تحتل مهارة حل المشكلات مكانة كبيرة في ظل الأجواء المليئة بالتحديات والصعوبات التي يعيشها الناس اليوم، لذا من الضروري تربية الأطفال عليها منذ الصغر لينشئوا ويشبّوا مُسلّحين بأدوات المعرفة والتعامل مع الظروف الصعبة بثقةٍ وإيجابيّة، وتحويل التحديات إلى فرص للتعلم واكتساب الخبرات.
وتتضمن هذه المهارة القدرة على التفكير النقدي وتحليل المعلومات وتقييمها وتحديد الفرضيات، والقدرة على التفكير الإبداعي في أفكار جديدة وحلول غير تقليدية، بالإضافة إلى التواصل الفعال وشرح المشكلة والحلول المقترحة للآخرين، والقدرة على العمل الجماعي لتحقيق هدف مشترك.
مفهوم حل المشكلات
وتعرف مهارة حل المشكلات بالقدرة على إيجاد الحلول الفعّالة لمختلف الصعوبات والتحديات التي تواجه الإنسان في الحياة، وفي الوقت المناسب الذي يضمن تفادي الخسائر أو تقليلها قدر الإمكان.
وهي عملية تفكيرية يستخدم الفرد فيها ما لديه من معارف مكتسبة سابقة ومهارات؛ من أجل الاستجابة لمتطلبات موقف ليس مألوفًا له، وتكون الاستجابة بمباشرة عمل ما يستهدف حلَّ التناقض أو اللبس أو الغموض الذي يتضمنه الموقف، وقد يكون التناقض على شكل افتقارٍ للترابط المنطقي بين أجزائه، أو وجود فجوة أو خلل في مكوناته.
وهي عبارة عن أسلوب يضع الفرد في موقف حقيقي يجبره على التفكير فيعمل ذهنه بهدف الوصول إلى اتخاذ قرار معين وحل المشكلة، وهي طريقة بحث منهجية مؤلفة من عدد من الإجراءات التي تتخذ للوصول إلى هدفٍ معين، وتتضمن نوعين من التفكير أحدهما الاختلاف ويتم عبر إيجاد مجموعة حلول متنوعة وبديلة للمشكلة، والآخر التقارب عبر تضييق الإمكانيات المتعددة لإيجاد أفضل طريقة للحل.
المنهج النبوي في حل المشكلات
ولقد كان المنهج النّبوي في حل المشكلات من أكثر المناهج النّاجحة والمؤثّرة في ارتقاء المجتمع وسموّ أخلاقه، حيث تعامل مع المشكلات بطرق إبداعيّة واستراتيجيّة غير مألوفة، فهو القدوة الأوّل في دعوته للغير يقول تعالى: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)[الأحزاب: 21].
واستعمل النبي- صلى الله عليه وسلم- هذه الاستراتيجية في إزالة المُنكر حتى لا يترتّب عليه فتنة أشد من المشكلة ذاتها، فكان يبدأ بحل المشكلة بيده فإن لم يستطع فبلسانه وإن لم يستطع فبقلبه ويكون ذلك بإنكار الباطل وملازمة الدّعاء من أجل إزالته.
وأكد النبي- صلى الله عليه وسلم- أهمية النصيحة التي تمنع حدوث المشكلات من أساسها، فقال: “الدِّينُ النَّصِيحَةُ. قُلْنا: لِمَنْ؟ قالَ: لِلَّهِ ولِكِتابِهِ ولِرَسولِهِ ولأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وعامَّتِهِمْ” (مسلم)، وكان النبي دائم النصح ويقول: “إنَّ النَّاسَ إذا رأَوُا المُنكَرَ ولمْ يُغَيِّروه، أَوشَكَ اللهُ أنْ يَعُمَّهُم بعِقابِه” (صحيح أبي داود).
وحثّ المنهج النّبوي على تدبّر حكمة التّشريع والتّأمّل والنّظر في سنن الله وخلقه، وترك التّقليد الذي يُعدّ سببًا رئيسًا في خلق المشكلات وتفاقمها، ومن الأدلّة على ذلك قوله تعالى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ) [البقرة: 170].
