المؤلف: محمد أحمد الراشد
الناشر: القاهرة- دار النشر للجامعات- ط1-1432هـ/2011م.
يتحدث هذا عن منهجية التربية الدعوية في إطار (جماعة الإخوان المسلمين)، وكما يقول المؤلف: هي مجموعة خواطر وتأملات من رصيد دعوى وذخيرة تجريبية وخلجات ضمائر فاه بها أصحابها خلال حواري معهم في جلسات التربية والتعليم في أكثر من بلد. أيقنت من خلالها أن الدعوة الإسلامية تملك حقائق تربوية كثيرة لم توظف التوظيف الأمثل في منهجيتها التربوية، وأن هذا التوظيف إذا تم بإذن الله فإنه سيدفع الدعوة إلى الأمام دفعة قوية.
وهذه الآراء التي اعتقدت صوابها ليست هي (منهجية التربية الدعوية) الرسمية المعترف بها والمقرَّة قياديا؛ وإنما هي مقترحات مني لتطويرها وتوسيعها وتجديدها.
وعن الهدف من الكتاب يوضح المؤلف أن هناك درسين مهمين يجب تقريرهما من واقع تجربته الخاصة، ويرتبطان ارتباطا قويا بموضوع الكتاب، وهو “منهجية التربية الدعوية”. المعنى الأول: أن الإخلاص وتمام التجرد وعمق الانفعال مع القضية، والبراءة من الأجر الدنيوي = عوامل رئيسة في تقوية أثر كلام الداعية في بقية إخوانه وفي الناس عموما.
المعنى الثاني: أن الدعوة القديمة الراسخة التي تعاقبت على القيام بأمورها أجيال عديدة من الدعاة يكوِّن الله لها كيانا معنويا عاطفيا عميق التأثير في قلوب الدعاة والناس، فيه بركة تجعل القليل كثيرًا، والواطئ عاليا، والضيق واسعا، والصلد ناطقا. ولابد من جلوس الدعاة بين يدي جيل أكبر، فيتم التلقين وتحميل التبعة والأمانة والفهم، في توريث هادئ مسترسل، فيكون اتصال السند والنَّسب. ومن يتجاوز- في ذلك- من الدعاة الجدد، فإنه يكون قد أبعد في الوهم وحرم البركة في كيانه الطارئ، من أنفاس المتعاقبين العطرة.
الوصف العام للكتاب
يتكون الكتاب من اثني عشر موضوعا على النحو الآتي: مقدمة 1- الظاهرة التربوية 2- جوامع التربية 3- الكتلة الأخلاقية 4-تركيب الشظايا 5-الأداء المعرفي الحضاري 6-المناورة التربوية 7- معًا نعاني 8- منهجية الأداء الريادي 9- منهجية التجانس مع عصر التخصص 10- الفيزياء الدعوية 11- منهج التربية بإيحاءات الصناعة 12- بلوغ الذروة. خاتمة.
مقدمة
يبين المؤلف أنه إذا أوجدت تربيتنا- بفضل الله تعالى- الكتلة الإيمانية المستندة إلى الكيان العريق (الإخوان المسلمون)، فإن المعول عليه في إتقان الأمر وتطويره هو الداعية الوارث للأمانة، الذي أفلحت التربية في إنتاجه وتعليمه الوفاء، بأن يتصدى ويحمل الهمّ، ويكثر التفكير، ليكشف مستلزمات الارتقاء والإيغال في الدرب.
وعن منهجه في الكتاب، يقول: وكان حرصي كبيرا خلال البحث كله على كشف الجانب المنهجي في المفردات التربوية التي تناولها الحديث، وبيان الخط الجامع الموحد لها في سياق ونسق منسجم.
ويختم الكاتب المقدمة بقول للأستاذ عمر التلمساني يقول فيه: “اعلموا أننا إذا لم نحسن قضية المنهج فستغتال الدعوة، ولا بد من منهج يعلّم العلم الموروث عن أهل السنة والجماعة، والفكر الإخواني هو ما يصدر عن الجماعة. وأما كتابات الكاتبين فهي فكر إسلامي عام”.
ويضيف المؤلف: أن فكر الجماعة يجب أن يتطور، والتطور لا يأتي من فراغ، وإنما تدفعه خلفية من الآراء عظيمة الكتلة يدلي بها أهل الفكر من دعاة الجماعة، ونمنحهم حرية في التأمل والاقتراح والنقد، ثم تتولى عملية الانتقاء اختيار ما يمكن أن يضاف إلى فكر الجماعة ويكون الاعتراف به.
(1) الظاهرة التربوية
يبين المؤلف أن قوة التأثير التربوي للكلام، وسرعة ظهوره في المقابل تخضع لمؤثرات عديدة؛ منها:
- نوع الصفات الطبيعية التي يملكها المربي، كالذكاء، والشجاعة، والصبر، والغضب، واللياقة، وقوة الشخصية.
- أن سرعة التأثر وقوته تحكم تلك التربيات السابقة، التي تخالف التربية الجديدة، والتي يراد له أن يتأثر بها.
- وتؤثر الظروف الخارجية والفرص الحيوية التي تحيط بالتلميذ على مدى تأثره وسرعته، كالصحة والمرض، والفقر والغنى، والحزن والفرح.
اختراعات تربوية
صار “الأدب”، و”المنطق”، و” اللغة الاصطلاحية”، و”التاريخ” من آلات التربية، التي يجب أن يُتسلح بها أثناء الاستخدام التربوي للكلام.
