يُعاني العديد من الآباء من الطفل المشاغب داخل الأسرة وخارجها، وهي صفة طبيعية لدى الصغار الذين يرغبون دائمًا في اكتشاف العالم المحيط بهم، ويسعون إلى جمع المعلومات بشتّى الوسائل، لأنّ عقولهم ما زالت تتطور وتتشكل وَفق معطيات الحياة والبيئة التي يعيشون فيها.
وقد يُظهر الطفل بعض التّصرفات الغاضبة، التي تعد مؤشرًّا للوالدين لمعرفة كل ما يخص طفلهم، وربما يكون الغضب على هيئة أفعال، أو أقوال وصراخ حاد، أو قد يكون مزيجًا بينهما، ومع ذلك يجب أن يعلم الوالدين أن تربية هذا الطفل لا ينبغي أبدًا أن تكون بالضرب أو العقاب المؤذي.
مفهوم الطفل المشاغب وصفاته
الطفل المشاغب هو الطفل العنيد، والمتمرد والعدواني نحو الآخرين، وهو الذي لا يصبر على شيء، وقد يكون مستهترًا وغير مبالٍ، ولا يرد بذوق على الأسئلة، ويحوز أفكارًا أو عادات لا تتناسب مع القيم والمعتقدات الموجودة في البيئة، وربما تعلمها من الشارع أو رفاق سوء في المدرسة أو بعض الأقارب، وهو شديد الانفعال والعصبية، حتى في أبسط المواقف وردود فعله لا تناسب عمره.
ويقول الدكتور فرانك ترايبر من الكلية الطبية بجورجيا: إنّ الأطفال المشاغبين قد يُدمّرون أنفسهم إذا لم تُقدّم لهم المساعدات منذ صغرهم، وإن الطفل منهم لا يعرف كيف يُوجّه طاقته هذه للوصول إلى هدف مفيد، بل لوحظ أنه يستخدم طاقته في عراك أو لعب عدواني مع إخوته وأصدقائه، وربما والديه أيضًا(1).
والوالدان أفضل مَن يستطيع الكشف عن سلوكيات وتصرفات أطفالهما، وهو ما يوقع على عاتقهما متابعة ذلك وعلاجه، وقد تظهر علامات للطّفل المشاغب مثل:
- سرعة الغضب: فهو يتصف بسرعة ردود الفعل مثل الاعتداء على مَن يضايقه دون تردد أو تفكير، أو محاولة الصفح مثلًا.
- اللامبالاة: حيث يتصف بالاستهتار وعدم المبالاة بالأشياء أو ما ارتكب من خطأ أو ضرر للغير.
- سوء الخلق: فقد يرد على الكبار بأسلوب سيء أو بطريقة فيها سوء أدب ولا تتسم بالذوق وحسن الرد.
- شدة الانفعال والعصبية: ويكون ذلك في أبسط المواقف، وردود فعله لا تناسب عمره.
- تصدر منه تصرفات قد لا تكون مناسبة لمعتقداته أو بيئته وقد يكون تعلمها سواء من التلفاز أو الجلوس على الموبايلات ومتابعة بعض التطبيقات الضارة، وغيره(2).
- ومن الأعراض الجسدية عند الأطفال المشاغبين، البكاء، وتشنج الجسم، والركل بالقدمين، وحبس الأنفاس، والتململ المستمر والشكوى، والقيام بضرب شخص ما أو قرصه، وتقويس الظهر، والوقوع أو الاستلقاء على الأرض، والبدء بتكسير بعض الأشياء الموجودة في محيط الطفل (3).
أسباب الشغب عند الأطفال
ودائمًا ما يثير الطفل المشاغب الفوضى والشغب، وغالبًا ما يبدو سلوكه ملحوظًا بين بقية الأطفال، إذ يُلاحَظ إنهم يغضبون ويخلقون المشكلات، لعدة أسباب، منها:
- البيئة: فمن المتفق عليه أنّ أي تصرف سلبي يصدر عن الأطفال يكون بسبب البيئة التي يعيشون فيها، كونها ردة فعل لِمَا يراه ويتربى عليه في البيئة المحيطة به.
