المؤلف: دكتور عبد الرحمن عميرة.
بيانات النشر: شركة مكتبات عكاظ للنشر والتوزيع- الطبعة الأولى- 1401هـ/1981م.
هذا الكتاب دعوة إلى اتباع منهج التربية الإسلامية المستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية، لتستعيد البشرية رشدها وتؤول إلى صوابها وعقلها، وتترفع من إسفافها في الوحل إلى شفافية الطهر والنور.
يتناول الكتاب عددًا من الموضوعات المترابطة التي تهدف إلى إعداد الأجيال المسلمة وفق توجيهات القرآن الكريم، فبعد أن عرّف التربية ونشأتها وأهدافها، وقارن بينها وبين أهداف التربية الإسلامية، تحدث عن تربية العقل، وتربية الجسم، وتربية الروح، ثم انتقل إلى منهج القرآن بين الدوافع الفطرية وضوابطها، ثم قدم نماذج فاضلة من التربية الإسلامية، وختم الكتاب بالحديث عن أثر التربية الإسلامية في سلوك الأفراد.
وقد شرح المؤلف هذه الموضوعات شرحًا مفصّلًا، واستشهد بالآيات القرآنية التي تؤكد وتوضح ما ذهب إليه بشأن هذه القضايا وتلك الموضوعات؛ وساق ذلك بلغة راقية، ومناقشة للأفكار الواردة، وبروح إسلامية دافعها الشفقة على المسلمين، بل على الأمة جميعًا من غياب هذا المنهج القرآني الفريد في التربية، وأن يستبدل به مناهج مستوردة تجعلنا دائمًا في طور التبعية لفكرها. على غير ما أراد الله عز وجلَّ لهذه الأمة الوسط، أمة الرسالة، أمة الإسلام.
الوصف العام للكتاب
يتكون هذا الكتاب من عدة موضوعات مترابطة، تسبقها مقدمة وتمهيد، ثم تعريف التربية ونشأتها وأهدافها والتربية الإسلامية وأثرها في سلوك الأفراد.
أما موضوعات الكتاب الرئيسة، فهي: تربية العقل، وتربية الجسم، وتربية الروح، ومنهج القرآن بين الدوافع والضوابط، ونماذج فاضلة للتربية الإسلامية، وأثر التربية الإسلامية في سلوك الأفراد.
تعريف التربية
يستعرض المؤلف مفهوم التربية وتعريفاتها؛ فيذكر أن التربية قديمًا عند أفلاطون كانت تعني: إعداد الفرد، ليصبح عضوًا صالحًا في المجتمع، ولا يكون عضوًا صالحًا إلا إذا كان عارفًا بالخير، لأن معرفة الخير فضيلة. أما أرسطو فيعرف التربية بأنها: إعداد العقل لكسب العلم. ويرى فترينو دافلتر أشهر المربين بإيطاليا في عصر النهضة أن التربية تنمية الفرد من جميع نواحيه العقلية، والخلقية، والجسمية، لا لمهنة خاصة، ولكن ليكون مواطنًا صالحًا مفيدًا لمجتمعه، قادرًا على أداء الواجب العام والخاص. أما فرنسيس بيكون الذي عاش عصر الكشوف العلمية، فيرى أن التربية ليست غايتها أن تجعل الناشئين خبيرين بالعلوم، وعارفين لها بالطرق التقليدية القديمة، ولكن غاية التربية أن تفتح أذهانهم، وتوجههم إلى طريقة كسب العلوم، ليستطيعوا الاستفادة منها، وذلك بمنحهم الحرية العقلية التي تمكنهم من إدراك كل أنواع المعارف وتفهمها. أما هربارت) فيخالف ما نادى به أفلاطون وما قاله (فلتر)، حيث يرى أن التربية ذاتية، وتكون لصالح الفرد نفسه، ويعرفها بأنها: موضوع علم يجعل غايته تكوين الفرد من أجل ذاته بأن يوقظ فيه ضروب ميوله الكثيرة.