اختلاط التربيات
التربيات العديدة التي تتنازع الأشخاص تحد كثيرا من الجهود التربوية، ولهذا وضع المربون بعض الحلول للحد من هذه المشكلة. من هذه الحلول: ” التخصص” في استخدام آلات التربية، وهكذا ظهر في جماعة المربين الناثرون البلغاء، والشعراء، والمؤرخون، والممثلون المسرحيون، والمغنون، وغيرهم.
ومن هذه الحلول:” التربيات المرحلية”. ومنها: “التركيز على المُنظِّر العملي” لما في وجوده من زيادة تأثيره على تأثير الكلام. ولنا في الأنبياء والرسل الكرام أعظم المثل.
وكل تربية تعضد تربيتها بحجب الفكر المخالف لها عن تلاميذها. حتى لا يؤدي ذلك إلى تشويه الفكرة الأصلية. ولا مانع من المناقشة والحوار كلما استدعت الضرورة.
خضوع التخطيط الحركي للحقيقة التربوية
يشير المؤلف إلى أنه يكفي أن نقرر وجوب التربية المرحلية في الخطة الحركية في العمل الإسلامي، وتطوير ذلك؛ لأنه إذا جمدت الخطة على الأصول التي وضعها الرعيل الأول من الدعاة، فإنه سيفوتها خير كثير، وتهدر جهود كثيرة. وأن تعتمد الحركة في عملها على جهاز متكامل الاختصاصات يمهر في وضع “النثر البليغ”، و”الشعر الفصيح”، و”علم التاريخ”، و”أسلوب الاستدلال العلمي” في خدمة عقيدة التوحيد وأحكام الإسلام. واستثمار ظاهرة تأثر النفس الإنسانية بالمسموع والمنظور، ولم يعد طبع الكتاب كافيا.
فلا بد من التفكير في كيفية تطوير التمثيليات المسرحية- كمنظر تربوي مؤثر- إلى إنتاج أفلام سينمائية جادة، ومسلسلات يمكن أن تعرض، فيها إبراز معاني الإيمان والأخلاق والحياة الأسرية، ومعاني الجهاد والجد، وسير المجاهدين، ومقاومة الاستعمار، والثورات الإسلامية.
– نجاح الاستعمال الإسلامي لمعطيات الإنترنت، والتوسع الكمي والنوعي، والتنسيق بين المواقع العديدة. واستثمار المخزون الفكري والوعظي العظيم الحجم للمحاضرات والخطب والندوات لثقاة الدعاة والمفكرين والقادة والوعاظ، وتوزيعها على الناس لتحقيق توعية شعبية واسعة، أشبه ما تكون بثورة فكرية.
– تيسير الكتاب الإسلامي الشعبي” الزهيد الثمن” للبلاد الفقيرة. ولابد من إنشاء دار نشر خيرية يتداعى لها بعض الأغنياء.
– ويمكن تكميل كل هذا التفنن بخطة تربوية لاصطناع شعراء وقصاص. وتعميم تيار أدبي إيماني يتواكب مع النقلة الإستراتيجية الفكرية الإعلامية ويتكامل معها.
(2) جوامع التربية
يشير المؤلف إلى أنه من الأهمية بمكان أن تتضح الخطة المرحلية وخطة المدى البعيد في أذهان الدعاة في أي قطر، معا، قبل الخطو والممارسة العملية؛ ليكون الفهم الجامع الشامل حارسا للمسيرة الدعوية من أن يدفعها دعاة مغامرون إلى شطط وأعمال غير مدروسة.
ماذا نريد؟ وما هي قضيتنا؟ وما هي وسائلنا؟ ومَن هو صديقنا والحليف؟ ومَن هو المزاحم والعدو؟ وما هي الثوابت والمتغيرات؟ وما هو وصف المجتمع الذي نعيش فيه، وعوامل الإيجاب والسلب في تطوره؟ ووصف الدولة والمحيط الإقليمي والسياسة العالمية: كل ذلك من الأسئلة التي يجيب عليها هذا الفقه الذي يكلف الرواد بصياغته وترويجه بين طبقات الدعاة.
ويوجه المؤلف إلى الأساليب التي تعين على الإتقان المنهجي التربوي؛ فيجعلها في عشرة أساليب وخطط فرعية تتكامل فيما بينها وتتعاضد لتكوين جانب مهم من الخطة التربوية الشاملة، هو العُشر، وبقية الجوانب تبنيها الفصول الأخرى تباعا.
الوجوه الخمسة المتكاملة للأداء الأسري
الخطة الفرعية الأولى: تجديد فهمنا لمعنى العمل الأسري الدعوي، وتكليفه بجوانب عريضة أساسية. وقد أفهمتني الأيام والتجارب أن الأداء الأسري النموذجي الناجح يمكن أن يكون محورا لخمسة أنواع من الأعمال المتميزة أو وجوه الأداء الفرعية:
· الوجه الأول: الوجه التربوي المحض، وتطبيق المنهج. وهذه مسؤولية نقيب الأسرة.
· الوجه الثاني: الاحتساب الذي يقوم به النقيب تجاه كل عضو يخالف واجبا إيمانيا أو خلقا من أخلاق المروءة أو حكما شرعيا أو دلالة مصلحية عامة.
· الوجه الثالث: تدريب الداعية على الدعوة الفردية.
· الوجه الرابع: المشاركة في بذل جهد في تنفيذ مقدار معين من الخطة الدعوية العامة بالتنسيق مع مجموعات الأسر الأخرى.
· الوجه الخامس: جعل الأسرة محضنا أوليًّا لنمو بذور التخصصات التي تحتاجها الدعوة.
