السؤال
قرأت إعلانا في أحد المجموعات عن دورة تدريبية لتعليم الأطفال مهارات التواصل الفعال، وكيفية تعامل الأطفال مع مشاعرهم والتعبير
عنها؟
تعجبت من فكرة تعلم التعبير عن المشاعر على أساس أن الشعور أمر فطري ولا أتخيل ماذا سيكون محتوى هذا الكورس، فهل فعلا من
المفيد أن يتعلم الطفل من خلال دورة تدريبية، كيفية التواصل وكيفية تعبيره عن مشاعره؟، أرجو الإفادة وتوضيح أهمية تعلم ذلك، وهل
أستطيع تدريبه في المنزل بديلًا عن إرساله للتعلم؟
الرد
السائلة الكريمة:
لا شك أننا جميعا نعرف كيف نتواصل، لكن أكثرنا لا يعرف كيف يتواصل بطريقة فعالة تجعل الآخرين من حوله ينتبهون له ويستمتعون
بالتحدث معه، نعم هناك طرق إذا ما تعلمناها يسرت وطورت من تواصلنا مع أبنائنا وتواصل أبنائنا مع الآخرين، ولا ضرورة دائما
لحضور دورات وفعاليات للتعلم إذا لم يتيسر ذلك، فيكفي أن تحركي مؤشر البحث على جوجل بالكلمات التي ترغبين في إيجاد مادة
علمية فيها، ستجدين عشرات بل مئات الروابط.
المهم أن تعرفي كيفية الانتقاء من بين كل ذلك، حتى تميزي الغث من الثمين، لذا يختصر عليك مقدمو مثل هذه العلوم البحث والتنقيب
ويأتون إليك بالخلاصة بعد التجريب، فإن تيسر الاشتراك فبإذن الله تجدين الثمرة والعائد المرجو، وحتى حصول ذلك، نيسر لك بعض
المعلومات التي تعينك على تطوير التواصل الفعال، وتدريب أطفالك على التعبير عن مشاعرهم.
ولنا في نهج الحبيب المصطفى- صلى الله عليه وسلم- في جودة تواصله مع صحبه الكرام، الأسوة والقدوة، فكان إشراق وجهه وحُسن
هيئته أولى درجات سلم التواصل، فكان يجبر من يراه على حبه وتصديقه كما قال عنه أعرابي: (هذا ليس بوجه كذاب)، كما كان يستخدم
الحبيب المصطفى- صلى الله عليه وسلم- الابتسامة والملاطفة؛ قال جرير بن عبد الله: (ما رآني رسول الله إلا تبسم)، وكان يعرف أيضًا
غضبه من احمرار وجهه، بعكس ما قد يصنعه البعض من تخبئة مشاعر الغضب خوفًا من المواجهة أو تحسبًا لعدم فساد العلاقات، بينما
هذه الغضبة التي قد ترى في وجه الحبيب هي بمثابة رسائل سريعة صامتة، وكان غضبه- صلى الله عليه وسلم- حينما تنتهك حرمة من
حرمات الله.
كما استخدم الحبيب لغة الحوار- أهم لغة للتواصل- وكان للتواصل الجسدي عنده محطات ومحطات، ففي حديث (أنا وكافل اليتيم في
الجنة كهاتين)، أشار بإصبعيه السبابة والوسطى، فأي تبيان أعظم. كما قال: (بُعثت أنا والساعة كهاتين وأشار بإصبعيه)، كما علّم ابن
مسعود التشهد وكفه بين يدي رسول الله، واستخدم الحبيب المصطفى- صلى الله عليه وسلم- وسائل الإيضاح؛ فرسم خطًا على الأرض
ورسم بجواره خطوطًا، وقال: هذا صراط الله وهذه السُبل.
