ثمة عوامل مُتعدّدة قد تتشارك في تحويل البيت إلى كيان هش وضعيف مثل بيت العنكبوت، من أبرزها الفراغ العاطفي الذي يُؤثر في الأبناء وخصوصًا الفتيات اللاتي لهن طبيعة خاصة، ويحتجن إلى سماع عبارات الحنان دائمًا كونهن ضعفاء ويشعرن أكثر بالجفاء العاطفي، ما قد يدفعهن إلى البحث عن الحنان خارج نطاق الأسرة، وهو ما قد لا يُحمد عقباه.
ولا شكّ أن العاطفة تحتل مساحة واسعة في نفس الطفل الناشئ، ولها دور كبير في تكوينه وبناء شخصيته، فبالحب يعيش الطفل وينمو صحيًّا وبدنيًّا، وإذا رُوعيت هذه الناحية في مراحل نموها نشأ إنسانًا سويًّا ومتزنًا، وإن لم يحدث هذا الإشباع العاطفي يشب الطفل على ما يسمى بالحرمان العاطفي، وهو يكون لدى الفتيات أكثر تأثيرًا، حيث يُؤدي إلى الاكتئاب وربما الانحراف.
مفهوم الفراغ العاطفي
يُطلق مصطلح الفراغ العاطفي على الحالة النفسية والعاطفية التي يمر بها الشخص عندما يشعر بالفراغ والفجوة من حيث التعبير عن المشاعر والشعور بأهميته ومشاعر الآخرين تجاهه، كما يُعرف بأنه تلك الفجوة التي يشعر بها الفرد عندما لا يجد مَن يفيض عليه حنانًا ومشاعر؛ تجعله يحس بأهميته وقيمته الذاتية.
ويراه آخرون أنه حالة تُصيب الإنسان- ذكرًا أو أنثى- في كل مراحل حياته، وبخاصة في مرحلة بداية الشباب، حيث يكون أكثر حساسية؛ وهي حالة نقص واحتياج عاطفيّ، يشعر فيها الإنسان بالغربة وسط الأهل، والأصدقاء، وزملاء الجامعة، والمعارف جميعًا، وتنتابه مشاعر من الوحدة والفراغ وفقدان الرغبة بالحياة، وفرط حساسية تجاه أمور لا تستحق ذلك فعليًا، كما يشعر أنه شخص غير مهم لمن حوله(1).
أسباب الفراغ العاطفي عند الفتيات
إنّ الفتيات في حاجة إلى الحب والاهتمام من الوالدين، غير أنه في زحمة مشاغل الأسرة أو انصراف الوالد للعمل والأم بشؤونها، تشعر الفتاة بحالة من الفراغ العاطفي والاهتزاز السلوكي الذي قد يُؤثّر في شخصيتها، وهناك عدة أسباب لهذا الشعور بالفراغ، منها:
- ضعف الوازع الديني، والقصور التربوي في توجيه الفتاة.
- الفجوة العاطفية بين الوالدين والفتاة، وبخاصة في الأوقات الحرجة التي تحتاج فيها إلى الدعم المعنوي والمساندة، وللتعبير بكل حرية عمّا تريده.
- غياب الصديقات الطيبات ما يُعرض الفتاة إلى صدمات قد تؤثر فيها بشدة.
- غياب الحب من الجنس الآخر وهو أمر أجازه الشرع في نطاقه دون التعدي على ثوابت الدين.
- غياب الإرادة التي تجعل الفتاة تختار الصحبة الطيبة وتتصرف في المواقف المختلفة بكل راحة وسكينة(2).
- العادات والتقاليد التي تُسبب ضغطًا على الفتاة وعدم التساهل معها.
- عدم الاعتراف بحقوق الفتاة والعمل على إذلالها سواء من الوالدين أو إخوتها الذكور فيصبح كل شيء متاح للذكور وممنوع للإناث.
- ابتعاد الوالدين عن حياة بناتهن وعدم معرفة أسرارهن ومشاكلهن.