الخطة الفرعية الثانية: أن تكون مهمتنا التربوية أوسع من المنهج التربوي الداخلي، وعليها أن تسعى إلى إحداث تأثير قبلي وبعدي.
الخطة الفرعية الثالثة: تكملة المنهج العام بمناهج خاصة، حسب حاجة القطر.
الخطة الفرعية الرابعة: الانطلاق من مراكز بحث ومؤسسات دعوية ما استطعنا.
الخطة الفرعية الخامسة: تحصيل الآثار التربوية الحسنة التي ينتجها “الشمول التخطيطي” والخطة العامة.
الخطة الفرعية السادسة: تجويد التربية التطويرية؛ فالتطوير يبدأ من حرص تبديه اللجنة التربوية على اكتشاف العناصر الواعدة اكتشافا مبكرا ورعايتها.
الخطة الفرعية السابعة: الاستدراك على ضعف بعض النقباء وبعض جوانب المنهج.
الخطة الفرعية الثامنة: اللسان الدعوي الواحد، ويكون بتدبير التنسيق الموضوعي بين كلام الوعاظ وخطباء الجمعة والإعلاميين وأساتذة الجامعات ومدرسي المدارس، بحيث ينسجم مع قضايا الساعة.
الخطة الفرعية التاسعة: معالجة آثار العيوب الاجتماعية في الداعية، بالوعظ والحوار والتفهيم، وبقدوات يضربون المثل الصحيح.
الخطة الفرعية العاشرة: الوصول بالداعية إلى مساهمة عملية فعلية في وضع لبنة في البناء الحضاري الإسلامي.
(3) الكتلة الأخلاقية
يشير المؤلف إلى أن كل داعية مجرِّب قد نال حظًّا من التربية وحاز شيئا من الفكر، يمكنه أن يكون نقطة إشعاع في هذه الحملة، عبر إتقانه تمثيل الأركان السبعة المتكاملة للقدوة الحسنة في منهجية تربيتنا الدعوية:
أولا: البعد الجماعي في معنى الاقتداء؛ ويكون بأن يذكر الجماعة حين يتكلم، ويضرب بها الأمثلة، ويقدم فكرها على أنه الفكر، وإنجازها على أنه الإنجاز.
ثانيا: البعد التأصيلي في غرس الاقتداء؛ فلا تكفي مدارسة رسائل الإمام البنا، ولا الكتب الفكرية المعاصرة، وإنما يكون أيضا بتعويد الصاعدين على الرجوع إلى مصادر العلم الشرعي الكبرى.
ثالثا: البعد المدني والاجتماعي في الاقتداء؛ فكل مجتمع صغير داخل المجتمع الكبير له قدوته من أهله.
رابعا: البعد التنويعي في أسلوب تحصيل الاقتداء؛ ونضع أهدافا كبرى عامة نقود الناس لتحقيقها: فنطلب لهم الحرية، وحقوق الإنسان، ونقاوم بهم التطبيع مع العدو، ونتملص وإياهم من ظلم النظام العالمي.
خامسا: البعد النسبي في الاقتداء؛ تبعا لحاجة الظرف. فوقت الجهاد: القدوة بطل، ووقت طغيان المادة: القدوة زاهد عفيف، وقدوة الحاكم: عالم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
سادسا: البعد القصدي في الاقتداء؛ أن يكون المرء على السجية، ثم الله يرزقه حسن النية.
سابعا: البعد الإبداعي؛ إذ في الشيء المبتكر قوة إضافية، والتجديد في ضرب المثال يأسر قلب المراقب. ومن أسباب الترهل المذموم الذي يبتلى به بعض القدماء من الدعاة: النمطية والتكرار، وعلاجها بالإبداع الذاتي.
ثم يتناول المؤلف: الصفات الرفيعة اللازمة لكل قدوة: وأول ذلك، والمبتدأ بعد الفرائض والسنن الراتبة – تعليم الداعية معاني أسماء الله الحسنى، التدبر القرآني، والاستعانة بالتفسير العلمي للقرآن الكريم في غرس التوحيد، والاهتمام بالإعجاز البلاغي والبياني للقرآن.
الركن الثاني في الذخيرة الأخلاقية: استشعار المسؤولية الشخصية.
الركن الثالث: انتظار عِظم الثواب.
الركن الرابع: الكرم وسعة البذل.
الصفة الخامسة: مضاعفة العمل وإتقانه.
الصفة السادسة: الموازنة بين العبادة ورعاية مصالح المسلمين.
الصفة السابعة: ركوب العزائم وترك الرخص.
الصفة الثامنة: الاستجمام بعد الإرهاق.
الصفة التاسعة: إطالة الصبر.
الركن العاشر: توطين النفس على البقاء تلميذا مهما اقتدى به المقتدون.
(4) تركيب الشظايا
يطرح المؤلف سؤالا عن: لماذا الداعية الذي يكون في بداية أمره: أشجع، وأكثر اندفاعا، وأسخى، وأنجد؟
ومفتاح العلاج فيمن يشرد عن صفات البدايات يكمن في أن لا ندعه إلى مقدرته هو، بل يجب علينا كمربين أن نقحم أنفسنا في أمره وقضيته، وتفهيمه ما يرده إلى “الاتزان العقائدي” قبل الاتزان التخطيطي، والذي يستند إلى دعامتين: الإيمان العميق بالقدر، وتصحيح النية وتمحيص الإخلاص.