كما استخدم نبرة الصوت في إيضاح الرسالة، فيرفع صوته تارة ويكرر الجمل تارة أخرى وذلك كما في قوله تحذيرا: "ألا وقول الزور
ألا وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت"، فحينما نكون بحاجة إلى التأكيد على شيء مهم نكرره، ونستخدم مرادفات
مشابهة للتوكيد على أهمية ما يقال،
وكان صلى الله عليه وسلم إذا نادى غلاما يعلمه ناداه بيا (بني)، نداء بأحب العبارات، علنا تحت وطأة الضغوط لا نفعل ذلك مع أبنائنا
وقد ننعتهم بما يكرهون ثم نطلب منهم بعدها قول "نعم وحاضر" فكيف؟!
إذا ما تتبعنا فعل الحبيب المصطفى في جودة تواصله مع صحبه الكرام فلن تكفينا مؤلفات ومؤلفات، يكفي أن نصطحب فعله أسوة
واقتداء، وتذكر ملامح تصرفات الحبيب مع صحبه، ونسعى أن نكون مثله.
إليكِ بعض النصائح التي تعينك على الوصول لمستوى جيد من التواصل مع أطفالك، وحينما تكونين قدوة لهم يتشربون ذلك من تلقاء
أنفسهم:
● أن تكوني مستمعة جيدة: وهذا يعني أن تصفي ذهنك قبل التواصل مع أبنائك عما يشغلك عنهم، واستخدام لغة الجسد في
الإنصات بكل حواسك، وتعد لغة العين مهمة جدًا في متابعة الحوار والتفاعل مع المتحدث، فعودي أبنائك على النظر في
عيونك وبادليهم أيضًا النظر.
● اختيار الوقت المناسب: فإذا ما أردت التحدث مع أبنائك في أمر ذي بال، فاختيار الوقت المناسب يعد من ضرورات التواصل
الفعال، فكيف لهم أن يسمعوك وهم مشغولون! فإعلامهم بالموعد مسبقًا يجعلهم جالسين بين يديك وهم في وضع مهيأ للاستماع.
● الجلوس في نفس المستوى: سواء كان المتحدث إليه طفل أو من هم في نفس سنك.
● طرح الأسئلة: وذلك أثناء الاستماع، مما يعني أنكِ متابعة جيدة لتفاصيل ما يحكيه ولدك، فمثلا يحكي عن مشكلة بين أكثر من
صديق، فسمي له أحدهم واسأليه (تقصد أن حمزة هو المخطيء)؟
● تجنب الصراخ، فالصراخ يقطع كل سبيل للتواصل، وتكراره يفسد محتوى الكلام الذي يقال، قد ننفعل أحيانًا، هذا مقبول، لكن
الانفعال أغلب الوقت يشعر الطفل بالتهديد، ويتجنب التواصل.
● التعاطف؛ كالاحتضان حين الخوف، والربت على كتف الطفل حين الحزن، والمواساة بيدك على يديه حين الألم، فلا تكتفي
بالتواصل بالعبارات فقط.
● لا تنتقدي، إذا جاءك ابنك شاكيًا، اسمعيه وتفهمي مشاعره، ولا تنقديه في جلسة بث الهموم هذه، لاحقًا علقي على ما ترين فيه
الفائدة والمصلحة، وليس التعليق من أجل انتصارك لرأيك.
● التواصل من خلال القصص واللعب، خصوصًا في السن الصغيرة، وهو ما يعرف بالوقت الخاص بالطفل لا تتنازلي عن
تثبيت وقت يومي لهذا النوع من التواصل، فتأثيره على جودة التواصل بينكم لا يعوضه انشغال بهاتف، ومتابعة برنامج.
● شاركيه اهتماماته، وهذا ذروة سنام التواصل، لا أن تشاركيه المهارات المشتركة فقط، بل تشاركيه اهتماماته هو، فيشعر
بالتقدير واحترام اختياراته، فتعلو أسهمك لديه أكثر وأكثر.
حينما نتواصل جيدًا، يهيئنا ذلك للانتقال للجزء الثاني من سؤالك وهو الحديث عن المشاعر، فكيف نرتقي بمشاعر أبنائنا دونما أن نكون
جيدي التواصل معهم! قد لا يولي الأهل بالًا للتعلم عن المشاعر، لكن في الحقيقة هي بأهمية أي شيء نسعى لتعلمه، لماذا؟
● لأن التعبير عن المشاعر يؤدي إلى الراحة النفسية، فحبس الشعور أيا كان سعيدًا أم حزينًا شيء مؤذٍ.