- التفكك الأسري الذي يُؤدي إلى انهيار الأسرة وتشريد البنات ووقوعهن فريسة لقرناء السوء.
- أثر وسائل الإعلام وما تُعرضه من مسلسلات وأفلام قد يزيد الجفاف العاطفي لدى الفتاة بصور غير طبيعية لأنها ترى مشاهد غير واقعية (3).
مظاهر الجفاف العاطفي
وفي حالة تعرّض الفتاة إلى الفراغ العاطفي داخل أسرتها أو وسط أصدقائها، فإن هناك بعض المظاهر التي يمكن من خلالها رصد هذه الحالة، أبرزها:
- الشعور بالقلق والتوتر في علاقتها بأهلها أو مع غيرها من الناس.
- العزلة والابتعاد عن الجميع وعدم الرغبة في الحديث مع الآخرين والشرود كثيرًا.
- فقدان الشغف والرغبة في الاهتمام بمظهرها الخارجي وعدم العناية بنظافتها الشخصية.
- بحث الفتاة عن مَن يشبع فراغها العاطفي بعيدًا عن أسرتها(4).
- الشعور بالملل الشديد، وعدم الرضا عن أي شيء تقوم به في الحياة والشعور باللامبالاة تجاه أي شيء.
- التعلق بصديقات تشعر معهن بالإشباع العاطفي دون النظر إلى سلوكهن أو أخلاقهن ما قد ينتج عنه الانحراف(5).
وسائل للحماية
ولأن لكل داءٍ دواء، فإنه الممكن الممكن علاج مشكلة الفراغ العاطفي لدى الفتيات داخل الأسرة، بهذه الوسائل:
- تقوية صلتهن بالله- سبحانه وتعالى- والعمل على حُسن ربطهن بدينهن والعيش في إطاره، قال تعالى:{إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}[سورة الكهف:13]، وقص علينا القرآن الكريم وصايا لقمان الإيمانية حينما قال لولده معلمًا ومربيًا: {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}[لقمان:13].
- تدريب الفتاة على عدم الاستسلام لهذا الداء، ولا بد من أن تدرك أنه ربما يكون هذا البلاء من الله ويجب عليها بمعاونة ذويها التغلب على ما ينتابها من جفاف عاطفي.
- معاونة الآباء بناتهن على شغل وقتهن بالعمل النافع المفيد وعدم تركهن للعزلة أو الانطواء ومساعدتهن على حل مشكلاتهن، لقول الله تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}[سورة المؤمنون].
- وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- “نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ” (أحمد والبخاري).
- احترام مشاعر التفاة وحسن الاستماع لها وعدم تعنيفها على تصرفها ومعالجة المشكلات بصورة صحيحة حتى تُفصح عمّا بداخلها كاملًا لوالديها، ونتعلم هذا الأسلوب من النبي- صلى الله عليه وسلم، فعن رَافِعِ بْنِ عَمْرو الْغِفَارِيِّ، قَالَ: كُنْتُ وَأَنَا غُلاَمٌ أَرْمِي نَخْلَنَا، أَوْ قَالَ: نَخْلَ الأَنْصَار، فَأُتِيَ بِيَ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ:يَا بُنَيَّ لِمَ تَرْمِ النَّخْلَ؟ قَالَ: قُلْتُ: آكُلُ، قَالَ: فَلاَ تَرْم النَّخْلَ، وَكُلْ مِمَّا يَسْقُطُ فِي أَسَافِلِهَا. قَالَ: ثُمَّ مَسَحَ رَأْسِي، وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَشْبِعْ بَطْنَهُ” [أحمد وأبو داود وابن ماجه].
- على الوالدين الإشباع العاطفي لأولادهن منذ الصغر- وخصوصًا الفتيات- حتى لا يشعروا بفراغ عاطفي أو حرمان من الحنان، لذا فقد حث الإسلام على الرضاعة الطبيعية للطفل؛ لأن الطفل يرضع مع لبن أمه حنانها، وضمها له، قال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}[ البقرة:233].