نظرية التكامل
قضية “التكامل” تحتل أهمية كبيرة في منهجية الدعوة بعد “الاتزان العقائدي”. يؤكد المؤلف على أن: “الشمول” الذي استوعبه الإمام البنا رحمه الله، مع أول خطوة في دعوته كان إلهاما ربانيا وتوفيقا خاصّا، لعجز الكثيرين بعد أكثر من سبعين سنة عن إدراك مثله، ولكونه كان في “مبادئ الأمر”، فإن أمر الدعوة قد استقام عليه في النهايات. هذا هو الذي يحدو بنا إلى تقرير “التكامل” الذي ينتج “الشمول” كركن في المنهجية التربوية. حتى يدرك ذلك الجيل الجديد. فالتربية الدعوية تتألف من ألوف الحقائق التجريبية والآراء الاستنباطية التي يكتشفها أساتذة التربية في الدعوة، ثم ينبغ في كل مفصل زمني داعية يجمع “الشظايا التربوية”، فتكون “التربية المتطورة”. وهذه لمسة منهجية مهمة حري بنا أن نتقنها.
وراثة جماعية نقية في أطراف الأرض
يشير المؤلف إلى خمسة أبعاد للتكامل في منهجية الدعوة:
– التكامل في بعده الزمني.
– التكامل في بعده المكاني.
– التكامل في بعده البشري.
– التكامل في بعده الموضوعي.
– التكامل في بعده التوسّلي (الوسائل).
عُشاريَّة في التقعيد التربوي
يستخلص المؤلف بعض القواعد التربوية الدعوية التي أساسها التجريب والخبرة:
القاعدة الأولى: الحرص على التأصيل الشرعي للأعمال التربوية، وتربية الدعاة على طلب الأصالة.
القاعدة الثانية: تجويز الاقتباس المعرفي من الحضارات الأخرى غير الإسلامية لما لا يصادم حقائق الإيمان وأحكام الشرع ومقاصده.
القاعدة الثالثة: أن المعاناة تحقق نضوج الدعاة، وأن الوعي يحصل عبر التراكم البطيء لأحاسيس كثيرة التنوع تنتجها الممارسة العملية، ولذلك يكون التدرج المرحلي في العمل الدعوي هو سبيل الإتقان.
القاعدة الرابعة: التصرف النسبي واتخاذ البدائل
القاعدة الخامسة: الموازنة بين النقائض والمتكاملات (فبين التطور والثبات تكامل).
القاعدة السادسة: أن تربية التحدي عطاؤها أكبر من عطاء التخطيط التربوي.
القاعدة السابعة: تقييد المخططين بهدف “واقعي” ليس مطلق الصواب (فلا بد أن تكون الأهداف متوافقة مع عظم الغاية التي ننشدها).
القاعدة الثامنة: طلب الوحدة القلبية المعنوية بين الدعاة عبر الممارسة الشورية.
القاعدة التاسعة: أن الفكر القويم مبتدأ الإصلاح (فمنهجية التربية الدعوية الصحيحة: إيلاء عناية للفكر الإسلامي الصحيح).
القاعدة العاشرة: أن الحوار بين الدعاة هو الذي يوقظ الأفكار، ليس الإملاء، ولا انفراد النوابغ.
عُشاريَّة ترصد التوجهات التربوية الرئيسة
التوجه الأول: إتقان استثمار ركن التدين في النفس البشرية الذي يمنحنا عامل تفوق دائم على الآخرين.
التوجه الثاني: استيفاء الاستفادة من عطاء العالمية.
التوجه الثالث: كسر القوقعة والخروج إلى الحياة الفسيحة.
التوجه الرابع: اليقين بأن تحقيق العمق التربوي هو الإنجاز الأعظم الذي يقاس به مدى نجاح الدعوة.
التوجه الخامس: تربية الدعاة على قبول التعامل مع الحليف.
التوجه السادس: الالتقاء مع حاجة الناس.
التوجه السابع: استثمارنا لنقطة ضعف أتباع النظام العالمي الجديد.
التوجه الثامن: المؤتمرات الفكرية القيادية ضرورة موازية لتدابير الإدارة.
التوجه التاسع: تعريب الأجزاء الأعجمية من الدعوة.
التوجه العاشر: إتقان صنعة إشاعة الحب في الله.
ويضيف المؤلف عشرات من الملاحظات التربوية التي تندرج تحت تشكيل القواعد والتوجهات التربوية.
(5) الأداء المعرفي الحضاري
أحرار أدباء يعشقون الجمال… يسيرون في الأرض
النمط الحضاري عند السلف يأذن لنا تضمين منهجية التربية الدعوية أنواعا من الأداء المعرفي تعتمد إذكاء العاطفة والروح، وتعمير الوجدان والمشاعر، وتحريك القلوب وتنقية الأحاسيس. وتدع النفوس تحلق تطلب السمو وترتفع، وكل ذلك من ضرورات صناعة العنصر الريادي الذي ينفذ المشروع الإسلامي الحضاري.
الأداء الأول: التأمل في الخلق، وفحص نظام المخلوقات وبدائع الكون.
الأداء الثاني: الترنم بأناشيد الحرية ومناقب الأحرار.
الأداء الثالث: توسيع المدى اللغوي، والاقتباس من الأدب.
الأداء الرابع: استقراء التاريخ وأحداث الزمان.
الأداء الخامس: تنمية الإحساس الفني الجمالي.
