منصات التواصل الإجتماعي
بِمَ يفيضُ إناءٌ مملوءٌ باللبنِ أو العسلْ أو القطرانْ؟
سؤالٌ بديهيٌّ ما أسهلَ إجابتَه!
إذْ كلُّ إناءٍ بما فيهِ ينضحْ
لكنْ لو تخيلْنَا أنَّ عقولَنا وقلوبَنا هي ذاكَ الإناءْ
والعسلَ أو القطرانَ هما ما نعرضُهُ عليهِمَا من محتوياتِ وسائلِ الإعلامْ
وعلى رأسِها ما يسمى بمواقعِ التواصلِ الاجتماعيِّ
لعرفْنا حينَها كم هو سؤالٌ مُشكِلْ!
يحتاجُ إلى تأملٍ وتفكيرٍ طويلْ
فما إِنْ ظهرَ (الإنترنتْ) ثُمَّ وسائلُ التواصلِ الاجتماعيِّ المختلفةْ
و بدأَ العالمُ بالتغيُّرِ رُويدًا رويدًا
حتى صارَ جزءاً لا يتجزأُ من حياةِ البعضِ وربما كلِّ حياةِ البعضِ الآخرْ
فوسائلُ التواصلِ الاجتماعيِّ أضحتْ أحيانًا أقربَ من الأقربينْ
وذلكَ لما لها مِنْ مَيْزاتْ
إذْ أنَّها لا ريبَ قد قرَّبتْ البعيدَ، وخلقتْ لنا ساحةً نرى فيها ذواتَنا
ونعبّرُ خلالَها عن مشاعرِنا وأفكارِنا
نشاركُ الآخرين فيها لحظاتِنا الحلوةَ والمرةْ
كما أنها فتحتْ لنا نوافِذَ على العالمِ أجمعْ
فصرنا على درايةٍ بكلِّ ما يدورُ فيه على اتساعِهْ
وسهلتْ لنا الاطلاعَ على كلِّ صنوفِ المعرفةِ وتجاربِ الآخرينْ
لأجلِ كلِّ هذا وغيرِهْ
انخرطْنَا فيها حتى أفرطَ الكثيرونَ في التعاملِ معها
فأضاعوا أمامَها الساعاتِ الطِّوالْ
متقلبينَ بين صَفَحَاتِها
واعينَ أو غيرَ واعين للآثارِ السلبيةِ التي سبَّبَتْهَا
أو قُلْ بالأحرَى تعاملِنا السيئِ معها
غيرَ مدركينَ كذلك أنَّ كلًّا منا أصبحَ الآنَ
فاعلًا ومؤثرًا وصانعًا للرأيِ العام
حتى إنَّ هذه المواقعَ قد تُحدِثُ تغييرًا في القضايا التي تَهُمُّ الأمةْ
وذلك كلُّه بعد أنْ كُنَّا فقطْ (مستقبلين) للوسائلِ التقليديةْ
كالصُّحُفِ والتلفازْ
ومِنْ هنا صارَ لِزامًا علينا جميعًا
ضبطُ طَريقتِنا في التعاملِ معَ وسائلِ التواصلِ الاجتماعيْ
لكنْ أنَّى لنا هذا؟
إذَا علمنا أن الكلمةَسهمٌ إذا خرجتْ لا تعودْ
الزواجُ كلمةْ، والطلاقُ كلمةْ
الإيمانُ كلمةْ، والكفرُ كلمةْ
تقومُ الحروبُ بكلمةْ
وتحيا الروحُ بالكلمةْ
لكنها لا تحيا إلا بالطيبِ منها
أما السيئُ منها فهدّامٌ خبيثْ
قبلَ أنْ تُطلقَ كلماتِكَ من غَمْدِهَا
قبلَ أن تتكلمَ أو تكتبَ أو تنشرْ
دقِّقْ وتمهلْ
فكِّرْ
أينَ ستقعُ كلماتُكَ وماذا ستصيبْ؟
اِنْتَقِ كلماتِكَ كما تنتقي أطيبَ الثَّمرْ
وَلْيكنْ نُصبَ عينيكَ قولُ الله تعالى:
(وَقُل لِّعِبَادِى يَقُولُواْ ٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ ٱلشَّيْطَٰنَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ)
وَاحْذَرْ أَلَّا تُلْقِ بالاً لما تَنشرْ
فَـ (إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن سَخَطِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَهْوِي بها في جَهَنَّمْ)
اِختَرْ أَنْ تكونَ مِنَ الصَّفْوَةِ
فَعامةُ الناسِ يميلون إلى تصديقِ كُلِّ ما يصلُهُمْ
ثم يُعيدونَ نشرَهُ دونَ إِعمالِ عقولِهمْ
ولو علِمُوا عِظَم فِعْلِهمْ وما يَجُرُّهُ على الآخرينَ من مصائبَ
مَا فعلوهْ!
أَمَّا أنتَ.. فكُنْ مِنْ هؤلاءِ الذين ينتقون غِذاءَ عقولِهمْ
ويُحيطون أنفسَهم بالنافعينَ الراشدينَ على هذه المنصاتْ
تذكرْ دائمًا أنَّهُ ليسَ كلُّ ما يُعرفُ يُقالْ
وليسَ كلُّ ما يقالُ حضرَ أهلُهْ
وليسَ كلُّ ما حضرَ أهلُهْ حضرَ وقتُهْ
لأنَّ كلَّ ما يُعلمُ يجبُ أنْ يُمَحَّصْ
فتحرَّ وتبينْ وتثبتْ
فالأصلُ في دينِنا أن نُّدققَ في كلِّ ما يصلُنا من معلوماتْ
فالعاملونَ بكتابِ الله يتخذونَ مِنهاجًا لهم قولَ اللهِ:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينْ)
ولمْ يَعُدِ التثبتُ في أيامِنا هذهِ صعبًا
إِذْ بضغطةِ زِرِّ واحدةٍ يُمكنكَ التحققُ والتأكدُ
مِن صِدْقِ ما وصلَكَ ومصدرِهِ ومصداقيتِهْ
إِذَا راجَتِ الرائجةُ ودارتِ الألسنُ
وامتلأتِ الصفحاتُ بالحديثِ- بعلمٍ وبغيرِ علمٍ- عنْ أمرٍ ما
كُنْ وَقَّافًا عندَ أمرِ اللهْ:
(وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمْ)
وَلَا تَتَّبِعْ يَا بْنَ آدمَ الحَدْسَ والظُّنُونْ
فتخوضُ مع الخائضينَ
غيرَ عابئٍ بحقيقةِ أنَّ السمعَ والبصرَ والفؤادَ، كلُّ أولئكَ أنتَ عنهُ مسئولْ
وَاحذَرْمرتين حينَ يدورُ الكلامُ حولَ أعراضِ الخلقِ وفضائحِهمْ أو فُحْشِ بعضِهمْ
لِئَلَّا تكونَ مِن (الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا)
فأولئكَ (لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةْ)
لِئَلَّا تفتري كَذِبًا على بريءٍ أو تهتكَ سِترَ مسلمْ
ولا تَتَتَبعْ العوراتِ فتقعَ في محذورِ حديثِ رسولِ اللهْ:
(مَن تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيه المسلمِ، تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَهْ، ومَن تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَهُ، يَفْضَحْهُ ولو في جوفِ بيتِهْ)
وكُنْ مِنَ المؤمنينَ المفلحينَ الذين قالَ اللهُ فيهمِ:
(وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونْ)
فتجنبْ ما فَضُلَ ولا يفيدْ
فالتنقلُ بين صفحاتِ الغيرِ وأخبارِهمْ وصُوَرِهمْ
قد يُورثُ في نفسِ البعضِ سَخطًا على حياتِهمْ
والأصلحُ للقلبِ اتِّباعُ قولِ اللهْ: (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكْ)
وَعَليكَ أنْ تُوقِنَ بقولِ اللهِ تعالى: (وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى)
والأصلحُ للعقلِ أن يُمرَّنَ على كيفيةِ التعاملِ مع ما يردُ إليهْ
فيفرقَ بين السببِ والنتيجةْ
بينَ المشكلةِ وأسبابِها وحلولِها
بين ما يوافقُ المنطقَ وما يخالفُهْ
بين الرأيِ والمعلومةْ
وبين الحقيقةِ والكذبْ
وهذه بالذاتْ تحتاجُ أكثرَ إلى البصيرةِ والحكمةِ التي يُؤتِيها اللهُ مَن يشاءْ
وإلى التقوى التي هي السبيلُ إلى ذلكْ
(يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّـَٔاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ)
دعْ كلَّ سيئٍ وخبيثٍ يقفُ عندكَ فَلَا تنشُرْه
وغُضَّ ناظريكَ عنْ كُلِّ ما يُغضبُ اللهْ
ولأَنَّ كلَّا منا أدرى بما يُفسِدُ قلبَه أو يُصلِحُهْ
فعليه أنْ يتجنبَ أو يَسْلُكْ
يتجنبَ مفاسدَ قلبِه على هذه المنصاتْ
ويسلكَ فيها ما يجلبُ له الخيرَ والتقوى
وليسألْ كلٌّ منا نفسَهُ دائمًا
هل أجعلُ اللهَ نُصْبَ عيْنَيَّ وأنا أتصفحُ هاتفي؟!
إليكَ الخبرْ! هذا سؤالٌ لستَ وحدَكَ من يملكُ جوابَهْ
إِذْ عن يمينِكَ وشمالِكَ من يُحصيانِ عليكَ أعمالَكْ
فـاذكرْ: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)
ذاكَ إلى أنْ يجيءَ وقتُ الحسابِ وينتهي عملُ الكَتَبَةْ
لِتبدأَ مِن بَعدِهمْ جوارحُكَ تشهدُ عليكْ
سمعُكَ وبصرُكَ ويداكْ
(حَتَّىٰٓ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَٰرُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونْ)