المؤلف: الدكتور علي أحمد مدكور
الناشر: دار الفكر العربي- القاهرة – 1421هـ/ 2001م.
هذا الكتاب يبين طريقة تصميم منهج التربية، انطلاقًا من أسسه المعرفية والنفسية والاجتماعية، مرورًا بمكوناته المتمثلة في الأهداف والمحتوى وطرائق وأساليب التدريس، ووصولًا إلى وسائل وأساليب التقويم والتطوير.
ويتناول الكتاب القضايا الآتية:
أولًا: المفاهيم الأساسية لمناهج التربية.
ثانيًا: أسس بناء المنهج.
ثالثًا: تحديد الأهداف العامة للمنهج واختيار المحتوى وطرائق وأساليب التدريس، وطرائق وأساليب التقويم.
رابعًا: تطوير المنهج: أسبابه، وأسسه، وكيفياته.
ويقع هذا الكتاب في مقدمة وتسعة فصول؛ جاءت على النحو الآتي: الفصل الأول: المفاهيم الأساسية لمناهج التربية، والفصل الثاني: أسس مناهج التربية، والفصل الثالث: الطبيعة الإنسانية، والفصل الرابع: طبيعة الحياة والمجتمع، والفصل الخامس: أهداف المناهج التربوية، والفصل السادس: محتويات مناهج التربية وأنواعها، والفصل السابع: طرائق أساليب التدريس، والفصل الثامن: طرائق وأساليب التقويم، والفصل التاسع: تطوير المناهج.
ملخص الكتاب
المقدمة:
لا يمكن تحديد “الفلسفة التربوية” بدون تحديد “الفلسفة الاجتماعية” أو “الهوية الاجتماعية”. فالفلسفة التربوية تنبثق من الفلسفة الاجتماعية الشاملة، تؤكدها وتعيدها إلى جادة الصواب إذا انحرفت أو انحرف بعض عناصرها عن الخط المرسوم لها.
والفلسفة التربوية هي تحديد للأسس العقائدية والأسس الاجتماعية والأسس النفسية التي أساسها تصمم مناهج التربية والتعليم، ويُعد المعلمون، ويمول التعليم، وعلى أساسها تقوم المباني المدرسية المناسبة، وتنظم الإدارة المدرسية، وتخطط المناشط التربوية المختلفة.. إلخ.
إن الفلسفة التربوية هي بمثابة قاعدة الانطلاق الموحدة، التي تحدد للنظام التعليمي غاياته المنشودة، التي تعمل الوسائل المختلفة والمتنوعة على تحقيقها. إنها تحديد واضح لطبيعة المجتمع الذي نريد بناءه، ولطبيعة الإنسان الذي يجب أن نربيه.. الإنسان القادر على أن يسهم بإيجابية وفاعلية في بناء هذا المجتمع.
فالفلسفة التربوية الواضحة المنبثقة عن فلسفة اجتماعية شاملة أو عن تصور متكامل لحقائق الألوهية، والكون، والإنسان، والحياة، هي بداية أي إصلاح اجتماعي.
الفصل الأول: المفاهيم الأساسية لمناهج التربية
يتناول هذا الفصل: مفهوم المنهج وخصائصه، ومفهوم الدين وعلاقته بمناهج التربية، ومفهوم العبادة وعلاقته بمناهج التربية، ومفهوم التربية، ومفهوم الفلسفة وعلاقته بمناهج التربية، واللغة العربية في مناهج التربية.
مفهومات عامة للمنهج
يُعرَّف المنهج لغةً، كما ورد عند ابن منظور: ” المنهج هو الطريق البيّن الواضح. والمنهاج كالمنهج، وفي التنزيل: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَّمِنْهَاجًا).
أما على مستوى التربية، فيرى كثير من المتخصصين في المناهج وطرائق التدريس، أن المنهج التربوي هو “مجموع الخبرات والأنشطة التي تقدمها المدرسة للتلاميذ بقصد تعديل سلوكهم، وتحقيق الأهداف المنشودة”.
ويلاحظ أن هذا التعريف لم يُشر إلى فلسفة المنهج وأسسه الموجهة للممارسة التربوية فيه، فهو تعريف ينحو منحى سلوكيًا وضعيًا.
مفهوم منهج التربية
ويمكن القول إن منهج التربية في تصورنا هو: “نظام متكامل من الحقائق والمعايير والقيم الثابتة، والخبرات والمعارف والمهارات الإنسانية المتغيرة التي تقدمها مؤسسة تربوية إلى المتعلمين فيها بقصد إيصالهم إلى مرتبة الكمال التي هيأهم الله لها، وتحقيق الأهداف المنشودة فيهم”.
الخصائص التي يتميز بها هذا المنهج:
الخاصية الأولى: هي أن منهج التربية “نظام”، كل جزء فيه يتأثر ببقية الأجزاء ويؤثر فيها.
الخاصية الثانية: هي أن المنهج” رباني” في مصدره وغايته، فهو يعتمد على الوحي؛ ولهذا فهو يزود الإنسان بمجموعة الحقائق والمعايير والقيم الإلهية التي توجه عمله وإسهامه، ووظيفته التي خلق من أجلها.
أما ربانية الوجهة والغاية؛ فنعني بها- كما يقول الدكتور القرضاوي-: ” أن الإسلام يجعل غايته الأخيرة وهدفه البعيد، هو حسن الصلة بالله تبارك وتعالى، والحصول على مرضاته، فهذه غاية الإنسان (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ).
الخاصية الثالثة: هي أن منهج التربية يعتمد أيضًا على الخبرة، فالخبرة هي أساس بناء الإنسان وبناء المجتمع. والأصل هنا أن منهج التربية لا يعتمد في طرائقه وأساليبه على التلقين وحده، بل يهتم بالتعلم عن طريق الأحداث، والممارسة والعمل، والثواب والعقاب، والقصة، وضرب المثل، والتجسيم والتصوير، والقدوة، وعن طريق استخدام قوى الإدراك في الإنسان.
الخاصية الرابعة: أن منهج التربية هذا منهج إيجابي، وواقعي، فهو” تصميم” لواقع مطلوب إنشاؤه على أساس هذا التصميم، لإعداد الإنسان القادر على القيام بواجبات الخلافة في الأرض.
وينسحب هذا على الموقف التعليمي؛ فمجرد تقديم الخبرة للمتعلم لا يعني – بالضرورة – تعلمه، وتعديل سلوكه في الاتجاه المطلوب، فلا بد أن ينشط الإنسان ويتفاعل مع الموقف التعليمي، وينعكس أثر الموقف على سلوك الإنسان. فإذا لم يتكون الشعور والاتجاه، ويتم النشاط، ويحصل الإدراك والفهم، ويتحول ذلك إلى سلوك عملي في واقع الأرض، إذن فالتعليم لم يقع.
الخاصية الخامسة: التي تميز منهج التربية، هي خاصية الشمول والتكامل لكل من المتعلم والمنهج. فالمنهج هو الجانب التطبيقي للأصول التربوية. وغاية المنهج تنمية شخصية الإنسان كله وإيصاله إلى درجة كماله التي هيأه الله لها.
وتكامل جوانب الخبرة الإنسانية في منهج التربية يتفق مع فكرة الإسلام عن الكون والحياة والإنسان. فالوجود كله صادر عن الإرادة المباشرة لله. فتكامل جوانب الخبرة الإنسانية في منهج التربية يجب أن يتماشى مع تصور الإسلام لوحدة الوجود، وتكامل أجزائه.
وتكامل جوانب الشخصية الإنسانية في مفهوم منهج التربية يجب أن يتفق أيضًا مع تصور الإسلام لوحدة الإنسان الفرد، ووحدة الإنسانية جمعاء. فالإنسان كيان واحد متكامل الأجزاء.
وهناك حكمة من وراء الاختلاف بين بني البشر، وهو التعاون والتكامل، لا التصارع والتباغض، وإلا لو شاء الله لجعل الناس جميعا أمة واحدة. (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ). ثم أنزل الله لهم نواميس الهدى والضلال، تمضي لها مشيئته في الناس، وتركهم يستبقون، وجعل هذا ابتلاء لهم يقوم عليه جزاؤهم يوم يرجعون إليه، وهم إليه راجعون.