حقائق الميادين وإلهامات المتاحف ومواعظ السياح
يوضح المؤلف أن الوسيلة لتحقيق هذه الأنواع من الأداء خاصة وعامة:
أما الخاصة: فتكون في الخروج من التربية التقليدية التلقينية إلى منهجية الفحص الميداني، وزيارة المتاحف والآثار ومواقع المعارك والأحداث الكبرى الشهيرة، واطّراح النظرة السوداوية المتشائمة والسلوك الانعزالي.
أما الوسيلة العامة: فقناة فضائية ثقافية علمية إسلامية لا تقرب السياسة والإثارة، بل تتجرد للمعرفيات والعلم والفن.
(6) المناورة التربوية
يبين المؤلف: أن صاحب التجربة يعلم أن التجميع وضم الأنصار إلى الدعوة يتجاوز مجرد تحصيل الولاء للدعوة ممن يمنحه لنا، وإنما يجب أن يقترن بالولاء فهم ووعي يكون به الموالي على مدرستنا، وهذا واجب المربي مع كل عنصر جديد؛ يشرح له، ويتخير له من الكتب ما يتقدم به خطوة بعد أخرى في طريق حيازة فكرنا الدعوي الخاص واجتهادنا. ثم يبين أنواع هذه النماذج في علاقتها بالدعوة.
الترميم وسد النقص من ضرورات منهجية التربية
يقترح المؤلف سلسلة من الكتابات التكميلية للفكر الدعوي العامر، وتشمل:
أولا: توظيف الكم الهائل من الدراسات والرسائل الجامعية التي تلتقي مع فكرنا وأهدافنا.
ثانيا: التوظيف المنهجي للكم الهائل من التحليل السياسي الإسلامي.
ثالثا: مواصلة منهجي (المؤلف) في تهذيب بعض كتب الأئمة الأولين وتحويرها لتكون أكثر نفعا في الاستخدام التربوي الدعوي.
رابعا: استعراض حاضر العالم الإسلامي في تقارير دقيقة وافية تصدر في سلسلة كتب.
خامسا: تعليم الزهديات، ومواعظ الموت، وذكر الآخرة.
سادسا: ترشيد معنى الجهاد.
سابعا: تأليف كتاب منهجي يعرّف بالتشيع عقيدة وفقها وفكرا وتاريخا وخطة، بنفس علمي بحت ولسان رفيق.
ثامنا: تصويب مدارس الفكر الإسلامي المعاصر.
تاسعا: تأكيد الموقف الدعوي في الوسطية والاعتدال الفقهي.
عاشرا: توفير كتب المنهج ومستلزماته في كل قطر.
لوازم العمل التربوي المتقدم
يبين المؤلف أن من معاني المناورة التربوية أيضا: الاستجابة التطويرية لمقتضيات الحاجة والتوسع وتغير الحقائق الميدانية، إذ لكل زمان ومرحلة ما يناسبها، والمرونة واجبة. وأرى أن التطوير يجري في ثلاثة خطوط:
– إيجاد مؤسسات، أو القيام بأعمال تخدم العمل المؤسسي.
– وتطوير الدعاية بالتربية القيادية.
– وأساليب إدارية وعلمية وإبداعية ترفع مستوى الأداء.
(7) معًا نعاني
يحذر المؤلف من بعض قادة الدعوة الذين يستسهلون انتهاج نهج التشدد في عضوية الجماعة الدعوية، ظنًّا منهم أن الحل في أنواع الأزمات وأشكال النقص يكون بمناقب جماعة عمادُ تكوينها العباقرة، والأشداء الأذكياء، وأصحاب الجلد وكثرة العطاء، وأقوياء الشخصية، وأهل الصبر، وأصحاب المبادأة والرأي والريادة. لاعتقاد صواب نظرية “النخبة المتوارية”. وهذا الرأي أقل ما فيه أنه عدول عن طريقة الإمام الشهيد حسن البنا، وأعراف الإخوان المتوارثة. إن الإمام البنا لم يصدر عن اجتهاد وفهم جزل سليم في رؤية أبعاد الدعوة وشمولها، ثم في بنائه لها ونشرها، وإنما صدر عن إلهام رباني أيضا، فألهمه الله تعالى الصواب إلهاما، فجمع بين المثقف والأمي، والصغير والكبير، والحضري والبدوي، والشجاع والمتهيب، والذكي والبطيء، والقوي والضعيف، والغني والفقير، والمتجرد والمخلط، رجالا ونساء، وجعلهم كلهم كتلة واحدة مندمجة في جماعة واحدة تحاول تقديم النموذج الإسلامي النظري والعملي معا، وأن تقترب منه ما استطاعت سافرة معلنة عن نفسها، إلا ما اقتضته ضرورات الابتداء والتأسيس الأول، وقد انعقد إجماع الإخوان في الآفاق على انتهاج هذا النمط، وجعلوه عنوانا للصواب. ولهذا يرفض المؤلف الحيدة عن منهج الإمام البنا في الطريقة الشمولية التي انتهجها في تكوين أفراد الدعوة وتنظيمهم؛ لأسباب يفصلها تفصيلا في مكانها من الكتاب.
(8) منهجية الأداء الريادي
يشير المؤلف إلى ثلاثة عناصر ترتكز عليها منهجية الأداء الريادي، هي الأهم:
العنصر الأول: تفرغ وتجرد العنصر الريادي لمهمته القيادية وممارسته الشعورية والعملية لها، وليس هو بالعنصر التنفيذي والريادي معا. وعلى الدعوة والقائمين عليها حين ينتخبون من رجالهم من يضعونهم في المكانة الريادية أن يعينوهم في تحقيقهم لعملية الريادة.
العنصر الثاني: في منهجية الأداء الريادي – وفق اجتهاد المؤلف- فهو “الثقة بالصاعدين”.
العنصر الثالث: “مواكبة نزعات الطموح”؛ وعدم الإسراف في الاحتياط في بعض الأقطار.
(9) منهجية التجانس مع عصر التخصص
يشير المؤلف إلى أنه خرج بقناعة أنه لا بد من تكثيف الدور التخصصي في المرحلة الحاضرة من مراحل الأداء الدعوي في العالم أجمع عبر التدريب في مؤسسات المجتمع والدولة معا، إضافة إلى مؤسسات الحركة، وعبر الإعلان عن النفس والمخالطة العامة. ولذلك أنادي بخطة جديدة وبتطوير، ورفع طبقة أخرى من البناء فوق طوابق السلف. والشرط الضروري لولادة هذه التخصصات تهيئة البيئة الملائمة، وهذه البيئة تتمثل في ممارسة عملية لهذا التخصص في المحيط العام وليس في المحيط الدعوي الخاص.
ثم يضيف المؤلف ما هو مقتنع: أصبحت أحمل عقيدة راسخة بأن أطوار العمل السري المتكتم قد استحالت ضررا بعد أن كانت ضرورة، وأننا نعيش مرحلة جديدة يليق بها الإعلان عن النفس، والعمل الصريح، وكشف العناصر، ورفع الحواجز. لكن لابد أن يتطور الدعاة مدنيّا ويواكبوا الأسباب التكنولوجية المتجددة السريعة التطور إذا أرادوا أن ينجحوا في خطة المخالطة الاجتماعية هذه.
إن نقطة التعقيد هنا: أن الداعية إن لم يتحدث مع الجيل الإسلامي الصاعد بنفس اللغة العصرية التي يستخدمها فسيقاطعك وينشغل عنك.
إن قيادة الناس لن تكون إلا بالامتياز والتفوق التخصصي الكمي والنوعي. أريد لك التميز، وأنتظر منك الإبداع، وأن تترك بصماتك الواضحة إذ أنت سائر.
ويؤكد المؤلف على أن المتخصص محتاج إلى أن ترعاه قيادة واعية، وتتفهم دوره، وتدفعه إلى الأمام دوما. ثم المتخصص من باب آخر يحتاج أن نسهم له سهما في العملية القيادية الجماعية، لتكون معاناته معاناة حقيقية عميقة، فلا يكون مجرد الناظر إلى ساحة المعاناة.
(10) الفيزياء الدعوية
يقرر المؤلف حقيقة مهمة تتعلق بالمنهجية العلمية في الدعوة، فهذه المنهجية كما أوصلت العلماء إلى اكتشاف الحقائق العلمية والنجاح في ذلك، فإن الدعاة إذا أرادوا النجاح فلا محيص لهم عن الأخذ بهذه المنهجية العلمية في جميع شأنهم الدعوي، وممارستهم القيادية والإدارية والتعليمية والسياسية والاقتصادية.. إلخ. ومواكبة تطور علم الفيزياء بخاصة، حتى مرحلته الأخيرة المعاصرة التي أفصحت عن دلائل التوحيد، وبيان ضرورة تناول دعاة الإسلام لمجموعة الحقائق الفيزيائية من أيدي الغرب ليبشروا أئمة الإسلام وينذروا بها الإنسانية كلها، ليبدأ عهد جديد في التاريخ الإنساني يصعد فيه على ضوء الإيمان سلم حضارة إسلامية تنتشل الكتلة البشرية العالمية كلها من طيش جيل من الساسة في أميركا امتلكوا القوة، فزعموا نهاية التطور، واستكبروا استكبارا، وقادهم استكبارهم إلى اعتقاد وجوب تبعية كل الأمم لهم، وهو نمط من الوهم. لكونهم ساسة يفتقدون الروح الحيادية التي عند العلماء، فإنهم أخذوا من العلم ما يخدمهم، وتركوا منه ما يفضح عدوانهم، في مخالفة للمنهجية واضحة. ويخلص المؤلف إلى أنَّ:
– التربية الدعوية يجب أن تقوم بمهمة تعليم الدعاة النمط المنهجي السليم في التفكير والاستقراء والاستنباط والتحليل، ليكونوا أقرب إلى الصواب في قراراتهم وخططهم ومواقفهم.
– ينبغي أن يتوسع الدعاة في دراسة المنهجية الإسلامية التي قامت على ثلاثة أركان: التوحيد، وتلبية الأحكام الشرعية، والأخوة الإنسانية التي تجمع المسلمين. فإن فعلوا ذلك فإن إنجازات هائلة تنتظر الدعوة أيضا، قياسا على الإنجاز العلمي الذي أبرزته الحياة الاجتماعية الإسلامية الماضية.
عُشارية التطور الدعوي
يضع المؤلف عشر نقاط تمثل- من وجهة نظره- أسس التطور الدعوي:
1- تتابع الخطوات، والبناء على ما سبق، تدرج طويل النفس.
2- وجوب تأسيس روح الفريق في أداء الدعاة. والعمل المشترك والتحالف مع الجماعات الإسلامية.
3- اعتماد العمل الإسلامي على تخصصات متكاملة، بعضها يعضد بعضا ويتمه ويكون من لوازمه، كالذي حدث في النهضة العلمية.
4- عالمية العطاء الدعوي بعيدا عن الانحصار في القطرية.
5- توالي الأجيال، وأن كل جيل يأخذ من الجيل الذي سبقه، والاقتباس من الآخر، وعدم التنكر للسلف وبخس حق السابقين.