أما مفكرو الإسلام في التربية فيكاد أن يكون بينهم اتفاق على أن التربية: عملية تحقيق النمو المتزن المنسجم لجميع استعدادات الفرد؛ الجسمية والنفسية والعقلية والخلقية، حتى يصل إلى كماله. والملاحظ أن الإسلام كانت نظرته للإنسان شاملة.
نشأة التربية وأهدافها
يستعرض مؤلف الكتاب الأنماط البسيطة من التربية التي أخذت تتطور من بيئة إلى بيئة ومن عصر إلى آخر؛ كالتربية في مصر القديمة، وفي الصين، وفي اليونان، وفي اليابان. ثم ينتقل إلى الحديث عن التربية المسيحية والتي كان الغرض منها إماتة الشهوات، وإهمال الجسم، حتى تتطهر الروح وتنجو من عذاب جهنم.
أما التربية عند المسلمين: فهي تجمع الدين والدنيا، فكانوا يرمون إلى إعداد الفرد المسلم للدنيا والآخرة. فالغاية من التربية في الإسلام هي: إيجاد الإنسان الصالح، الذي يلتزم نهج القرآن، ويتأدب بآداب الإسلام، الإنسان العالمي الذي يعتقد أن الناس كلهم خلق الله، فهم إخوة في الخليقة. ثم يطرح المؤلف في نهاية حديثه عن نشأة التربية وأهدافها سؤالًا هو: هل نجح منهج التربية الإسلامي في تنظيم سلوك الأفراد؟ ويبين أن الإسلام جاء يربي الإنسان خليفة الله في الأرض، يربيه في جميع الجوانب، ويرتفع به إلى أفق الإنسانية، ويصنع منه طاقة كونية فعالة، تهيمن على الكون وتسخره لتحقيق الخلافة في الأرض.
إن من يتدبر القرآن يجد أن فيه منهجًا متكاملًا في التربية، وهو منهج الدقة والشمول، بحيث لا يترك جزئية من جزئيات الإنسان دون أن يلقي عليها الضوء. الإنسان في منهج الإسلام ليس روحًا فقط، ولا عقلًا فقط، بل هو عقل وجسد وروح. فالإنسان في التصور الإسلامي يختلف عن تصورات الفلسفات والنظريات الغربية، كاليونانية والرومانية، والداروينية، والفرويدية، أو التفسير السيكولوجي، والمدرسة السلوكية، وليس هو إنسان (ماركس) و(إنجلز) صاحبي التفسير المادي للتاريخ. ليس الإنسان كما صورته الوجودية، أو كما أرادته الشيوعية والرأسمالية، ليس هو إنسان القوة، أو الخاضع لها كما عند (جون ديوي)، وليس هو الإنسان الذي ترتبط حياته بالقهر الاجتماعي الذي لا يراعي مشاعر الفرد ورغباته، كما قرر “دوركايم”.
ثم يبسط المؤلف القول في “حقيقة الإنسان في التصور الإسلامي”؛ فيبين أن الله خلق الإنسان في أحسن تقويم، وأعده ليكون صالحًا للمهام التي خلق من أجلها، وأنزل له منهجًا متكاملًا لا يقبل تنمية ولا تكميلًا؛ لأنه من لدن اللطيف الخبير. فهو الأعلم- سبحانه- بما يصلح للبشرية كلها في كل زمان ومكان. ثم يبدأ في عرض القضايا الأساسية لمحتوى الكتاب.
الإسلام والعقل
العقل في الإسلام له دوره في قضية الإيمان ومنهج الحياة ونظامها.. ولقد حدد الإسلام له دوره، ووضع له القواعد والأصول لذلك. وليس دور العقل أن يكون حاكمًا على الدين ومقرراته من حيث الصحة والبطلان والقبول والرفض، بعد أن يتأكد من صحة صدورها عن الله، ولكنه ملزم بقبول مقررات الدين متى بلغته من طريق صحيح، وفهم المراد منها. إذن ما هو منظور الإسلام في تربية العقل؟
تربية العقل
يتناول هذا الجزء من الكتاب: منهج الإسلام في تربية العقل، ومنهج القرآن في تربية العقل، ودعوة الإسلام العقل للتأمل في نواميس الكون.