الخاصية السادسة: أن منهج التربية هو منهج تربية” الإنسان”.. الإنسان الصالح الذي يستطيع أن يعيش في كل مكان.
إننا في أمس الحاجة إلى تنمية النظرة “الإنسانية العالمية الشاملة” في التعليم، وتطوير المفهوم الإنساني في التربية. إن منهج التربية في التصور الإسلامي دون مناهج الأرض كلها، هو الذي يستطيع تحقيق مفهوم” الإنسانية” في نفوس الناشئة. (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ).
لقد جنت الإنسانية ثمار التأكيد على “المواطنة الضيقة” في صورة صراعات دولية، وحروب عالمية وإقليمية، واستعمار واحتلال لأراضي الآخرين، واغتصاب لحقوقهم، وتسخير لجهودهم في خدمة غيرهم، وإذلال لآدميتهم وإنسانيتهم… إلخ. وهكذا، تحدق الأخطار “بالسفينة العالمية” من كل جانب، بسبب الأنانية، والشره والظلم، والطائفية، والعنصرية، والاستغلال.. بسبب الحضور القوي “للمواطن” والغياب المستمر “للإنسان”.
إن منهج التربية في التصور الإسلامي هو وحده بين كل مناهج الأرض الذي لا يفرق بين البشر على أساس طبقي أو عنصري أو طائفي، وإنما يتوجه إلى قلوبهم وضمائرهم مباشرة. حيث يكمن “الإنسان” الجوهر الفذ، الذي تتكون منه الإنسانية. وهو بذلك الملجأ الوحيد الباقي لإنقاذ البشرية من الهول الرهيب المحدق بها.
مفهوما “المنهج” و”البرنامج”:
المنهج: يتضمن الجانب النظري والجانب التطبيقي؛ فالمنهج أو المنهاج ذو شقين: شق فلسفي اعتقادي، وشق اجتماعي تطبيقي. فعندما نقول: “منهج” فهذا يعني الانطلاق من الأسس والمصادر الفلسفية والإنسانية والاجتماعية التي تنعكس على المكونات التطبيقية للمنهج ابتداء بالأهداف، فالمحتوى، فطرائق وأساليب التدريس والتقويم والتطوير.
أما مفهوم” برنامج” فقد شاع على يد أنصار مدرسة علم النفس السلوكي، وأصحاب المدرسة المادية السلوكية. فالبرنامج عندهم ليست له أطر أو مرجعيات فلسفية أو أسس يستند إليها. وإنما هو يبدأ مباشرة بتحديد الأهداف، فالمحتوى، فطرائق وأساليب التدريس والتقويم.
مفهوم الدين ومناهج التربية:
ما المقصود بالدين؟ وما علاقة الدين بمناهج التربية والتعليم؟
الدين هو المنهج أو النظام الذي يحكم حركة الكون والإنسان والحياة، ويحكم العلاقات والارتباطات بين كلياتها وجزئياتها في تكامل واتساق.
والدين باعتباره منهجًا للحياة ذو شقين: الشق الأول هو العقيدة أو التصور الاعتقادي، والشق الثاني هو التصور الاجتماعي النابع من الشق الأول، فعقيدة الإنسان هي التي توجه سلوكه الاجتماعي ونشاطه في الحياة كلها. وبذلك فإن الدين الإسلامي بتصوره الشامل للألوهية والكون والإنسان والحياة هو الإطار المرجعي للإنسان المسلم وللحياة الإسلامية.
يجب أن نؤكد لأبنائنا في مناهج التربية أن تعبير “لا إله إلا الله” إنما يعني أن الله معبود وحده دون سواه، وأنه أنزل للخلق منهجا ونظاما، أي دينا يسيرون عليه في الحياة.
إن الدين ينظم حركة الإنسان مع حركة الكون. ومهمة المناهج التربوية أن تعد الإنسان القادر على التعامل الحسن مع الكون الرحيب الذي صممه الله وسخره لخدمة الإنسان. فإذا انحرفت حركة الإنسان عن استقامة فطرة الله فيه- اختلت حركة الكون من حوله، وحدث الجفاء بينه وبين النظام الكوني المصمم أصلا لخدمته.
إن الدين ينظم -أيضا- حركة الحياة الاجتماعية في كل المجالات التي يرتادها الإنسان في المجتمع. إن منهج تربية المسلم المعاصر لا بد أن يأخذ في اعتباره عند تخطيطه وتنفيذه، وتطويره- أن الإسلام هو الإطار المرجعي لهذه الأمة، وأنه وحده الكفيل بالحيلولة دون انسحاقها أو تبعيتها.
مفهوم العبادة ومناهج التربية
العبادة عاطفة فطرية مركوزة في النفس الإنسانية بحكم فطرتها. والإسلام يوسع مفهوم العبادة لتشمل كل الحياة؛ فكل عمل يتوجه به الإنسان إلى الله فهو عبادة، وكل عمل يتركه الإنسان تقربا لله واحتسابا فهو عبادة.
مكافأة العبودية:
إن المؤمن الذي يأخذ بالأسباب، بكل الدقة والمهارة المطلوبة للعمل، وهو في نفس الوقت يراقب الله في العمل، هذا المؤمن له متاع الحياة الدنيا خيرا، ونصرا، وقوة، وتمكينا في الأرض، وقيادة لها. وله في الآخرة جنات وعيون، ومقام عند الله كريم. لكن يستحيل أن تنجح رسالة كبرى يكون حملتها على هذا المستوى؛ شعوب مستهلكة لا منتجة، تأخذ أكثر مما تعطي. إن امتلاك الحياة الدنيا عن علم وقدرة وخبرة هو السبيل الأوحد لنصرة المبادئ والمذاهب. فالاستخلاف في الأرض، والتمكين، والأمن، والقيادة، والريادة والنصر.. كل هذا مرهون بالعبادة الحقيقية لله. وحيث إننا أعرضنا عن العبادة الحقيقية، فلماذا ننتظر الاستخلاف والريادة والقيادة والنصر؟! هذا هو المحور الذي يجب أن يدور حوله، ويركز عليه منهج تربية الإنسان المعاصر.
مفهوم التربية:
تتكون التربية من مجموعة من العناصر، أهمها:
1- المحافظة على فطرة الناشئ ورعايتها.
2- تنمية مواهبه واستعداداته كلها.
3- إيصال كل مربًّ إلى درجة كماله التي هيأه الله لها.
4- توجيه هذه الفطرة وهذه المواهب للعمل في الأرض والقيام بحق الخلافة فيها عن الله.
5- التدرج في عملية التربية.
ومن هذه العناصر يمكن استخلاص مجموعة من النتائج الأساسية في فهم عملية التربية، أهمها:
1- التربية عملية هادفة؛ فهي تهدف إلى تحقيق أغراض الإسلام ومقاصده في المتعلم، وفي المجتمع.
2- المربي الحق على الإطلاق هو الله الخالق.
3- عمل المربى تالٍ وتابع لخلق الله وإيجاده، كما أنه تابع لمنهج الله وشريعته.
4- التربية هي حيثية إيماننا بالله الواحد. فنحن آمنا بالله معبودا، لأننا آمنا به ربًّا (اَلْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).
5- التربية متدرجة حتى يصل كلٌّ إلى درجة كماله الخاصة به.
التربية علم، وفن، وصناعة:
التربية علم” إخبار” من حيث إنها إخبار عن الحقائق الكلية، والمعايير والقيم الإلهية الثابتة. وهي علم إخبار من حيث إنها معرفة بقوانين الله في الكون التي تم اكتشافها في الزمن الماضي. والتربية علم “إنشاء” من حيث إنها محاولة للكشف عن “الحقيقة” ومعرفة للقوانين والسنن الكونية. فالتربية هنا علم من علوم البحث، إذ العلم وسيلة من وسائل التربية.
والتربية “فن”: أي تحقيق أهداف تتصل بتحسين الحياة وترقيتها وتجميلها، والوصول بالمربَّى إلى درجة الإتقان أو الإحسان في الأداء.
والتربية “صناعة” تهدف إلى إقدار المتعلم على عمل معين، بحيث يتناوله بالتغيير والتعديل والتطوير والمعالجة، ليصير على شكل معين.
بين التربية والتعليم:
التعليم وسيلة للتربية، ومدلوله أضيق من مدلولها؛ لأنه مرتبط بموضوع معين. و”التعليم” قد يهدف إلى تحصيل المعرفة، أو إلى التدريب على مهارة، أو إلى حفظ نص أدبي أو قانون من القوانين. والتربية تتخذ كل ذلك وسيلة لتربية المشاعر وتنمية الإحساس بالذوق والجمال في الكون الذي صنعه الله. وتربية الضمير، والإرادة الحرة، والقيم الإيمانية والأخلاقية، وأنماط السلوك التابعة لها. فكل عمل تعليمي جيد لا بد له من هدف تربوي. أما التربية فتتناول النفس الإنسانية أو الشخصية الإنسانية كلها. فالتربية والتعليم ليسا متعارضين ولا منفصلين، بل هما متآزران ومتكاملان.
الأصالة والمعاصرة في التربية:
إذا كانت التربية ثابتة فيما يتصل بأهدافها العامة كبناء الإنسان العابد لله، القادر على القيام بحق الخلافة في الأرض وفق منهج الله، وإذا كانت ثابتة أيضا فيما يتصل بمحتواها الخاص بالحقائق والمعايير والقيم الإلهية الثابتة؛ فإنها متغيرة فيما يتصل بالخبرات والمعارف والمهارات الإنسانية المتطورة.
الفلسفة ومناهج التربية:
الفلسفة هي تصور للألوهية والكون والإنسان والحياة، وحقيقة العلاقات والارتباطات الوثيقة بين الحقائق الأربع السابقة. فالفلسفة تفسير شامل للوجود. والفلسفة الإسلامية تستمد تصوراتها من القرآن والسنة، أما الفلسفات المادية كالماركسية- مثلا- فهي تؤمن بأنه لا إله موجود والحياة مادة، وتؤمن بالكون المشهود، وتنكر الكون المغيب. وتنكر الحياة الآخرة. إن فلسفة المجتمع هي هويته الخاصة وشخصيته المتميزة، فإذا أغفلت مناهج التربية هذا الهدف، فإن المجتمع يصبح قابلا للاستلاب الثقافي والانحراف عن استقامة فطرة الله فيه.
مفهوم النظرية التربوية:
النظرية التربوية هي مجموع المبادئ المترابطة التي توجه العملية التربوية، وتحكم الممارسات التعليمية.
اعتماد النظرية على الفلسفة:
كل مناهج التربية الغربية تعتمد على نظريات ترشدها وتوجه سلوكها. وكل نظرية تعتمد على فلسفة أو أكثر تستمد مبادئها ومفاهيمها منها.
والتربية الإسلامية بمناهجها المتنوعة تعتمد على التصور الإسلامي لحقائق الألوهية والكون والإنسان والحياة، فهو يقوم منها مقام الفلسفة في المناهج الأخرى، ومقام النظرية. (وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ).
اللغة العربية ومناهج التربية:
اللغة نظام صوتي رمزي دلالي، تستخدمه الجماعة في التفكير والتعبير والاتصال، بل هي منهج ونظام للتفكير والتعبير والاتصال. إن اللغة لا تعبر فقط عن الأفكار، بل تشكل الأفكار، فاللغة تولِّد الفكر. فنحن عندما نعلم أبناءنا منذ الصغر بلغة غير العربية، فإننا بذلك ننقلهم رويدًا رويدًا وبالتدريج إلى منهج غير منهجنا وعقيدة غير عقيدتنا، وتصور للكون والإنسان والحياة غير تصورنا. إننا بذلك نجعلهم قابلين للاستلاب الثقافي والحضارة، بل إننا نهيئهم للخروج عن منهجنا ونظامنا الاجتماعي الذي جاءوا أصلًا لحمايته وتطويره. وهذا هو السر وراء إصرار بلاد الاستعمار القديم والحديث على فرض لغاتها في البلاد المستعمرة؛ لأن في ذلك فرضًا غير مباشر لنظمها ومناهجها الثقافية والحضارية والاجتماعية، وتيسيرا للهيمنة على هذه المستعمرات من بُعد.
الفصل الثاني: أسس مناهج التربية وطبيعة المعرفة
يتفق علماء المناهج في معظم بقاع الأرض على أن للمناج التربوية أسسًا ثلاثة يقوم عليها بناؤها، وهي:
– طبيعة المعرفة.
– طبيعة الإنسان.
– طبيعة المجتمع.
يقتصر هذا الفصل على عرض الأساس الأول، وهو طبيعة المعرفة، في التصورات الفلسفية المختلفة.
ما مصادر المعرفة؟
كيف يعرف الإنسان؟
ما مهمة المعرفة للحياة والمجتمع؟
الوحي هو المصدر الأول للمعرفة:
وهذا الأساس من أسس بناء المنهج لا بد أن ينعكس على المناهج التربوية على النحو الآتي:
1- الوحي هو المصدر الأول للعلم والمعرفة في التصور الإسلامي (القرآن والسنة).
2- إيضاح حقيقة الألوهية في التصور الإسلامي والفوارق بينها وبين حقيقة العبودية.
3- التوحيد هو جوهر العقيدة وهو قرين الحرية، والشرك قرين الاستبداد والظلم.
4- أرسل الله بالإسلام رسلًا لأقوام خاصة في طفولة البشرية، وأنه سبحانه ختم بالإسلام الرسالة العالمية الشاملة – حينما بلغت الإنسانية مرحلة النضج والرشد.
5- كتاب الله- كتاب الإسلام- واحد، أوتي اليهود نصيبًا منه، وأوتي النصارى نصيبًا منه، وجاء القرآن بالكتاب كله.
6- بيان مفهوم “الدين” في التصور الإسلامي، والتأكيد على أنه منهج شامل ونظام للحياة.
7- التأكيد على مفهوم “العبادة”، وبيان أنها تشمل النشاط الإنساني كله. طالما توجه به الإنسان إلى الله.
الكون هو المصدر الثاني للمعرفة:
وعلى مناهج التربية أن تأخذ في الاعتبار ما يلي:
1- الكون كتاب الله المفتوح، وأنه هو المصدر الثاني من مصادر العلم والمعرفة بعد الوحي.
2- الكون مخلوق حادث، وليس أزليا، وأنه أنشأه الله بعد أن لم يكن.
3- بيان أن الطبيعة مخلوقة لله، وأنه سبحانه نظمها، وخلق فيها قوانينها التي ينبغي أن يجدَّ الإنسان في اكتشافها، ويستغلها في عمارة الأرض وترقية الحياة.
4- الكون غيب وشهود، وأن الإيمان بالغيب هو أول صفات المتقين، وأن مكان عالم الغيب يعلمه عالم الغيب وحده.
5- الإنسان يتعامل مع مفردات عالم الغيب كما أمر الله. ويتعامل مع مفردات عالم الشهادة بالدراسة والبحث واكتشاف قوانين الله فيها وتسخيرها لإعمار الحياة.
6- التأكيد على أن “النظريات العلمية” وما تعارف الناس على أنه “حقائق علمية” كلاهما ليس قطعي الدلالة أو مطلق الدلالة، بل هي احتمالات راجحة في أحسن الأحوال.
7- النص القرآني قطعي الدلالة، ومطلق الدلالة. ولا يجوز أن يستشهد على صدقه بالقوانين والنظريات العلمية.
8- الكون مقدَّر ومسخَّر، ومخلوق بحكمة، ومخلوق لغاية، وأن كل شيء فيه محسوب بحساب دقيق ليؤدي وظيفته، ويحقق الغاية من خلقه.
العلم والمعرفة:
الفرق بين العلم والمعرفة- كوسائل للتربية – يرجع إلى أن المعرفة تستخدم للدلالة على ما تدرك آثاره، وإن لم تدرك ذاته. أما العلم فلا يكاد يطلق إلا على ما تدرك ذاته. ولهذا يقال: إن الإنسان يعرف ربه، ولا يقال: إنه يعلم ربه.
