يبدو أن ثمة خلط حدث لدى السائل بين سماع الله لنا مباشرة بغير واسطة، وبين ملائكته الذين اختصهم بتسجيل أفعالنا كما جاء في قوله: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}، وقوله تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)} (الانفطار).
نعم تسجل الملائكة أقوالنا وأفعالنا، ملك على اليمين وملك على اليسار، ملك موكل بكتابة الحسنات وملك موكل بكتابة السيئات، هذا من اختصاص الملائكة.
أما عن سماع الله لنا، فسبحانه جل وعلا يسمعنا بلا وساطة، ففي حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: ” لَمَّا غَزَا رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَيْبَرَ -أوْ قالَ: لَمَّا تَوَجَّهَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أشْرَفَ النَّاسُ علَى وادٍ، فَرَفَعُوا أصْوَاتَهُمْ بالتَّكْبِيرِ: اللَّهُ أكْبَرُ اللَّهُ أكْبَرُ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ارْبَعُوا علَى أنْفُسِكُمْ؛ إنَّكُمْ لا تَدْعُونَ أصَمَّ ولَا غَائِبًا؛ إنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا وهو معكُمْ. وأَنَا خَلْفَ دَابَّةِ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَسَمِعَنِي وأَنَا أقُولُ: لا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إلَّا باللَّهِ، فَقالَ لِي: يا عَبْدَ اللَّهِ بنَ قَيْسٍ. قُلتُ: لَبَّيْكَ يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: ألَا أدُلُّكَ علَى كَلِمَةٍ مِن كَنْزٍ مِن كُنُوزِ الجَنَّةِ؟ قُلتُ: بَلَى يا رَسولَ اللَّهِ، فَدَاكَ أبِي وأُمِّي، قالَ: لا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إلَّا باللَّهِ”.
فالله يسمع نداء المضطرين، الملهوفين، علا صوتهم أم خفت، ومن المعلوم أن خفض الصوت واجب حينما ندعوه عز وجل كما علمنا المصطفى صلى الله عليه وسلم أننا ندعو سميعا قريبا، فسبحانه لا يسمع الصوت فقط، بل يسمع خطرات القلوب، وهواجس النفوس ومناجاة الضمائر.
السائل الكريم:
إذا بحثت عن اسم الله السميع فلن تمل، وسيتجدد الإيمان في قلبك، وستستحي أن يتنزل إلى السماء الدنيا كل ليلة يقول: “هلْ مِن مُسْتَغْفِرٍ؟ هلْ مِن تائِبٍ؟ هلْ مِن سائِلٍ؟ هلْ مِن داعٍ؟ حتَّى يَنْفَجِرَ الفَجْرُ”، ولا نقوم ندعوه ونسأله!
اسم الله السميع ورد في القرآن في أربعين موضعًا، تنوعت معانيها بين سمع الإدراك، وسمع الفهم، وسمع الإجابة، فسبحانه يسمعك ويدرك أدق تفاصيلك، ففضلا عن أنه يسمع دعاءك كصوت، فهو يعلم حقيقة حالك، بيد أن من البشر من يقول أنه يسمعك، ولكن يسمعك كصوت، لا يدرك تفاصيل ما أهمك.
كثير من الناس يسمعون التنبيهات والتحذيرات ولا يفهمون، تجدهم يمضون في طريقهم برغم التحذيرات وكأن خطرًا لم يحدق بهم، فسمع الإنسان برغم دقة آلة الأذن وانبهار العلماء بتكوينها، إلا أنه سمع قاصر!
أما عن الله عز وجل فحاشاه سبحانه أن تناجيه، ولا يفهمك، أو تناجيه عبر واسطة، أو تظن أنه بحاجة إلى من ينقل إليه صوتك.
هو لا يسمعك فقط، بل يجيب حاجتك على الوجه الذي فيه الخير لك فيعجل لك بعض الأمور في الدنيا، ويؤخر بعضها لأن في التأخير الخير لسابق علمه بحاضرنا ومستقبلنا، وما ينفعنا وما لا ينفعنا، ويؤخر البعض الآخر لجزاء في الآخرة، ولو علمنا ما في التأخير من خير لما اسبتطأنا الإجابة: “وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُون۪ٓي اَسْتَجِبْ لَكُمْ}، يقين بأنه سميع مجيب.
ألم تبدأ سورة المجادلة لتؤكد لنا إجابة سؤالك: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}.
امرأة تشتكي زوجها لرسول الله، يسمعها الله وينزل في شكواها قرآنًا يتلى بينما السيدة عائشة- رضي الله عنها- تمكث قريبًا منها تسمع بعض كلامها ويخفى عليها بعضه، حتى قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: “تبارَكَ الَّذي وسِعَ سمعُهُ كلَّ شيءٍ، إنِّي لأسمعُ كلامَ خَولةَ بنتِ ثَعلبةَ ويخفَى علَيَّ بعضُهُ، وَهيَ تشتَكي زَوجَها إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ وَهيَ تقولُ: يا رسولَ اللَّهِ، أَكَلَ شَبابي، ونثرتُ لَهُ بَطني، حتَّى إذا كبُرَتْ سِنِّي، وانقطعَ ولَدي، ظاهرَ منِّي، اللَّهمَّ إنِّي أشكو إليكَ، فما برِحَتْ حتَّى نزلَ جِبرائيلُ بِهَؤلاءِ الآياتِ: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ”.
قد يستشكل على البعض كيف يسمعنا الله جميعًا في آن واحد، يقيس بذلك السؤال قدرة الخالق بقدرة المخلوق! سبحانه لا حدود لقدرته، وقد قال الإمام الرازي عن اسم الله السميع أن الله يسمع دعوات عباده، ويسمع تضرعاتهم إليه، ولا يشغله نداء عن نداء، ولا يمنعه إجابة دعاء عن دعاء!
نعم الإنسان قد يرى عدة أشياء في لقطة واحدة، بينما يصعب عليه جدًا التركيز مع أصوات متعددة، بل قد يستحيل أن يسمع شخصين يتحدثان في آن واحد ويتجاوب معهما، لكن سبحانه له قدرة، علمناها نقلًا وعقلًا ، وشاهدنا أثرها مرارًا وتكرارًا، كم من مرات سمع دعاءنا وأجاب، وسمع خطرات أنفسنا وأجاب سؤالنا حتى قبل أن ندعوه، تحدث نفسك بأنك تشتهي شيئًا، يأتيك أحدهم زائرًا حاملًا لك هذا الذي اشتهته نفسك!
من أخبره؟!!
من حركه؟!!
من سمعك، فأجاب!!
السائل الكريم حينما نحيط علما بأن الله سميع عليم ، كيف يكون حالنا؟!
في حديث أبي هريرة : “وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ به…” نتقرب من الخالق ونتودد إليه، حتى نحوز توفيقه ومرضاته، يفيض رب العزة على عبده بأنواره حتى يرزقه البصيرة، فأي مرتبة هذه، وأي قربى خير من معية الله السميع العليم البصير المحيط.
اللهم أدبنا بالأدب الذي يليق بسمعك لنا، ومتعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا.