المؤلف: عبد الرحمن النحلاوي
الناشر: دار الفكر بدمشق – الطبعة الأولى – 1421هـ/ 2000م
الحوار القرآني موجه من الله إلى عباده، ليتجاوبوا مع نداء ربهم. وقد أراد الله للناس أسلوب الحوار؛ ليشعرهم بمكانتهم عند ربهم، وليستخدموا نعمة العقل والتمييز بين الخير والشر، وبين الحق والباطل.
والحوار القرآني صادق حتمي النتائج. وقد تنوعت أشكال الحوار القرآني وأصنافه بتنوع مقاصده؛ ليواكب الحاجات الفطرية الإنسانية؛ فكان منه الحوار الخطابي بأشكاله التسعة: التعبدي، والتذكيري، والإيماني، والإنساني، والموجه إلى النبي- صلى الله عليه وسلم-، والبرهاني، والتعليمي، والتعريضي، والوصفي. والحوار القرآني بجميع أصنافه وصيغه، يهذب المشاعر، ويوقظ الوجدان، ويربي العواطف الربانية، ويجيب على أسئلة السائلين. فهو أسلوب تربوي فريد في قوة تأثيره وعمق آثاره التربوية والنفسية على الإنسان.
ويتكون هذا الكتاب من مقدمة وسبعة فصول، كما يلي:
الفصل الأول: المعنى اللغوي والتربوي للحوار وتعريف الحوار القرآني والنبوي.
الفصل الثاني: تصنيف الحوار القرآني والنبوي.
الفصل الثالث: الحوار القرآني القصصي.
الفصل الرابع: الحوار في القصة القصيرة.. مثال وتحليل.
الفصل الخامس: الحوار التعليمي.
الفصل السادس: أهداف التربية بالحوار القرآني.
الفصل السابع: التحليل النفسي والآثار التربوية للحوار القرآني.
ملخص الكتاب
الفصل الأول: المعنى اللغوي والتربوي للحوار وتعريف الحوار القرآني والنبوي
المعنى اللغوي والتربوي للحوار:
جاء في مختار الصحاح:” المحاورة: المجاوبة، والحوار التجاوب”.
أصبح التعليم عن طريق الحوار أسلوبًا تربويًا معتمدًا، ومعناه تعليم الناشئ عن طريق (التجاوب) معه، فالمربي يُرجع إلى المتعلم ما أخذ منه بالاستجواب، بعد أن يبني عليه المعلومات الجديدة التي تلزم عنه لزوما منطقيا فطريا، بدهيا.
– تعريف الحوار القرآني والنبوي:
يمكن تعريفه بأنه “كل نداء أو خطاب، أو سؤال يوجهه القرآن، أو يحكيه موجَّها إلى منادىً ومخاطَب أو مخاطبة، حول أمر هام. أو يوجهه النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى أصحابه أو إلى المسلمين، بقصد توجيههم، أو توجيه اهتمامهم إلى هذا الأمر أو إلى تحقيق هدف معين أو القيام بسلوك فكري أو اعتقادي أو اجتماعي أو أخلاقي أو تعبدي.
– العناصر التربوية التي يتكون منها الحوار القرآني والنبوي:
يحاول المؤلف أن يستنبط العناصر التي يتكون منها الحوار؛ من الحوار النبوي في الحديث الذي رواه عدي بن حاتم، ودار بينه وبين النبي- صلى الله عليه وسلم- في قوله تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ َ﴾ (التوبة:31).
ويذهب المؤلف إلى: أنه يمكن أن نحلل هذا المثال إلى مراحل الحوار أو عناصره، وهي:
1- أسئلة أو تقرير معلومات تثير عند المتعلم التساؤل، ليعطي رأيه حول الموضوع الذي يراد مناقشته.
2- أسئلة أو تقرير معلومات تبيِّن للمتعلم أن ما أدلى به في جوابه يؤدي إلى أفكار خاطئة أو ناقصة؛ ليصبح مستعدًا لتلقي المعلومات الصحيحة.
3- تقرير المعلومات التي يراد هداية المخاطب إليها والعمل بها.
قال الراوي: ثم دعاه إلى الإسلام فأسلم، وشهد شهادة الحق (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله). وبهذا أوصله المعلم المربي لهذه الأمة نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم- إلى الإقرار عن قناعة وبرهان بالهدف الذي بدأ معه الحوار من أجله.
– مثال من الحوار القرآني على مراحل الحوار:
لما كان الحوار القرآني البرهاني الذي يثبت بطلان عبادة غير الله، ويدعو إلى توحيد الله بالعبادة، موجها أولا إلى المشركين، وهو الذي يمكن تحليله إلى هذه العناصر أو المراحل التربوية. ولما كان المشركون قد لجّوا في عنادهم وطغيانهم فلا يتوقع منهم أن يتجاوبوا مع هذا الحوار القرآني. لذلك سنرى أن القرآن يتولى صياغة أسئلة وأجوبة تغني عن جواب المشركين، ليقيم عليهم الحجة بها، وليتم تقرير ما يراد تقريره.
