دعا الإسلام مُنذ أن بدأ في الجزيرة العربية إلى حسن معاملة الآخرين وإزالة مخاوفهم والروع المتملك في نفوسهم، فقال تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8]. بل أمر أتباعه بالقول الحسن لكل الناس، فقال تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 83]، فقد قدّم الله – سبحانه وتعالى – القول الحسن للناس على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وهي قاعدة إذا طُبّقت في أي زمان، ستؤدي بالطبع إلى تغيير نظرة الغرب للإسلام.
نظرة الغرب للإسلام
لقد كرّم الإسلام الإنسان بصرف النظر عن أصله وفصله، أو دينه وعقيدته، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70]، فجاء التّكريم لعموم الناس، وليس لفردٍ أو لأمةٍ بعينها، أو طائفةٍ دون غيرها.
ولن تتغيّر نظرة الغرب للإسلام إلى الأفضل، إلا إذا طبقنا المنهج الرباني، والتزمنا بقول الله تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [العنكبوت: 46]. بل أمر الله – سبحانه وتعالى – بعدم سب غير المسلمين، حفاظًا على الإسلام، والعلاقة بين المسلم وغيره، فقال تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108]، يقول الإمام القرطبي في تفسيره: (لا يَحِل لمسلم أن يَسُب صُلبانهم، ولا دينهم، ولا كنائسهم، ولا يتعرَّض إلى ما يؤدِّي إلى ذلك).
وفي آية أخرى، وَضَعَ الله المحاذير من إكراه غير المسلمين على الدين الإسلامي، بل ترك للجميع حريّة العبادة واختيار مَن يعبده، وهي من القواعد المُهمّة في التعامل مع غير المسلمين، فقال تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256].
لكن في الوقت ذاته، لا يُمكن أن ننعزل عن الحضارات والثقافات الأخرى، لأن الله – سبحانه وتعالى – جَعَلَ سُنّة التدافع بين الناس منهج حياة، حتى تستقيم شؤونهم ويعلو الحق أمام طوفان الباطل، وتتقدم الأمم والحضارات، وأوجد قواسم مشتركة بين الجميع لتعمير الأرض وانتشار العدل.
تقول الدكتورة ليلى مداني – جامعة أحمد بوقرة بومرداس الجزائر-: التفاعل والتواصل والاحتكاك بين الشعوب بين الحضارات أمر مُهم جدًّا في تحقيق التقدم والتطور، لأنه لا يُمكن عزل حضارة عن الأخرى.
فالتبادل والتفاعل بين الحضارات والشعوب لا يلغي خصوصية أي حضارة، وإنّما يزيد من وعي الأفراد بقيم الحياة ومقوماتها.
أهمية معرفة مفاتيح شخصية أهل الغرب
يتميّز كل إنسان ومجتمع بأنماط شخصية مختلفة عن غيره، وهو ما أوجب على كل مسلم – خصوصًا من يتعامل مع أهل الغرب أو يتصدر المشهد – أن يتعرف على مفاتيح الشخصية الغربية، وكيف يُؤثر فيها، وكيف يصل برسالته وقضيته إلى جموع الناس ليُشكّل منهم رأيًا عامًا مناصرًا ومنصفًا لقضايا المسلمين.
لقد دأب السّاسة الغربيون على تشوية صورة الإسلام والمسلمين، ووضعه في قوالب من الإرهاب والتعصب والتخلف – وللأسف يُعضدها بعض التصرّفات الشاذة من بعض المسلمين المتعصبين – مما أوجب على كل مسلم فاهم لحقيقة دينه الوسطي أن يُصحّح المفاهيم المغلوطة ويكون سفيرًا طيبًا لدينه ومجتمعه الإسلامي، وأن يسعى – بالتحاور الطيب – إلى تبسيط القضايا الإسلامية وحقيقتها، وتوافقها مع العقل الغربي، وخلق رأي مناصر لقضايا المسلمين، مثل قضية حق الفلسطينيين في وطنهم، وأنّ ما يقومون به حق مشروع، وأيضا حق الأقليات المستضعفة كالمسلمين في كشمير وبورما، والأقليات نفسها الموجودة والمنتشرة في العالم.