وحل النبي- صلى الله عليه وسلم- بحكمته مشكلة قسمة غنائم يوم حنين، حيث تجلّت المصارحة والمناصحة والمعاتبة والحكمة في التعامل مع أطرافها وتفاصيلها، فعن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: لما أصاب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الغنائمَ يوم حنين، وقسم للمتألّفين من قريش وسائر العرب ما قسم، ولم يكن في الأنصار منها شيء قليل ولا كثير، فوجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم، حتى قال قائلهم: لقي والله رسولُ الله قومَه! فمشى سعد بن عبادة إلى رسول الله فقال: يا رسول الله! إنّ هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم، فقال: (فيم) !؟ قال: فيم كان من قسمك هذه الغنائم في قومك وفي سائر العرب، ولم يكن فيهم من ذلك شيء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فأين أنت من ذلك يا سعد؟) قال: ما أنا إلا امرؤ من قومي، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة، فإذا اجتمعوا فأعلمني)… الحديث) (رواه أحمد).
لقد استعمل النبي- صلى الله عليه وسلم- أسلوب حل المشكلة في هذه الواقعة، حيث وعى خطر الشيطان على القلوب، فهؤلاء النفر من الأنصار رغم ما بذلوا وقدّموا للإسلام إلا أن الشيطان كاد أن ينفث شيئا من سمومه في قلوبهم حتى استخلصها رسول الله بهديه القويم وأسلوبه الحكيم، فقال: “إنّ الشيطان أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم”.
وما إن سمع النبي- صلى الله عليه وسلم- بالخبر حتى سارع في القوم فجمعهم وسمعهم وخطبهم، وأنهى بحكمته وحنكته هذا الأمر الطارئ، ولو أنه تأخر أو استهان به وتركه، لربما كان هذا الموقف من الأنصار- رضي الله عنهم- سببا يتعلق به الشيطان، ومدخلاً له ليلقي حباله ويُحكم لعبته.
وعالج النبي الموفق بالرفق والحلم مع القدرة، وتحمل النقد الموجه له، حينما قالوا: “يغفر الله لرسول الله! يعطي قريشا ويدعنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم!”، فلم يرتفع صوته أو يحمر وجهه، ولم يرتب أحكاما ومواقف على هؤلاء المتكلمين، فيتعامل معهم معاملة جديدة وَفق هذه المعطيات، فيهجرهم مثلاً أو يقاطعهم بحجة أنهم لا يحترمون القيادة، ولا يوقّرون رسولهم، بل ذهب إليهم وطرح عليهم أسئلة حكيمة، ثم مدحهم، وأثنى عليهم ثناءً ومدحا فوق المستوى الذي يتوقعونه، فلم يستطيعوا أن يوقفوا تدفّق دموعهم.
ولقد أمر رسول الله أن يجتمع الأنصار في مكان واحد ولم يدع معهم أحدًا، وهو أسلوب تربوي ناجح، لمعالجة الخطأ، حتى يكون هناك مجال واسع لفتح الحوار والمناقشة دون وجود أطراف أخرى قد تتسبب في تأزم الموقف.
واستخدام الرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم- أسلوب استرجاع الذاكرة وتذكر الفضائل قبل الحكم على الموقف الحاضر، والموازنة بين الأمرين، فذكر فضله عليهم “ألم آتكم ضُلّالاً فهداكم الله بي، وكنتم متفرقين فألفكم الله ربي، وكنتم عالة فأغناكم الله بي” حينئذ تذكروا فضله عليهم فهتفوا قائلين: بلى، لله ولرسوله المن والفضل.
ومن الضرورة الملحة تفسير وتوضيح سبب إعطائه- صلى الله عليه وسلم- لأهل مكة، فقد فسر سبب ذلك لهم وقال: “أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم من أجل لعاعة من الدنيا تألّفت بها قوما ليسلموا!”، فإذا السبب ليس القرابة وإنما كان ذلك من صلب مهام الدعوة وهو تألّف قلوبهم للإسلام، وبذلك استطاع- صلى الله عليه وسلم- أن يزيل الغشاوة عن النفوس التي حاول الشيطان أن يستثمرها.
كيفية تنمية الطفل مهارة حل المشكلة
ومن المهم تعليم الطفل مهارة حل المشكلات منذ نعومة أظافره، حتى لا يشب ضعيف الشخصية ويغرق أمام التحديات البسيطة، ومن أبرز الوسائل التربوية التي يمكن اتباعها مع الطفل لتعليمه هذه المهارة، ما يلي:
- تعريف الطفل بالمشكلة: فأحيانًا يُصاب الطفل بالحيرة والغضب دون استيعاب المشكلة التي تواجهه بوضوح، لذا من الضروري الجلوس مع الطفل وسؤاله عن المشكلة التي تقابله.
- تحديد أسباب المشكلة: فلا بد من تشجيع الطفل على التفكير في الأسباب المحتملة للمشكلة، وتحديد أيها الأكثر أثرًا، فإذا كانت المشكلة التي يريد حلها هي تراجعه في مادة دراسية، يجب أن يفكر بالأسباب أولًا، هل هو مقصّر في الدراسة، أم أنه لا يستوعب شرح المعلم في الفصل، أم هناك سبب آخر.