يقول المؤلف: والمثال الثاني خير دليل على ذلك؛ وهو الحوار القرآني مع المشركين الوارد في قوله تعالى: ﴿قُلۡ مَن یَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِ أَمَّن یَمۡلِكُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَـٰرَ وَمَن یُخۡرِجُ ٱلۡحَیَّ مِنَ ٱلۡمَیِّتِ وَیُخۡرِجُ ٱلۡمَیِّتَ مِنَ ٱلۡحَیِّ وَمَن یُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَۚ فَسَیَقُولُونَ ٱللَّهُۚ فَقُلۡ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31) فَذَ ٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمُ ٱلۡحَقُّۖ فَمَاذَا بَعۡدَ ٱلۡحَقِّ إِلَّا ٱلضَّلَـٰلُۖ فَأَنَّىٰ تُصۡرَفُونَ(32)﴾ (سورة يونس).
التحليل التربوي لهذا المثال:
1– المرحلة الأولى أو العنصر الأول: تتجلى في أسئلة تكشف ما عند المخاطب من معلومات حول الموضوع الذي يراد مناقشته وتقريره؛ إلى أن يحكي لنا إقرار المشركين بصفات الله الرازق المحيي المميت المدبر للكون، ونحوها مما لا يمكن أن يتصف بها الشركاء الذين يعبدونهم مع الله، ليبني على هذا الإقرار تتمة الحوار.
2- المرحلة الثانية أو العنصر الثاني: أسئلة تكشف عن خطأ المشركين وضلالهم وبعدهم عن الصواب.
3-المرحلة الثالثة أو العنصر الثالث: يقرر القرآن فيها الحقيقة التي تلزمهم ولا يعترفون بها. (فأنى تصرفون). كيف تصرفون عن الحق وهو عبادة الله وحده والدينونة له، وترك عبادة الأصنام، والاعتقاد بأنه هو المشرِّع المستحق للعبادة.
الفصل الثاني: تصنيف الحوار القرآني والنبوي
النوع الأول: الحوار البرهاني
معناه وعناصره: سُمي هذا الحوار برهانيا؛ لأنه بمجموع أسئلته وأجوبتها يؤلف برهانا منطقيا يُلزم المخاطب (أو المخاطبة) الإقرار بالأمر الذي صيغ الحوار من أجل إقناعهم به وهدايتهم إليه. ففي المثال السابق من سورة يونس، يلخص معنى الأسئلة القرآنية وأجوبتها التي تلزم المشركين، ولا محيد لهم عنها، كما يلي على صورة مقدمات برهانية تلزم عنها النتيجة لزوما بدهيا فطريا منطقيا يقر به كل ذي عقل صحيح وفطرة سليمة.
المقدمات:
1- الله هو الذي يرزقكم من السماء والأرض، وهو الذي يملك السمع والأبصار، ويخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي، ويدير أمر الكون والليل والنهار وجميع الكواكب والأفلاك.
2- لا يستحق العبادة والألوهية من لا يرزق ولا يخلق ولا يدبر أمور الكون، ولا أحد غير الله يستطيع ذلك.
النتيجة: إذن، لا إله إلا الله الرازق الخالق المحيي المميت المدبِّر لشؤون الكون.
مثال وتحليل:
وهذا مثال آخر على الحوار البرهاني: للبرهان على وجود الخالق وتفرده بالألوهية:
﴿أَمۡ خُلِقُواْ مِنۡ غَيۡرِ شَيۡءٍ أَمۡ هُمُ ٱلۡخَٰلِقُونَ * أَمۡ خَلَقُواْ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَۚ بَل لَّا يُوقِنُونَ * أَمۡ عِندَهُمۡ خَزَآئِنُ رَبِّكَ أَمۡ هُمُ ٱلۡمُصَۜيۡطِرُونَ * أَمۡ لَهُمۡ سُلَّمٞ يَسۡتَمِعُونَ فِيهِۖ فَلۡيَأۡتِ مُسۡتَمِعُهُم بِسُلۡطَٰنٖ مُّبِينٍ * أَمۡ لَهُ ٱلۡبَنَٰتُ وَلَكُمُ ٱلۡبَنُونَ * أَمۡ تَسَۡٔلُهُمۡ أَجۡرٗا فَهُم مِّن مَّغۡرَمٖ مُّثۡقَلُونَ * أَمۡ عِندَهُمُ ٱلۡغَيۡبُ فَهُمۡ يَكۡتُبُونَ * أَمۡ يُرِيدُونَ كَيۡدٗاۖ فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هُمُ ٱلۡمَكِيدُونَ * أَمۡ لَهُمۡ إِلَٰهٌ غَيۡرُ ٱللَّهِۚ سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشۡرِكُونَ) [الطور 35 – 43].
وهذا النوع من الحوار البرهاني يقوم على إسقاط حجج الخصم عن طريق السؤال حجَّة بعد حجَّة، حتى لا يبقى له إلا التسليم بالحق الذي يراد هدايته إليه. وكل حجة يوضح القرآن بطلانها ويبرهن عليه، ينتهي بذلك إلى إثبات الحق في مقابلها، فيتكون من مجموعة الحقائق التي يثبتها مقدمات ونتيجة منطقية تلزم عنها يمكن تلخيصها على النحو التالي:
المقدمات:
1- الله هو الذي خلق البشر والسماوات والأرض، والمشركون هم وشركاؤهم ليسوا قادرين على شيء من ذلك (الآيات: 35- 36).
2- الله هو الذي يرزق البشر من خزائنه وهو المسيطر على توزيع الرزق يبسطه حيث يشاء، ويمسكه عمن يشاء (الآية 37).
3- الله هو الذي ينزل القرآن على نبيه، وليس للمشركين ولا لشركائهم أي صلة بالملأ الأعلى (الآية 38).
4- هذا النبي الذي يدعوهم إلى الإسلام لا يطلب منهم مالا ولا جاها.
5- المشركون ليس لهم أي اطلاع على الغيب، حتى يدّعوا كذب النبي- صلى الله عليه وسلم- أو يدعوا أن لله شركاء (الآية 41).
النتيجة:
هذه هي النتيجة اللازمة عن هذه المقدمات الخمس في هذا الحوار القرآني ختم الله بها الحوار. وأجاب بها جوابا شاملا، عن كل هذه الأسئلة التي طرحها؛ ليبين ضعف المنطق المتهافت الذي تقوم عليه عقيدة المشركين وشركهم وعبادتهم غير الله. والمراحل التربوية في هذا المثال يمكن تحليلها كما يلي:
1- المرحلة الأولى: تتجلى في الأسئلة الموجهة إلى المشركين، وهي التي تنبئ عما يقرون ويعترفون به من أن الله هو خالقهم ورازقهم، لذلك أغنت عن أجوبتهم.
2- المرحلة الثانية: يمثلها السؤال (أم لهم إله غير الله)، ومفاده أنه لا إله غير الله يقدر على شيء مما سئلوا عنه، وهذا بإقرارهم.
3- المرحلة الثالثة: تقرير المعلومات التي تلزم عن المرحلتين السابقتين، وتأتي في قوله تعالى: (سبحان الله عما يشركون). أي تنزه الله عن أن يكون له أي شريك يستحق أن يعبد معه.
النوع الثاني: الحوار الوصفي
تعريفه: هو حوار بين طرفين أو أكثر، يصف الحالة النفسية لبعض المتحاورين، أو يُشعر السامع والقارئ بها؛ بقصد هدايته إلى الاقتداء بالصالحين، والابتعاد عن سلوك الشريرين الذي أودى بهم وأوصلهم إلى هذا الندم والعذاب النفسي والجسدي. وهو على ثلاثة أشكال:
1- حوار بين أهل النار بعضهم مع بعض، وقد يتخلله عنصر ثالث يصدر الأوامر، أو يعلق على الحوار.
2- حوار بين أهل الجنة بعضهم مع بعض.
3- حوار بين أهل الجنة والناس أصحاب الأعراف.
وسنكتفي بالنوع الأول من الحوار، على أساس أنها حوارات وصفية تصف الحالة التي عليها المتحاورين أو أحد أطراف الحوار.
الشكل الأول: حوار بين أهل النار (مثال وتحليل)
المشهد الأول: مقدمة الحوار
في سورة الصافات، يعرض القرآن هذا الحوار بين منكري البعث، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم-:
﴿وَقَالُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ * أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ * قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ).
المشهد الثاني: يصفهم بعد أن بعثوا من قبورهم
﴿ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ * وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَٰذَا يَوْمُ الدِّينِ﴾.
المشهد الثالث: يصف لنا الحق جل جلاله رده عليهم، وحكمه العادل فيهم، إذ ألقى بهم جميعا في الجحيم، هم وشركاؤهم وما كانوا يعبدون.
﴿هَٰذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ * احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْجَحِيمِ). إلى قوله تعالى: ﴿فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ * إِنَّا كَذَٰلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ).
ثم يذكر الحق سبحانه سبب ضلالهم وغوايتهم: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ﴾. ويترفعون عن عبادة الله الخالق انتصارا لأصنامهم وشركائهم الذين يعبدونهم مع الله تعالى. ﴿وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ). ويرد الله على هذه الفرية التي كانوا يفترونها على نبيه، بقوله تعالى: ﴿بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ﴾.
ثم يبين لهم جزاءهم وما يستحقونه بسبب أعمالهم، وبذلك يختم هذا الحوار. ﴿إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ * وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.
أما المراحل التربوية، فلا تنطبق على هذا الصنف من الحوار؛ لأنه حوار وصفي يصف لنا واقعا، وليس حوارا تعليميا، أو إرشاديًّا يراد به إيصال معلومات إلى الآخرين بأسلوب مقنع، وكأنهم هم الذين يدلون بها. وإنما يصف لنا هذا الحوار ما يصف لنعتبر بأحوال أهل الجنة والنار، فنطمع في جنة الله، ونخشى عذابه، ولنتبع رسله على الحق الذي جاؤوا به من عنده جلّ جلاله.
الفصل الثالث: الحوار القرآني القصصي
أولًا- تعريفه:
هو حديث يجري على شكل سؤال وجواب بين شخصيات القصة الذين يقومون بأهم أحداثها، أو تتمثل فيهم تلك الأحداث والمفاجآت، أو تجري عليهم المآسي والآلام التي تتميز بها القصة. وهو الحديث الذي يدل على ما يتوقع من أحداث القصة قبل وقوعه، أو يحكي بعض ما جرى من تلك الأحداث بعد وقوعه، أو يصف بعض النوازع والرغائب والدوافع والنوايا التي تدور في نفوس أشخاص القصة، وتحرك سلوكهم في القصة، سواء تحققت أم لم تتحقق، فأحدثت منعطفات ومفاجآت جديدة في مجريات القصة.
واكتفى المؤلف بشكلين من أشكال الحوار القصصي: الحوار في القصة الطويلة، والحوار في القصة القصيرة.
ثانيا- أشكاله:
1- الشكل الأول من أشكال الحوار القصصي القرآني:
الحوار في القصة الطويلة:
وهو الشكل الأغنى بالتفاصيل والأهداف وتنوع شخصيات الحوار، حتى تشمل نماذج إنسانية مختلفة، تعرض من خلالها مختلف المشاعر والعواطف والعلاقات الإنسانية من أبوة وأخوة وبُنوة، واقتصادية، وخدمية، وربانية؛ لتصحيح المسارات الخاطئة. وقد اختار لها المؤلف مثالا: قصة يوسف، التي تجمع ذلك كله إلى جانب الهدف الأسمى المشترك في جميع القصص القرآني، وهو الدعوة إلى توحيد الله، واتباع نهجه، مع استكمال عناصر القصة وإحكام عقدتها وتحقيقها للأهداف الأخلاقية والاعتقادية التي اختارها لها القرآن الكريم.
أ- المشهد الأول:
يعرضه لنا القرآن مع مقدمة قصيرة، تبين أهمية القصة، ومكانتها في القصص القرآني، ثم يشير المشهد إلى عقدتها ولمحة عن بطلها. وفي هذا خطاب للرسول- صلى الله عليه وسلم: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾.
وفي هذا إشارة إلى أن هذه القصة هي من أحسن القصص الذي أورده الله في كتابه ليكون عبرة لنا:
تبدأ قصة يوسف عليه السلام من أول قوله تعالى على لسان الأب: (يا بني لا تقصص رؤياك…).
وتنطوي هذه الفقرة من الحوار على أمرين هامين تعتمد عليهما القصة:
الأمر الأول: التعريف ببطل القصة (يوسف).
الأمر الثاني: عقدة القصة، كما يسمونها، وهي ما تبعثه القصة من رغبة ملحة في النفس، لمتابعة أحداثه ومعرفة نتائجها التي توحي بها مقدماتها.
ب-حوار المشهد الثاني: المؤامرة والمحنة الأولى.
ج-حوار المشهد الثالث: المحنة الثانية (في منزل عزيز مصر).
د-حوار المشهد الرابع: شيوع القصة بين نساء وزراء الملك وحاشيته.
هـ-حوار المشهد الخامس: بين يوسف والسجناء.
المحنة الثالثة: يوسف في السجن
– يوسف يتابع دعوة السجناء إلى التوحيد.
– يوسف يفسر رؤيا صاحبيه في السجن.
– يوسف يوصي أحد صاحبيه أن يذكره عند الملك.
و- حوار المشهد السادس
انفراج المحنة: حوار في قصر ملك مصر.
– محاكمة امرأة العزيز.
– يوسف يتقلد رئاسة الوزراء.
ز- المشهد السابع
أ- حوار يوسف عزيز مصر مع إخوته.
ب- حوار إخوة يوسف مع أبيهم.
ت- المرحلة الثانية: حوار الإخوة مع يوسف.
ث- حوار في المرحلة الثالثة: التعارف والتعرف على يوسف.
ج- حوار المشهد الثامن: البشارة واجتماع الشمل.
2-الشكل الثاني: من أشكال الحوار القصصي القرآني في القصة القصيرة:
تعريفه: هو حوار مؤلف من مجموعة أسئلة ونصائح متتابعة، يتخللها بعض الأجوبة أو التعليقات. وتنصب جميع هذه الأسئلة والنصائح في مجال العمل على تحقيق الأهداف والقناعات الاعتقادية، والمطلوب تبليغها إلى المخاطبين لحملهم على تحقيق المنهج التشريعي الرباني الذي يلزم عن هذه القناعات، لينظموا حياتهم وعلاقاتهم وفقا لهذا المنهج الرباني..، ثم تختم القصة بالخاتمة المناسبة مع موقف المخاطبين، وردّهم.
مثال وتحليل:
يبدأ هذا النص القرآني الحوار بين أهل مَدْين ورسولهم شعيب، وتقتصر المقدمة على جملة خبرية تعرفنا بالنبي الذي يدير هذا الحوار، وبقومه الذين يحاورهم من أهل مدين (وَإِلى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا) [هود:84]. ويترك التفاصيل معتمدا على معرفة العرب الذين أنزل إليهم هذا القرآن، وعلى بعض الإشارات العابرة التي سترد في طيات هذا الحوار.
مثال وتحليل: يبدأ هذا النص القرآني الحوار بين أهل مدين ورسولهم شعيب
يعرفنا القرآن أن الله أرسل إلى أهل(مدين) أخا لهم؛ رسولا منهم: من قرابتهم وأبناءَ عمومتهم، يعرفهم ويعرفونه، وتقع بلدتهم (مدين) في الطريق من الحجاز إلى الشام. فكان أول ما دعاهم إليه واضحا في الحلقة الأولى من الحوار الذي أجراه معهم، وورد في سورة هود من الآية 84 إلى الآية 95:
شعيب: (قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) دعاهم أن دينوا لله وحده.
شعيب: (وَلَا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ). إذ كانوا يبخسون الناس أشياءهم. وكانوا يقطعون الطريق على القوافل، لذلك هددهم بعذاب الله.
شعيب: (وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ). كرر شعيب محاولته في إصلاح نفوسهم، فبعد أن حذرهم من الغش ونقص المكيال والميزان، عاد فنصحهم بوفاء الكيل وحذرهم من الغش في الأسعار وجميع المعاملات، وحذرهم من الإفساد والعتوّ في الإفساد.
شعيب: (بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ۚ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ). فما عند الله خير وأبقى وأفضل من سوء العاقبة.