يقول الدكتور محمد حسن بدر الدين – دكتوراه في العلوم الإسلامية ومقارنة الأديان بتونس-: “موضوع الغرب والإسلام هو استجابة طبيعيّة لضغوط الواقع ومتطلّباته، في ظلّ تصاعد موجات الإسلاموفوبيا، وضرورة لإزالة مظاهر سوء التّفاهم المتفاقمة، نتيجة تدهور العلاقة بين الغربيّين والمسلمين، فالصّورة لدى الطّرفين محكومة بمواريث وتصوّرات مغلوطة ومشوّشة مستمدّة من الماضي والحاضر” (1).
القدوة العملية وأثرها في الغرب
إنّ أمام المسلم مجالاتٍ رَحبة لإثبات القدوة الحسنة لتعاليم الإسلام أمام شعوب الغرب وغير المسلمين في كل مكان، وذلك عن طريق الاحتكاك الشخصي أو التواصل عبر وسائل الإنترنت.
وقد نجح كثير من التجار المسلمين في فتح بلاد بأكملها بحسن معاملتهم، فكان كل واحد منهم “سمحا إذا باع وسمحا إذا اشترى”، وكانوا أحرص ما يكون على إظهار شعائر وشرائع دينهم الحنيف أمام الناس.
يذكر الدكتور خالد محمد حنفي – عميد الكلية الأوروبية للعلوم الإنسانية، ورئيس لجنة الفتوى بألمانيا – أن إمام مسجد استقل حافلة ودفع ثمن التذكرة، فأعاد له المحصل مبلغ أكبر من حقه – رغم زهد المبلغ- إلا أن الإمام ظل في صراع نفسي بين عدم إرجاعه وبين تعاليم دينه وأثر هذا الفعل، لكن في النهاية انتصرت تعاليم الدين وهب وأرجع المبلغ فما كان من المحصل إلا أن أظهر له أنه يعرفه ويعرف مسجده وأنه يريد الدخول في الإسلام لكن أراد اختبار الإمام وأثر الدين على المسلمين، فقال الإمام في نفسه: كدتُ أن أبيع الإسلام بمبلغ تافه! (2).
ويقول حسين بن عودة العوايشة: “فإذا كان واقع القدوة الحسنة والدعوة إلى الله في الغرب يتأثر بأفعال المسلمين في جانب غير قليل جوانبه.. فإن من سُبُل معالجة الأمر لدى المسلمين ـ بخاصة الدعاة والذين هم في حكمهم ـ أن يبدأوا بأنفسهم فيقوموها بالإخلاص لله تعالى في دعوتهم لغير المسلمين” (3).
نماذج غيرت صورة الإسلام لدى الغربيين
كثيرٌ من النماذج المسلمة الشهيرة غيرت صورة الإسلام لدى الغربيين، إلا أن المواقف الشخصية لكثير من المسلمين في بلاد الغرب لأناس – ربما – لا يعرفهم أحد كان لها أكبر الأثر في نفوس أهل الغرب، فقد قرأنا وسمعنا عن الراهبات الأوروبيات في إفريقيا من أجل تنصير الناس، ما إن تقع إحداهن أسيرة حتى تعود إلى بلادها سواء فرنسا أو إيطاليا أو غيرها مسلمة معلنة ذلك على الملأ وفي حضور رئيس البلاد، مؤكدة أنها دخلت الإسلام لما رأته من سماحة وحسن أخلاق من تعاملت معهم من المسلمين وليس كما كانت تتعلم في بلادها عن المسلمين، مثل الرهينة صوفي بترونين المحررة في مالي، وعاملة الإغاثة الإيطالية سيلفيا رومانو المحررة في الصومال (4).
وكانت امرأة فرنسية قد سَكَنَ بجوارها شاب مسلم، بعدما تركها ابنها فلم يسأل عنها، فكان يقوم على خدمتها ونظافة بيتها، حتى تعجّبت وسألته: مَن يدفع لك ثمن خدمتك؟ فقال لها: الله يعطيني أجرًا، فتعجبت وسألت عنه، فعرفها الإسلام وحقيقته، فانبهرت وقالت: لم نسمع عن دينكم بهذه الصورة، فأسلمت في أحد المراكز الإسلامية، وماتت بعدها بفترة وجيزة.
إن نسبة الدخول في الإسلام كبيرة، ويعود ذلك إلى جهود المسلمين الذين يعملون على تحسين صورة الإسلام وقضايا المسلمين، حتى أن مركز “بيو” الأمريكي لأبحاث التغيرات الديموغرافية في الديانات الكبرى، توقع أن يُصبح الإسلام أكثر الديانات انتشارًا في العالم بحلول سنة 2070، وأنه سيكون الديانة الوحيدة في العالم التي تنتشر بوتيرة أسرع من وتيرة نمو سكان العالم، وفق ما أشار إليه موقع جريدة “تلغراف” البريطانية.