والعلم والمعرفة في منهج التربية لا بد أن يسيرا إلى تطبيق عملي. والتطبيق العملي هذا لا بد أن يكون في المربِّي الأسوة؛ بحيث لا يفهم المربَّى أن هناك علما تحشى به الرؤوس، وهناك سلوك آخر ينفصل عن مبدأ ذلك العلم. فإذا انفصل العلم عن أنماط السلوك المتصلة به، انهدرت قيمة العلم، وانهدمت قيمة المعرفة، وحينئذ يكون الفساد المطبق الذي يصعب، بل يستحيل علاجه.
وعلى مناهج التربية أن تراعي ما يلي:
1- المعرفة عن طريق الوحي أو عن طريق العقل والكون يتكاملان ولا يتعارضان.
2- المعرفة كالعلم وسيلة وليست غاية في ذاتها، وأن غاية العلم والمعرفة هي إعمار الأرض وترقيتها وفق منهج الله.
3- غاية العلم والمعرفة التطبيق في واقع الحياة.
4- التأكيد على أن العلم الذي لا ينفع، والمعرفة النظرية التي لا تقبل التطبيق يجب ألّا تتضمنها مناهج التربية؛ لأن في ذلك إضاعة للجهد والوقت والمال.
5- التعليم إنما يحدث إذا أحس الإنسان بحاجة أو بمشكلة؛ فاستعان بهدي الله وأخذ بالأسباب. ووصل إلى الفكرة، وحولها إلى تطبيق عملي.
6- التأكيد على مصممي مناهج التربية بضرورة تحديد مصادر المعرفة وأسس المنهج قبل البدء في عملهم. فالمؤمنون لهم مصادر معرفة أولها الوحي ثم الكون، أما غيرهم فيقصر مصدر المعرفة على الكون، وينعكس كل ذلك على أهداف المنهج، والمحتوى وطرائق التدريس والتقويم والتطوير.
الفصل الثالث: الطبيعة الإنسانية وطبيعة المتعلم
يتناول هذا الفصل: الإنسان والفطرة الإنسانية، ومكونات النفس الإنسانية، ودوافع السلوك، والحاجات الإنسانية، والنمو والتعلم، وواجبات المنهج نحو الطبيعة الإنسانية وطبيعة المتعلم.
واجبات المنهج نحو الطبيعة الإنسانية وطبيعة المتعلم:
يجب على مناهج التربية- في هذا السياق- التأكيد على الحقائق الآتية:
1- عرض النفس البشرية على أنها حقيقة كونية، وليست مذهبًا فلسفيًا أو تصورًا تختلف فيه المذاهب.
2- لا يمكن إدراك حقيقة الإنسان إدراكًا واضحًا إلا إذا أدركنا مصدره، ووظيفته الأساسية، ومركزه في الكون، وغاية وجوده الإنساني.
3- النظر إلى الإنسان على أنه مخلوق خاص، ذو كيان متميز، مستخلف في الأرض، ومجهز للنهوض بوظيفة الخلافة على عهد الله وشرطه.
4- التأكيد على أن الإنسان كائن كريم على الله، ذو مركز عظيم في تصميم الوجود، وهو أكرم من كل ما هو مادي مخلوق له.
5- الإنسان كائن يتعامل مع الكون كله: فهو يتعامل مع ربه، ومع الملأ الأعلى من الملائكة، ومع الجن والشياطين، ومع نفسه، ومع سائر الأحياء الكونية. وهو مجهز بوسائل التعامل مع كل هذا.
6- الإنسان مستعد- حسب تكوينه الذاتي- لأن يرتفع إلى أرقى من آفاق الملائكة المقربين، كما أنه مستعد لأن ينحط إلى أدنى من دركات الحيوان.
7- النظر إلى الإنسان على أنه مصمم على قاعدة الزوجية التي هي خاصية كونية وحيوية، وعلى قاعدة التكامل بين الزوجين لا التماثل، وهي أيضًا خاصية كونية وحيوية.
8- آصرة التجمع الرئيسية بين أفراد هذا الكائن هي “العقيدة”؛ ذلك أنها العنصر المتعلق بالعنصر الفريد في الإنسان، والذي صار به إنسانًا صاحب إرادة واختيار.
9- الأخوة الإنسانية في حس المسلم وشعوره فيما يتعلق بالمشاعر والمعاملة الشخصية، والعدل والقسط والبر ببني آدم جميعًا، بل الأحياء جميعًا.
10- التأكيد على العلاقة بين نشاط الإنسان في الدنيا ومصيره في الآخرة؛ فالثواب في الآخرة موقوف على إحسان القيام بواجبات الخلافة في الدنيا.
11- تنمية الحياة الدنيا وترقيتها عن طريق كشف النواميس والأرزاق والمدخرات في الأرض وتوزيعها بالعدل الذي قرره الله هي العبادة، وهي جواز المرور إلى رضوان الله والجنة.
12- كرم الله عز وجلَّ الإنسان بجعله مخيرًا في شطر من حياته، وجعله مسيرًا في شطر آخر. وأن الإنسان لا يحسن القيام بالخلافة في الأرض إلا حين يتناسق شطره الاختياري مع شطره الإجباري؛ فيخضعان معًا لمنهج الله الذي يحكم الكون والحياة.
13- الفطرة الإنسانية مؤمنة، والإيمان حاجة فطرية، كما أنه حاجة عقلية لا يملك الإنسان أن يستغني عنها؛ لأنها مركوزة في كينونته، وهو مفطور عليها.
14- أفراد الجنس الإنساني متساوون في عبوديتهم لله، والمؤمنون بالله منهم هم الذين يرضاهم الله بين عباده، وأقربهم إليه، وأعلاهم مكانًا أتقاهم.
15- الإنسان ذو فاعلية إيجابية في مصيره كله- في إطار المشيئة الإلهية- فاعلية في نفسه، وفيما حوله ومن حوله، وفاعلية في حاضره ومستقبله.
16- المؤمن يستطيع أن يرتقي في الحياة الدنيا حتى يصبح قدرًا من قدر الله، يحقق مشيئة الله- من خلال حركته الذاتية- في نفسه، وفيمن خوله، وفيما خوله.
17- الإنسان يكون في خير حالاته وأقومها حين يكون في سلام مع الله، ويكون في أسوأ حالاته حين ينحرف عن محوره الفطري ومداره الكوني، حيث يفسد، وتفسد حياته، وينشر الفساد في كل ما يحيط به.
18- بشرية الرسل تكريم للجنس الإنساني كله، وأنهم جميعًا جاءوا برسالة الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقدر خيره وشره.
19- سنة الله التي لا تتخلف هي التمكين في الأرض لأوليائه المستقيمين على منهجه، والتدمير على أعدائه المخالفين عن سنته، وتعتبر هذه السنة قاعدة أساسية من قواعد التفسير الإسلامي للتاريخ.
20- التأكيد على أنه إذا كانت المبادئ والأسس ثابتة، فإن الإسلام يسمح باختلاف النماذج والأنماط للطبائع الإنسانية في إطاره. كذلك يسمح باختلاف الوسائل وأنماط الحركة في خط سيره، وفي أشكال الأوضاع الاجتماعية للحياة في إطار المبادئ والثوابت.
21- لا توجد خطيئة موروثة؛ وإنما هناك تبعة فردية، ومعصية، وتوبة بابها مفتوح على الدوام.
22- الغرائز عامة يشترك فيها الناس جميعًا، وهي تعمل كدوافع فطرية لا تكتسب، ولا يمكن استئصالها أو القضاء عليها.
23- ضبط الدوافع عملية نفسية عقلية إرادية وليس مجرد عملية بيولوجية شعورية أو غير شعورية.
24- إشباع الحاجات النفسية، جسمية ووجدانية ليس غاية في ذاته، بل لإمداد الإنسان بالمتعة والقوة اللتين تحققان له التوازن وتعينانه على القيام بواجبات إعمار الأرض وترقية الحياة.
25- ضرورة إعداد المناهج والمواقف التعليمية المناسبة لمراحل النمو والنضج ولحاجات المتعلمين.
الفصل الرابع: طبيعة الحياة والمجتمع
يعرض هذا الفصل الأساس الثالث من أسس بناء مناهج التربية، وهو طبيعة الحياة والمجتمع؛ فيتناول مفهوم الحياة، وطبيعة المجتمع ومكوناته، والعلم والمعرفة ومكونات المجتمع، والعدل بين الأفراد والنظم والمؤسسات، والعمل أساس التملك، والحرية المسؤولة والمجتمع، والتغير الثقافي والحضاري، وواجبات المناهج التربوية.