أهل مدين: ( قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ ۖ إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ). يدل جوابهم هذا على أنهم لا يدركون أو لا يريدون أن يدركوا أن الصلاة والعقيدة تقومان على توحيد الخضوع لله، وأنهما ملازمتان لتنفيذ شرائع الله في التجارة والتعامل.
شعيب: ( قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا). إنه يتلطف ليشعرهم أنه على بينة من ربه، وأنه على ثقة مما يقول لهم.
يتابع شعيب حواره (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ). الإصلاح الذي يعود بالخير على كل فرد وكل جماعة. وإن رأوا أنه يفوت الكسب، فهو يفوت الكسب الخبيث.
شعيب يتابع حواره: (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ). إليه وحده أرجع، وإليه أتوجه بنيتي وعملي ومسعاي، وعليه وحده أعتمد في كل أمري.
شعيب: وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ ۚ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ * وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ). لا يحملنّكم الخلاف معي والعناد في مواجهتي على أن تلجّوا في مخالفة ما جئتكم به من عند الله، فيصيبكم ما أصاب المكذبين قبلكم، وأقربهم إليكم قوم لوط.
أهل مدين: (قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا ۖ وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ). إنهم يقيسون القيم في الحياة بمقياس القوة المادية الظاهرة، ولا وزن عندهم للحقيقة والحق الذي يواجههم شعيب به. وهذا شأن النفوس الخالية من العقيدة القويمة والقيم الرفيعة: لا ترى حرمة لدعوة كريمة، ولا تتحرج عن البطش بالداعية الذي يدعوهم إلى الله إلا أن تكون له عصبة تؤويه، أو تكون معه قوة مادية تحميه.
وعندما وجدهم شعيب غارقين في ضلالهم متمسكين بقيمهم المادية، ليس لله عندهم حرمة، بدأ معهم حوارا جديدا يبيّن لهم سوء أدبهم مع الله، ويقارن بين منطقه الرباني، ومنطقهم المادي، وقد فضَّلوا قرابته ورهطه على طاعة الله.
شعيب: (قَالَ يَٰقَوۡمِ أَرَهۡطِيٓ أَعَزُّ عَلَيۡكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَٱتَّخَذۡتُمُوهُ وَرَآءَكُمۡ ظِهۡرِيًّاۖ إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعۡمَلُونَ مُحِيطٞ).
شعيب: ( وَيَٰقَوۡمِ ٱعۡمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمۡ إِنِّي عَٰمِلٞۖ سَوۡفَ تَعۡلَمُونَ مَن يَأۡتِيهِ عَذَابٞ يُخۡزِيهِ وَمَنۡ هُوَ كَٰذِبٞۖ وَٱرۡتَقِبُوٓاْ إِنِّي مَعَكُمۡ رَقِيبٞ).
وهنا يسدل الستار وينتهي الحوار بهذا الافتراق، ليُرفع هناك عن مصرع القوم المكذبين المعاندين، وعن مشهدهم جاثمين في ديارهم، وقد أخذتهم الصاعقة التي أخذت من قبلهم قوم صالح:
(وَلَمَّا جَآءَ أَمۡرُنَا نَجَّيۡنَا شُعَيۡبٗا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ بِرَحۡمَةٖ مِّنَّا وَأَخَذَتِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيۡحَةُ فَأَصۡبَحُواْ فِي دِيَٰرِهِمۡ جَٰثِمِينَ * كَأَن لَّمۡ يَغۡنَوۡاْ فِيهَآۗ أَلَا بُعۡدٗا لِّمَدۡيَنَ كَمَا بَعِدَتۡ ثَمُودُ).
وهكذا خلت منهم الدور، كأنهم لم يعمروها حينًا من الدهر، وطويت صفحتهم في الوجود مشيعين باللعنة والبعد والاشمئزاز منهم ومن عنادهم وكفرهم، كما لعنت ثمود قوم صالح قبلهم.
الفصل الرابع: الحوار الخطابي
الحوار الخطابي:
تعريفه: هو كل خطاب، أو نداء، أو سؤال يوجهه القرآن إلى عباده أو إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، أو غيرهم من الناس، ليحضهم على تلبيته أو الإجابة عليه، أو ليلفت أنظارهم، ويوجه عقولهم وأفئدتهم إلى أمر يهمهم، أو ينبههم إلى سلوك شائن يقوم به المنحرفون ليجتنبه المؤمنون، أو ليذكرهم بفضل الله ونعمه عليهم فيشكروه، أو ليوقظ عواطفهم ووجدانهم.
أشكال الحوار الخطابي في القرآن الكريم
الشكل الأول: الحوار التعبدي
تعريفه ومشروعيته: هو الأسئلة والادعية، أو الأوامر التي وردت في القرآن، لنعبد الله بالإجابة عنها، أو ترديدها كما وردت في القرآن، أو الاستجابة لها؛ وعليه أدلة من فعل الرسول- صلى الله عليه وسلم-، وقوله؛ فقد كان- صلى الله عليه وسلم- قدوتنا في الاستجابة لأسئلة القرآن وأدعيته.
قال ابن عباس: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، إذا قرأ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) قال: سبحان ربي الأعلى. وقوله: ” وإذا مرّ بسؤال سأل”، أي بدعاء دعا به. وكان- صلى الله عليه وسلم-: ” كان إذا قرأ: (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُّحْيِىَ الْمَوْتَى). قال: “سبحانك فَبَلَى”. وهذا هو معنى الحوار التعبدي.