1- منهج الإسلام في تربية العقل:
يهتم الإسلام بتربية العقل الإنساني تربية تتفق مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها، يفعل الإسلام ذلك؛ لأن العقل مناط التكليف وعليه المعول في فهم الشريعة وتطبيقها. فيصحح الإسلام تصورات الإنسان عن الألوهية؛ فيقرر وحدانية الإله، وتفرده بالملك والخلق وأنه سبحانه ليس كمثله شيء. ويدعو الإسلام العقل إلى التعرف على النفس، وأن يدرك بعض أسرار ذاته، ليزداد إيمانًا بخالقه، وتقربًا إليه. ودعوة العقل للتعرف على الكون حوله، الكون الذي خلقه الله سبحانه وتعالى من أجل ذلك الإنسان، وسخر له كل ما فيه ليقوم بأداء حق الخلافة فيه.
2- منهج القرآن في تربية العقل:
ينطلق المؤلف في تربية القرآن للعقل من سمة بارزة في العقل وهي: التفكير، والتدبر لما أودعه الله في الكون، وفي النفس، وقبلهما التفكر في كل ما يعمق الإيمان بالله الواحد الأحد.
ولم يتناول المؤلف أمورًا مهمة في هذا الموضوع، من مثل: العلاقة بين العقل والوحي، وإناطة تربية العقول بأعمالها، وجعل القرآن الكريم نفسه موضع التدبر والفكر، والحث على النظر والفكر، والحث على النظر والفكر، وتصريف الناس عن المعجزات الحسية إلى الدلائل والآيات، والإرشاد إلى أصول الاستدلال والنظر[1].
3- دعوة الإسلام العقل للتأمل في نواميس الكون والحياة:
يطالب منهج التربية الإسلامي العقل برصد ظواهر الكون والحياة في الطبيعة في انهيار الأمم، وفي تأله الأفراد، في طغيان الحكام، ويدعوه إلى التأمل وعدم استعجال النتائج، فهي لا بد آتية حسب السنن الماضية التي لا تتبدل. ويعلمه أن أعمار الأفراد ليست هي المقياس، قد ينتصر الباطل فترة من الوقت ويزدهر، ويتمكن ويعلو في الأرض، ولكن هذا ليس نهاية القول، ولا نهاية المطاف، إنه جزء من سنة الله المتشعبة الجوانب.
تربية الجسم
1- منهج القرآن في تربية الجسم:
يهتم القرآن الكريم بجسم الإنسان، ويحوطه بسياج من العناية والرعاية بغية الحفاظ عليه، من أجل ذلك اشتمل على المناهج التي تتفق مع فطرته، والوسائل المشروعة التي تساعده على تقويته وتدريبه حتى يتمكن من القيام برسالته. تلك الرسالة التي أناطه الله بها من القيام بتعمير الكون وأداء الفرائض والتكاليف، والدفاع عن شريعة الله. ومنهج القرآن عمل على إيجاد التوازن داخل الفرد، التوازن بين متطلباته المادية، وأشواقه الروحية، فلا يهمل إحداهما في سبيل الأخرى، خلافًا للمذاهب والعقائد والديانات الأخرى. ومن منهج القرآن في تربية الجسد أن يحدد له أنواع الأطعمة التي يأكلها، ويشترط أن تكون حلالًا طيبًا، ونهاه عن أكل الطعام الحرام. والطعام وسيلة تتولد عنها الطاقة التي تساعد الإنسان على تعمير الكون، وتجميل الحياة، والدفاع عن نفسه، والذود عن حمى بلاده، كما أن الطعام يمده بالطاقة الجنسية التي تسهم في حفظ النوع واستمرار التكاثر البشري عن طريق الزواج المشروع.