على منهج التربية مراعاة ما يلي، نحو حقيقة المجتمع والحياة، والتأكيد على أن:
1- الحياة ليست إلهًا! وليست قوة مدبرة في ذاتها. إنما هي خليقة أنشأها الله بقدر، وتمضي كذلك وفق قدر. وهي مودعة خصائصها الذاتية التي تفرقها عن الموات.
2- الطبيعة ليست إلها، وليست هي التي خلقت الحياة، كما أنها لم تخلق نفسها، إنما هو الله الذي خلقها، وقدر فيها أقواتها.
3- الحياة ناشئة بإرادة الله من أصل واحد هو الماء. (وَجَعَلۡنَا مِنَ الۡمَآءِ كُلَّ شَىۡءٍ حَىٍّ اَفَلَا يُؤۡمِنُوۡنَ).
4- الحياة مقدرة أقواتها في بنية الأرض، وفي نظام الكون. وهي حقيقة تكذب كل ادعاء آخر.
5- كل ما يدب على وجه الأرض من أحياء أمم كأمة الإنسان، والله أودع هذه الأمم فطرتها وضوابطها، والإنسان هو قمة هذه المخلوقات، وأنها مسخرة له.
6- الحياة كما أنها تقوم على قاعدة النشأة من الماء، وعلى قاعدة الأمم المنظمة، فهي تقوم كذلك على قاعدة الزوجية، التي تشمل الأحياء والأشياء.
7- الأحياء مكفولون برزق الله تعالى.
8- الأحياء كلهم في خضوع لله (سواء كان طاعة أو خضوع وانقياد).
9- هناك عوالم أخرى من الأحياء غير مرئية، أخبرنا الله بوجودها، وهي الملائكة والجن. والإنسان يتعامل مع هذه المخلوقات ويتأثر بها.
10- التأكيد على بيان مقومات النظام السياسي في التصور الإسلامي، مع الاهتمام بصفة خاصة بالشورى، والعدل، وحرية الاختيار، وإصدار القرار.
11- التأكيد على مقومات النظام الاقتصادي في التصور الإسلامي. مع الاهتمام بصفة خاصة بإيضاح أن المال مال الله والناس مستخلفون فيه.
12- التأكيد على مقومات النظام الاجتماعي في التصور الإسلامي، مع إبراز أهمية العلاقات بين الفرد والمجتمع، والرجل والمرأة، وعلاقات العمل والإنتاج القائمة على التكامل والإحسان في العمل.
13- بيان مقومات النظام الثقافي والتربوي في التصور الإسلامي، ومقتضياتها في بناء النظم والمؤسسات الثقافية والتربوية في المجتمع.
14- التأكيد على الموجهات الإسلامية للفنون والآداب ومقتضياتها في الإنتاج والنشر للفنون والآداب والعلوم عموما.
15- التأكيد على القيم والمفاهيم الأساسية للإعلام والإعلان في التصور الإسلامي، ومتطلباتها في الإنتاج الإعلامي والإعلاني، في كل ما يذاع وينشر على الناس.
16- أهمية وحدة أبناء الأمة على أساس أنها ضرورة لنصرة دين الله وإعلاء كلمة الحق ونصرة المقهورين والمستضعفين حيثما وجدوا.
17- الجهاد الذي يبدأ بالنفس وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ضرورة من أهم ضرورات الحياة القويمة.
الفصل الخامس: أهداف المناهج
يتناول هذا الفصل عددًا من القضايا التي تتصل بأهداف المناهج، فيحدد معنى الهدف، وأنواع الأهداف، ومعايير جودتها. ثم يعرض بعد ذلك الأهداف التي ينبغي أن تعمل مناهج التربية بكل محتوياتها ومقرراتها وخبراتها على تحقيقها في المتعلمين على اختلاف أنواعهم ومستوياتهم، حتى تقدرهم على المساهمة الفعالة في تحقيق مقتضيات الخلافة في الأرض وفق منهج الله.
أهمية تحديد الأهداف: إن من أهم عوامل فشل المناهج التربوية في أي مكان هو عدم تحديد أهدافها تحديدا يتسق مع الإنسان، من حيث مصدر خلقه، ومركزه في الكون، ووظيفته في الحياة، وغاية وجوده.
الأهداف بين الثبات والتغير:
إن تعلم كل الحقائق والمعايير والقيم الإلهية الثابتة، يمثل أهدافا ثابتة لمنهج التربية، كما أن الدقة والمهارة في إجراء كل ما تقتضيه صور التطبيق الثقافي والحضاري في المجتمع يمثل أهدافًا متغيرة لهذا المنهج.
تعريف الأهداف وأنواعها:
الهدف التربوي، هو: وصف للسلوك المتوقع من المتعلم نتيجة لاحتكاكه بمواقف التعلم. وللأهداف التربوية تقسيمات من حيث الشكل، ومن حيث المضمون.
أما من حيث الشكل فهي تنقسم إلى أهداف عامة وأهداف خاصة. فالهدف العام: هو وصف للتغير السلوكي المتوقع من المتعلم نتيجة لاحتكاكه وتفاعله مع مضمونات وخبرات منهجية واسعة ومتنوعة. فمن أهم الأهداف العامة لمنهج التربية مثلا “إعداد الإنسان الصالح القادر على المساهمة بإيجابية وفاعلية في عمارة الأرض وترقيتها وفق منهج الله”.
أما الأهداف الخاصة فهي تلك التي تصاغ في بداية وحدة دراسية أو في بداية درس معين أو موضوع من الموضوعات، ويسمى (هدف إجرائي).
تقسيم الأهداف من حيث المضمون فتنقسم إلى ثلاثة أنواع، هي:
1- الأهداف المعرفية، 2- الأهداف الوجدانية، 3- الأهداف الحركية.
معايير الأهداف:
أولًا: الوضوح، ثانيًا: الشمول، ثالثًا: التكامل.
أهداف مناهج التربية:
إن الهدف الشامل لمنهج التربية في التصور الإسلامي، هو: “إيصال الإنسان المسلم إلى درجة كماله التي هيأه الله لها، حتى يكون قادرًا على القيام بحق الخلافة في الأرض عن طريق الإسهام بإيجابية وفاعلية في عمارتها وترقية الحياة وفق منهج الله تعالى”.
ولكي يكون الإنسان قادرًا على القيام بهذا الدور فلا بد أن تتحقق فيه – هو بذاته- مجموعة كبيرة من الأهداف، أهمها:
1- إدراك مفهوم “الدين” ومفهوم “العبادة” والعمل بمقتضاهما.
2- ترسيخ عقيدة الإيمان بالله والأخوة في الله.
3- تحقيق الإيمان والفهم لحقيقة الالوهية.
4- إدراك حقيقة الكون؛ غيبه وشهوده.
5- فهم حقيقة الحياة الدنيا والآخرة.
6- تحقيق وسطية الامة وشهادتها على الناس.
7- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
8- استعادة تميز الأمة.
9- العمل على تحقيق وحدة الأمة.
10- إعانة الطالب على تحقيق ذاته.
11- إعداد الإنسان للجهاد في سبيل الله.
12- إدراك أهمية العلم وقيمته في إعمار الحياة.
13- تعميق شعور الإيمان بالعدل كقيمة لا تعمر الحياة بدونها.
14- تأكيد شعور الطلاب بأن الحرية فطرة إنسانية.
15- تأكيد شعور الطلاب بأن الحرية فطرة إنسانية.
16- إدراك مفهوم الشورى وتطبيقاته.
17- أن يتأكد لدى الطلاب المفهوم الصحيح للعمل.
18- إدراك مفهوم التغير الاجتماعي.
19- إدراك مصادر المعرفة والعلاقات بينها.
20- إدراك الطلاب الفرق بين الإسلام والتراث الإسلامي.
21- إدراك مفهوم الثقافة والحضارة.
22- إدراك الفرق بين الغزو الثقافي والتفاعل الثقافي.
23- ترسيخ مفاهيم العدل والسلام في عقول الطلاب.