6- يجب أن نفهم أن قضيتنا الإسلامية قضية حضارية، تستلزم مشروعا حضاريا، وهي أبعد من كونها مجرد وصول إلى الحكم.
7- تمتين الأداء الدعوي بالعلم، ومضاعفة قابليات الدعوة عبر التكيف مع المخترعات، ومواكبة المستجدات.
8- اعتماد العلم بعامة، والإعجاز الواعي للقرآن الكريم بخاصة، في غرس الإيمان بالله لدى أجيال المسلمين الصاعدة.
9- الحرية هي أقصر طرقنا إلى تحقيق أهدافنا. لأن الحجة معنا، والإسلام حق، والفطرة مجبولة على التدين.
10-أن تطور العلم وإن أحدثته عوامل شتى، إلا أن إبداع المبدعين كان هو الأهم، فكما أن العلم لم يطوره إلا الأذكياء والمبدعون، كذلك دعوة الإسلام، يطورها أذكياء الدعاة، أصحاب الإبداع والاستنباط والاستنتاج والنقد والتحليل، وليس أهل التقليد والنمطية والاستسلام للموروث والقناعة باليسير.
(11) منهج التربية بإيحاءات الصناعة
يتحدث المؤلف عن جانب عالمي آخر في الدعوة، ألا وهو إننا كدعاة نشكل ونمثل ونمارس عملية قيادة الأمة الإسلامية بدرجة ثانية بعد الحكومات ومؤسساتها، فإنه يمكن أن نحشر أنفسنا على هامش منهجية التطبيق الصناعي العالمية للعلوم، وعلى هامش منهجية إسالة العلم اجتماعيا، لتحملنا هاتان المنهجيتان معا، وبالمجان تقريبا، إلى حالة المساهمة فيهما، عبر المؤسسات العالمية العلمية والصناعية والمالية. من جامعات ومراكز بحث ومصانع وشركات وبنوك وبورصات وإعلام علمي وإعلام سياسي، وبذلك نكون كجزء من الحياة العالمية العامة، لكن بالشخصية الإسلامية المتميزة، وبعقيدة التوحيد، وبالعفاف والنمط الشريف، وبهوية فيها استقلال واندماج معًا. بحيث نقدم أنفسنا كطلاب خير للعالم، نعمل لتنميته، عبر تزكية روحية، تكبت الشر وتقلل دوائر تأثيره.
فأنت أيها الداعية: تريد التربية على الجهاد بالصناعة، وتريد حفظ مكان للأمة في عالم الصراع زمن العولمة، وذلك أمر شاق، لكنك لا تقيِّم معاملتك بقوتك ولا بمعرفتك، إنما بحول ربك وإعانته، فاقتحم، أنت لها، وربك يصنع معك. ولا تتعجب، فمناهج التربية السابقة أهملت تنبيهك إلى الدخول من أبواب التمكين.
(12) بلوغ الذروة
يتناول المؤلف في هذا الجزء الأخير من الكتاب: رجال الطبقة القيادية، وبيان مكانة “القيادة” في المشروع الحضاري الإسلامي المعاصر، وقيمتها وأهمية دورها. ويبين أن العملية القيادية في المحيط الجماعي الدعوي لها مجريان؛ المجرى الأول: يكون عبر تجزؤ الوصف النموذجي للقيادي وحلول أنواع من أجزائه في المجموع. وذلك قدر رباني محض جعله الله تعالى سببا لظهور البركة.
المجرى الثاني للعملية القيادية في المحيط الجماعي: استثمار اللحظات الرحمانية في الداعية الواحد، وانتظار تراكمها ليتكون منها رصيد يكفي لإحداث زخم مؤثر في مسيرة الدعوة، ثم لاحقا في حركة الحياة.
والذي يتحصل من التحليلات أن القادة ثلاثة:
– فقائد فرد بلا أعوان وأتباع، وإنما هو يعمل مستقلا لوحده، يحركه الإخلاص، وتستفزه مصالح الأمة، فيحاول تقديم ما يستطيع في صورة أمر بمعروف، ووعظ وحث، وكتابة وتأليف إعلامي، وهذا أشبه أن يكون من صناع الحياة من أن يسمى قائدا.
– وقائد دعوي، وهو في الصفات مثل الأول، لكنه يعمل مع عصبة من أمثاله. فتتكون من ذلك عملية قيادية جماعية واسعة عريضة، توفر جميع أنواع الصفات الإيجابية، تتحول إلى تيار جارف للأضداد.
– وقائد رجل دولة، يماثل قادة الدعوة فيما يفعلون من حشد الطاقات الصغيرة وتوظيفها في عملية قيادية جماعية، إلا أن الفرق يكمن في أن قادة الدعوة يستعينون بالترغيب، لأن الاتباع إنما اتبعوا عن رضا وطواعية، ورجال الدولة يعينهم الترهيب من بعد الترغيب.
والعمل الدعوي يقود المشروع الحضاري الإسلامي عبر جميع أنواع الأداء. مثل الأداء الفكري والفقهي الاجتهادي، والأداء العلمي العام، والأداء السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإعلامي، وغيرها. فالقيادة هي المحور الثاني بعد محور “مجموعة الأحكام والموازين الشرعية والفكر الاجتهادي المستند إليهما” في عملية الأداء.
ثم يبين المؤلف أن تكوين داعية واحد إنما تترجمه عملية جماعية ذات ألف تأثير. ويتحدث عن صفات القائد في الدعوة؛ فالقيادي، الذي هو أحد هؤلاء المائة أو المائتين في كل قطر، الذين يمثلون قلب العمل النابض وروحه الوثابة: هو مسلم، له في الحياة الواقعية أثر وبصمة مشاركة. ومجموعة إنجازات ترفع صاحبها.
