلا كلا، فإِن الدرجات العالية لم يعدها الله عز وجل لأمثال أولئك المنكمشين الضعاف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم)) رواه الترمذي.
المقصود بمفهوم يألف ويؤلف
يألف ويؤلف: في اللغة العربية ألف فلاناً إِلفا: أنس به وأحبه. وألّف بينهم: جمع، ائتلف الناس: اجتمعوا وتوافقوا. وتألف فلاناً: استماله، الألفة: الاجتماع والالتئام.
والألفة في الأخلاق: وشيجة بين شخصين أو أكثر يحدثها تجاذب الميول النفسية كصلة الصداقة ولحمة القرابة. والأليف: من يألف الناس (المعجم الوجيز).
مشروعية الألفة
يقول الله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) ﴾ [ الأنفال: 62 – 63 ].
وعن الألفة في هذه الآية يقول الأستاذ سيد قطب: ((ولقد وقعت المعجزة التي لا يقدر عليها إِلا الله والتي لا تصنعها إِلا هذه العقيدة، فاستحالت هذه القلوب النافرة وهذه الطباع الشَّموس إِلى هذه الكتلة المتراحمة المتآخية الذلول بعضها لبعض، المحب بعضها لبعض، المتآلف بعضها مع بعض..
إِن هذه العقيدة عجيبة فعلاً إِنها حين تخالط القلوب تستحيل إِلى مزاج من الحب والألفة ومودات القلوب التي تلين جاسيها وترقق حواشيها وتندى جفافها ويربط بينها برباط وثيق عميق رفيق، فإِذا نظرة العين ولمسة اليد ونطق الجارحة وخفقة القلب ترانيم من التعارف والتعاطف والولاء والتناصر والسماحة والهوادة لا يعرف سرها إِلا من ألّف بين هذه القلوب ولا تعرف مذاقها إِلا هذه القلوب…
يقول صلى الله عليه وسلم ((إِن المسلم إِذا لقي أخاه المسلم فأخذ بيده تحاتت عنهما ذنوبهما كما يتحات الورق عن الشجرة اليابسة في يوم ريح عاصفة وإِلا غفر لهما ذنوبهما ولو كانت مثل زبد البحر)) (رواه الطبراني) (في ظلال القرآن 1548 – 1549).
أهمية التخلق بهذا الخلق
والألفة ثمرة حسن الخلق والتفرق ثمرة سوء الخلق، فحسن الخلق يوجب التحاب والتآلف وسوء الخلق يثمر التباغض والتحاسد والتدابر..
وقال صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن إِلف مألوف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف)) (رواه أحمد والطبراني والحاكم) (إِحياء علوم الدين ج2 / 123- 144).
أمر العزلة والاختلاط وما يتبعه من إِنشاء الصلات وتكوين الصداقات يخضع لأحكام شتى. فكل اعتزال عن الأمة يفوت جهاد الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر أو بضعف من جانب الدفاع عن الإِسلام أمام خصومه فهو جريمة ولا يقبل من صاحبه عذر. والناس بعدئذ طبائع؛ منهم الذي يهرع إِلى الحافلة وسرعان ما يتصل بهذا وذلك ويستأنس بتصفح الوجوه ومحادثة القريب والبعيد، ومنهم من تزج به في الأحفال المائجة فإِذا هو يقيم حول نفسه سوراً يطل منه على الناس بحذر ويتوارى خلفه إِن قصده قاصد.
وكلتا الطبيعتين هداها الإِسلام نهجها السوي فيقال للأول: ((خالط الناس ودينك لا تكلَمنّه)) ويقال للآخر: ((المؤمن هَينٌ ليَنٌ إِلفٌ مألوف)).
إِن الطبع يسرق من الطبع وما أسرع أن يسير الإِنسان في الاتجاه الذي يهواه صاحبه.
وللعدوى قانونها الذي يسري في الأخلاق كما يسري في الأجسام. بل إِن الروح الذي يسود المجلس قد يكون مصدره من شخص قوي يغمر من حوله بفيض ما يتفجر من باطنه.
الأسباب التي تؤدي إِلى حدوث الألفة
وتقديراً لهذه الآثار وحماية للخلق الحسن والعادات الكريمة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخير الجليس فقال: ((مثل الجليس الصالح كمثل صاحب المسك إِن لم يصبك منه شيء أصابك من ريحه، ومثل الجليس السوء كمثل صاحب الكير إِن لم يصبك منه سواده أصابك من دخانه)) رواه أبو داود (خلق المسلم الشيخ محمد الغزالي).
ومن أسباب حدوث الألفة أن تؤدي حق أخيك عليك:
- أن تكره مضرته وأن تبادر إِلى دفعها ((مثل المسلمين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إِذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى)) رواه البخاري. والتألم الحق هو الذي يدفعك دفعاً إِلى كشف ضوائق إِخوانك فلا تهدأ حتى تزول غمتها وتدبر ظلمتها فإِذا نجحت في ذلك استنار وجهك واستراح ضميرك.
- ومن علائم الكريمة أن تحب النفع لأخيك وأن تهش لوصوله إِليه كما تبتهج بالنفع يصل إِليك أنت.