2- منهج القرآن في حماية الجسم:
القرآن الكريم يحرم على المسلم بعض الطعام والشراب، ليحول بينه وبين فساد جسمه وتلف أعضائه. فهو يطالب المسلم بما يحفظ جسمه وقوته، ويكون بمنأى عن الامراض؛ من ذلك أنه يحول بين الفرد وزوجه في أيام الحيض والنفاس، ولا يصرف المرء شهوته إلا في حلال. ويحول بينه وبين الرهبنة، التي تدعو إلى الانعزال عن الحياة. ويعوده القرآن النظر إلى الحلال، وأن يصون بصره عن النظر الحرام، ويده عن اللمسة الحرام، وأن يحفظ جوارحه، ولا يتعدى حدود الله. ويوجه القرآن الإنسان إلى أن يربي سمعه، فلا يسمع إلا الطيب من القول. ويدعوه إلى الاهتمام بجسده من حيث الغسل والاستحمام والعناية بالنظافة، وعدم إهمال ذلك. ووجهه القرآن بألا يرهق جسده بالصوم الكثير أو الجوع المتتابع الذي يؤثر على جسده، فيضعف ويترهل.
3- الصلاة وتربية الجسم:
يتناول المؤلف علاقة الصلاة بتربية الجسم، فيبين أن الصلاة صلة بين العبد وربه لا يدخلها المسلم إلا وهو طاهر الظاهر والباطن. وهي تجلب له السكينة التي تنعكس على جوارحه وأعضائه. كذلك فإن الوضوء نظافة وطهارة للمسلم، وقربة ودعاء، وتضرع ورجاء، والصلاة أيضًا تدريب لعضلات جسمه بالحركة، بالركوع والسجود والقيام والقعود، وهي أداة للنظام بتوقيتاتها المحددة.
تربية الروح
1- منهج القرآن في تربية الروح:
يبدأ المؤلف حديثه بأنه ليس في مقدور أحد أن يحدد ماهية الروح، وأن الروح شيء اختص الله بعلمه، فلا جدوى من إجهاد العقل في شيء لا يملك إدراكه، ويشير على أن الروح وردت في القرآن على سبعة أوجه: الأول بمعنى الرحمة، والثاني بمعنى الملك، والثالث بمعنى جبريل عليه السلام، والرابع بمعنى الوحي والقرآن، والخامس بمعنى عيسى عليه السلام، والسادس: في شأن آدم عليه السلام واختصاصه بفضله، والسابع بمعنى اللطيفة التي فيها مدد الحياة.
وإذا كان منهج القرآن في تربية العقل يلجأ إلى تفريغه من كل المعتقدات التي لا تتفق مع منهجه، فإنه في الروح يبدأ بقطع ما بينها وبين رغائبها وعاداتها السابقة التي لا تتفق مع منهج القرآن. وتكون أولى الخطوات تصفيتها من أمراضها الظاهرة والخفية؛ عن طريق التوبة والإنابة إلى الله تعالى. والصلاة أقرب الطرق للإنابة والرجوع إلى الله عز وجل، والمطية السريعة التي تنقلنا إلى رحاب الله سبحانه وتعالى. ويستطرد المؤلف في الحديث عن الصلاة وما يتعلق بها.
2- التقوى في منهج التربية:
يبدأ المؤلف بتعريفات متعددة للتقوى، ويسرد الآيات التي تتحدث عن الأنبياء ودعوتهم لأقوامهم بالتزام التقوى بعد دعوتهم إلى التوحيد. ويضيف المؤلف: إننا لو استعرضنا كل تكاليف الإسلام وجدناها كلها تدعو إلى التقوى، أو ما تتحقق به التقوى أو سببًا من أسبابها. كالصلاة والزكاة والصيام والحج، وإقامة حدود الله، ومنع الفساد في الأرض، وتحكيم شرع الله، وإقامة العدل، والامتناع عن أكل الربا، والجهاد في سبيل الله. ويشير المؤلف إلى أن التقوى سبب من أسباب تفريج الكروب، وتكفير الذنوب، وإحلال البركات. والتقوى عامل من عوامل النصر، وهي طريق إلى العلم، وتعلم الكتاب والحكمة. وأهل التقوى هم أهل الله. والتقوى طريق إلى الجنة.