24- الاهتمام بالسيطرة على مهارات اللغة العربية.
25- إدراك أهمية التفكير العلمي وفهم مناهجه، والتدريب على أساليبه.
26- إدراك الطلاب لمفهوم الفن والأدب.
27- بناء الشخصية القوية الكادحة لا الشخصية المترفة.
28- فهم النظرية التاريخية.
29- فهم الطلاب لطبيعة المجتمع.
30- فهم أساسيات النظام السياسي.
31- فهم أساسيات النظام الاقتصادي.
32- إدراك الطلاب لأهمية نظام الأسرة.
33- إدراك الطلاب لمهمة الإعلام الحقيقية في المجتمع.
34- الاهتمام بالمدخل الحضاري في تعليم الكبار.
35- تنمية شعور الطلاب وإدراكهم للمسؤولية الاجتماعية.
الفصل السادس: محتوى مناهج التربية
يتناول هذا الفصل مفهوم المحتوى ومصادره، وطرائق اختيار المحتوى، وأنواع المحتوى، ومعايير جودة المحتوى.
انطلاقًا من فكرة التكامل يمكن القول إن محتوى منهج التربية الذي تتحقق من خلاله الأهداف التي سبق عرضها في الفصل الثالث، يشتمل على أربعة مجالات:
1- مجال علوم العقيدة والشريعة.
2- مجال العلوم الحربية والعسكرية.
3- مجال العلوم الكونية والعقلية.
4- مجال المهن والصناعات المختلفة والمتنوعة.
علوم الدين هي علوم للدنيا:
إن كل علم يُصمَّم ويدرَّس على أساس إن إسهامه في بناء الإنسان القادر على المشاركة بإيجابية وفاعلية في عمارة الأرض وترقيتها وفق منهج الله، هو علم ديني من وجهة نظر الإسلام، يستوي في ذلك علوم الشريعة والعلوم الحديثة، كالرياضيات، والطبيعة، والكيمياء، وعلوم التقنية الحديثة.. إلى آخره.
إن الفصل التعسفي بين علوم الشريعة، على أنها علوم للدين، وبين العلوم الحديثة على أنها علوم للدنيا، قد أحدث كثيرًا من المتاعب التي تعاني منها الأجيال الحديثة. وهذا الفصل لا يقره الإسلام على الإطلاق. والواجب أن يعيد علماء التربية تحقيق أهداف منهج التربية التي سبق الحديث عنها، والجهاد من أجل عمارة الأرض وتطبيق منهج الله.
محور المحتوى بين الذكور والإناث:
ومنهج التربية الذي سبق ذكره، يجب أن يعد الفتاة لمهمتها العظيمة المرتقبة، وهي تربية الناشئة، وإدارة البيت، وتدبير شئونه بطريقة حسنة، حتى إذا جاءت الخطبة، وجاء الزوج، كانت مهيأة لدورها الطبيعي العظيم في الحياة. ولا شك أن هناك علومًا مشتركة في منهج التربية بين البنين والبنات صغيرهم وكبيرهم على السواء.
الإعداد للمهن والحرف:
محتوى منهج التربية الإسلامي ترتبط فيه النظرية بالتطبيق، والقول بالعمل، ويجب أن يشتمل محتوى منهج التربية الإسلامية على مواد كسب المهارة، وتعلم الصناعات المختلفة، والإعداد للحياة العملية والعمل الجاد، الذي يعين الإنسان على عمارة الأرض بمقتضى منهج الله، كما يشتمل على مواد ترقية الوجدان، وإبراز دقة الله في الخلق كالآداب والفنون والموسيقى وزخرف الخط، وغير ذلك من الفنون.
معايير صلاحية المحتوى:
ومحتوى منهج التربية والتعليم ينبغي أن تحكمه مجموعة من المعايير التي يجب أن تتوافر فيه. وأهم هذه المعايير ما يلي:
أولًا: أن يكون متسقا مع التصور الإسلامي شكلا ومضمونا.
ثانيًا: أن يكون هذا المحتوى محققا للأهداف العامة التي سبق ذكرها، والأهداف الخاصة المنبثقة منها.
ثالثًا: أن تتكامل فيه علوم الوحي وعلوم الكون، فكلاهما من آيات الله.
رابعًا: أن يكون المحتوى مناسبا لنوعيات المتعلمين الصغار والكبار.
خامسًا: أن يكون المحتوى نظريا وتطبيقيا.
الفصل السابع: طرائق وأساليب التدريس
يتناول هذا الفصل: عملية التدريس ومراحلها، والطريقة وعلاقتها بأسس المنهج وعناصره، والوسائل التعليمية، وطرائق التدريس.
التدريس: نشاط هادف يرمي إلى إحداث تأثير في شخصية التلميذ وأنه وسيلة، أما الغاية فهي التعلم أو تعديل سلوك التلاميذ تعديلا يساعد على نموهم المتكامل.
ويستند هذا التصور على عدة مسلمات، أهمها:
1- أن الكون كله كتاب مفتوح لمنهج التربية ليُنهل منه.
2- التدريس عملية ذات أبعاد ثلاثة، تتألف من مدرس وتلميذ ومادة تعليمية أو خبرة تربوية، يحاول الأول أن يحدث من خلالها تأثيرا في الثاني.
3- التدريس سلوك اجتماعي لا ينشأ في فراغ.
4- التدريس سلوك يمكن ملاحظته وقياسه، ومن ثم يمكن ضبطه وتقويمه وتحسينه.
5- التدريس يشتمل على بعد إنساني يتمثل في التفاعل بين المدرس والتلاميذ.
6- التدريس عملية ديناميكية فيها حركة وتفاعل وتأثر وتأثير وثقة.
7- التدريس عملية اتصال، وسيلتها الرئيسية هي اللغة.
8- عملية التدريس ليست فقط ما يقوم به المدرس داخل الفصل، وإنما هي عملية تتضمن أنشطة كثيرة قبل وأثناء وبعد لقاء المدرس مع التلاميذ.
مراحل عملية التدريس:
يمكن تقسيم عملية التدريس إلى ثلاث مراحل رئيسية هي:
أ- مرحلة التخطيط أو ما قبل التفاعل.
ب- مرحلة التنفيذ أو التفاعل.
ت- مرحلة ما بعد التنفيذ أو مرحلة المتابعة.
الطريقة وعلاقتها بأسس المنهج:
إن طريقة التدريس ذات صلة وثيقة بأسس المنهج السابق ذكرها، كما أن صلتها وثيقة أيضا بعناصر المنهج التي سبق الحديث عنها، وما سوف يأتي منها.
إن تحديد أهداف المنهج بطريقة مناسبة، واختيار المحتوى المناسب لهذه الأهداف، واختيار أفضل الطرائق للتعلم، كل هذا يعتمد على دراسة أسس المنهج ومصادر اشتقاقه.
الطريقة كعنصر من عناصر المنهج:
إن تحديد طريقة التدريس المناسبة تعتمد على وضوح العلاقات الأساسية بينها وبين كافة عناصر المنهج الأخرى، وبدون وضوح لهذه العلاقات تصبح طريقة التدريس مجرد جهد يبذله المدرس دون جدوى، والطريقة كعنصر من عناصر المنهج لها أهمية متميزة. إن المحتوى والطريقة أو الطرق تأتي سويا مع التلاميذ والمدرس في الموقف التعليمي.
هل هناك طريقة مثلى؟
إننا حتى الآن لم نفهم بطريقة كاملة أي الطرق أفضل في تحقيق أهداف معينة. إن هذه النقطة ما زالت في حاجة إلى بحوث ودراسات. إن كل ما نفعله هو أننا نختار طريقة أو أكثر على افتراض أنها قد تكون هي الأفضل في الأداء من أجل تحقيق أهداف معينة. وفي مرحلة التقويم قد نفهم ما إذا كانت افتراضاتنا صحيحة أم خاطئة.
دور المدرس:
إن العلاقة بين المدرس والتلاميذ سوف تتنوع حسب أوضاع التلاميذ أنفسهم، وهل هم يعملون في جماعات أم أفرادا، أم هم يكونون فصلا دراسيا؟
الإعداد:
إذا كانت عملية التدريس ذات مراحل ثلاث: مرحلة الإعداد والتخطيط، ومرحلة التنفيذ والتفاعل، ثم مرحلة التقويم والمتابعة، فإن الإعداد للطرائق المختلفة يخلق صعوبات للمدرس. فطبيعة الإعداد تختلف طبقا لاختلاف الطريقة المستخدمة والوقت المستخدمة فيه.