● التعبير عن المشاعر يحسن من ثقة الطفل بنفسه.
● يجعل من الطفل إنسانًا ناجحًا لانخراطه في المجتمع بأسلوب سهل يعبر فيه عن نفسه، ما يحب وما لا يحب، فيستطيع صنع
دوائر آمنة للعلاقات من حوله.
● يمنع عنه الوقوع في حالة من حالات الاكتئاب والإحباط نتيجة كبت الشعور.
● التعبير عن المشاعر يجنب الطفل عمل سلوكيات مؤذية له ولمن حوله؛ لنفسه بالانزواء، وللآخر عن طريق (تحول الطفل
لشخص يسبب مشكلات/ أو (يهزر) حتى يداري مشاعره/ أو يتحول للشخص الذي يساعد الكل حتى يعوض مشاعر الخزي
الناتجة عن مشاعره المكبوتة نحو أحدهم.
لماذا لا يعبر الطفل عن مشاعره أحيانا؟!
● لأنه لم يجد القدوة، فدفن مشاعرنا نحن الكبار وعدم احترام حزننا وغضبنا بتجاوز المواقف سريعًا بشكل غير صحي باعتبار
أن الأيام تنسي، بينما الحقيقة أن المشاعر موجودة وسيأتي عليها وقتا تسبب انفجارًا مدويًا.
● لا يعرف الطفل ما يمر به، فيأتي دورنا في إقتراح مسميات لمشاعره، مثل هل أنت غضبان، أم متضايق، أم حزين، هذه ثلاثة
مسميات لثلاثة مشاعر مختلفة، عادة ما نعبر عنهم بكلمة واحدة أنا متضايق! بينما إذا تعلم الطفل الفرق نجده أجدر على التعبير
عما يعتمل في صدره.
● قد لا يعبر الطفل عما بداخله برغم معرفته نوع الشعور لأنه غير مطمئن فقد جرب قول ما ألم به في السابق، وقوبل كلامه
بإنكار أو استهزاء أو صراخ، فحتى يعبر الطفل يجب أن يطمئن أن هناك من سيسمعه ولن يعنفه أو يستهزئ به أو يصمه.
● ألا تكون لديه المفردات المعينة على التعبير، فقد يعرف الشعور الذي لديه ومطمئن لنا ككبار، لكنه لا يعرف الكلمات المناسبة
لوصف الشعور، يحدث هذا كثيرًا في المدارس في الحصص التي تجبر الطفل على التحدث باللغة الثانية، فقد يجيد الطفل فهم
مشاعره باللغة الأم لكن من الصعب عليه معرفة مسمى الشعور في لغة أخرى، لذا نوصي المدرسين بعدم التشديد على التحدث
باللغة الثانية طول الوقت لأن هذا سبب من أسباب حبس الكلام عند الأطفال.
● ربط التعبير عن المشاعر بنقصان الحق، فإذا ما رأينا الطفل يبكي نصرخ فيه (العياط هو اللي هايجبلك حقك!)، فيتعلم كبت
الشعور، أو نقول (الرجل لا يبكي!)، أو نعتبر غضب الأطفال بين أيدينا من سوء الأدب، فكلما انفعل الطفل متأثرًا بما يحكي،
نلاحقه بالتهديد والوصم بسوء الأدب، فلا يحكي مرة ثانية.
مما سبق بينا أهمية التعبير عن الشعور ولماذا لا يعبر الأطفال. نوضح في الفقرة التالية طرق ووسائل تدريب الأطفال على التعبير:
● تسمية المشاعر الأساسية الأربعة للتعبير عما بداخل الطفل (سعيد /حزين /خائف / غضبان).
● استخدام دوائر كرتونية فارغة تعبر عن المشاعر الأربعة يلصق عليها وجه مبتسم أو حزين أو خائف أو غاضب، ثم نطلب من
الطفل وضع التعبير الذي يمر به على الكرتون.