منهج القرآن بين الدوافع والضوابط
1- منهج القرآن في تربية الدوافع الفطرية:
يشير المؤلف إلى أن القرآن الكريم اهتم بالدوافع الفطرية لدى الإنسان، ورسم لها طريقها المشروع الذي يتسق مع مصلحة الفرد ومصلحة المجموع، مخالفًا بذلك ما وقعت فيه الديانات السابقة من غلو فيما ذهبوا إليه بشأن الدوافع الفطرية بعيدًا عن النهج الرباني. فالقرآن ليس فيه دعوة إلى العزوف عن الطيبات، وليس فيه زهد أو تقشف يزيد عن الحاجة، وليس فيه دعوة للرهبانية. ويطالب القرآن أتباعه بالضبط والاعتدال أمام الطيبات، وينهاهم عن الإسراف فيها. وأوضح المؤلف أن القرآن يهتم بتربية الدوافع والمحافظة عليها، ويسمو بها عن الوضع الحيواني، ويوجهها إلى ما يتسق مع مصلحة الأفراد والجماعات، ويحول بينها وبين الانحراف. كمعالجته لانحراف دافع الملكية والخوف على الثروة، وقد تعدد أسلوب القرآن الكريم في علاج هذا الانحراف لدى الإنسان.
2- دافع الطعام والشراب:
يبين المؤلف أن وظائف الطعام يمكن حصرها في قواعد ثلاث: الأول- توليد الطاقة في جسم الإنسان تلك التي تدفعه وتساعده لتعمير الكون وتنظيم شؤون الحياة. والثاني- إيجاد القوة للدفاع عن نفسه ضد أعداء الحياة، والدفاع عن شرع الله أمام المعوقين له، والحائلين دون تطبيقه. والثالث- إيجاد الطاقة الجنسية لحفظ النوع وتكاثر الجنس البشري، وقيام المودة والمحبة بين الزوجين.
وعلى المسلم أن يتحرى الحلال في مطعمه ومشربه، فيأتي ما أحله الله تعالى، ويبتعد عما حرّمه، وأن يبتغي بذلك وجه الله عز وجل. وعليه ألا يسرف في طعامه وشرابه، ومن الإسراف المنهي عنه ألا يأكل أموال الآخرين، أو يغش في بيعه وشرائه، وألا يجعل الطعام همه الشاغل، ولا هدفًا لذاته، إنما يتأدب بأدب الإسلام في كل ذلك. وقد استشهد المؤلف لكل معنى ساقه بآيات من القرآن الكريم.
3- دافع الجنس:
الجنس دافع من أقوى الدوافع لدى الإنسان، لحكمة أرادها الله تعالى، وهي تعمير الكون وإقامة الخلافة في الأرض، واستمرار الحياة فيها. وتصور الإسلام للجنس أنه وسيلة لبقاء النوع الإنساني وانتشاره، وهو وسيلة السكن والراحة والمودة بين الزوجين. ومنهج الإسلام في ذلك هو العلاقة القائمة على الطهر والعفاف ورضا الله تعالى بضوابطها الشرعية المعروفة. ومنهج الإسلام ارتقى به إلى مستوى بعض العبادات.
4- دافع التملك:
يشير المؤلف إلى أن التملك فطرة قوية لدى الإنسان، يقرر ذلك كل صاحب عقل سوي، ولا ينكرها إلا مكابر يماري في الحق ويجادل فيه. بل إن علماء النفس يقررون أن الطفل يولد وفي طبيعته حب التملك. ومنهج القرآن هو الوحيد بين النظم التي عرفتها البشرية، الذي استطاع أن ينظم هذا الدافع ليحقق به مصلحة الفرد المالك، ومصلحة الجماعة التي تعيش معه.