حفظ السجلات:
إن تصميم سجل خاص بكل تلميذ يصبح أكثر صعوبة في المواقف التعليمية التي تتنوع فيها الطرائق المستخدمة؛ لأن التنوع يعني وجود قدر عظيم من المرونة والاهتمام بالفرد في الموقف التعليمي. ومع ذلك فإن الاهتمام بعمل سجل خاص بكل تلميذ أمر في غاية الأهمية.
التجميع:
1- إن استخدام طرق متنوعة للتدريس من أجل تحقيق الأهداف المختلفة، قد يستلزم تجميع أو تصنيف التلاميذ في مجموعات مختلفة.
2- والقاعدة هنا أن طريقة التدريس المتبعة هي التي سوف تستلزم نوعًا معينًا من التجميع. كما أن أسلوب التجميع قد يكون تحقيقًا للأهداف المرغوبة.
3- وقد يكون طبقًا للجنس، أو على أساس الصداقة، أو على أساس المهارات المتكاملة.
4- والتجميع عادة ما يتم على أساس أفقي؛ كأن يتم التجميع في فصل واحد، أو من تلاميذ سنة واحدة. ولكن قد يكون التجميع أيضًا على أساس رأسي لخدمة بعض الأهداف التربوية.
الوسائل التعليمية:
1- سوف تظل الكتب المدرسية والمراجع، والمواد المكتوبة عمومًا مصدرًا لا غنى عنه للدراسة الفردية، والتعليم الجماعي المقصود.
2- يمكن أن تقدم وسائل الاتصال العامة كالراديو والتلفزيون كثيرًا من المهام المتصلة بالعرض الموضوعي للمادة العلمية والخبرات التعليمية.
3- يقوم المدرس أو المدرسون أثناء حوارهم وعملهم الخلاق المشترك مع التلاميذ بدور هام في مراجعة معلومات تلاميذهم وتصحيحها.
أهم الطرائق والأساليب التي ينبغي أن تتبع في مواقف التعليم المختلفة:
– طريقة القدوة – طريقة المحاضرة – طريقة المناقشة- طريقة حل المشكلات – طريق الملاحظة والتجربة.
تفريد التعليم:
كل فرد يتعلم عن طريق تفسير الخبرات من وجهة نظره الخاصة، وفي ضوء خبراته الخاصة، فالتعليم عملية فردية لا يمكن فرضها على الجماعة، فكل شخص له نمط تعليمي خاص به.
التدريس بالفريق:
تقوم فكرة التدريس بالفريق على أساس مبدأ ضرورة التعاون بين أعضاء هيئة التدريس بالمدرسة. وتنفيذ هذا المبدأ ليس بالأمر السهل.
التدريس المصغر:
عبارة عن موقف تعليمي عادي، لكنه يتناول فكرة واحدة، أو جزئية أو مهارة يتم تعليمها والتدريب عليها حتى يحدث التعلم. فهو درس تقليدي، وكل ما هناك أن الوقت أقصر، وعدد التلاميذ أقل، والمعلومة أو المهارة أو المفهوم الذي يتم التدريب عليه بسيط.
ولك ما سبق، فنحن نعتقد- يقول المؤلف- إنه لا توجد طريقة مثلى تصلح في كل المواقف ولتحقيق كل الأهداف.
الفصل الثامن: طرائق وأساليب التقويم
أولى مراحل التطوير هي التقويم. وهو عملية تشخيص وعلاج لموقف التعلم أو أحد جوانبه أو للمنهج كله في ضوء الأهداف التربوية المنشودة.
أسس التقويم:
1- التقويم ليس وسيلة للحكم على فاعلية العملية التربوية فقط، بل هو أيضا خطة أساسية لعملية التغيير والتطوير التربوي.
2- التقويم عملية مرتبطة ارتباطا مباشرا بالأهداف التعليمية التي نسعى إلى تحقيقها.
3- التقويم هو عملية تعزيز لأداء الأفراد والجماعات؛ فهو ينمي لديهم الدافع لمزيد من العمل والإنتاج.
4- التقويم عملية شاملة. وشمول عملية التقويم تتجلى في عدة صور، من أهمها: أن التقويم ليس مرادفا للامتحانات ولا للاختبارات، وليس مجرد “تقييم”، وهو شامل لجميع أنواع السلوك، والتقويم يكون مصاحبا للعملية التعليمية، فيشمل مراحل: التخطيط، والتنفيذ، والمتابعة. والتقويم شامل لجميع العملية المنهجية، فهو يشمل تقويم (الأهداف، والمحتويات والخبرات التعليمية، وطرائق وأساليب التدريس، ونتائج التعلم، وطرائق وأساليب التقويم المتبعة نفسها).
5- أن تكون الأدوات المستخدمة في التقويم متنوعة.
6- أن تكون عملية التقويم صادقة، وثابتة، وموضوعية.
7- أن تكون عملية التقويم اقتصادية من حيث الجهد والوقت والتكلفة.
8- أن تراعي عملية التقويم خاصية الفروق الفردية بين التلاميذ، واختلاف مستويات الأداء بينهم.
9- يجب التأكيد على أن عملية التقويم هي عملية إنسانية، وليس عملية عقابية.
أنواع التقويم:
يفرق المتخصصون في علم المناهج بين ثلاثة أنواع للتقويم هي:
1- التقويم المبدئي (الأوَّلي).
2- التقويم البنائي (الذي يصاحب الأداء).
3- التقويم الختامي (النهائي).
مستويات التقويم:
عملية التقويم يجب أن تكون شاملة لجميع أنواع ومستويات التعلم أو السلوك الإنساني: المعرفية، والوجدانية، والحركية. وليس المعرفية فقط.
الاختبارات التحصيلية
الاختبار التحصيلي هو وسيلة لقياس نتائج التعلم، أو الحصول على عينة من سلوك التلاميذ، وهو أنواع من أهمها: اختبار المقال، والاختيار من متعدد، واختبارات الصواب والخطأ، والمزاوجة، والتكملة.
ولكي نحصل على نتائج التعلم أو نقيس السلوك المتوقع حدوثه من التلاميذ، لابد أن نتبع خطة منهجية في إعداد وبناء الاختبار. وتسير خطة بناء الاختبار في الخطوات التالية:
1- تحديد الأهداف التعليمية.
2- تحديد المحتوى التعليمي.
3- عمل جدول لتصنيف أنماط السلوك الذي نريد قياسه في العينة.
4- وضع مفردات الاختبار التي تقيس أنماط السلوك.
تفسير الدرجات:
يتم تفسير الدرجة التي حصل عليها المتعلم في الاختبار التحصيلي إما على أساس التقويم مرجعي المعيار، وإما على أساس التقويم مرجعي المحك.
الفصل التاسع: تطوير المناهج
يرتبط مفهوم التطوير بمفهوم المنهج ذاته والنظرة إليه، فالتطوير يشمل جميع عناصر المنهج من الأهداف إلى التقويم. فالتطوير عملية شاملة لأنها تتناول جميع الجوانب والعوامل التي تتصل بالمنهج وتؤثر فيه وتتأثر به. وتستلزم عملية التطوير أيضًا: دراسة الفلسفة التربوية التي تستند إليها الممارسة الحقيقية، ودراسة التلميذ، ودراسة طبيعة المادة الدراسية.
بين التحسين والتغيير والتطوير
تحسين المنهج: تغيير مظاهر معينة في المنهج ولكن دون تغيير المفاهيم الأساسية فيه أو في نظامه.
تغيير المنهج: إن تغيير المنهج يعني تغيير كل من الأهداف والوسائل، ويعني أيضا تغيير الأفراد المهتمين به، كالتلاميذ والآباء والمدرسين ولجان التخطيط والتطوير والقائمين على النظام بصفة عامة. فالتغيير السليم هو الذي يحدث في أفكار الناس ومعتقداتهم ونظمهم المعيارية والقيمية، ثم ينتقل إلى مؤسساتهم وأنظمتهم.