- لفت الأنظار إليه: قد يَقدم الطّفل على إثارة الشغب والفوضى في البيت أو حوله من أجل لفت الأنظار إليه وعدم الشعور بالإهمال سواء من والديه أو إخوته أو غيرهم.
- الشعور بالجوع أو التعب أو النعاس: وهذه قد تكون من أهم أسباب سلوك المشاغبة لديه، فيلجأ إليها ليعبّر عن حاجته لهذه الأشياء.
- طاقة كبيرة في داخل الطفل لا يستطيع التحكم فيها أو السيطرة عليها؛ فيرفض الانصياع لأوامر أهله عندما يطلبون منه الالتزام بالهدوء.
- فقدان الطفل القدرة على التعبير عن مشاعره فيلجأ للأفعال المشاغبة لتفريغ مشاعره وللتعبير عمّا يريده.
- أنانية الطفل وحبّه التملك، فهو لا يطيق أن يرى أمه تنشغل بغيره، وعلى الأم أن تكون حازمة في هذا الأمر، وعلى الوالدين التعامل بِحنكة.
- عمل الوالد والوالدة: قد يفتقد الطفل الأب أو الأم بسبب عملهما وانشغالهما معظم الوقت عنه وفقدانه الشعور العاطفي، فيُعبّر عن غضبه بإهمالها له عن طريق الغضب والشغب.
- شعور الطفل بالإحباط بسبب عجزه عن التعبير بشكل واضح عن رغباته واحتياجاته، سيّما أن قدرة الطفل على التعبير عن طريق الكلمات قد تكون محدودة في سنوات عُمره الأولى.
- وضع الكثير من القيود على تصرفات الطفل، أو على العكس من ذلك منح الطفل الحرية الكاملة.
- حاجة الطفل للتعبير عن استقلاليته، ورغبته في التصرف بحرية.
- عجز الطفل عن فهم أو استيعاب أمر طُلب منه القيام به(3).
كيفية التعامل مع الطفل المشاغب
عادة ما تكون أفضل طريقة للرد على الطفل المشاغب الذي يظهر غضبه، هو الاحتفاظ بالهدوء، فإذا كانت استجابة الأم بالصوت المرتفع وثورات الغضب، فقد يحاكي الطفل تصرفها، كما أنه من المرجح أن يؤدي الصياح في الطفل كي يهدأ إلى جعل الأمور تسوء أكثر.
ومن الأفضل تعلم بعض الوسائل التربوية للتعامل مع الطفل المشاغب حتى يتعدل سلوكه وتتزن تصرفاته، ومن هذه الوسائل:
- حسن الاستعانة والتوكل على الله- سبحانه وتعالى- والدعاء للطفل بالهداية وحُسن الخُلُق وتزكية النفس والقلب.
- على الوالدين الاستعاذة من الشيطان الرجيم بصورة مستمرة وهم يشاهدون مِن الطفل ما يثير فيهما الغضب، سواء كسّر أشياء في البيت، أم ضرب أخته أو أخيه الصغير، أو غير ذلك من أفعال مستفزة.
- أن يكون الوالدان قدوة للطفل وألا يغضبا بمرأى الطفل لأنه ربما يُقلّد الوالدين أو أحدهما.
- تربية الطفل على السلوك الإسلامي بعدم الغضب مع إرشاده إلى الوضوء عندما يغضب والجلوس إن كان واقفًا والاضطجاع إن كان جالسًا (أي التغيير من وضعية الجسم) كما وصانا النبي- صلى الله عليه وسلم-.
- تحديد أسباب الغضب، مع المحافظة على الوضوح والموازنة في أسلوب التأديب مع الأطفال؛ لأن العشوائية في التعامل ستربكهم وتزيد من التّمرد.
- عدم التدخل في كل صغيرة وكبيرة في حياة الطفل، فمثلًا: عندما يتشاجر الطفل مع طفل آخر لا يتدخل الوالدان إلا عندما يكون فيه ضرر على الطفلين أو أحدهما.