5- دافع الخوف والرجاء:
يعرف المؤلف الخوف بأنه: توقع مكروه عن إمارة مظنونة أو معلومة. كما أن الرجاء توقع محبوب عن إمارة مظنونة أو معلومة. وقد ورد الخوف في القرآن على خمسة وجوه: بمعاني القتل والهزيمة، والحرب والقتال، والعلم والدراية، والنقص، والرعب والخشية من العذاب والعقوبة. ومنهج القرآن يعترف بدافع الخوف، ولكنه يضع الضوابط على الإحساس بالخوف، ويشعر الإنسان دائمًا أن كل قوى الأرض لا تخيف، والقوة الحقيقية التي يجب أن تُخاف وتُرهب هي قوة الله سبحانه وتعالى، أو مما يخوف به الله. ومنهج القرآن هو الاعتماد على هذه القوة، على الله عز وجلّ فهو مالك الملك.
6- دافع الحب والكره:
يقرر المؤلف أن الطفل يولد وبداخله دافع الحب والكره؛ فالحب والكره فطرة في النفس البشرية، يتفق في ذلك الغرب المادي والشرق الإسلامي. ومنهج القرآن لا يعارض هذا الحب والكره عند الإنسان، ولكنه ينظم الحب ويخفف من وقداته ويضع له الضوابط. وينظم الكره ويحد من تجاوزاته. ومنهج القرآن يدعو الإنسان- خليفة الله في الأرض- إلى محبة الكون والطبيعة، ومحبة الله سبحانه خالق هذا الكون وهذا الإنسان، ومحبة العدل. كما وجه القرآن إلى كراهة الشر بجميع صوره وأشكاله، والمتمثل فيما يدعو إليه الشيطان. وكرّه له الظلم والظالمين، والاعتداء والمعتدين، والفتنة بكل صنوفها، وكره له الإفساد في الأرض بكل أشكاله، وكره له الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
من وسائل التربية
يعرض المؤلف عددًا من وسائل التربية، هي: التربية بالموعظة، والتربية بالقصة، والتربية بالأحداث، والتربية بالعقوبة.
1- التربية بالموعظة:
يبين أن القرآن الكريم كتاب الله العظيم هو كتاب موعظة وهداية، وحكمة وبيان، أنزله الله تعالى ليكون دستورًا يرشد البشرية ويهديها سواء الصراط، حتى يرث الله الأرض ومن عليها. وقد قدم لاتباعه من خلال منهج التربية مجموعة من المواعظ التي تدعو إلى تهذيب النفس وتطهيرها؛ من ذلك دعوته إلى: طهارة النفس وتزكيتها، والاستقامة، والعفة والاحتشام وغض البصر، والتحكم في الأهواء، وكظم الغيظ، والصدق، والتواضع، واجتناب سوء الظن، والثبات والصبر. وغيرها كثير مما ينصلح به حال الإنسان في هذه الدنيا.
2- التربية بالقصة:
يشير المؤلف إلى أن القصة إحدى عوامل التربية في القديم والحديث. وكل رجال التربية لا ينكرون ما للقصة من آثار في نفوس السامعين. والقرآن الكريم استخدم أسلوب القصِّ؛ فقد حوى مجموعة من القصص هدفت إلى تربية الأمة الإسلامية على عظائم الأمور وإطراح سفسافها. وقدم المؤلف تحليلًا تربويًا لقصة يوسف عليه السلام.
3- التربية بالأحداث:
يقرر علماء التربية أن الأحداث وملابساتها التي يتعرض لها الإنسان كل يوم، هي إحدى وسائل التربية؛ سواء أكانت أحداثًا خيِّرة أم الأخرى، ودلل المؤلف على ذلك بغزوة أحد، التي عرضها عرضًا تربويًا، أكد فيها على أن هذه الغزوة كان لها تأثير في تربية المسلمين، وتصفية ما كان باقيًا عند بعضهم من ترسبات الجاهلية وأهواء النفس.
4- التربية بالعقوبة:
يشير المؤلف إلى أن منهج القرآن يلجأ إلى استعمال العقوبة كوسيلة من وسائل التربية في المجتمع المسلم، وهو لا يفعل ذلك إلا بعد استنفاد الوسائل الأخرى من أنماط التربية.