- مناقشة الطفل في الحل الأفضل: فكل حل له مميزات وعيوب، ثم نترك الطفل يختار الحل الأنسب له بأعلى مميزات وأقل عيوب.
- توليد الحلول: وهي من الخطوات المهمة لحل المشكلة، فمن الممكن أن نشرح للطفل كيفية توليد الحلول بالتفكير في تجارب سابقة والاستعانة بأشخاص أكثر خبرة منه والتجريب عندما يكون التجريب ممكنًا.
- ترك الطفل يجرب الحل: فقد ينجح الحل أو يفشل، لذا نترك الطفل يجرب بنفسه، ثم نناقشه.
- تحمل العواقب: فأحيانًا قد لا يرغب الطفل في حل المشكلة أو النقاش في حلول، وفي هذه الحالة نتركه يتحمل العواقب الطبيعية لأفعاله، حتى يفكر في حل في المرات المقبلة.
- تعليم الطفل فن إدارة المشاعر: ويكون ذلك تعليم الطفل كيفية فهم مشاعره السلبية والتحكم بها للتمكن من ضبطها عند مواجهة أي مشكلة، والتفكير بطريقة حل المشكلة بهدوء.
- تربية الطفل على الاعتراف بالخطأ: وهذه من طرق حل المشكلات، ومن الضروري أن يشعر الطفل بالأمان حتى يواجه المشكلة ويبحث عن حلها، مثل العلامات المتدنية في المدرسة يمكن منحه فرصة للاعتراف بتقصيره وينقد نفسه ويحاول الاجتهاد للحصول على درجات أفضل.
- تطوير التفكير الإبداعي: بالنشاطات والألعاب التي تُساعد في تنمية مهارة التفكير الإبداعي للطفل واستغلالها لتوجيه تفكيره نحو حل أي مشكلة تواجهه.
- مشاركة الطفل تجاربنا: فمن المهم أن نشارك الطفل طريقتنا في حل بعض المشكلات، سواء بالحديث عن تجربة سابقة أو باستشارة الطفل لحل مشكلة بسيطة في المنزل والاستماع له ومناقشة الحلول معه.
- تربية الطفل بالقصص: فهي من أهم وسائل تنمية مهارات الطفل المعرفية والذهنية، التي تساعده على مواجهة التحديات.
- التفاعل الاجتماعي: فهي من أكثر ما يُنمّي مهارات الطفل المختلفة ومنها مهارة التعامل مع المشكلات.
- التدريب على التعامل مع المشكلات الحياتية: ومنها ما يتعلق بتناول الطعام، وعدم القدرة على اللعب، والخلافات مع الأطفال الآخرين، وصعوبة الانفصال عن الأم، وسماع بعض الألفاظ النابية من أشخاص آخرين.
- تشجيع الطفل على التجريب والخطأ: فلا بد من دعم الطفل ليحاول حل مشكلته بنفسه دون الخوف من الفشل، والتعلم من الأخطاء وتحسين الأداء في المرات اللاحقة.
- توفير بيئة محفزة: فإنشاء بيئة محفزة وداعمة للطفل، تتيح له التفاعل مع أشياء جديدة واكتشاف العالم من حوله، وإيجاد الحلول الناجحة لمواجهة التحديات.
إن تعزيز مهارة حل المشكلات لدى الأطفال وتطوير قدراتهم العقلية والاجتماعية بشكل إيجابي، ضرورة حياتية لا غنى عنها، لأنه لا يُمكن لأي فرد أن يعيش حياة كاملة دون أن تواجهه صعوبات وعقبات غير متوقعة، ما يجعل من هذه المهارة عنصرًا أساسيًّا لابدّ منه، خصوصًا أن من أبرز منافعها تحويل المستحيل إلى ممكن، والوصول إلى التميّز.
مصادر ومراجع:
- رابطة خطباء الشام: هدي المصطفى في التعامل مع المشكلات.
- إيناس الشربجي: المنهج النبوي المحمدي في حل المشكلات.
- فاطمة عياصرة: مفهوم حل المشكلات.
- عمر المختار: تنمية مهارة حل المشكلات عند الاطفال.
- سوبر ماما: كيفية تعليم مهارة حل المشكلات للأطفال؟
- سامي بلال: كيفية تنمية مهارات حل المشكلات عند الأطفال.
- خيرية هنداوي: كيف تعلمين طفلك مهارة حل المشكلات؟