● لا نكتفي بوضع التعبير على الوجه، نتابع التدريب بسؤال الطفل عن سبب شعوره، فيتعلم البحث عن منبت الشعور، فقد يقول
أنا غضبان ويكون سبب الغضب الجوع أو التعرض لموقف جارح، فالشعور واحد، لكن منشؤه مختلف، وبالتالي ما يترتب
عليه تصرف مختلف بالكلية، يترجمه البعض بالأكل في الحالتين، وهو ما قد لا يحتاجه الموقفين حقيقة!
● في السن الصغير (3 سنوات)، من الممكن أن نكتفي بتسمية الشعور على نحوين (شعور جيد/ شعور غير جيد)، ومع مزيد من
التدريب يتعلم تصنيفات المشاعر المختلفة.
● استخدام القصص في إخراج مشاعر الأطفال المكبوتة بسؤالهم عن مشاعر البطل لما رجع للبيت ولم يجد والدته مثلا، هنا
سيتحدث الطفل بطلاقة عما لو قلت له بشكل مباشر: تعمل إيه لو مرة رجعت ولم تجد ماما بالبيت؟!
● تلعب الدراما دورًا رائعًا في تطوير تعبير الطفل عن مشاعره، من خلال توزيع أدوار من نريد معرفة مشاعر الطفل نحوه،
كأن يمثل دور ابن الجيران حينما يأتي ويلعب بألعابه، نسمع من الطفل ولا نحكم عليه ولا نعطيه نصائح في تلك المرحلة.
● -التمثيل بالعرائس والحيوانات، تجعل الطفل يتقمص الدور ويخرج مشاعره التي يراها في الدور الذي يقوم به، قد يحتاج
لمساعدته في تسمية مشاعر مختلفة، خصوصًا إذا كان سيعبر عن موقف فيها مشاعر جديدة عليه ( كالشعور بالخزي والشعور
بالاشمئزاز والشعور بالذنب، فهذه تسمى مشاعر مركبة لا يسهل على الطفل التعرف عليها من تلقاء نفسه، في نفس الوقت
الاحتفاظ بتلك المشاعر وعدم التعبير عنها قد تترجم إلى أعراض ألم في جسده).
● ننتقل هنا إلى إشارة مهمة عن علاقة الشعور بكيميا المخ وتأثيره على الجسد بشكل مباشر، فيتطور تدريبنا للطفل بشرح مكان
الشعور في جسده، فمثلًا في حال السعادة، نجد الطفل يقفز ويجري، وفي حال القلق والارتباك، يظهر الألم في بطنه، وفي حال
الخوف تعلو ضربات القلب، وفي حال الغضب يحمر الوجه، وفي حال الحزن يتكاسل الجسد، فإذا ما تعلم الطفل التعبير عن
مكان شعوره في جسده طور هذا من تعبيره عن مشاعره، كما ساعده في التعرف على وسائل تهدئة جسده.
● يقودنا هذا للتعرف على تمارين استرخاء العضلات فالتدريب عليها يساعد في فكّ الشعور، فالصلصال وكرة الضغط من
الأدوات التي نعطيها للأطفال لتفريغ شحنات جسدهم، حتى يهدأوا ويخرجوا مشاعرهم، هذه التدريبات تعرف "بالانقباض
والانبساط المتوالي"، فيربط الطفل بين ما يحدث في جسده وما يحدث في مخه، فكما تنبسط عضلات الجسم تنبسط خلايا المخ،
يرتاح الجسم، فترتاح مشاعرنا، ويجد الطفل معنا مساحة آمنة للتعبير عما بداخله، ساعدناه للاستماع لجسده، فهل سنضن عليه
ببث شكواه لنا؟! لا أظن أن أبًا كريما أو أمًا صابرة محتسبة تفعل مثل هذا وأكثر ولا تنال ابنًا بارًا حنونًا، جيد التواصل معهم
ومع من حوله، لا يضن عليهم بمشاعره، كما لم يضنوا عليه بأطيب ما يملكون (وقتهم وأعمارهم).