تُمثّل الرياضة حاجة اجتماعية ضرورية للإنسان في كل زمان ومكان، لذا كان هدي النبي في الرياضة مثالًا يُحتذى به، فهو لم يقتصر على تعليم المسلمين المسائل الشرعية والفقهية، ومعرفة الحلال والحرام، بل حثّ على التميز في جميع نواحي الحياة، ومن ذلك ممارسة الرياضة على اعتبار أنها متلازمة للحفاظ على الجسد من الهلاك.
وتتعدد فوائد الرياضة لتشمل إعطاء الجسم حقّه، كما أنها وسيلة للأعمال الصالحة، لذلك يحتاج الرياضي أن يسأل نفسه دائما “هل قام بأعمال تعبدية أو دعوية تناسب صحته وقوة جسده؟”، ولعل من أهم فوائد ممارسة الرياضة أنها تُكسبُ الإنسان القدرة على الدفاع عن نفسه وممتلكاته وعرضه ودمه وأهله وجيرانه، لكن في الوقت نفسه نجد أن الإسلام عمل على إحاطتها بسياج من حسن الخلق والروح الرياضية العالية، فالتربية الرياضية لا تثمر ثمرتها المرجوة إلا إذا صحبتها الرياضة الروحية الأخلاقية.
هدي النبي في الرياضة
ولقد كان من هدي النبي- صلى الله عليه وسلم- إحياء الأخلاق والعادات السامية التي سبقت الإسلام وهدم ما دونها، فكان- صلى الله عليه وسلم- صاحب قوام جميل متين البنية قوي التركيب، وكان بنيانه الجسمي مثار إعجاب من حوله من الصحابة، ولا عجب فهو الأسوة الحسنة، الذي أرسله العلي القدير هاديًا لنا في كل أمر من أمور الدنيا والآخرة، حيث سعى من وراء ذلك إلى حفظ جسم الإنسان قويًّا نشيطًا لمواجهة الأعداء، وملء وقت الفراغ عند الشباب بما هو خير، وتنمية روح التعاون، بحيث يكون بالمنافسة الشريفة الهادئة بين الأفراد والجماعات.
ولم يكن هدي النبي في الرياضة مُجرّد الحث والترغيب في دفع المسلمين على ممارستها، ولم يكتف بتوضيح أدوارها في الجهاد في سبيل الله وثواب ذلك عند الله- عز وجل-، وإنما أعطانا القدوة والمثل في ذلك فقد ثبت عنه- صلى الله عليه وسلم- أنه مارس الرياضة بنفسه في وقائع عديدة ثابتة في سنته المطهرة.
ويرى المختصون في العلاج الطبيعي أنّ النبي- عليه الصلاة والسلام- وضع اللبنة الأولى لبناء هذا العلم عندما شكا إليه قوم التعب من المشي، فأوصَاهم بمزاولة النسلان، وهو الجري الخفيف، هذه وصية النبي عليه الصلاة والسلام، فتحسّنت صحتهم، وكفاءتهم الحركية، واستطاعوا المشي لمسافات طويلة من دون تعب.
وضرب لنا النبي- صلى الله عليه وسلم- أروع الأمثلة في التحلّي بالروح الرياضية والخلق الرياضي القويم، وتقبل الهزيمة كتقبل الفوز، والاعتراف للخصم بالتفوق، وعدم غمطه حقه لئلا يُعَد ذلك نوعًا من الكِبْر، فعن عائشة- رضي الله عنها- قالت: “خرجت مع النبي- صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن، فقال للناس: تقدموا؛ فتقدموا. ثم قال لي: تعالي حتى أسابقك، فسابقته فسبقته، فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدنت ونسيت، خرجت معه في بعض أسفاره فقال للناس: تقدموا؛ فتقدموا. ثم قال: تعالي حتى أسابقك، فسابقته فسبقني، فجعل يضحك وهو يقول هذه بتلك” (أخرجه أحمد في المسند 6/264).
وذكر السيوطي في رسالته (المسارعة إلى المصارعة) ما أخرجه البيهقي في (الدلائل) ما ذكره ركانة بن عبد يزيد، وكان من أشد الناس، قال: كنت أنا والنبي- صلى الله عليه وسلم- في غنيمة لأبي طالب نرعاها في أول ما رأى إذ قال لي ذات يوم: “هل لك أن تصارعني؟”، قلت له أنت؟، قال: “أنا”، فقلت على ماذا؟ قال: “على شاة من الغنم” فصارعته فصرعني، فأخذ مني شاة، ثم قلت: “هل لك في الثانية”، قلت: نعم، فصارعته فصرعني، وأخذ مني شاة، فجعلت أتلفت هل يراني إنسان، فقال: مالك، قلت لا يراني بعض الرعاة فيجترئون علي، وأنا في قوى من أشهدهم، قال: هل لك في الصراع الثالثة ولك شاة؟، قلت: نعم، فصارعته فصرعني، فأخذ شاة، فقعدت كئيبًا حزينًا، فقال: مالك؟ قلت: إني راجع إلى عبد يزيد وقد أعطيت ثلاثًا من نعاجه، والثاني أني كنت أظن أني أشد قريش، فقال: هل لك في الرابعة؟، فقلت: لا بعد ثلاث، فقال أما قولك في الغنم فإني أردها عليك، فردها علي، فلم يلبث أن ظهر أمره، فأتيته فأسلمت، فكان مما هداني الله أني علمت أنه لم يصرعني يومئذ بقوته، ولم يصرعني يومئذ إلا بقوة غيره.