- ومن حق المسلم أن يشعر بأن إِخوانه ظهير له في السراء والضراء كما قال صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً)) رواه البخاري. فلا يجوز ترك مسلم يكافح وحده في معترك بل لابد من الوقوف بجانبه على أي حال لإِرشاده إِن ضل، وزجره إِن تطاول، والدفاع عنه إِن هوجم، والقتال معه إِذا استبيح، فإِذا رأيت أن إِساءة نزلت بأخيك أو مهانة وقعت عليه فأره من نفسك الاستعداد لمظاهرته والسير معه حتى ينال بك الحق ويرد الظلم، وهذا الواجب يزداد تأكيداً إِذا كنت ذا جاه في المجتمع أو صاحب منصب تحفه الرغبة والرهبة؛ فإن للجاه زكاة تؤتى كما تؤتى زكاة المال، فإِذا رزقك الله سيادةً في الأرض أو تمكيناً بين الناس فليس ذلك لتنتفخ بعد انكماش أو تزدهي بعد تواضع، إِنما يسر الله لك ذلك ليربط بعنقك حاجات لا تقضى إِلا عن طريقك فإِن أنت سهلتها قمت بالحق المفروض وأحرزت الثواب الموعود، و إِلا فقد جحدت النعمة وعرضتها للزوال، روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إِن لله عند أقوام نعماً أقرها عندهم ما كانوا في حوائج المسلمين ما لم يملوهم فإِذا ملوهم نقلها إِلى غيرهم)) رواه الطبراني.
- ومن أسباب تأليف الداعي إِلى الله الناس: يقول الأستاذ البهي الخولي: (إِذا أحس الداعية أن له حاجة لدى الجمهور يرجو قضاءها فيتلطف في الحصول عليها فهو داعية حقاً، وإِذا لم يشعر هذا الشعور فهو مغلق لا يصلح لهذا الأمر الخطير). ليس للجمهور حاجة إِليك فيتودد لقضائها منك، أما أنت فصاحب الحاجة فانظر كيف تقبل عليه وتقضيها منه فهل هناك غير الحديث الرقيق والكلام اللين؟).
يقول الأستاذ البهي: ونوصي هنا بثلاث خصال:
الأولى:
أن يترك كل رغبة في الغلبة والانتصار على مناظره بل عليه إِذا أحس أن الحديث سيتحول إِلى مناظرة جدلية أن يكف عن الشعور بحب الغلبة والقهر، حذار أن تحمل سلاحاً غير القول اللين والكلام الهادئ والنفس الراضية الوديعة فإِنه سلاح يغلب الأقوياء ويستنـزل إِليك من اعتصم بذروة الشمم والإِباء.
الثانية:
أن يترك تحدي الناس بما لدعوته من فضل وما لمبادئها من سمو، ويترك تحديهم بما لرجالهم من صلاح وجهاد وفضائل، ويترك تحديهم بما تزمع الدعوة أن تفعله غداة انتصارها، ليترك التحدي في جميع صوره وليذكر دائماً أنه صاحب حاجه يرجو قضاءها فهل يقضيها بالتحدي؟ أنت صائد والصيد أمامك تريد أن تقتنصه فهل تثيره وتهيجه حتى يفر منك فلا تدركه؟ أو يكون لك شأن آخر؟ أره من نفسك الود والتقدير لشخصه ورأيه وأشعره بحركاتك الرزينة وإِشاراتك الهادئة وأنك في حالة طبيعية بسيطة وأنك خالي الذهن من تحديه إِياك أو تحديك إِياه.
الثالثة:
أن يترك التعالم والتفاصح على الناس فإِن الناس يكرهون من يتحدث عن نفسه أو يتظاهر بالامتياز عنهم بشيء. عليه بالتواضع ونسيان علمه وفصاحته وأن يتحدث إِليهم في فصاحة لا كلفة فيها ولا فوارق فإِنه لا يلبث أن يمتزج بهم ويمتزجوا به والويل لمن يشعر بنفسه ويحس بمواهبه!
قد لا يثور به الناس وقد لا يؤذيه أحد ولكنه لن يقترب منهم ولن ينجح في مهمته.
نقول هذا ليغسل كل منا نفسه ويطهرها من هذا الرجس وليكون دستوراً عملياً لنا في خطاب الناس. فإِذا خاطب أحدنا غيره خاطبه على أنه مثله ونظيره وأن ما لديه من علم فالفضل فيه لله لا لأحد، فلنُقبل على الناس بفضل الله لا بفضل نفوسنا يفتح الله لنا ما شاء من القلوب والعقول والله ذو الفضل العظيم. (تذكرة الدعاة الأستاذ البهي الخولي).
واجبات عملية للمتربي:
1- أن يتعرف على رواد المسجد الذي يصلي فيه.
2- أن يتزاور مع معارفه ويرتب زيارات دورية معهم.
3- أن يقدم الهدايا إِليهم وخاصة في المناسبات.
4- أن يقيم مأدبة طعام ويدعو إِليها، مثل: إِفطارات رمضان.
5- أن يعتذر فور وقوع خطأ منه.
6- أن يلقي السلام أثناء سيره في الشوارع وخاصة في التجمعات من أهل حيّهِ.
7- أن يبادر إِلى تلبية حاجات المعوزين ويجعل لهم نصيباً في أعمال البر.
8- أن يشارك في الخدمات العامة من نظافة وتجميل لمنطقته السكني.
9- أن يشارك في أعمال جمع وتوزيع الزكاة.
10- أن يقيم الرحلات العائلية للأقارب والمعارف.