ومن ذلك: ما رواه الترمذي عن جابر قال: “خرجَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ على أَصحابِهِ، فقرأَ عليهم سورةَ الرَّحمنِ من أوَّلِها إلى آخرِها فسَكَتوا فقالَ: لقد قرأتُها على الجنِّ ليلةَ الجنِّ فَكانوا أحسَنَ مردودًا منكم، كنتُ كلَّما أتيتُ على قولِهِ فَبِأيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ قالوا: لا بشَيءٍ من نِعَمِكَ ربَّنا نُكَذِّبُ فلَكَ الحمدُ”.
فهذا الترغيب القولي من الرسول- صلى الله عليه وسلم- في الجواب على أسئلة القرآن إذا أضيفت إلى فعله- صلى الله عليه وسلم-، دلَّ على أن ذلك الحوار أسلوب تربوي رغَّب فيه النبي لتربية الإيمان والعواطف الربانية.
ومن الحوار الخطابي التعبدي ما جاء عن النبي- صلى الله عليه وسلم-: “قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل.. إلى آخر الحديث”.
وتتجلى السمة التربوية للحوار التعبدي في أن الله جعل سورة الفاتحة التي نكررها في الصلاة بضع عشرة مرة في اليوم، لتبقى الصلة به مستمرة، وليربي وجداننا على التجاوب المستمر مع آيات الله، وآلاء الله، ونعم الله. وهذه ميزة الحوار التعبدي.
الشكل الثاني: خطاب الحق، جلَّ جلاله، لنبيه محمد- صلى الله عليه وسلم-
1- أثره في نفس النبي- صلى الله عليه وسلم-: كان النبي- صلى الله عليه وسلم-، يتأثر بهذا الخطاب الرباني، ويخشع حتى تذرف عيناه بالدموع أحيانا؛ مما يترك هذا الأسلوب التربوي الرباني في نفسه من أثر عظيم.
2- الحكمة من هذا الحوار: يأتي خطاب الله عز وجل، لرسوله- صلى الله عليه وسلم-، لحكم عديدة؛ منها:
– إشعاره بمسؤولية التبليغ.
– تعظيم شأنه- صلى الله عليه وسلم-.
– تسليته عما يجابهه أعداء الله به من غلظة وجفاء.
– لفت النظر والانتباه إلى أهمية الأمر الذي يراد تبليغه أو إنجازه مثل الجهاد.
– لفت الأنظار إلى تشريعات جديدة.
– تخصيصه- صلى الله عليه وسلم- بتشريع خاص به.
– تكليفه أن يبلِّغ أمته تشريعا ذا أهمية خاصَّة.
الشكل الثالث: الخطاب الموجه إلى الذين آمنوا. ويأتي لتحقيق أهداف متعددة
– الخطاب الموجه إلى المؤمنين لبناء المجتمع المسلم القائم على البيت المسلم.
– الحوار الخطابي الموجه إلى الذين آمنوا لبيان حكم الله أو بعض الآداب الاجتماعية، وهو كثير.
– الخطاب الموجه للمؤمنين مصحوبا بالنهي والزجر.
– الحوار الخطابي الموجه إلى الذين آمنوا لبيان بعض شروط الإيمان.
الشكل الرابع: الخطاب الموجه إلى الناس؛ وقد أنزل لأغراض، منها:
– ليردهم إلى خالقهم سبحانه وتعالى.
– إشارة إلى أن الذين ينتمون بالولاء إلى رب واحد، سبحانه جل شأنه، هم سواسية أمام الله وأمام شريعته.
– بيان لعظمة ومزايا هذا القرآن الذي أنزل ليكون للعالمين نذيرا.
– دعوة الناس إلى عبادة الله وتوحيده؛ ليتقوا غضبه وعذابه، وليشكروه على آلائه.
– الدعوة إلى الإيمان بالرسول- صلى الله عليه وسلم-، واتّباعه، وبيان أن رسالته عالمية.
– ليبين لهم فضل الله الذي رزقهم وأباح لهم الطيبات.
الشكل الخامس: الحوار الخطابي التذكيري
وهذا الخطاب أو النداء الموجه إلى الناس أو إلى فئة معينة من الناس كأهل الكتاب أو بني إسرائيل أو إلى المؤمنين؛ لتذكير كل هؤلاء إما ببعض ذنوبهم وأخطائهم، وإما ببعض نعم الله عليهم.
أ- الصيغة الأولى: الحوار التذكيري الموجه إلى المؤمنين، ليذكرهم الله ببعض نعمه؛ ليزدادوا إيمانا، وليوجههم إلى السلوك الواجب تجاه هذه النعم، وليبعدهم عن السلوك السيّئ.
ب- الصيغة الثانية: الحوار التذكيري الموجه إلى الناس جميعا؛ ليذكرهم بنعمة الله ليوحدوه، وليشكروه، وليؤمنوا بما وعد الله من البعث والحساب، وأن رزق الله وافر، لا يقدر على تيسيره وتسخيره أحد إلا الله تعالى.
ت- الصيغة الثالثة: الخطاب التذكيري الموجه من الله تعالى إلى بني إسرائيل، لتذكيرهم بنعم الله عليهم، ولمطالبتهم بالإيمان برسول الله، وفاء بما أخذ عليهم من العهود.
الشكل السادس: الحوار الخطابي الموجه إلى الإنسان
ليتأمل تكوينه، وإدراكه، وتكاثره، وأجهزته، وكيف تعمل في تعاون مستمر. كما في سورة الانفطار، وسورة الانشقاق.
