أعمل موظفة في إحدى المصالح الحكومية، ومع بداية كل عام دراسي نتقدم بطلب سلفة مدارس من أجل شراء مستلزمات المدارس، من زي مدرسي، وحقائب، ومصروفات دراسية وأدوات، ورغم ذلك، فإن السلفة لا تكفي، فنضطر إلى الجور على ميزانية البيت، والأصعب من ذلك أن الأولاد دائمًا يورطوننا في أشياء ذات أسعار غالية، يختارونها دون إدراك لما نعانيه من ضائقة، وبعض من صديقاتي نصحتني بعدم اصطحابهم معي عند شراء الأدوات والمستلزمات، وفى الحقيقة أنا كنت أعتمد مبدأ إشراكهم على أساس أن هذا شأن يخصهم كما يخصنا.. ولا أدري أي الفعلين أفضل؟ كلام صديقتي أم وجهة نظري؟
السائلة الكريمة:
أعانك الله وأعاننا جميعًا.
موسم الدراسة بالقطع من المواسم الضاغطة على كثير من الأسر، خصوصًا في مجتمعاتنا العربية.
فمشاركة الدولة في العملية التعليمية تكون زهيدة جدًا، حتى في المدارس الحكومية ذات الأسعار الهينة. ولا يخلو الأمر من أخذ دروس تقوية، وشراء كتب خارجية، مما يرهق أسرًا كثيرة محدودة الدخل.
لكن بعون الله وتوفيقه تتيسر الأمور طالما أخذنا نية طلب العلم؛ فذلك مما يهون المشقة، ويشد من العزم، وييسر الصعب.
كما أننا حينما نهب حياتنا كلها لله ندرك أن كل مشقة نحن مأجورون عليها بإذن الله: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ} (الأنعام 162). هكذا يجب أن تكون حياتنا كلها لله فنثاب على تلك المشقة.
وقبل أن نجيبك عن مسألة إشراك الأبناء في الشراء من عدمها، نذكر بأن التخطيط للشيء قبل أوانه بوقت كاف من الأشياء المعينة.
- فقد ندخر من المرتب الشهري جزءًا للأشهر التي تسبق دخول المدارس، ولو كان ذلك مبلغًا يسيرًا ، يبارك الله فيه ونسد به بعض الحاجات.
- كما أن تقسيم شراء المتطلبات على فترات بعيدة قبل قدوم الدراسة يقلل من الشعور بحالة الضغط هذه.
- لا نخجل من ثقافة تبادل ما هو زائد عن احتياجاتنا؛ فالملابس والكتب والأدوات المدرسية إذا كانت بحالة جيدة، يمكننا تبادلها. وكلما انتشرت تلك الثقافة؛ لن يجد الأبناء حرجًا في ذلك. فكثير من الأشياء تبلى وهي لم تستخدم بعد، وهذا فيه إهدار للموارد ، سنحاسب عليه.
- من المهم والضروري مراجعة المتاح لدينا في المنزل قبل الذهاب إلى المكتبة؛ فكثيرًا ما تتخم الأدراج بما لم يستعمل، أو بأشياء حالتها جيدة؛ فنرصد المتاح، ونسجل ما نحتاج إليه. فالتسجيل مهم، ويختصر الإتيان بأشياء غير مفيدة.
- من المهم تعليم الأبناء فقه الأولويات، فالشراء محبب إلى النفس، ولكن يجب أن نعلمهم أن يضعوا المال في الأشياء التي فيها النفع، ولا مانع من أن يقتنوا بعض الأشياء البسيطة من باب الترفية، المهم أن يكون الأصل في ذلك إنفاق المال فيما ينفع ويفيد، وليتعلموا من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لا تزولُ قدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ: …وعن مالِهِ مِن أينَ اكتسبَهُ، وفيمَ أنفقَهُ؟ …”، فماذا سنجيب؟!
- من المهم أيضا أن يتعلموا شراء ما نحتاج إليه فقط. فمع الأسف الدنيا أصبحت سوقًا كبيرًا، والمغريات كثيرة، والإعلانات تأتيهم من كل مكان؛ فلنعلمهم (أن ليس كل ما يشتهيه المرء يطلبه) خصوصًا إذا كان هذا الاشتهاء نتيجة مغريات حولهم وليس احتياجًا حقيقيًا. ولنقلل تعرضهم لتلك المغريات ما أمكن، فلا نصطحبهم للمحلات الكبرى (المولات) والأسواق بغير داع، ثم ننهرهم لاحقًا حينما يطلبون!
وبعد الاتفاق على تلك المبادئ السابقة، وحصر المطلوب كتابة، يمكننا أن نأخذهم معنا في جولة الشراء:
- ففي حضور الحدث عن قرب بهجة.
- كما أن فيه تهيئة جيدة لقدوم الدراسة.
ولا تخجلي من رفض بعض اختياراتهم خشية وجود الناس من حولك؛ فردة فعل الناس الإيجابية تشجع بعضهم البعض، فقد تسترشد إحدى الأمهات بما فعلتيه عندما تراك بموقفك مع أبنائك. فكوني حازمة معهم بحنان؛ بمعنى أن نصر على موقفنا من غير أن نغضب أو نصرخ في وجوههم!
بل إذا كانوا صغارًا وهاجوا وماجوا لتمسكهم بشيء معين، نحتضنهم ونهمس في أذنهم نفهمهم، ولا يكون الصراخ هو الحل أبدًا.
ولتحددي لهم مبلغًا يسيرًا خاصًا بهم، يشترون به ما يحبون من غير تقييم منك لاختيارهم، حتى وإن اشتروا لعبة! فهذا المبلغ اليسير سيشعرهم بحرية الاختيار، ويلبون به غريزة الشراء، خصوصًا عند البنات، ويجعلهم يعودون فرحين راضيين.
السائلة الكريمة:
ما أسهل أن يختار المرء قرار المنع؛ فهو قرار في التربية أسهل، لكن نتائجه في التعلم (لا شيء)، في حين أن الذهاب بشروط وتدابير مسبقة، هو الأصوب لمن اختار أن يجتهد في التربية.. سائلًا الله السداد والتوفيق والتيسير.
فاللهم أعط منفقًا خلفًا.
أعانكم الله، وفتح لكم أبواب الرزق الحلال، ونفع أبناءنا بما يتعلمون، وعلمهم ما ينفعهم. وكل عام وأبناؤنا الطلاب وأهاليهم بخير. عام دراسي جديد، على عملنا شهيد. نسألك يا الله فيه من الخير المزيد.