وأوضح المركز الأمريكي أن عدد السكان المسلمين سينمو بنسبة 73 في المائة بين عامي 2010 و2050، بالمقارنة مع 35 في المائة لدى المسيحيين – ثاني أسرع ديانة نموًّا في العالم (5).
طرق عملية للتأثير في الرأي العام الغربي
تُسيطر على الإعلام الغربي نحو المسلمين، صورة يعمل على ترسيخها في أذهان وشعور شعوبهم – سواء بتعمد اتباعًا لسياسة ساستهم أو لحقد دفين – تتلخص في كون المسلم شهواني، وإرهابي، ومُقيد حرية النساء، وغيرها من الصور السلبية، وهو ما يقع بالعبء على المسلم في تعديل هذه الصورة، وصورة القضايا الإسلامية.
لقد أحسن جعفر بن أبي طالب عرض قضيته، وظهر بالسمت الإسلامي دون تكلف فاستطاع أن يحول دفة المعاملة إلى دفاع الملك نفسه عنهم وفتح بلاده لهم يعيشون فيها بحرية.
فأهل الغرب يحترمون النظام والنظافة، وهي أمور حض وأكد عليها الإسلام، لذا على المسلم العناية بها وإظهارها أمام الجميع.
لا بُد من أن يتصف المسلم في الغرب ببعض الصفات حتى يكون قُدوة ورسولا لدينه، مثل الاعتزاز بالإسلام جملة وتفصيلا، كما على المسلم إعلان هويته الإسلامية دون تمييع أو ذوبان أو تشبه بغير المسلمين، وقضاء حاجة الناس ومشاركتهم في أفراحهم وأحزانهم، والالتزام بقوانين البلاد واجتناب المحرمات (6).
وعلى المسلم العناية بأدوات التأثير في الرأي العام الغربي، سواء عن طريق الإعلام أو المراكز البحثية أو الوصول للنخب المثقفة والتأثير فيها – التي يقع عليها عبء كبير في توجيه الرأي العام – وتكون مؤسسات ضغط تُؤثر في صناعة القرار، وتوحيد الكلمة أمام الشعوب الغربية حتى لا يروا المسلمين متشرذمين حول قضاياهم ودماء إخوانهم.
لقد سطّرت الكاتبة الفرنسيّة أنا ماريا دلكمبر (Anne-Marie Delcambre) حقيقة نظرة العقلية المسيحية إلى المسلمين منذ القدم، وهو ما يظل يتوارثه الأجيال، فتقول: لقد نظرت العقليّة المسيحيّة الشرقيّة في مجملها إلى الإسلام على أنّه مشروع الشّيطان (7). وهو ما يتطلب تغيير هذه الصورة بشتى الوسائل العملية المناسبة.
أخيرا
تعيش الأمة الإسلامية حالة حرجة تتعرض فيها لشتى أنواع الاضطهاد اللفظي أو المادي، وتكاد لا تجد من ينصفها سواء بسبب غطرسة الساسة في الغرب أو أتباعهم من حكام المسلمين، وهي حالة يلمسها الجميع، غير أن الاستسلام لها أشد خطرًا من المحنة ذاتها، وهو ما يستوجب علينا الوحدة والتضافر، وما معركة غزة مع الصهاينة الأخيرة ببعيد، حيث استطاعوا أن يخلقوا زخما في الرأي العام الإسلامي والخارجي وفرضوا أجندتهم على الآخر.
المصادر
1. محمد حسن بدر الدين: فهم العقل الغربي على ضوء أعباء الماضي وتحديات الحاضر، المركز الاسلامي للدراسات، 2019م،
2. محمد ثابت توفيق: دور القدوة الحسنة في دعوة الغرب إلى الله، 5 مارس 2020،
3. حسين بن عودة العوايشة: فقه الدعوة وتزكية النفس، دار ابن حزم/بيروت، الطبعة الأولى، 1428هـ/2007م، صـ15.
4. للمزيد أنظر ما جاء من قصص على اليوتيوب،
5. دراسة أمريكية: الإسلام سيصبح أكبر ديانة في العالم بحلول 2070، 10 مارس 2013،
6. المنتدى الإسلامي العالمي للتربية: كن سفيرا للإسلام في بلاد الغربة، 5 ديسمبر 2020،
7. محمد حسن بدر الدين: مرجع سابق.