الشكل السابع: الحوار الموجه إلى بني آدم (كما في آيات سورة الأعراف 26-36)
الشكل الثامن: مخصص لعباد الله المؤمنين:
أ-الخطاب الموجه للأمر بتقوى الله، ب- الخطاب الموجه إلى العباد المذنبين، ليفتح لهم مجالات الرحمة والمغفرة، ج- الخطاب الذي يميز الله فيه عباده المتقين ببقاء المودة بينهم إلى يوم القيامة، د- الخطاب الموجه إلى جميع عباد الله.
الشكل التاسع: الحوار الخطابي التعريضي
وهو الموجه من الله إلى النبي أو من النبي؛ ويقصد به غير ظاهره، كتوجيه النقد إلى المشركين، أو توجيه النقد النبوي إلى قوم يعملون عملا يكرهه الله… فيبين مثالبهم، ويذكرهم مصيرهم.
– الحوار التعريضي النبوي:
كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يستخدم هذا الأسلوب التربوي لتوجيه الصحابة، والأمة من بعدهم، لتجنب بعض الأعمال المكروهة التي تؤدي إلى إيذاء المجتمع أو إلى إفساد العبادة أو نحو ذلك.
الفصل الخامس: الحوار التعليمي
أ- الصيغة الأولى: يطرح فيها المربي على المتعلمين سؤالا، وهو يعلم أنَّ إجابتهم ستأتي وفق خبراتهم الناقصة، ثم يعرض عليه الجواب الصحيح. مثال ذلك: حديث الرسول- صلى الله عليه وسلم-: أتدرون من المفلس؟
ب- الصيغة الثانية: يطرح فيها المربي السؤال على المتعلمين، لكن لا جواب لديهم، ثم يبدأ يشرح لهم الأمر الذي يريد تعليمهم إياه. مثال: قوله- صلى الله عليه وسلم-: أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم… إلخ.
ج- الصيغة الثالثة: الحوار التنبيهي
ومثاله في القرآن السؤال عن البعث الوارد في سورة النبأ: (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ …).
ومن الوارد في السنة النبوية: خطاب النبي- صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع.
الفصل السادس: أهداف التربية بالحوار القرآني
إذا استقرأنا أكثر مواطن الحوار الواردة في القرآن والسنة، وجدناها جميعا تشترك في هدف رئيس، هو جذب الانتباه إلى الهدف الاعتقادي، أو التعبدي، أو السلوكي، الذي وجد الحوار من أجله تحقيقه، والترغيب في الاهتمام به واعتناقه. ولكن هذا الهدف التربوي يمكن أن يكون بدوره وسيلة إلى تحقيق الأهداف الاعتقادية والاجتماعية والسلوكية والأخلاقية والتعبدية التي أنزلت كتب الله وبعثت رسله لتحقيقها.
وأهم هذه الأهداف من خلال النصوص القرآنية المعتمدة على الحوار كالآتي:
أولًا- أهم أهداف الحوار الخطابي التعبدي:
1- الاستغراق في مناجاة الله تعالى، وإذكاء الشعور برحمته وعظمته وعنايته، وبأنه وحده المستحق للعبادة. وإخلاص التوجه إليه بالدعاء والاستغفار.
2- استمرار الصلة بالله تعالى، وتربية الوجدان والعواطف الربانية على ذلك.
3- تربية خلق التفاؤل والثقة بالنفس وعزة النفس والاعتزاز بالله تعالى.
ثانيًا- أهم أهداف الحوار الخطابي الموجَّه من الحق جل جلاله إلى نبيه- صلى الله عليه وسلم-:
1- إشعار النبي- صلى الله عليه وسلم- بمسؤولية التبليغ.
2- تحديد طبيعة دعوته- صلى الله عليه وسلم- ومهمته.
3- الإجابة عن أسئلة السائلين.
4- الرد على المشركين والمنافقين وأهل الكتاب ودحض حججهم الباطلة.
ثالثًا- أهم أهداف الحوار الخطابي الموجه إلى الذين آمنوا:
1- دعوة المؤمنين إلى ما يقوِّي إيمانهم.
2- دعوة المؤمنين إلى تكوين المجتمع المسلم.
3- الاستعانة بالصبر والصلاة على إنجاز متطلبات الإيمان.
4- تهذيب الأخلاق.
5- دعوة المؤمنين إلى السِّلم كافَّة.
6- النهي عن الولاء لليهود والنصارى.
رابعًا – أهم أهداف الحوار الخطابي الموجه إلى الناس:
1- دعوة الناس إلى تقوى الله، وتخويفهم من أهوال يوم القيامة.
2- أن يبرهن للناس أن البعث آتٍ لا ريب فيه.
3- دعوة الناس إلى عبادة الله وتوحيده وتنزيهه عن الشركاء والأنداد.
4- تحذير الناس من البغي والشرك بالله تعالى.
خامسًا- أهم أهداف الحوار الخطابي الموجه إلى الإنسان:
1- تعريف الإنسان بميزاته الإنسانية التي كرمه الله بها عن سائر المخلوقات.
2- تعريف الإنسان بأخطائه وتذكيره بها.
سادسًا- أهم أهداف الحوار البرهاني:
1- البرهان على وجوب توحيد الله.
2- البرهان على البعث والحساب.
سابعًا- أهم أهداف الحوار الخطابي التذكيري:
1- تذكير المؤمنين بفضل الله الذي ألف بين قلوبهم.