ويتضح لنا جليًّا- في سياق الحديث الشريف- هدي النبي- صلى الله عليه وسلم- وأخلاقه، فقد ردّ إليه غنمه في سماحة وعن طيب خاطر وهو ما يطلقون عليه في الرياضة المعاصرة (الروح الرياضية)، أو اللعب النظيف.
هدي النبي في الرياضة مع الصغار
ومن هدي النبي في الرياضة مع الصغار أنه كان يحث على معاملتهم باللطف واللين وتربيتهم من خلال اللعب والنشاط وأن نتباسط فنعاملهم على قدر عقولهم ومن أقواله: “من كان له صبي فليتصابى له”. فقد كان- صلى الله عليه وسلم- رقيق المعاملة للأطفال، وكثيرًا ما كان يدعوهم للعب بين يديه.
وأخرج أبو يعلى عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-: رأيت الحسن والحسين على عاتقي النبي- صلى الله عليه وسلم-، قلت: نعم الفرس تحتكما، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “ونعم الفارسان هما”.
وفي رواية الطبراني عن جابر قال: “دخلت على النبي- صلى الله عليه وسلم- وهو يمشي على أربعة (أي على يديه ورجليه) وعلى ظهره الحسن والحسين، وهو يقول: نعم الجمل جملكما، ونعم العدلان أنتما”.
ومن الطريف أن كثيرًا من الآباء المسلمين المحدثين يمارسون اللعبة نفسها مع أبنائهم بتلقائية شديدة دون أن يعرفوا أنها سنة عن سيد الخلق أجمعين.
وربما جاء الحسن إلى المسجد فالتزم ظهر النبي- صلى الله عليه وسلم- وهو ساجد، فيطيل سجوده من أجله ثم يقول لأصحابه بعد الصلاة: “إن ابني ارتحلني، وإني خشيت أن أعجله”. كما كان الرسول- صلى الله عليه وسلم- يفرج بين رجليه حتى يمر الحسن أو الحسين من بينهما وهو قائم يصلي.
وعن أبي داود والنسائي عن أنس قال: قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ فقالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية. فقال الرسول- صلى الله عليه وسلم-: “إن الله أبدلكم بهما خيرًا منهما، يوم الأضحى ويوم الفطر”.
الضوابط والآداب الشرعية للرياضة
ومن هدي النبي في الرياضة نتعلم أنه عند الخصومة والمنافسة لا ننسى الشرف والذوق، لأن الفجور من خصال المنافقين، ومن ثم يجب أن نتعلم:
- ألا تنسينا الرياضة الواجبات الدينية، والوظيفية، والأسرية، والوطنية، والواجبات الأخرى.
- عدم التحزب الممقوت الذي فرق بين الأحبة وأشعل في النفوس غيرة ونارًا، وباعد بين الأخوة، وجعل في الناس أحزابًا وشيعًا، فالإسلام يدعو إلى الاتحاد، ويمقت النزاع والخلاف.
- عدم توجيه الكلمات النابية من فريق لآخر، وكره التصرفات الشاذة التي لا تليق بكرامة الإنسان.
- عدم ممارسة الألعاب الجماعية التي يشترك فيها الجنسان، وفيها كشف للعورات، أو التي تثير الشهوة، وتحدث الفتنة.
- البعد عن الأنانية وحب الذات والتي لا تقبل استقبال النقد حتى الهادف أو الاستماع لوجهات نظر الآخرين.
- عدم تقديم المصلحة الخاصة على المصلحة العامة.
- عدم إساءة الظن عند بعض من ينتسب للوسط الرياضي، خصوصًا إذا كانت النتائج لا تخدم فريقه المفضل.
هكذا كان هدي النبي- صلى الله عليه وسلم- في الرياضة، فقد شجع على ممارستها بالضوابط الشرعية، والآداب السلوكية الحميدة، تحصيلاً وتحصينا للقوة وحفاظاً على الصحة والعافية، وفي الوقت نفسه لحماية الدين ونصرة المسلمين وإنقاذ المستضعفين.
المصادر والمراجع:
- محمد خير رمضان يوسف: الأربعون الرياضية، ص 12.
- أيمن أنور الخولي: الرياضة والمجتمع، ص 5.
- جعفر الطلحاوي: أهمية الرياضة البدنية في حياة المسلم.
- إسلام ويب: الرياضة في الإسلام.
- الدكتور بدر عبد الحميد هميسة: الإسلام والروح الرياضية.