عوائق التغيير:
1- القصور الذاتي؛ وقد يكون هذا بين المدرسين أو الموجهين أو غيرهم من المهتمين بالعملية التربوية.
2- الشعور بالخوف وعدم الاطمئنان ورهبة المجهول.
3- القصور في القيادة.
4- تعذر الحصول على الأموال اللازمة للتغيير.
5- الوقت لدى المنفذين كالمدرس مثلا، قد يكون حجر عثرة في سبيل عملية التغيير.
متطلبات تغيير المنهج:
1- العمل المنظم المتتابع الخطوات الذي يأخذ في الاعتبار المنهج كله.
2- خلق الظروف وتحديد العلاقات بين العاملين.
3- التغيير الفعال للمنهج يتطلب قدرا كبيرا من التعليم والتدريب.
4- التغيير يتضمن قدرا كبيرا من العوامل الإنسانية كتغيير أفكار الناس وبخاصة المهتمون بالتعليم وشئونه.
5- التغيير عملية معقدة تتطلب الكثير من الخبرات والمهارات في كل خطوة من خطوات العمل.
6- تغيير المناهج يتطلب قيادة ماهرة.
تطوير المنهج:
المنهج عملية شاملة لجميع جوانبه. فتطوير المنهج عملية تهدف إلى الوصول به إلى الصورة التي تمكنه من تحقيق أهدافه على أفضل وجه في أقصر وقت وأقل جهد.
مصادر التطوير وأسسه:
1- الطبيعة الإنسانية: طبيعة المتعلم وحاجاته ومطالبه.
2- طبيعة المعرفة: مصادر المعرفة (الوحي والكون)، ومفهوم الدين والعبادة، ومفهوم المنهج والتعلم.
3- طبيعة المجتمع والحياة: عقيدة المجتمع وفلسفته، والروابط والصلات الاجتماعية، والنظم والمؤسسات، والبيئة الطبيعية.
أسس ومبادئ التطوير:
– إعادة النظر في تحديد الأهداف.
– إعادة النظر في اختيار المحتوى.
– تطوير طرائق وأساليب التدريس.
– تطوير طرائق وأساليب التقويم.
مراحل تطوير المنهج:
1- مرحلة وضع مسوغات التطوير.
2- مرحلة تحديد الأهداف.
3- مرحلة اختيار المحتوى ومنهجيات التعلم البديلة.
4- مرحلة الاختبار الميداني.
5- مرحلة المراجعة.
6- مرحلة التنفيذ.
من ثمرات الكتاب وفوائده
– إنّ منهج التربية في التصور الإسلامي دون مناهج الأرض كلها، هو الذي يستطيع تحقيق مفهوم “الإنسانية” في نفوس الناشئة: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}.
– تتكون التربية من مجموعة من العناصر، أهمها: المحافظة على فطرة الناشئ ورعايتها، وتنمية مواهبه واستعداداته كلها، وإيصال كل مربٍّ إلى درجة كماله التي هيأه الله لها، وتوجيه هذه الفطرة وهذه المواهب للعمل في الأرض والقيام بحق الخلافة فيها عن الله تعالى . وأخيرا التدرج في عملية التربية.
– إذا كانت التربية ثابتة فيما يتصل بأهدافها العامة كبناء الإنسان العابد لله، القادر على القيام بحق الخلافة في الأرض وفق منهج الله، وإذا كانت ثابتة أيضا فيما يتصل بمحتواها الخاص بالحقائق والمعايير والقيم الإلهية الثابتة؛ فإنها متغيرة فيما يتصل بالخبرات والمعارف والمهارات الإنسانية المتطورة.
– الفلسفة هي تصور للألوهية والكون والإنسان والحياة، وحقيقة العلاقات والارتباطات الوثيقة بين الحقائق الأربع السابقة. فالفلسفة تفسير شامل للوجود.
– الفلسفة الإسلامية تستمد تصوراتها من القرآن والسنة، أما الفلسفات المادية كالماركسية- مثلا- فهي تؤمن بأنه لا إله موجود والحياة مادة، وتؤمن بالكون المشهود، وتنكر الكون المغيب. وتنكر الحياة الآخرة.
– فلسفة المجتمع هي هويته الخاصة وشخصيته المتميزة، فإذا أغفلت مناهج التربية هذا الهدف، فإن المجتمع يصبح قابلا للاستلاب الثقافي والانحراف عن استقامة فطرة الله فيه.
– النظرية التربوية هي مجموع المبادئ المترابطة التي توجه العملية التربوية، وتحكم الممارسات التعليمية.
– التربية الإسلامية بمناهجها المتنوعة تعتمد على التصور الإسلامي لحقائق الألوهية والكون والإنسان والحياة، فهو يقوم منها مقام الفلسفة في المناهج الأخرى، ومقام النظرية، (وَاَنَّ هٰذَا صِرَاط۪ي مُسْتَق۪يماً فَاتَّبِعُوهُۚ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَب۪يلِه).
– يتفق علماء المناهج في معظم بقاع الأرض على أن للمناج التربوية أسسا ثلاثة يقوم عليها بناؤها، وهي: طبيعة المعرفة، وطبيعة الإنسان، وطبيعة المجتمع.
– في التربية الإسلامية: الوحي هو المصدر الأول للمعرفة، والكون هو المصدر الثاني للمعرفة.
– الفرق بين العلم والمعرفة- كوسائل للتربية – يرجع إلى أن المعرفة تستخدم للدلالة على ما تدرك آثاره، وإن لم تدرك ذاته. أما العلم فلا يكاد يطلق إلا على ما تدرك ذاته. ولهذا يقال: إن الإنسان يعرف ربه، ولا يقال: إنه يعلم ربه.
– الهدف التربوي: وصف للسلوك المتوقع من المتعلم نتيجة لاحتكاكه بمواقف التعلم. وللأهداف التربوية تقسيمات من حيث الشكل، ومن حيث المضمون.
– إن الهدف الشامل لمنهج التربية في التصور الإسلامي، هو: “إيصال الإنسان المسلم إلى درجة كماله التي هيأه الله لها، حتى يكون قادرا على القيام بحق الخلافة في الأرض عن طريق الإسهام بإيجابية وفاعلية في عمارتها وترقية الحياة وفق منهج الله تعالى”.
– يمكن القول إن محتوى منهج التربية الإسلامية يشتمل على أربعة مجالات: مجال علوم العقيدة والشريعة، و مجال العلوم الحربية والعسكرية، ومجال العلوم الكونية والعقلية، ومجال المهن والصناعات المختلفة والمتنوعة.
– إن كل علم يُصمَّم ويدرَّس على أساس إن إسهامه في بناء الإنسان القادر على المشاركة بإيجابية وفاعلية في عمارة الأرض وترقيتها وفق منهج الله، هو علم ديني من وجهة نظر الإسلام، يستوي في ذلك علوم الشريعة والعلوم الحديثة، كالرياضيات، والطبيعة، والكيمياء، وعلوم التقنية الحديثة.
– إن الفصل التعسفي بين علوم الشريعة، على أنها علوم للدين، وبين العلوم الحديثة على أنها علوم للدنيا، قد أحدث كثيرا من المتاعب التي تعاني منها الأجيال الحديثة.
– إن تحديد أهداف المنهج بطريقة مناسبة، واختيار المحتوى المناسب لهذه الأهداف، واختيار أفضل الطرائق للتعلم، كل هذا يعتمد على دراسة أسس المنهج ومصادر اشتقاقه.
– إن تحديد طريقة التدريس المناسبة تعتمد على وضوح العلاقات الأساسية بينها وبين كافة عناصر المنهج الأخرى.
– أولى مراحل التطوير هي التقويم. وهو عملية تشخيص وعلاج لموقف التعلم أو أحد جوانبه أو للمنهج كله في ضوء الأهداف التربوية المنشودة.
– عملية التقويم يجب أن تكون شاملة لجميع أنواع ومستويات التعلم أو السلوك الإنساني: المعرفية، والوجدانية، والحركية. وليس المعرفية فقط.
– التطوير عملية شاملة لأنها تتناول جميع الجوانب والعوامل التي تتصل بالمنهج وتؤثر فيه وتتأثر به.