- تجنب مناقشة مشكلات الطفل على مسمع منه أمام الآخرين، بل احتواءه عاطفيًّا ومكافأته على التّصرف الحسن، مع إشباع حاجاته النّفسية وعدم إهماله أو تفضيل أحد إخوته عليه.
- البعد عن إثارة الطّفل بهدف الضّحك عليه أو احتقاره والحط من قيمته.
- على الوالدين عدم الإكثار عليه من الأوامر والتعليمات التي قد ترهقه أو تشتته، وعدم تكليفه بأعمال تفوق طاقته.
- إعطاء الطّفل الذي يثير الشغب المزيد من التفسيرات التي توضح له الصواب من الخطأ، وبدلًا من مهاجمته لقيامه بسلوك سيئ، نشرح له بهدوء أضرار ما قام به.
- اختيار أسلوب العقاب للطّفل المُشاغب، فكل طفل له ما يُؤثر فيه ويجعله يُغيّر من سلوكه، مع منح الطفل مكافأة إذا أحسن.
- يجب عدم استخدام أسلوب التخويف بالخرافات والأساطير، فهذا الأسلوب ينعكس بشكل كبير على نفسية الطفل، وكذلك يفقد ثقته بوالديه إذا أخطأ ولم يحصل ما كانوا يتوعدونه به.
- وضع سبورة في متناول الطفل، حيث يحق له أن يكتب ما يشاء وأن يرسم كل ما يجول بخاطره؛ لتفريغ طاقته.
- يُمكننا قراءة بعض القصص التي بها حالات لأطفال غير أسوياء، على سبيل المثال، دون أن نقول له “هذا الطفل مثلك”، لكن مع التعليق على الأحداث التي تبرزها القصة.
- العدل وعدم التفرقة في المعاملة بينه وبين باقي الأبناء، وعدم القسوة عليه، مع التغاضي عن بعض تصرفاته وإعطاء جزء من الحرية له.
- مراقبة نوع المحتوى الذي يشاهده، والحد من ممارسته ألعاب الفيديو أو مشاهدة التليفزيون.
- مساعدة الطفل على الخروج من الحالة التي وَضع نفسه بها وإبعاده عن مسببات غضبه.
- شجع طفلك وطمأنه بأنك معه دائمًا لدعمه، وأخبره بأنك تُحبّه وتفهمه، فالطفل هنا يستجيب للتقارب المادي ويجعله يشعر بالأمان والراحة(5).
إن حسن التعامل مع الطفل المشاغب هو أول أبواب تقبله وتعديل سلوكه للأفضل، ويجدر بأولياء الأمور والمربين تفهُّم تصرفاته التي تتنوع بين الصراخ وإثارة المشكلات باستمرار مع أقرانه أو أصدقائه أو جيرانه، ولأن الأطفال في سن مُبكرة يتأثرون بطريقة التعامل التي ينالونها وبالبيئة التي ينشأون فيها؛ فلا بُد من أن تكون الوسائل التربوية- التي نستخدمها في تقويم سلوكهم– ممزوجة بالإيجابية والدعم، فليس المهم أن يصمت الطفل اليوم، وينفجر غضبًا غدًا، فكل كلمة لها تأثير لدى الطفل على المدى البعيد.
المصادر والمراجع:
- تعرف على أسباب وحلول مشكلة الغضب عند الأطفال: 7 فبراير 2016.
- ميسون عبد الرحيم: طرق التعامل مع الطفل المشاغب، 30 مايو 2021، https://bit.ly/3QUW3vy
- الطفل المشاغب والام العصبية: 29 يوليو 2013، https://bit.ly/3D3TPV0
- رهام دعباس: نوبات الغضب عند الأطفال، 24 سبتمبر 2022، https://bit.ly/3GUedsJ
- طرق التعامل مع الطفل المشاغب: 17 أكتوبر 2022، https://bit.ly/3whEZ9N