ثم يبين المؤلف أن العمل الجماعي يتيح تراكم تأثيرات الأجيال: فظاهرة الأجيال القيادية تعمل لصالحنا، فيتراكم الخير عندنا جيلا بعد جيل، وطبقة بعد طبقة.
الخاتمة
يوصي المؤلف بما يأتي:
– عمل دستور للعمل التربوي في صياغة تقعيدية تخطيطية، يبنى من هذا الكتاب وما ورد فيه، ومن مماثلاته من الكتب.
– تحصيل ولاء الناس هو الركن الأكبر المعتمد في العمل الإسلامي، وليس تنظيمهم.
– لكن حرصنا على ولاء الناس لا يعني أن نحرص على رضاهم وننزل إلى مستواهم، إنما نرفعهم لمستوانا ما استطعنا.
– ويبقى أمر تطوير منهجنا التربوي أبعد من الحصر والتدوين، وكل من له تجربة عملية تصح منه الإضافة.
من ثمرات الكتاب وفوائده
- صار “الأدب”، و”المنطق”، و”اللغة الاصطلاحية”، و”التاريخ” من آلات التربية، التي يجب أن يُتسلح بها أثناء الاستخدام التربوي للكلام.
- التربيات العديدة التي تتنازع الأشخاص تَحُدّ كثيرا من الجهود التربوية، ومن الحلول للتغلب على ذلك الأمر:” التخصص” في استخدام آلات التربية.
- وجوب التربية المرحلية في الخطة الحركية في العمل الإسلامي، وتطوير ذلك؛ لأنه إذا جمدت الخطة على الأصول التي وضعها الرعيل الأول من الدعاة، فإنه سيفوتها خير كثير، وتهدر جهود كثيرة.
- والتطوير الدعوي يجري في ثلاثة خطوط: إيجاد مؤسسات، أو القيام بأعمال تخدم العمل المؤسسي، وتطوير الدعاية بالتربية القيادية، وأساليب إدارية وعلمية وإبداعية ترفع مستوى الأداء.
- من ضرورات الحركة أن تعتمد في عملها على جهاز متكامل الاختصاصات.
- “الشمول” الذي استوعبه الإمام البنا رحمه الله، مع أول خطوة في دعوته كان إلهاما ربانيا وتوفيقا خاصّا، لعجز الكثيرين بعد أكثر من سبعين سنة عن إدراك مثله.
- ” التكامل” الذي ينتج ” الشمول” كركن في المنهجية التربوية: له خمسة أبعاد: التكامل في بعده الزمني، والتكامل في بعده المكاني، والتكامل في بعده البشري، والتكامل في بعده الموضوعي، والتكامل في بعده التوسّلي (الوسائل).
- النمط الحضاري عند السلف يأذن لنا تضمين منهجية التربية الدعوية أنواعا من الأداء المعرفي تعتمد إذكاء العاطفة والروح، وتعمير الوجدان والمشاعر، وتحريك القلوب وتنقية الأحاسيس.
- الترميم وسد النقص (في الكتابات التكميلية للفكر الدعوي) من ضرورات منهجية التربية؛ ويكون ذلك بواسطة؛ أولا: توظيف الكم الهائل من الدراسات والرسائل الجامعية التي تلتقي مع فكرنا وأهدافنا. ثانيا: التوظيف المنهجي للكم الهائل من التحليل السياسي الإسلامي. ثالثا: مواصلة منهجي (المؤلف) في تهذيب بعض كتب الأئمة الأولين وتحويرها لتكون أكثر نفعا في الاستخدام التربوي الدعوي.
- التحذير من بعض قادة الدعوة الذين يستسهلون انتهاج نهج التشدد في عضوية الجماعة الدعوية.
- هناك ثلاثة عناصر ترتكز عليها منهجية الأداء الريادي، هي الأهم: العنصر الأول: تفرغ وتجرد العنصر الريادي لمهمته القيادية. والعنصر الثاني: في منهجية الأداء الريادي – هو “الثقة بالصاعدين”. والعنصر الثالث: “مواكبة نزعات الطموح”؛ وعدم الإسراف في الاحتياط في بعض الأقطار.
- لا بد من تكثيف الدور التخصصي في المرحلة الحاضرة من مراحل الأداء الدعوي في العالم أجمع عبر التدريب في مؤسسات المجتمع والدولة معا، إضافة إلى مؤسسات الحركة، وعبر الإعلان عن النفس والمخالطة العامة.
- إن الدعاة إذا أرادوا النجاح فلا محيص لهم عن الأخذ بالمنهجية العلمية في جميع شأنهم الدعوي، وممارستهم القيادية والإدارية والتعليمية والسياسية والاقتصادية.. إلخ.
- من منهجية التربية الدعوية المساهمة في منهجية التطبيق الصناعي العالمية للعلوم، عبر المؤسسات العالمية العلمية والصناعية والمالية.
- العملية القيادية في المحيط الجماعي الدعوي لها مجريان؛ المجرى الأول: يكون عبر تجزؤ الوصف النموذجي للقيادي وحلول أنواع من أجزائه في المجموع. والمجرى الثاني للعملية القيادية في المحيط الجماعي: استثمار اللحظات الرحمانية في الداعية الواحد، وانتظار تراكمها ليتكون منها رصيد يكفي لإحداث زخم مؤثر في مسيرة الدعوة، ثم لاحقا في حركة الحياة.