نماذج فاضلة للتربية الإسلامية
يقدم المؤلف عددًا من الشخصيات التاريخية بمثابة نماذج، كي يتأسى بها المسلمون، يقول: “يطيب لنا أن نقدم بعض النماذج التي التزمت بكتاب الله، وصورًا من حياتهم، لعل المسلمين يجدون فيها شخصيتهم التي تاهت منهم في هذا العصر، عندما ابتعدوا عن هدي النبوة، وجعلوا كتاب ربهم وراءهم ظهريًا.
وهؤلاء هم: كعب بن مالك، وأبو حازم مع سليمان بن عبد الله، والفضيل بن عياض مع هارون الرشيد، وشريك بن عبد الله مع الأمير موسى بن عيسى، وعبد الله بن أبي بن سلول وابنه، والشيخ شمس الدين الديروطي والسلطان الغوري.
أثر التربية الإسلامية في سلوك الأفراد
يختتم المؤلف كتابه بتقرير حقيقة أن منهج التربية الإسلامية نجح في توجيه الناس إلى ربهم، وردهم إلى خالقهم، حتى آمن كل منهم أن الله قريب منه.. وإذا كانت هذه هي الدنيا فهناك الآخرة، دار الحساب والجزاء. فأين المفر؟!
وفي النهاية يطرح المؤلف السؤال التالي: ما دام في الإسلام منهج متكامل في التربية.. فلماذا تركنا القريب إلى البعيد؟ واخترنا الضار على النافع؟ وتركنا هدى الله إلى ضلال الشيطان؟
ويجيب: لنناقش على مهل رجال التربية والمهتمين بالعلوم الإنسانية في العالم العربي والإسلامي؛ لنرى أهي التبعية للغرب والشرق، أم الجري وراء كل جديد؟
من ثمرات الكتاب وفوائده
- الغاية من التربية الإسلامية هي: إيجاد الإنسان الصالح المصلح الذي يلتزم نهج القرآن، ويتأدب بآداب الإسلام ويعتقد أن الناس كلهم خلق الله، فهم إخوة في الخليقة.
- إن من يتدبر القرآن يجد أن فيه منهجًا متكاملًا في التربية، وهو منهج الدقة والشمول.
- العقل ملزم بقبول مقررات الدين متى بلغته من طريق صحيح، وفهم المراد منها.
- يهتم الإسلام بتربية العقل الإنساني تربية تتفق مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها.
- يطالب منهج التربية الإسلامي العقل في التدبر في كل ما يعمق الإيمان بالله الواحد الأحد، ورصد ظواهر الكون والحياة في الطبيعة.
- يهتم القرآن الكريم بجسم الإنسان وتقويته، ويدعوه إلى حمايته، حتى يتمكن من القيام برسالته التي خلق من أجلها.
- الصلاة من الأسباب الرئيسة في إحداث التوازن في جسم الإنسان، بما تجلبه من السكينة التي تنعكس على جوارحه.
- منهج القرآن في تربية الروح يكون بداية بسلوك طريق التوبة والإنابة.
- في منهج التربية كل تكاليف الإسلام تدعو إلى التقوى.
- القرآن يهتم بتربية دوافع الإنسان، ويسمو بها عن الوضع الحيواني، ويحول بينها وبين الانحراف.
- من وسائل التربية المهمة: الموعظة، والقصة، والأحداث، والعقوبة.
- يجدر بنا أن نقدم للأجيال سير الشخصيات التاريخية المتميزة في التربية الإسلامية.
- منهج التربية الإسلامية هو الذي ينجح في توجيه الناس إلى ربهم، وردهم إلى خالقهم.
- علينا أن نعتز بما نملكه من منهج قرآني تربوي قويم متكامل، ولا ننقل عن الآخرين إلا ما نحتاج إليه، بشرط أن يتفق مع ثوابت ديننا الإسلامي.
[1] (انظر في ذلك: منهج القرآن الكريم في تربية العقول: قراءة في كتاب حجج القرآن للعلامة الفراهي للدكتور محي الدين غازي. مجلد الهند، مج 6، ع 1-4، ج1).