2- تذكير المؤمنين بنصر الله.
3- تذكير الناس بأن الله هو الذي خلقهم، فيجب أن يكون معبودهم دون شريك.
4- تحذير الناس من تغرير الشيطان وكيده.
5- مطالبة الناس بالعمل لليوم الآخر، وعدم الاغترار بالحياة الدنيا.
ثامنًا- أهم أهداف الحوار التعريضي:
1- التعريض بأعداء الدعوة الإسلامية وزعمائهم. والتحذير من الصفات المذمومة.
2- إيناس النبي- صلى الله عليه وسلم- وشد أزره.
3- انطلاق الدعاة من مصدر القوة والثقة.
تاسعًا- أهم أهداف الحوار الوصفي:
1- التعريف بأهم أسباب دخول الجنة.
2- التعريف بأهم أسباب دخول النار.
3- التخويف من عذاب النار، وما أعده الله للمجرمين.
أهم أهداف الحوار القصصي القرآني:
1- الأهداف الفنية البلاغية.
2- الأهداف الاعتقادية والتوجيهية.
3- الأهداف الأخلاقية والإصلاحية والاجتماعية.
الفصل السابع: التحليل النفسي والآثار التربوية للحوار القرآني
أولًا- العوامل النفسية الوجدانية وتربيتها:
لكل سلوك يقوم به الإنسان بطانة وجدانية ترافقه، كالارتياح والرضى، والدهشة والغضب والخوف، والخشوع والحزن. وأن تكرار هذا الانفعال يعمل على ترسيخ أثر السلوك المرافق في النفس. ومن أمثلة العوامل الوجدانية المرافقة للحوار الخطابي القرآني: بكاؤه- صلى الله عليه وسلم-، عندما سمع عبد الله بن مسعود يقرأ قول الله تعالى: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا) فقال له- صلى الله عليه وسلم-: حسبك.
ومن أهم شروط تربية العواطف الربانية:
1- التكرار في الموقف التي تثار فيها بعض الانفعالات.
2- التخصيص: وتكون مصحوبة بالسلوك المناسب المخصص.
كالتكرار المتتابع في شكل سؤال في سورة الرحمن: (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ).
3- وهناك عوامل مساعدة: كعامل الشِّدة، ويحققه في الحوار القرآني: أسلوب الاستفهام الإنكاري، وأسلوب النداء، وأسلوب الأمر.
4- عامل الجِدّة: كتجدد صياغة أسئلة الحوار القرآني مع تجدد موضوعها.
5- عامل التفكر وعامل القصد: عندما يوجه القرآن إلى التدبر والتفكر، قاصدًا إلى ذلك.
6- مصاحبة الانفعال بالسلوك المناسب: كترديد الجواب على أسئلة القرآن، كما كان يفعل رسول الله. وتكرار الدعاء في القرآن، ونحوه.
ثانيًا- العوامل العقلية وتربيتها:
1- يتضح ذلك جليًا في الحوار البرهاني في القرآن والحوار التعليمي في القرآن.
2- تحليل العوامل العقلية إلى عناصرها أو مراحلها.
3- مراحل التربية العقلية بالحوار القرآني:
أ- تكوين الخبرات.
ب- البحث عن العلاقات.
ت- تربية العقل على التفكير المنظم.
ث- تربية الحواس.
ج- تربية العقل على المحاكمة والاستدلال.
ح- تربية العقل على الاستدلال بالآثار التاريخية.
من فوائد الكتاب وثمراته:
– أراد الله للناس أسلوب الحوار في القرآن؛ ليشعرهم بمكانتهم عند ربهم، وليستخدموا نعمة العقل والتمييز بين الخير والشر، وبين الحق والباطل.
– الحوار القرآني صادق حتمي النتائج.
– تنوعت أشكال الحوار القرآني وأصنافه بتنوع مقاصده؛ ليواكب الحاجات الفطرية الإنسانية.
– الحوار الخطابي في القرآن: هو كل خطاب، أو نداء، أو سؤال يوجهه القرآن إلى عباده أو إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، أو غيرهم من الناس، ليحضهم على تلبيته أو الإجابة عليه، أو ليلفت أنظارهم، ويوجه عقولهم وأفئدتهم إلى أمر يهمهم، أو ينبههم إلى سلوك شائن يقوم به المنحرفون ليجتنبه المؤمنون، أو ليذكرهم بفضل الله ونعمه عليهم فيشكروه، أو ليوقظ عواطفهم ووجدانهم.
– الحوار الخطابي في القرآن تسعة أنواع: التعبدي، والتذكيري، والإيماني، والإنساني، والموجه إلى النبي- صلى الله عليه وسلم-، والبرهاني، والتعليمي، والتعريضي، والوصفي.
– الحوار القرآني بجميع أصنافه وصيغه، يهذب المشاعر، ويوقظ الوجدان، ويربي العواطف الربانية، ويجيب على أسئلة السائلين.
– الحوار القصصي القرآني: هو حديث يجري على شكل سؤال وجواب بين شخصيات القصة الذين يقومون بأهم أحداثها، أو تتمثل فيهم تلك الأحداث والمفاجآت، أو تجري عليهم المآسي والآلام التي تتميز بها القصة.
– أهم أهداف الحوار القصصي القرآني: الأهداف الفنية البلاغية، والأهداف الاعتقادية والتوجيهية، والأهداف الأخلاقية والإصلاحية والاجتماعية.