- الحوار الدائم بين الآباء وبناتهن ما يدعم العاطفة بين الطرفين، ولا بُد من أن يكون ذلك بهدوء، وتعقل، واحتواء بكل ما تعنيه هذه الكلمات، امتثالًا لقول الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[سورة النحل:125].
- عدم الاستخفاف أو الاستهزاء بهن، فينفرن وينعزلن عمن حولهن، وبخاصة من أقرب الناس إليهن، قال تعالى: {… لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا منهن}[الحجرات:13].
- حُسن تربيتهن على غض البصر والتأكيد على فضله وعلى عظيم أجره ما يبعدهن عن المثيرات التي يستمعن إليها أو يرونها، قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}[النور:30، 31]، وعَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ- صلى الله عليه وسلم- لِعَلِيٍّ: “يَا عَلِيُّ، لاَ تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فَإِنَّ لَكَ الأُولَى، وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ” (أحمد والترمذي”.
- متابعتهن وتحذيرهن من الصحبة السوء التي قد تنحرف بالفتاة إلى طريق المهالك، قال تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29)} [سورة الفرقان]، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ- صلى الله عليه وسلم-: “الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِل] [أخرجه أحمد وأبو داود” (6).
دور الفتيات في علاج الجفاف العاطفي
وعلاج الفراغ العاطفي لدى الفتيات، لا تقع مسؤوليته فقط على الوالدين أو الأقربين، إذ أن الفتيات لهن دوره مهم فبه، من خلال:
- حرص الفتاة على حُسن الصلة بينها وبين الله، والقراءة في سيرة أمهات المؤمنين والصحابيات لترتقي بنفسها.
- أن تفهم الفتاة مشاعرها وتضبطها وَفق ما يرتضيه الشّرع الحنيف، فلا تلجأ إلى ملء الفراغ بالقبول بأي علاقة عابرة أو مُزعجة.
- استغلال أوقات الفراغ في الإبداع والإنجاز والعمل والهوايات.
- قضاء وقت مع الصحبة الطيبة والحديث فيما هو نافع ومفيد أو التزود من الأخلاق الحميدة.
- التطوع وعمل الخير فهذه الأنشطة تزيد من الشعور بالفخر والقدرة على الإنجاز والعطاء وتفريغ المشاعر بطريقة إيجابية(7).
إن الفراغ العاطفي مع الأبناء- خصوصًا الفتيات- يعرضهم إلى الألم والخزي وقد يسلك بهم دروب الشر، لذا على الآباء والأمهات الانتباه سريعًا لهذا الأمر والجلوس مع أبنائهم وإغداقهم بالحنان والكلام والسلوك الطيب واحتواء احتياجاتهم؛ حتى لا يتفلّتوا من بين أيديهم ويستمعوا إلى كلام خارج نطاق الأسرة يزعم أنه يدعو إلى الحنان وإزالة آثار الجفاف العاطفي وجحيم الأسرة.
المصادر والمراجع:
- النجاح نت: الفراغ العاطفي: تعريفه، وأسبابه، وأهم طرق تجاوزه.
- شيرين الكردي: أسباب وعلاج الحرمان العاطفي عند الأطفال، 13 مارس 2021.
- ريهام عبد الناصر: ، 11 ديسمبر 2021.
- سمر عادل: علامات الشعور بالفراغ العاطفي وهل يمكن أن يؤثر على شخصيتك؟: 8 أغسطس 2022.
- ندى سمير: الأسباب والعلاج.. حكايات الفتيات مع الفراغ العاطفي، 1 أغسطس 2019م.
- بدر عبد الحميد هميسه: الفراغ العاطفي عند الشباب، 29 مارس 2016.
- عيد محمد: كيفيّة إشباع الفراغ العاطفي ونصائح ملء الفراغ العاطفي، 26 يونيو 2020.
1 comments
موضوع في غاية الأهمية بارك الله فيكم